يقول الدكتور حداد عادل[1]: «إن إحدى الخصائص التي تميّز القائد في مطالعة الكتب، هي مطالعته الفعّالة، بمعنى أنّ القائد عند مطالعته لكتاب ما، يدوّن بعض الأفكار في حاشيته».

 في إصدار خاصّ بمناسبة أسبوع الكتاب والمطالعة، نشر مكتب حفظ ونشر آثار آية الله العظمى السيّد الخامنئي نص كلام الدكتور غلام علي حداد عادل حول مكتبة الإمام القائد الشخصيّة، ونقدّم في ما يلي (ترجمة) هذا النصّ للقرّاء الأعزّاء:

 بداية أودّ القول أنّنا لم يسبق أن جلسنا مع سماحة الإمام الخامنئي وتحدّثنا بشكل مستقلّ حول مكتبته ومجال مطالعاته؛ لأن هذا الموضوع يرتبط بنحوٍ ما بحياة القائد الشخصيّة. غالباً ما تكون القضايا المهمّة والأساسيّة في البلد، والمرتبطة منها بالثقافة والسياسة والمتابعة كثيرة عندما نلتقي به، بحيث لا يبدو مناسباً بعدها أخذ وقته للتحدّث حول مكتبته بشكل خاص. وعليه، فما أقوله مستند إلى استنتاجات جمعتها في ذهني خلال سنوات طوال، أي 30 سنة من الأنس والمعرفة به.

 

المجال الواسع:

 النقطة الأولى هي أنّ المجالات التي يهتمّ القائد بالمطالعة فيها ليست جدّ رسميّة ومتطابقة مع المطالعات المعهودة بين رجال الدين، فرجال الدين يهتمّون بالمطالعة في مجال خاصّ حسب ما يقتضيه جوّ الحوزة ممّا يشتغلون به من الدراسة والبحث.

 وهكذا تجد كلّ صنف آخر أيضاً؛ المهندسون، الأطباء، و.... في النهاية يهتم كل شخص بالمطالعة في مجال محدّد وخاص. طبعاً، من الممكن أن يكون في هذه الفئات مجموعة لا تهتم بالمطالعة، ولكن إذا أردوا المطالعة، تراهم يختارون مجالاً خاصّاً بهم. فالقائد إذن، فضلاً عن مطالعته المرسومة والدراسيّة ومطالعاته البحثيّة في سياق دراسته التقليديّة في مجال الفقه والأصول والمعارف الإسلاميّة، كان منه أن وضع نصب عينيه مجالاً واسعاً للمطالعة، وذلك منذ بداية حياته؛ ومجال المطالعة الواسع هذا هو الجزء الأساسي من مكتبته الشخصيّة.

 يشتمل مجال المطالعة هذا على الأدب أوّلاً، فهذا قسم من مطالعاته. خاصّة الشعر، حيث يوليه أهميّة كبيرة، والقائد أستاذ في فهم لطائف وظرائف الشعر؛ وله إلمام بفنّ نقد الشعر، فقد كان منذ الشباب يشارك في مجالس قراءة الشعر ونقده. تلك الجلسات التي كان يديرها أدباء وشعراء من الطراز الأوّل في خراسان، وكبار السنّ المعروفين باهتمامهم بالأدب؛ فقد كان الإمام الخامنئي مرتبطاً بهذه المحافل الأدبيّة، وبالتالي من الطبيعي أن تعثر في مكتبته على الكثير من دواوين الشعر، القديم منها والحديث.

 القائد يتابع آخر أخبار عالم الشعر الفارسي، وهو يعرف أكثريّة الشباب الذين تظهر فيهم القريحة والنبوغ الشعري. فما يلبث أن يطّلع على أعمالهم. وهو يفتح لكلّ شاعر حساباً، ويحتفظ في ذهنه بما يتّصف به هذا الشاعر من حسنات ومعايب، ثم يصنّفه ضمن رتبة في الأدب الإيراني.

