مفهوم الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

(دورة التعرّف على المنظومة الفكرية لسماحة الإمام الخامنئي)

الدرس ( 3): أهداف الثورة الإسلامية وقيمها

الأستاذ: سماحة السيد كميل باقر

 

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّی الله علی سیّدنا محمّد وعلی آله الطیّبین الطاهرین.

الإخوة والأخوات، السّلام علیكم ورحمة الله.

نواصل معكم مباحثنا حول مفهوم الثورة الإسلامیة من منظار قائد الثورة الإسلامیة، ضمن دورة التعرّف علی المنظومة الفكریة لساحة الإمام الخامنئي دام ظلّه، والتي یقیمها معهد الثورة الإسلامیة. 

في الجلسة السابقة أشرنا إلی أهمّ المبادئ الفكریة والأسس العقائدیة للثورة، وفي جلستنا هذه سنتعرّض إلی «أهداف الثورة وقیمها الرئیسیة». معرفة أهداف الثورة وقیمها مهمة جداً لفهم هویّة الثورة من جهة، ومن جهة أخری سوف تساعدنا في تقییم حركة الثورة وإنجازاتها بناءً علی مدی تحقیق هذه الأهداف.

بشكل أساسي وإلی درجة كبیرة، یمكننا أن نعرف أهداف الثورة من خلال الشعارات والهتافات التي كان یُطلقها الشعب في مسیراته ومظاهراته منذ انطلاق النهضة الإسلامیة، وكان یردّدها دائماً في التجمّعات والجامعات والمساجد والمدارس والأسواق وفي كلّ مكان كان بإمكان الشعب أن یعبّر فيه عن آراءه، والتي كان الإمام الخميني وقیادات الثورة یؤكدون عليها نفسها في محاضراتهم ومكتوباتهم.

في الحقیقة تلك الشعارات لم تكن هتافات فارغة أو كلمات عابرة، وإنّا كانت مطالب الشعب الأساسیة، وجمیع أبناء الشعب كانوا متّفقین علیها، وكانت تعبّر عن أهدافهم وآمالهم وتطلّعاتهم من ثورتهم. لذلك یقول ساحة القائد: «كان هدف الشعب هو كسب الاستقلال والحرية في ظل الإسلام. شعار «استقلال، حرية، جمهورية إسلامية » الذي شاع زمن الثورة كان تعبيراً عن مكنون قلوب الناس. كان الناس يريدون ذلك. »

بالعودة إلی تلك الحِقبة الزمنیة نجد أنّ أهمّ أهداف الشعب من ثورته كانت عبارة عن الحریة، والاستقلال، والعدالة، والتقدّم والرفاه، وحاكمیة الأخلاق والمعنویة، وسیادة الشعب وتمكنه من تحدید مصیر البلاد، والتمتّع بحیاة طیّبة وعیش كریم یكون نموذجاً لبقیة الشعوب وخصوصاً الشعوب المسلمة. هذه النقاط وهذه المفاهیم كانت من المفاهیم السائدة والرائجة جداً في أوساط الشعب في حدیثهم حول المقصد والهدف من الثورة. لذلك سنلقي نظرة سریعة إلی كلٍّ من هذه المفاهیم الأساسیة وسنتعرّف علیها من خلال كلمات ساحة الإمام الخامنئي.

