كيف نربّي جيلاً ولائيّاً؟

د. أميمة علّيق

 

الولاية هي إحدى النعم والألطاف الإلهيّة التي دعا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى معرفة حقّها وأهلها؛ بل وختم بها دعوته حين خطب في غدير خمّ قائلاً: "مَن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه". ولأنّها ذات أهميّة عظمى، فحقيقٌ بنا أن نربّي أجيال المستقبل عليها.

 

ما هي التربية الولائيّة؟

هي تربية الأبناء على معرفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل البيت عليهم السلام، وأولياء الله، ونائب المعصوم عجل الله تعالى فرجه الشريف في عصر الغيبة. وكذلك التربية على حبّهم، والاقتداء بهم، والسير على خُطاهم. وهذه العمليّة ليست بالمسألة الصعبة، خصوصاً أنّ بين أيدينا كنزاً ثميناً من المصادر التي تساعدنا في هذا المجال، وأهمّها: القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام، مضافاً إلى أشخاص فريدين كالإمام الخمينيّ قدس سره والوليّ الفقيه الإمام الخامنئيّ دام ظله، اللذين رسما لنا هذا الطريق بأفكارهما النيّرة في المجالات الدينيّة، والفكريّة، والحياتيّة، والثقافيّة، وغيرها.

 

الطفل والولاية

من المهمّ جدّاً تبيين مفهوم الولاية، خصوصاً للأطفال، والعمل على ترويجه ونشره بدقّة وإصرار، وذلك لمجموعة أسباب:

 

1- يتقبّل الأطفال كلّ ما يُلقى إليهم من أفكار وتصرّفات، والتي تؤسّس لشخصيّاتهم لاحقاً، ممّا يجعل مسؤوليّة الأهل دقيقةً في هذا المجال.

 

2- يعدّ الحبّ من أكثر العوامل التي تجذب الناس إلى مكانٍ أو شخصٍ أو فكرةٍ ما. وهذا الأمر لا يرتبط بعمر أو بجنس أو بثقافة. لذلك، علينا أن لا نغفل عن هذه المسألة أثناء تربية أطفالنا؛ لأنّ الحبّ يولّد التأثّر بالآخرين وطاعتهم والتشبّه بهم، سواء بالسلوك، أو بالصفات، أو بالأفكار. فإذا أحبّ أحدنا شخصاً، تشبّه بتصرّفاته وبصفاته وتبنّى أفكاره.

 

3- إنّ زرع بذور حبّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام في قلوب أطفالنا، كنمطٍ تربويّ؛ سيشجّعهم على تبنّي سلوكيّات المعصومين عليهم السلام وصفاتهم وأفكارهم، والابتعاد عن الرذائل والانحرافات. وقد ذكر القرآن الكريم أنّ أجر رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي المودّة: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى: 23).

 

4- يؤكّد تعالى في آية أخرى أنّ فائدة هذه المودّة ستعود بالنفع علينا -نحن المحبّين- وعلى مجتمعاتنا وعائلاتنا: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ (سبأ: 47)، وهي فائدة هامّة فيها تحصيل فائدة تلقائيّة الاقتداء.

 

5- أداء حقّ أهل البيت عليهم السلام وحقّ الله، فيجب أن تتحوّل محبّة أهل البيت عليهم السلام ومودّتهم إلى واجب يجب القيام به، وتعدّ تربية أطفالنا على حبّهم خطوة في هذا الطريق. فمن واجباتنا تُجاه أهل البيت عليهم السلام وحقّهم علينا: المعرفة، والمحبّة، والمودّة، والطاعة، والزيارة. وقد أوصانا الإمام عليّ عليه السلام  قائلاً: "عليكم بحبّ آل نبيّكم، فإنّه حقّ الله عليكم"(1).

 

أقطاب المواجهة

إنّ للولاية بُعداً معرفيّاً وكذلك بُعداً عمليّاً؛ لذا يجدر إيصال مفهوم الولاية بأبعاده لأطفالنا، خصوصاً أنّ ثمّة صعد رئيسة عدّة، تؤثّر إيجاباً أو سلباً:

 

1- العائلة: إنّ العائلة الولائيّة هي التي تُحسن التربية على الولاية، فهي تلك التي تتكوّن من أب مقتدر وقويّ وحنون وسموح في آنٍ معاً، وأمّ محبوبة داخل المنزل، تقدّر جهود الأب وتحترمه. فعندما يشعر الأطفال بحبّ والدهم واحترامه، فإنّهم سيتقبّلون ولايته، وستترسّخ لديهم فكرة السلطة اللطيفة المحبّة الحنونة القادرة، والتي ستجعلهم يتقبّلون ذهنيّاً فكرة ولاية الوليّ بشكلٍ تلقائيّ.

 

نتيجةً لأهميّة الولاية، أدرك أعداء الإسلام جيّداً، أنّ القضاء على فكرتها كفيل بالقضاء على المجتمع الدينيّ، وهو هدف كبير يسعَون إلى تحقيقه من جملة أهداف أخرى. فبدأ هجومهم اليوم على العائلة، على سلطة الأب تحديداً؛ كي يضربوا مفهوم الولاية من جذورها. كما راحوا يهاجمون الرموز الدينيّة، والأولياء منهم؛ لأنهم يدركون أنّه بالقضاء على الوليّ والولاية سيضلّ الناس طريقهم. لقد شدّد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم على ولاية الإمام عليّ عليه السلام قائلاً: "فَلْيبَلِّغِ‏ الْحَاضِرُ الْغَائِبَ‏ وَالْوَالِدُ الْوَلَدَ إِلَى يوْمِ الْقِيامَة"(2)؛ وذلك لخطورة هذا الأمر وأهميّته؛ لأنّ محوريّة الدين وروحه هي الولاية.

 

2- المناهج التعليميّة: نجد أنّ التعليم مقصّر في شرح مفهوم الولاية، وما يتّصل بها، والترويج لها. ويجدر الاعتراف بأنّ مناهجنا التعليميّة تبنّت منهج الفلسفة الغربيّة الفرديّة، التي تخرّج جيلاً شعاره: "أقوم بما يريحني، لا دخل لأحد في حياتي، أنا هكذا، يجب أن يتقبّلني الناس كما أنا،..."، وإنّ الكثير من المفاهيم البعيدة الأجل كانت خفيّةً، فتسلّلت في مناهجنا دون أن نلاحظ ذلك.

 

من هنا، وجب إعداد مناهج تربويّة ولائيّة ومدرّسين ولائيّين، في كلّ من المدارس والجامعات، بهدف نشر هذه الثقافة، ومحاربة كلّ ما من شأنه أن يضعفها أو يلغيها.

 

3- وسائل الإعلام: يلعب الإعلام دوراً خطيراً في محاربة مفهوم الولاية، من خلال برامجه المتنوّعة التي تسعى إلى تأسيس مجتمع يتمحور أبناؤه حول أنفسهم، فيعيشون في تناقض بين ما يقرأونه وما يتربّون عليه في أسرهم أو من دينهم، وبين ما تروّج له تلك البرامج. لذلك، من المهمّ جدّاً مواجهة هذه الظاهرة عن طريق إنتاج العديد من البرامج الفنيّة للصغار والكبار على حدّ سواء، تتناول قيمة الولاية، وأهميّتها، ودورها في تغيير الأفراد والمجتمعات.

 

خطوات نحو جيل ولائيّ

من هنا، يمكننا الانطلاق في تطبيق خطوات عمليّة في هذا المجال، وهي:

 

1- تعريف أبنائنا على أهل البيت عليهم السلام: بما أنّ "الحبّ فرع المعرفة"، فعلينا أن نعرّف أبناءنا على حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، وتاريخهم، وصفاتهم، وسلوكهم، وشخصيّتهم، وفضل حبّهم، وفق ذلك ما ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "من أحبّنا، كان معنا يوم القيامة"(3).