 المجال الثاني الذي يطالع فيه القائد هو أدب القصص، الإيرانيّة منها والأجنبيّة؛ سواءٌ الطويلة أم القصيرة. لعلّه من غير المسبوق ومما قد لا تجد له نظيراً أن ترى مجتهداً ومرجعاً قد قرأ الأعمال الروائيّة الكبيرة من قبيل (الدون الهادئ)[2]  لشولوخوف، ترجمة (به آزين)[3]، أو قرأ أعمال رومن رولان من قبيل (الروح المفتونة)[4]، وأن يكون لديه تقييم دقيق لها. ولا زال حتى الآن يقرأ الروايات الأجنبيّة. ومن ما يمتاز به القائد هو أنّه يدوّن بعض الملاحظات بشكل مختصر في نهاية الكتاب. وقد رأيت الكثير من الروايات التي كتب رأيه في نهايتها. ويبدو أنّ (بيت الفن)[5] قد طبع عدداً من هذه الآراء مرّةً. في هذه الملاحظات نرى تحليل القائد(دام ظله) لهذه الروايات، وما هي الظروف التي كتبت فيها، وما هدف الكاتب من كتابتها، وما هي الطريقة التي عبّر بها لبلوغ مقصوده... فيكتب القائد هذه الأمور، ثمّ يعطي حكمه، هل أنّ العمل كان جيّداً أم لا، هل كان الكاتب ناجحاً أم لا؟

 أما المجال الآخر الذي يطالع فيه فهو أعمال المفكّرين المعاصرين؛ على الرغم من وجود طيف واسع من الفكر؛ من أولئك الذين لديهم رأي سلبي حول الدين والمذهب والثورة إلى المقرّبين والمؤيّدين لها. وفي الواقع تعتبر معرفته الجيّدة بالتيّار الفكري المعاصر في إيران، وقبل الثورة خاصّةً، إحدى مميّزات القائد. وقد قرأ أعمال رموز هذه الحقبة. ولعلّ أقربها للجو الديني ما كتبه (جلال) آل أحمد [6]. لقد كان القائد على معرفة شخصيّة بـآل أحمد، وبأعماله وأفكاره، ومدركاً تماماً لمنـزلته في معترك الفكر وأسلوبه في النثر الفارسي. وكذلك الأمر بالنسبة للآخرين... فالسيّد القائد مطّلع على جيل المفكّرين المعاصرين الذين يشكّلون إجمالاً كتّاب ومفكّري عصر المشروطة. وكمثال على ذلك، يهتمّ القائد بكتاب (قصة المفكّرين الأوائل)[7] بشكل خاص.

 المجال الآخر الذي يطالع فيه القائد هو التاريخ؛ وتاريخ إيران بشكل خاص. ولديه اهتمام بالغ بمطالعة تاريخ وسير الشخصيّات والشعوب، وهو يستفيد منها استفادات خاصة وجيّدة. ولدى القائد الخامنئي معرفة ملفتة للنظر في الرجال والشخصيّات، والأشخاص المؤثّرين في التحوّلات المعاصرة، في زمن الملوك القاجاريّين وما بعدهم إلى يومنا هذا. أحياناً عندما أزوره، ونمرّ على ذكر شخصيّةٍ ما، نرى أنّه يعرفها جيّداً، وينسب معلوماته إلى كتاب كذا وكذا، من أنّ الكتاب الفلاني بحث الموضوع بهذه الطريقة، ونسب إلى فلان الأمور الكذائيّة.

 ومن بين مجالات مطالعة قائد الثورة أيضاً، التاريخ الشفهي، خاصّة الآثار المنبثقة عن الثورة الإسلاميّة؛ سواء تلك التي تتحدّث عن الثورة أم عن الدفاع المقدّس أم... غيرها، ومن بين الأعمال التي حازت اهتمامه في هذا المجال، يمكن الإشارة إلى (خاطرات أحمد أحمد)[8] و(خاطرات عزت شاهي) وكتاب (همپاي صاعقه)[9]، وكتاب (دسته يك)[10].

 فضلاً عن مطالعة آخر الكتب في العلوم السياسيّة، يعتني القائد إعتناءاً خاصّاً بالكتب العلميّة والإسلاميّة، من مطالعات في السيرة والفلسفة، كما أنّه يقرأ المجلّات المختلفة، العلميّة والثقافيّة والبحثيّة في مختلف المجالات بجدّيّة واهتمام.

 

التسلية الفكريّة:

 من خصائص القائد في المطالعة، المداومة. بغضّ النظر عن المطالعة التي يقوم بها  حول موضوعات البلد الرئيسيّة بحكم العمل، اعتاد القائد المطالعة في الليل قبل النوم؛ مطالعة خفيفة غير مطالعته المكثّفة لتحضير درس بحث الخارج في الفقه، أو التحضير لإلقاء خطاب، مطالعة في آخر الليل هي في الواقع عبارة عن ترويح وتسلية فكرية. طبعاً، مطالعة القائد تعتبر بالنسبة لنا مطالعة مكثّفة، وهذا ما لديّ ذكرى جميلة حوله.

 طبع كتاب تحت عنوان (مهدوي نامه)[11]، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات قُدّم إلى أستاذنا الدكتور يحيى مهدوي. وبسبب مودّتي للدكتور مهدوي، أهديت نسخة من هذا الكتاب للقائد. وكان لي في هذا الكتاب مقالتان. إحداهما موضوعها التعريف بشخصيّة مهدوي، والأخرى علميّة حول فلسفة لايبنتز[12]. أمّا باقي المقالات فغالبيتها في مجال الفلسفة الغربيّة. وكنت قد اقترحت فيما مضى تأليف هكذا كتاب، وتابع الأساتذة وبعض الأصدقاء الموضوع، وبعد عدّة سنوات خرج هذا الكتاب من الطبع في ما يقرب من 500 صفحة. على كلّ حال، أعطيت القائد نسخة منه.

 ثم لم تمض فترة طويلة حتى التقيت بسماحته؛ ولعلّ ذلك كان بعد شهر تقريباً. فقال لي: «لقد قرأت الكتاب الذي أعطيتني». فبقيت متحيّراً كيف أنّ هذا الكتاب الذي أُلّف باقتراح منّي، وفي مقالة من تأليفي، لم يسمح لي وقتي بقراءة أكثر من خمسه، أمّا القائد، فلا أعرف كيف قرأ هذا الكتاب مع كلّ ما لديه من التزامات، سيّما أنّ الكتاب ليس في إطار عمله؛ وهذا يدلّ على تمرّسه في المطالعة واهتمامه بالمجالات الفكريّة والثقافيّة المختلفة.

 وهذا، كما قلت، غير ما ذكرت من مطالعته التي يقوم بها باعتبار مسؤوليّته في النظام ومركزه كقائد ومرجع. فسماحته يطالع التقارير السياسيّة، وتقارير مقتطفات المجلّات المهمّة في العالم التي توضع بين يديه، أو الكتب المهمة التي تدوّن في مجال القضايا السياسيّة العامّة العالميّة والثورة، والكتب التي تتّسم بجنبة إستراتيجية؛ فهذه مجالات أخرى يطالع فيها سماحته وحسابها على حدة.

 وعليه، فما يقرأه القائد متنوّع، وبالطبع كثير؛ وهو في نفس الوقت ينظّم هذه الأمور ضمن منظومة مدروسة، فلا يجلس ليطالع أيّ كتاب يحصل عليه، ليقرأ في سبيل الله كي يملأ وقت فراغه!

 من الأمور التي يمتاز بها القائد أيضاً بالنسبة للمطالعة، مطالعته الفعّالة. إذ أنّه يدوّن بعض الأفكار في حواشي الكتاب أثناء قراءته، وكان المرحوم الشهيد مطهري يتّبع نفس هذا الأسلوب، وحواشيه على ديوان حافظ هي إحدى نماذج هذا النوع من المطالعة.

 وهكذا بعد أن يقرأ القائد كتاباً، يقوم مكتبه باستطلاع هذا الكتاب، ويدوّن ويضبط ما كتبه سماحته عليه. في إحدى المرات ذهبت للقائه، فقلت: «لقد قرأت مؤخراً كتابا اسمه» رسائل من لندن «لتقي زادة، إشراف ايرج أفشار، وقد طبع منذ 15 سنة. إن هذا كتاب يستحقّ القراءة واقعاً». ثم كنت قد حملت إليه كتابي، فأعطيته إياه وقلت فلتقرؤوه. فقال سماحته لي: «إذا أخذت كتابك لن أستطيع ردّه إليك، لأني سأكتب في حاشيته، وسيحتفظ المكتب به». فقلت: «إقرأه، ولا مشكلة» وأعطيته الكتاب. وبعد مدة، لم يرجع الكتاب إليّ، لكنّه تلطّف وأرسل إليّ صور عن الصفحات التي كنت  قد دوّنت عليها بعض الأمور. وأعتقد أنّ بعض حواشيه كانت إلى جانب حواشيَّ، وهي الآن في مكتبتي أحتفظ بها.

 

النسخة الثانية:

 كثيرٌ من الأشخاص الذين يؤلّفون كتاباً، يرسلون نسخةً إلى سماحته. وأحياناً يكون هذا الكتاب، بحسب المعهود رسميّا، مصحوباً برسالةٍ إلى مكتب القائد يطلب فيها تسليمه إليه. كما يرسل أحياناً بعض الناشرين منشوراتهم إليه، سواءً في ذلك الناشرون الذين يطبعون تلك الكتب على نفقة الدولة ويعتبرون جزءاً من الجهاز الثقافي العامل في البلد تحت إشراف القائد، فيرسلون هذه الكتب إلى سماحته كجزءٍ من جدول أعمالهم، أو الكتب التي يرسلها الناشرون لمحبّتهم للقائد، ولأنهم يريدون أن  يطّلع القائد على طبيعة عملهم. ولا شكّ أنّ القائد على اطّلاع بما يعاني منه قطاع النشر من نواقص وعيوب، ولكنّه لا يتعامل مع هذا الموضوع بشكل مباشر.

 هناك بعض الناشرين ممّن يرسلون إليّ نسختين، عندما يريدون أن يرسلوا إليّ كتاباً. وأنا أعلم أن الهدف من النسخة الثانية إيصالها إلى سماحته. يقول لي أحياناً، من أين علمت أنهم أرسلوها لي؟ فأقول: «لدي حدس قويّ يقرب من اليقين أنّهم يعرفون أنّي أزورك وهم أرسلوه من أجلكم».

 في إحدى المرات قال لي: «ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الكتب هي ملك لك. فاعتبر إذن أنّ هذه الكتب هي لك، ثم أعطني إياها هديةج. فقلت «حسناً، إذا كنتم تحتاطون إلى هذا الحدّ». بعدها، عندما رأيت ذلك الناشر سألته: «لماذا أرسلتم نسختين من الكتاب الفلاني؟» فقال: «إحداها لتعطوها لسماحة القائد»، فقلت: «وهذا ما قلته له، ولكنّه مع ذلك بقي يشكّ». فقال الناشر: «لا؛ متى ما أرسلت لكم نسختين، فهذا يعني أنّ الثانية لتوصلوها إلى سماحته».

 من ضمن هؤلاء الناشرين، دار نشر (سخن)[13] والسيّد علي أصغر علمي، الذين يصدرون الأعمال الأدبية والتاريخيّة والفكريّة. كما أنّ هناك الكثيرين الذين عندما يأتون لزيارتي، يطلبون منّي أن أعطي نسخةً من آخر أعمالهم للقائد. وأنا بدوري عندما أرتئي أنّ كتاباً ما يمكن أن يثير اهتمامه أو أن يكون له رأي فيه، أو يمكن أن يسعده نشره لسببٍ من الأسباب، أقوم بتسليمه إياه.

 أمّا بالنسبة لكتبي، فعادةً آخذ رأيه قبل أن أطبعها. طبعاً، أنا لست بالكاتب المحترف، بحيث أنجز الكتب باستمرار، ولكنّي عرضت عليه خلال هذه السنوات، كلّ عملٍ أتممته. وكان يبدي رأيه إن كان هناك ما يقال. طبعاً، لم تكن هذه الآراء مكتوبة؛ بل كنت أجلس إليه، وأستمع إلى ما يقوله. وقد عرضت عليه ترجمةً للقرآن في فترة من الفترات. فذهبت إليه، وكان سماحته يحمل في يده بعض الملاحظات التي كان قد دوّنها حول جزءٍ من ترجمة القرآن هذه، وكان يقول في المورد تلو المورد، رأيي هنا كذا وكذا بينما أنا أقرّر ما يقوله. كنت قد بعثت إليه رسالة، أن أرجو من سماحتكم أن تخصّصوا وقتاً ما، وتسمعونا رأيكم. وقد سمعت ودوّنت رأي سماحته بشكل متفرّق في ترجمة 20 جزءٍ من القرآن الكريم حتى الآن.

 على كلّ حال يمتلك القائد مكتبة كبيرة، تضمّ حوالي الثلاثين ألف مجلّد. الملفت أن أشخاصاً مثل المرحوم آية الله المرعشي النجفي كانت نيّتهم منذ البداية تأسيس مكتبة، أما مكتبة القائد فقد تكوّنت بشكل طبيعي. يوجد قسم من هذه المكتبة في بيت سماحته. ويساعد أبناء القائد في إدارة هذه المكتبة بشكل جيّد.

 يوجد في هذه المكتبة قسمٌ لحفظ جميع نسخ القرآن التي تصل إلى يد القائد من الداخل والخارج، فيضعونها هناك. وهكذا، فهناك مجموعة من المصاحف المتنوّعة، التي لعلّها تملأ خزانتين للكتب. والقائد يقرأ في هذه المصاحف واحداً بعد الآخر، وذلك مراعاةً لبعض الروايات التي تقول أن القرآن إذا وضع في البيت دون أن يقرأ فيه، فسيشكو إلى الله الإهمالَ يوم القيامة[14]، هذا ويعتبر التدبّر في القرآن في الأصل مطالعته الأهمّ.

 

القلب الذي يسع الجميع:

 أحياناً يقوم بعض الأشخاص ممن يعملون في مجال علم النفس علم السلوك بالتعرّف على شخصيّة الفرد إلى حدٍّ ما، ويحاولون عكس صورة عنها، وذلك من خلال بعض التصرّفات والعلائم السلوكيّة. وأنا إذا أردت أن أعكس صورة عن شخصيّة سماحة القائد من خلال مكتبته ومجال مطالعاته، فلا بد لي أن أقول:

 إنّه رجل عالم وأديب، وشخصيّة قديرة في العالمين النظري والعملي، قد واءم بين العلم والعمل. الصورة التي في ذهني عن سماحته هي أنّه إنسان متحضّر مثقّف، ومتعهّد؛ فهو صاحب معتقدات يلتزم بها، ومجاهد في سبيل ما يؤمن به. لا يقف على الحياد في عالم صراع القيم مع الرذائل، واتجاهه واضح وشفّاف تماماً. قلّ ما تجد مثيله في سعة الأفق، إذ أنّ سماحته صاحب رأي ونقد فيما يتعلق بالشخصيّات والتيّارات المختلفة. أمّا الشيء الملحوظ عند سماحة السيد القائد الخامنئي هو قوة الإيمان والغيرة، وأما الشيء الذي يفتقده القائد، فهو التعصّب وضيق الأفق. وهذان أمران خطيران للغاية، إذ أنّهما ينمّان عن الجهل.

 ويعلم القائد الكثير حول إيران والعالم، ولديه اطّلاع على الشخصيّات وأفكارها، وسعة اطلاعه هذه، هي التي ترفده بنوع من الإنصاف والاعتدال قلّ نظيرهما. لدى القائد معرفة إجمالية بالأهميّة التي يحوزها كل مفكّر وتيّار، والمخزون الفكري والعلمي لدى الشخصيّات المختلفة. لذا ترى أن لكل واحدة من الشخصيّات والتيّارات نوع ارتباط وعلاقة به. تراه أحيانا يسرد لك بدقّة سيرة جدّ إحدى الشخصيّات المعروفة والحيّ الآن، وكيف أنّه بارع في الفنّ الفلاني. وعندما يتحدث مع نفس الشخصيّة يذكر له أنّي سمعت عن جدّك المحترم كذا أو رأيته، وأنّه كان في النجف كذا، أو في مشهد... وهذا ما يخلق له منـزلة في قلب كل شخص... بدءاً بالمفكّر والشاعر الحديث، أو الشاعر التقليدي إلى العالم الباحث بالخلايا الجذعيّة و... غيرهم، ليس من أحدٍ منهم غريب عنده. لكلٍّ منهم في شخصيّة القائد ما يعجبه.

