الإرث الاستراتيجي للشهيد السنوار؛ ماذا جلبت "طوفان یحیی" لإسرائيل؟
التاريخ: 18-10-2025

بعد عام من استشهاده، لم يعد يحيى السنوار النهاية، بل بداية مسار جديد. بتخطيطه لعملية طوفان الأقصى، سجّل هزيمةً لا رجعة فيها للكيان الصهيوني.
وكالة مهر للأنباء، في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد يحيى السنوار، القائد الراحل للمكتب السياسي لحركة حماس ومهندس عملية طوفان الأقصى التاريخية، لا مفر من إعادة النظر في دوره المحوري في إعادة صياغة المعادلات الجيوسياسية للمنطقة. السنوار، الذي استشهد قبل عام خلال معركة مباشرة مع قوات الاحتلال الصهيوني في مدينة رفح، ليس رمزًا للاستقرار الشخصي فحسب، بل هو أيضًا تجسيد استراتيجي لتحول جذري على جبهة المقاومة.
قدم السنوار كمهندس الانهيار الهيكلي للكيان الصهيوني؛ انهيار تجاوز الحدود العسكرية وامتد إلى المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية. يتناول هذا التقرير إرث السنوار الفكري والعملي لمحور المقاومة؛ من تحقيق وعوده الاستراتيجية كإطلاق سراح الأسرى إلى إحياء القضية الفلسطينية في الضمير العالمي.
جذور استراتيجية؛ من الأسر إلى القيادة التحويلية
وُلد يحيى إبراهيم حسن السنوار في 29 أكتوبر 1962 في مخيم خان يونس للاجئين بقطاع غزة، ونشأ في ظل الحصار والتهجير منذ طفولته. مثّلت عائلته، التي هُجّرت من مدينة مجدل (عسقلان حاليًا) عقب نكبة عام 1948، جيلًا من الفلسطينيين المضطهدين والمُهجّرين. درس السنوار في الجامعة الإسلامية بغزة وحصل على شهادة في الدراسات العربية، وأدرك عمق الهوية الفلسطينية والأزمة السياسية قبل أقرانه.
ولم تكن اعتقالاته المتكررة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وخاصةً حكمه المؤبد عام 1989، نهاية المطاف، بل بداية فصل جديد في نضجه الاستراتيجي. في قلب السجون الإسرائيلية، التي وصفها بـ"ثقوب الموت السوداء"، أصبح السنوار، بتعلمه العبرية وتعمقه في دراسته، القائد الروحي والعملي للأسرى الفلسطينيين. وبينما كان يُعيد بناء شبكات حماس الأمنية في السجن، لعب دورًا حاسمًا في مفاوضات تبادل الأسرى، وخاصةً في قضية جلعاد شاليط (2011).
كان إطلاق سراحه في العام نفسه، في صفقة تبادل 1027 أسيرًا فلسطينيًا مقابل جندي إسرائيلي، نقطة تحول ارتقت بالسنوار من سجين سياسي إلى استراتيجي كامل الأهلية على جبهة المقاومة. وبفضل علاقاته الوثيقة بالجناح العسكري لحماس (كتائب عز الدين القسام)، ركز السنوار على تعزيز البنية التحتية الاستخباراتية والعملياتية. يمكن رؤية إرث السنوار المبكر في إعادة الهيكلة الهيكلية لحماس: من الوحدة الوطنية للأسرى (اتفاقية 2006 مع مروان البرغوثي وأحمد سعدات) إلى التكامل الفعال للجناحين السياسي والعسكري للحركة.
طوفان الأقصى: هندسة الفشل العسكري والاستخباراتي
لم تكن عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحفة السنوار، ردًا عفويًا، بل كانت نتيجة سنوات من التخطيط المدروس. وكان السنوار قد حذّر سابقًا: "حماس ستقلب العالم كله ضد إسرائيل". باستخدام أدوات بدائية كالقنابل اليدوية والطائرات المسيرة البسيطة والاختراق الأرضي، سخرت العملية من القبة الحديدية، التي كانت تُعتبر رمزًا للتفوق التكنولوجي الإسرائيلي.
اعترف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، أفيف كوخافي، بأن حماس فاجأت جيش الدفاع الإسرائيلي بـ"خداع هدوء الجبهة الجنوبية". ووصف بن كاسبيت، الصحفي الصهيوني البارز، العملية بأنها "الهزيمة الأشد والألم والأكثر إذلالًا في تاريخ إسرائيل".