 

في مجتمع موالٍ لنماذج كاملة، يجدر أن يعرف الكثير من الناشئة، اليوم، تفاصيل أكثر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمّة الأطهار عليهم السلام  من أيّ شخصيات أخرى مهما برزت اجتماعيّاً أو إعلاميّاً؛ لذلك يجب بذل جهد في سبيل تعريفهم على فضائل آل البيت عليهم السلام، وأخلاقهم، وعبادتهم، وحبّهم للناس، وتواضعهم، وعلمهم، بطريقة جاذبة. الأمر الذي سيساعد أطفالنا على التأثّر بهم واختيارهم قدوة لهم.

 

2- المشاركة في المراسم والشعائر: إنّ الفرح لفرح أهل البيت عليهم السلام والحزن لحزنهم، يقرّب أطفالنا من أفراحهم وأحزانهم، ويجعلهم يتعايشون مع أحداث حياتهم عليهم السلام والتعرّف بسِيَرهم، عن طريق الاحتفال بالولادات والعزاء بالشهادة، مع التركيز على إظهار الاحترام والمحبّة عندما يذكر الأهل اسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد الأئمّة عليهم السلام.

 

3- اصطحابهم إلى زيارة المشاهد الشريفة: بما أنّ الزيارة تثبّت المودّة، فإنّ زيارة المراقد الشريفة للأئمّة عليهم السلام ترفع من المستوى الروحيّ والمعنويّ في النفوس. وإنّ اصطحاب الأهل أطفالهم إلى زيارة هذه الأماكن المقدّسة، أو القيام برحلات مدرسيّة للتلاميذ، أمور تساهم في تقريب الأطفال من الأئمّة عليهم السلام.

 

4- التعرّف إلى تعاليم أهل البيت عليهم السلام وأحاديثهم: عن الإمام الرضا عليه السلام: "فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا"(4). يحدث أن نتفاجأ حين تُذكر أمامنا جملة لكاتب ما أو لشخصيّة معروفة، ونكتشف لاحقاً أنّ أحد أئمّتنا عليهم السلام هو صاحبها منذ أكثر من ألف عام! لذلك يجب ترسيخ ثقافة تداول كلامهم وتعاليمهم عليهم السلام.

 

5- التعرّف إلى الوليّ النائب في زماننا: إنّ وجود الامام الخامنئيّ دام ظله كقائدٍ وهادٍ ومرشدٍ للمؤمنين يسهّل كثيراً فكرة تقبّل ولاية المعصوم عليه السلام، خاصّةً أنّ شخصيّة الإمام الخامنئي ّ دام ظله، الجامعة للعلم والتديّن والثقافة والعمق والانفتاح والدراية والذكاء والبصيرة والتواصل المستمرّ مع الناس، وتحديداً الشباب منهم، لهي نعمة يجب أن نشكر الله عليها؛ لأنّها تساعدنا في أداء حقّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام من بعده.

 

تأثيرات التربية الولائيّة

إنّ معرفة أهل البيت عليهم السلام وحبّهم الحقيقيّ، وإدخال أفكارهم ونمط حياتهم إلى ممارسات حياتنا اليوميّة، كلّ ذلك يرسّخ لدى الأطفال مفاهيم كثيرة في نفوسهم وشخصيّاتهم، مثل: التقرّب إلى الله، والعبادة، والدعاء، والمناجاة، والإيثار، والتضحية، وعزّة النفس، ومساعدة المحرومين، ويفتح لهم باباً على كلّ جميل وحسن، ويسهّل على الأهل المربّين عمليّة التربية الدينيّة والأخلاقيّة.

 

مع من نحبّ

إنّنا سنُحشر مع من نحبّ، فلنسعَ بجدّ إلى تحبيب أبنائنا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام؛ لأنّ المحبّة، التي هي رمز التربية الولائيّة وأصل التربية الدينيّة، تُستتبع بالطاعة، فتهدينا، بالتالي، إلى الصواب في الحياة، وتسلك بنا طريق المعرفة الإلهيّة، والعبادة، واستيفاء الحقوق، فضلاً عن تحصيل شفاعتهم عليهم السلام في الآخرة.

 

(1) أهل البيت في الكتاب والسنّة، الريشهري، ص 359.

(2) الاحتجاج، الطبرسي، ج 1، ص 78.

(3) الأمالي، الصدوق، ص 278.

(4) الوافي، الكاشاني، ج 24، ص 496.

 

المصدر: مجلة بقية الله