 طبع في إحدى المرّات كتابٌ لـ (مجتبى مينوي)[15]  تحت عنوان (مينوي و گسترۀ أدب فارسى)، وهو عبارة عن مقالاتٍ له جمعتها أخته ماه منير مينوي. كنت قد قرأت هذا الكتاب منذ عدّة سنوات، وجلبت منه نسخةً للقائد. وبما أنّي لا أعرف رأيه بمينوي وهل يعرفه أو لا، قلت له على مهل: «سيّدنا لا بأس بأن تلقوا نظرة على هذا الكتاب»؛ ولكن تبيّن لي أنّه يعرف مينوي معرفةّ تامّة، وله رأي إيجابيّ بعلمه وشخصيّته، وكان قد التقى به أيضاً. على أيّ حال، أخذ الكتاب مسروراً، وتحدّث قليلاً حول مينوي. مينوي من وفيّات عام: 1356ش[16]. أستبعد أن يكون الآن في الحوزة ما يتجاوز عدد الأصابع ممّن يعرفون مينوي ولديهم فكرة واضحة عنه، ممّن هم من جيل القائد.

 وهكذا، فالقائد يتمتّع بذهن غنيّ ومنظار واسع للأمور ببركة مطالعته الدائمة الواسعة، وحضوره في المحافل الأدبيّة، والحماسة والحيوية التي رافقت كل نشاطاته وتحرّكاته الإجتماعية والسياسية؛ وهذا شيءٌ ثمين جدّاً لمن يريد قيادة بلد كبير، ذو تاريخٍ عريق، وله سابقة قديمة كإيران، ومع شعبٍ كهذا، صاحب قابليّات، حماسيّ، صاحب ذوق، غنيّ بالقوميّات المتعدّدة.

 في قصيدة أنشدتها له، قلت:

 لو أنّ شخصاً سألني عن علامة منك لقلت بيته في بستان القلب عامر، يسع الجميع[17].

 إذا أردنا أن نختار من بين الشخصيّات الثقافيّة والسياسيّة البارزة في تاريخ إيران، شخصيّة تشبه القائد، وهذا بالطبع ما يتطلّب إحاطة نسبية بتاريخ وثقافة إيران، ومعرفة صحيحة بالشخصيّات، فلعلّه يمكننا اختيار الخواجة رشيد الدين فضل الله الهمداني، وهذا بالطبع من بعض الجهات فقط لا جميعها؛ فهو لم يكن رئيساً للجمهوريّة، بل كان وزيراً، ولكن حين نقرأ في سيرته نرى أنّه في نفس الوقت الذي كانت أمور البلد المهمّة موكلة إليه، كان وحيد عصره في الفضل والعلم. الخواجة نصير الدين الطوسي كذلك، هو من هذا النوع من الشخصيّات، حيث يعتبر في تاريخنا من بين رجالات السياسة الذين كانوا من أهل الثقافة، المشرفين على علوم عصرهم. طبعاً، يجب أن لا ننسى أنّ كلّ تشبيه يقرّب من جهة ويبعّد من الأخرى.

 هذا بالنسبة لحياته الشخصيّة. أمّا من الناحية الرسميّة فهو يوصي المسؤولين دائماً بتقديم المكان والإمكانات المناسبة للمكتبات، كما يوصي المؤسّسات الثقافيّة باستمرار، أن يعملوا أكثر وبشكل أفضل، فيؤلفوا الكتب ويقدّموها للنّاس، وذلك بما يتناسب مع طبيعة مهمّتهم. كما أنّ القائد يوصي الشعب بشراء الكتب أكثر، وقراءتها؛ الكتب الجيّدة والمفيدة طبعاً.

 عندما أزوره مثلاً وأقول له: «أريد أن أبشّركم، هناك ناشر لديه برنامج عمل لتاريخ إيران، يريد أن ينشر مئتي كتاب، وقد صدر عنه حتى الآن عشرون مجلّداً منها. ها هي..» فهذا يبعث السرور العارم فيه، فسماحة القائد السيّد الخامنئي يريد إيران الإسلاميّة، التي يكون شعبها من العلماء ومن محبّي العلم، من القرّاء ومن أهل الفكر والثقافة. هذه هي أمنيته لهذا البلد ولهذا الشعب.

ترجمة: دار الولاية للثقافة والإعلام

 المترجم: علي قازان

 ـــــــــــــ

 [1] الدكتور غلام علي حداد عادل ولد في طهران عاصمة جمهورية إيران الإسلامية عام 1324هـ.ش الموافق 1945م، أكمل تعليمه الأساسي حتى الثانوية العامة في مدرسة (علوي) في طهران عام 1963م وكان من الطلبة المجتهدين، حصل على شهادة بكالوريوس في علم الفيزياء, عام 1967م، عين بعد مدة قصيرة معيدا ً (مساعد دكتور) في كلية العلوم في جامعة شيراز ، وهناك التحق بالدراسات العليا وواصل دراساته ومسيرته العلمية والعملية، وحصل على شهادة الماجستير في علم الطبيعة عام 1969م. وبعد أن حصل على الشهادة من قسم الفيزياء غير تخصصه وانظم إلى العلوم الإنسانية، حيث حصل على الليسانس في العلوم الاجتماعية من كلية الآداب جامعة طهران عام 1972م. وحاز على شهادة دكتوراه في علم الفلسفة في رسالة عنوانها (آراء كانت حول ما وراء الطبيعة) وذلك في عام 1975م. ويعتبر من تلامذة العلامة الشهيد مرتضى مطهري رضوان الله عليه, وقد شغل الدكتور حداد عادل وظيفة المسئول الأول عن اللغة الفارسية التي اعتبرتها قيادة الثورة والنظام الإسلامي من أهم مقتنياتها ووسائلها لتبليغ رسالتها الإسلامية ونشرها. ظهر في عالم السياسية أثناء نجاحه في الوصول إلى عضوية مجلس الشورى الإسلامي عن دائرة طهران العاصمة. وقد انتخب رئيساً لمجلس الشورى الإسلامي الإيراني.

 [2] اسمها بالروسية والإنكليزيّة: Tikhiy Don (ТихийДон, literally "The Quiet Don")  و هي مطبوعة تحت عنوان:  And Quiet Flows the Don.

 [3] محمود اعتمادزاة (1914 ـ 2006)، ناشط سياسي وكاتب و مترجم إيرانيّ مشهور.

 [4] اسمها بالفرنسية والإنكليزية: L'Âme enchantée(The Enchanted Soul).

 [5] حوزه هنري.

 [6] جلال آل أحمد،  (2 ديسمبر 1923 - 9 سبتمبر 1969) كاتب ايرانى بارز برع في كتابة القصص، وناشط اجتماعى وسياسى.

 [7] ماجراي روشنفکران اوليه.

 [8] خاطرات = مذكرات ...

 [9] تلفظ هكذا: hampaye saa’eghe. و تعني رديف أو مع الصاعقة أو Along with the thunderbold. كتاب يتحدّث عن مجريات مرحلة من معارك الحرب المفروضة (إيران ـ العراق) ـ عمليات "فتح المبين" و "بيت المقدس".

 [10] اسم الكتاب: dasteye yek، "المجموعة الأولى" كتاب مذكّرات يتحدّث حول معارك جادة الفاو ـ أم القصر، من معارك الحرب المفروضة.

 [11] الرسالة المهدويّة، نسبة إلى إسم الأستاذ الذي قدّم الكتاب له.

 [12] غوتفريد فيلهيلم من لايبنتز (أيضاً لايبنتز) (لايبتزغ يوليو 1 (يونيو 21 أو. إس.)، 1646 - نوفمبر 14، 1716 في هانوفر) ألماني فيلسوف، عالم طبيعة، عالم رياضيات، دبلوماسي، مكتبي، ومحامي.

 [13] تلفظ: Sokhan و تعني بالفارسية، الكلام، ويظهر الإنصراف منها إلى الكلام الأدبي خاصّة.

 [14] وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ثلاثة يشكون إلى الله عزوجل: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف مغلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه». وسائل الشيعة ج4 ص855 ب20 ح2 والكافي ج2 ص613 ح3.

 [15] مجتبى مينوي (1904 ـ 1977)، أديب ومؤرّخ وكاتب إيرانيّ مشهور.

 [16] أثبتت موسوعة ويكيبيديا الفارسيّة أنّه توفّي في العام السابق على التاريخ المذكور، أي 1355 هجري شمسي.

 [17] گر کسى از من نشانى از تو جويد گويمش       خانه اى در کوچه باغ دل، پذيراى همه