من الناحية العسكرية، حطمت "طوفان الأقصى" أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر". بعد عامين من الحرب، تكبدت إسرائيل أكثر من 1152 قتيلاً عسكرياً و80 ألف جريح (من بينهم 26 ألفاً يعانون من اضطرابات نفسية حادة). أدى استمرار الحرب، دون تحقيق الأهداف المعلنة (تدمير حماس وإعادة الأسرى)، إلى انهيار الثقة في المؤسسات السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني. وقد فاقم نتنياهو، باعتماده على التعيينات اليمينية، الخلافات؛ كما تحدث إسحاق هرتسوغ عن خطر "حرب أهلية". هذا الفشل لا يمكن إصلاحه لأنه هيكلي: فقد فقدت التقنيات باهظة الثمن، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، فعاليتها في مواجهة التكتيكات غير المتكافئة وحرب العصابات. وأثبت السنوار أن حتى الأسلحة البسيطة يمكن أن تهز أركان قوة العدو.
الأبعاد الدبلوماسية والاقتصادية؛ انهيار الرواية العالمية
بفهم عميق لأهمية حرب الروايات، حوّل الشهيد السنوار طوفان الأقصى إلى منصة لكشف الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني. لقد تحققت نبوءته بعدم شرعية حرب إسرائيل: من اتهام المحكمة الجنائية الدولية بالإبادة الجماعية إلى الدعوة لمحاكمة قادة الكيان في المحافل الدولية. وأقرت صحيفة هآرتس قائلةً: "قبل الحرب، كانت القضية الفلسطينية غائبة عن الأجندة العالمية؛ أما الآن، فالفلسطينيون في صدارة الاهتمامات".
إن إنجازات السنوار الدبلوماسية ملموسة: ففي مايو/أيار 2024، أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح فلسطين العضوية الكاملة بأغلبية 143 صوتًا. وارتفع عدد الدول التي اعترفت بفلسطين من 138 إلى 159 دولة؛ بما في ذلك دول مثل النرويج وأيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وأستراليا والبرتغال.
هذه الموجة هي نتيجة حركات شعبية حول العالم: 45 ألف مظاهرة في 800 مدينة أوروبية، و90 ألف متظاهر في سيدني، واحتجاجات واسعة النطاق في آسيا وأمريكا اللاتينية. في الولايات المتحدة، أظهر استطلاع رأي أجراه مركز بيو في مارس 2025 أن 60% من الناس لديهم نظرة سلبية تجاه إسرائيل، وخاصة بين جيل الشباب الذين ينشأون على كراهية الصهيونية.
وفي المجال الثقافي، وقّع 1300 صانع أفلام حول العالم، بما في ذلك هوليوود، بيانًا يقاطعون فيه المؤسسات الإسرائيلية، ردًا على محاولة الكيان توظيف مؤثرين بميزانية قدرها 7000 دولار لتغيير الرواية الإسرائيلية.
كما عانى الاقتصاد الإسرائيلي من ركود حاد نتيجة لهذه التطورات؛ حيث بلغ الإنفاق العسكري الإسرائيلي في عام 2024، 47 مليار دولار، بزيادة قدرها 65% عن الفترات السابقة. وتجاوز الدين العام الإسرائيلي 70% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025، وتشير التوقعات إلى عجز في الميزانية يصل إلى 16% بحلول عام 2030. ويُعدّ انسحاب أكثر من 1700 مستثمر من الأسواق المحلية وتراجع النشاط الاقتصادي نتيجة مباشرة للضغوط الناجمة عن عملية طوفان الأقصى. ويكتب الصحافي الصهيوني بن ديرفر يميني في هذا الصدد: "لقد انتصرت غزة من خلال الجامعات ووسائل الإعلام والنقابات؛ وتمكنت حماس من قيادة إسرائيل إلى الانهيار الاقتصادي والدبلوماسي".
إرث السنوار؛ رمزٌ للوحدة وصمود المقاومة