لكن قبل ذلك لا بدّ من الإشارة إلی أنّ هذه الأهداف السامیة والقیم العالية تندرج كلُّها تحت كلمة «الإسلامیة » في عبارة «الثورة الإسلامیة ». وهذا لیس إلا بناءً علی تلك المعرفة العمیقة بالإسلام والقراءة الصحیحة له التي ذكرناها في الجلسة الماضية. لأنّ الإسلام أصلاً عبارة عن مثل هذه القیم، وعندما نقول هذه الثورة ثورة إسلامیة معناه أنّه توجد فیها هذه المفاهیم الرفیعة. ولأنّ الشعب شعبٌ مسلمٌ ومؤمنٌ وملتزمٌ بهذا الدين فهو یطالب بتحقیق هذه القیم والمفاهیم ویهدف إلیها في ثورته. یقول ساحة الإمام الخامنئي: «الإسلام هو أساساً هذه الأمور. ومن تصوّر عن الإسلام غر ذلك فإنّه لم يعرف الإسلام. كلّ تلك الأمور التي ذكرناها سواء أمور المجتمع الدنيوية -كالعدالة، والأمن، والرفاه، والروة، والحرية، والاستقلال- أو أمور الآخرة -كالفلاح، والتقوى، والتسامي الأخلاقي، والتكامل المعنوي للإنسان- تندرج كلها في كلمة «الإسلامية .»»

 

أمّا الهدف الأول، الحرّیة. الحرّیة من القیم الإنسانیة والإسلامیة الأساسیة، والإسلام هو رافع رایة الحرّیة، وهي من أهمّ الأهداف في الثورة. الحرّية بمعنى حقّ اتخاذ القرار والعمل والتفكر والتعبير والقيام بالأنشطة الاجتماعية لكلّ أفراد المجتمع، وهي مبنیّة علی أساس التوحید وتكریم الإنسان. 

الحرّية عطية من الله سبحانه وتعالی للإنسان ولیس تفضّلٌ تجود بها الحكومات علی الشعوب، وإنّا من واجب الحكومات تأمینها للشعوب. لم تكن الحرّية موجودة في البلد قبل الثورة بالمعنی الحقيقي، وكان النظام الطاغوتي يمارس أنواع الضغوط ويفرض أنواع القيود علی الشعب ولم يكن يسمح للشعب أن يتنفّس. يقول ساحة الإمام الخامنئي: «نحن نؤمن بحرّية التعبير وحرّية النشاطات الاجتماعية، بل إنّ هذه المفاهيم والحقائق جاءت بها الثورة، إذ لم يكن لها أيّ وجود في هذا البلد سابقاً، ولم يكن هناك أيّ ذكر وأيّ اسم لها. إنّ الثورة جاءت بهذه الأمور في البلاد. »

طبعاً الشعب المؤمن الثوري یطالب بهذه الحرّیات ضمن نطاق الشرع والأخلاق والقيم الإلهية، ويرفض بحزم وصراحة حرّية الفساد والانحلال الأخلاقي والمُجون، وحرّية الكَذِب والتزييف والخداع، وحرّية الظلم والاستعباد والتعدّي على حقوق الشعوب، والتي يرتكبها الغرب ويحمل رايتها.

 

أمّا الهدف الثاني من أهداف الثورة هو الاستقلال. بتعبیر القائد في بیان الخطوة الثانية، الاستقلال أیضاً في حقیقته حرّیة، لكن حرّیة علی صعید الشعب والدولة. الاستقلال یعني أن یكون الشعب والمسؤولون أحراراً في اتخاذ قراراتهم، وأن لا یرضخوا لإرادة الأجانب ولا یخضعوا لهيمنتهم في جمیع الأبعاد السیاسیة والاقتصادية والثقافية.

الاستقلال السياسي يعني أن يأخذ المسؤولون قراراتهم بشأن البلاد بناءً علی المصلحة التي يرونها ودون أن یشعروا بأيّ ضغط وتأثیر من جانب القوی الخارجية المُهیمِنة، وأن يكون الخيار بيد الشعب في دعمه لقرارات المسؤولين والسماح لهم باستمرار عملهم أو إبداء مخالفته لهم أو حتى استبدالهم بغيرهم. والاستقلال الاقتصادي والذي هو أصعب من الاستقلال السياسي هو يعني أن يعتمد البلد علی نفسه في توفر حاجاته الرئيسية، وأن يكون قوةً في المعادلات الاقتصادية العالمية والتعاملات التجارية ، بحيث لا يمكن وضعه جانباً بسهولة أو إسقاطه بسهولة. وإذا لم يتحقّق الاستقلال الاقتصادي لن يتحقّق الاستقلال السياسي. لأنّ الأعداء سیفرضون إرادتهم السياسية علی البلد من باب الاقتصاد والحاجات الاقتصادية.

وطبعاً أهمّ أنواع الاستقلال هو الاستقلال الثقافي. لأنّ التبعيّة الفكریة والثقافية تؤدّي إلی أن تصبح البلاد تابعة في الاقتصاد والسیاسة وتفتح المجال أمام العدوّ للهیمنة علی جمیع مصادر القرار. والاستقلال الثقافي مرتبط بمفهوم «نمط الحیاة » وإن شاء الله في الجلسات القادمة سوف نرح لكم هذا المفهوم وأهمّیته في الثورة الإسلامية.

 

أمّا الهدف الثالث في الثورة الإسلامية هو السیادة الشعبية الدینية أو بعبارة أخری، الجمهوریة الإسلامیة. الشعب منذ الشرارات الأولی في النهضة الإسلامية كان یتطلّع إلی إسقاط نظام الحكم الدكتاتوري واستبداله بنظام شعبي إسلامي. صفة «الشعبيّة » أو «الجمهوريّة » معناها أن يكون للشعب دور فعّال وحقيقي في تشكيل النظام الحاكم وفي تعيين وتنصيب مسؤوليه، وليس دور شكلي وظاهري كما هو الحال في بعض الديموقراطيات، فضلاً عن الدكتاتوريات التي لا رأي فيها للشعوب أصلاً. الجمهورية أو سيادة الشعب معناها حاكمية أفراد هم من الشعب ومع الشعب ومنتخبون من قبل الشعب. أمّا صفة «الدينيّة » أو «الإسلاميّة » تعني أنّ هوية النظام الحاكم هويّة إسلامية ونابعة من الإسلام، وأن يكون مسار النظام وبوصلته ووِجهته ومضمونه ومحتواه إسلامياً.

 

وأمّا الهدف الرابع للثورة الإسلامية هو العدالة ورفع الظلم ومكافحة الفساد. العدالة تعني أن يحصل كلّ شخص علی حقّه في المجتمع، و أن يكون جميع أفراد المجتمع على حدٍّ سواء أمام القانون، وأن يكونوا مُتساوين في حقهم في الانتفاع من مزايا الحياة والاستفادة من الثروات العامة. وهذا كان الهدف الأساسي في ثورة الأنبياء. بتعبير الإمام الخامنئي في بيان الخطوة الثانية: «تقع العدالة في صدر قائمة الأهداف الأولى لبعثة الأنبياء، ولها في الثورة الإسلامية أيضاً المنزلة والمكانة ذاتها. إنّها كلمة مقدّسة في كلّ الأزمنة والبلدان ولن تتحقّق بشكلها الكامل إلا في دولة الإمام صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه، لكنّها ممكنة بنسبة ما، في كلّ مكان وزمان، وهي فريضة على عاتق الجميع خاصّة الحكام. »

 

أمّا الهدف الخامس من أهداف الثورة الإسلامية هو التقدّم العلمي والاقتصادي والرفاه المادّي. إذ إنّ البلد كان يعاني من التخلّف قبل الثورة، وكان الرفاه منحراً بأقلّية تحكم البلاد. طبعاً بناءً علی رؤية الإمام الخامنئي يجب أن یكون التقدّم مصحوباً بالعدالة وأصلاً التقدّم من دون العدالة لیس تقدّماً حقیقیاً. ولذلك نری أنّ ساحته مرّ علی أن لا یستخدم مصطلح «التنمیة » بالمعنی الغربي، لأنّ العدالة لیست شرطاً من شروط التنمیة في الفكر الغربي. يقول ساحة القائد: «إنّني لا أؤمن بالتقدم من دون العدالة. التقدم من دون العدالة ستكون نتيجته ما تشاهدونه في الحضارة الغربية. 

إنهم يمتلكون الحد الأقصى من الثروة والقدرة والعلم والتقنية، ولكن في الوقت نفسه تلاحظون أنّهم يفتقرون للعدالة. ثمّة أناس يموتون من الجوع، ومن ناحية أخرى توجد ثروات هائلة متراكمة أسطورية لدی الآخرين. هذا معناه غياب العدالة في الغرب، وهذا شيء لا نريده، والإسلام لا يريده لنا. » 

 

والهدف السادس من أهداف الثورة الإسلامیة حاكمية الأخلاق والمعنویة في المجتمع. تزكية النفس وطهارة الإنسان والتهذیب الأخلاقي هو الهدف الأسمى للثورة، لأنّ فلاح الإنسان ووصوله للمقصد الأعلى متوقّف علی هذه التزكية. يقول الله سبحانه وتعالی: «قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّٰ». 

جاءت الثورة لي تتيح للشباب وللناس فرصةً لبناء الذات وإصلاح النفس، وهذه الفرصة لم تكن متوفّرة في ظلّ حاكمية الطاغوت، والظروف آنذاك لم تكن مساعدة لكي يشتغل الإنسان علی بُعده الروحي والمعنوي والأخلاقي. يقول ساحة الإمام الخامنئي في بیان الخطوة الثانية: «المعنويّة والأخلاق هي الموجّهة لكلّ الحركات والنشاطات الفرديّة والاجتماعيّة وهي حاجة أساسيّة للمجتمع، ووجودها يجعل من أجواء الحياة جنّةً حتّى مع وجود النواقص المادّية، وعدم وجودها يجعل الحياة جحيماً حتّى مع التمتّع بالإمكانيّات المادّية. » 

 

والهدف السابع والأخر من أهداف الثورة الإسلامية الأساسية هو إعادة إنتاج الحياة الطيّبة الإسلامية وجعلها نموذجاً وقدوةً يمكن للشعوب الأخرى الاقتداء بها. الحياة الطيّبة تعني تحقيق جميع الأهداف التي مرّ ذكرها سابقاً. إنّها تعني أن يتمتّع الشعب مادّياً وفي حياته اليوميّة بالرفاهيّة والأمن والعلم والعدالة والحرّية والعزّة والاستقلال والازدهار الاقتصادي، وفي الجانب المعنوي أن يعيش الشعب مؤمناً متّقياً صالحاً ومتخلّقاً بالفضائل المعنويّة وبعيداً عن الرذائل. 

طبعاً إذا تحقّق هذا الهدف سوف يصبح هذا المجتمع النموذجي مثالاً وأسوة للآخرين. ولذلك يقول ساحة الإمام الخامنئي: «لو أردنا النظر بأفق أوسع، لقلنا إنّ إعادة إنتاج الحياة الطيّبة في بلادنا بوسعها أن توفّر نموذجاً صالحاً للعالم الإسلامي. فقد جئنا في الواقع لنُلفت العالم الإسلامي إلى هذه الحقيقة. لم يكن الهدف سوى هذا. إذاً، إنّ القضية لا تختصّ بإيران. أرادت الثورة أن تثبت للجميع أينا كانوا من العالم الإسلامي أنّ هذا النموذج ممكن التحقيق. كان هذا هدف الثورة. وكان هذا الهدف مطروحاً منذ البداية، وأقول لكم إنّه لا يزال قائماً اليوم أيضاً، وسيبقى في المستقبل. إنّه هدف ثابت. » إلی هنا أشرنا إلی أهمّ أهداف الثورة الإسلامية وقيمها الإنسانية والإلهية، لكنّ الوصول إلی هذه الأهداف يمرّ عر مراحل متعدّدة، ولذلك عندما نتحدّث عن الثورة الإسلامية في الحقيقة نتحدّث عن مسار مستمرّ وعمليّة متواصلة لتحقيق هذه الأهداف السامية. 

في الجلسة القادمة سوف نتطرّق إلی مراحل الثورة الإسلامية وخطواتها في مسارها لتحقيق أهدافها الكبری إن شاء الله. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.