يتجاوز إرث يحيى السنوار كونه شخصيةً فردية، ليتجلى في خطاب المقاومة العالمية. لقد حوّل المقاومة الفلسطينية إلى خطاب إسلامي شامل وعالمي. تشبيه غزة بكربلاء وعاشوراء في تصريحاته دليلٌ على العمق الروحي والاستراتيجي لرسالته. استشهاد السنوار البطولي، الذي قاوم في معركةٍ خاطفةٍ مع عشرات الصهاينة لساعات، رغم إصاباته البالغة، أبطل الأكاذيب المنتشرة حول "الاختباء في الأنفاق" أو "استخدام الدروع البشرية". يؤكد البيان الرسمي لحماس في ذكرى استشهاده على هذه النقطة: "لن تنطفئ لهيب طوفان الأقصى، دماء القادة تُمهد الطريق للأجيال". أصبح السنوار، مثل الحاج قاسم سليماني والسيد حسن نصر الله، "شخصيةً عالمية"؛ بطلاً جسد الحرية، وصانعَ الهزيمة المعنوية للكيان الصهيوني.
الوفاء بالوعود؛ من إطلاق سراح الأسرى إلى ثورة عالمية
بعد عام من استشهاده، تحوّلت وعود السنوار إلى واقع. "سيُطلق سراح الأسرى"؛ انعكس هذا التصريح في عملية التبادل التاريخية "طوفان الاحرار"، التي أُطلق خلالها سراح 1968 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم من يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد، مقابل 20 أسيرًا على قيد الحياة وجثامين أسرى صهاينة. وصفت القناة السابعة الإسرائيلية هذه العملية بـ"الوفاء بوعد السنوار". وأعلنت حماس: "فشل العدو ووافق على وقف إطلاق النار". كما تحقق وعد السنوار الآخر بـ"قلب العالم ضد إسرائيل"؛ من مظاهرات طلابية حاشدة في الولايات المتحدة ودعم عالمي إلى تغيير في المواقف. في بريطانيا، ازدادت نسبة الآراء السلبية تجاه الكيان الصهيوني بنسبة 61% منذ عام 2013. بكشفه عن "قناع الضحية" للكيان الصهيوني، حوّله السنوار إلى رمز للإبادة الجماعية العالمية؛ كما كانت فيتنام بالنسبة للولايات المتحدة أو الجزائر بالنسبة لفرنسا.
ملخص الكلام
بعد عام من استشهاده، لم يكن يحيى السنوار نهاية المطاف، بل بداية طريق جديد. بتخطيطه لعملية طوفان الأقصى، حقق هزيمةً لا رجعة فيها للكيان الصهيوني؛ هزيمة عسكرية بانهيار الجيش، وهزيمة دبلوماسية بعزلة عالمية، وهزيمة اقتصادية بركود هيكلي. إن إرث السنوار في وحدة المقاومة، وإلهام الأجيال، وتحقيق وعود عظيمة كإطلاق سراح الأسرى وإحياء فلسطين، يضمن بقاء المثل الأعلى؛ وكما جاء في بيان حماس: "الراية لن تهبط أبدًا". من أعماق السجون وأنقاض الحصار، علّم السنوار العالم أن قوة الإرادة قادرة على هزيمة التكنولوجيا.
احدث الاخبار

الإمام الخامنئي يعزي بوفاة العميد علي رضا أفشار

السيد الحوثي: القاعدة مع العدو هي وإن عدتم عدنا

دم يمني يمتزج بالدم الفلسطيني… استشهاد الغماري يلهب ميادين المقاومة

الإرث الاستراتيجي للشهيد السنوار؛ ماذا جلبت "طوفان یحیی" لإسرائيل؟

الأمين العام لحزب الله: لن نستسلم أبدا أمام "إسرائيل الغاصبة وأميركا الطاغية"

في ذكرى استشهاد السنوار .. حماس: جذوة طوفان الأقصى لن تخبو

الشهيد على طريق القدس الحاجّ محمّد عفيف النابلسي

قائد الجيش الايراني: حرب الـ 12 يوما علمتنا درسا يعادل 12 عاما

صورة الشهادة

الشيخ نعيم قاسم: المقاومة خيار تربوي أخلاقي ثقافي جهادي سياسي
الاكثر قراءة

أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي

ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي

أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)

أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)

مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)

مبادئ الإمام الخميني العرفانية

أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور

شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب

تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية