بقلم: حمود عبد الله الأهنومي

شاء السعوديون أن يعرِفَهم اليمنيون من أول يوم بأنهم مجرمون وقتلة، وذلك من خلال جريمة مروِّعة ذهب ضحيتها آلاف الحجاج اليمنيين في ما عرف بمجزرة تنومة عام1922م الموافق 1340هـ، في منطقة عسير بين بلاد بن لسْمر وبن لحْمر، فحينما كانوا يجتازون وادي تنومة كانت قد ترصّدتهم مجموعات تكفيرية (داعشية) من جيش عبدالعزيز آل سعود في رؤوس الجبال المطلة على الوادي، يقال لهم الغُطْغُط[1]، بقيادة التكفيري الوهابي سلطان بن بجاد العتيبي، فانقضُّوا عليهم بوحشية منقطعة النظير، وهم عزل من السلاح، ومعهم نساء، فتقربوا إلى الله بزعمهم بقتل هؤلاء الحجاج اليمنيين جميعا رجالا ونساء؛ لأنهم بحسب عقيدتهم كفار مباحو الدماء والأعراض، لقد كان الوهابيون من أتباع قرن الشيطان ولا زالوا يحملون جينات وبذور ما عرفه العالمُ اليوم باسم (داعش)، بلغ بأولئك أن هنَّأ بعضُهم البعضَ الآخر بكثرة من قُتِل من الحجاج، فمن قتل حاجًّا واحدا بشّروه بقصرٍ في الجنة، ومن قتل اثنين بشَّروه بقصرين، وهكذا. وبعد ذلك سطوا على دوابهم وقافلتهم التي كانت تحمل الحبوب والدقيق والسمن واحتياجاتهم التموينية التي كانت أيضا سببا في سيلان لعاب هؤلاء الوهابيين التكفيريين.

 

ولأن مملكة قرن الشيطان تمضي على نهج الشيطان في التضليل فقد نحت باللائمة على بعض فرق جيشها بحجة أنهم التبسوا في الحجاج بأنهم مدَدٌ عسكري لشريف مكة، تضليلا للرأي العام وتنصُّلا من عار وشين الجريمة المروِّعة أمام العالم الإسلامي، لكن القاضي العلامة الحسين بن أحمد بن محمد السياغي في كتابه (قواعد المذهب الزيدي) - والذي كان أبوه العالم والمدرِّس في الجامع الكبير أحدَ شهداء هذه المجزرة - لخِّص تعامل الملك عبدالعزيز مع هذه القضية بقوله: "استفتح الملك عبد العزيز الحجاز بقتلهم، وباء بدمائهم وأموالهم، ولم يتخلّص منهم إلى أن توفي".

 

قضى في هذه المجزرة خيرة أعلام اليمن، وممن استشهد فيها السيد العلامة الحسين بن يحيى حورية المؤيدي، والسيد العلامة يحيى بن أحمد بن قاسم حميد الدين، والحاج حسين القريطي والد الشيخ المقرئ محمد حسين القريطي رحمهما الله، الذي ولد في نفس العام، والحاج محمد مصلح الوشاح، أحد أهالي صنعاء، وعمّ السخط والحزن أرض اليمن، وحين وصل الرحالة نزيه مؤيد العظم إلى اليمن وجد الحزن والأسى يعم أهلها، ورثاهم الشعراء والأعيان، وعلى رأسهم القاضي العلامة المؤرخ الجغرافي محمد بن أحمد الحجري، وقال القاضي العلامة يحيى بن محمد الإرياني، والد الرئيس الأسبق القاضي عبد الرحمن الإرياني:

 

جنيت على الإسلام يا ابن سعود... جناية ذي كُفْرٍ به وجحود

 

جناية من لم يدر ما شرعُ أحمدٍ... ولا فاز من عذب الهدى بورود[2]

 

ولما حضر الموتُ السيدَ العلامة يحيى بن علي الذاري رحمه الله أسِف على أمرين لم يوفّق فيهما، وهو أنه لم يقاتل الصهاينة في فلسطين، والثاني أنه لم يجاهد آل سعود اقتصاصا لشهداء مجزرة تنومة، وكان قد فاض ألما في شعره عليهم، فقال راثيا إياهم:

 

ألا من لطرف فاض بالهملان .. بدمعٍ على الخدين أحمرَ قانِ

 

بما كان في وادي تنومة ضحوةً .. وما حلّ بالحجاج في سدوان

 

من المارقين الناكثين عن الهدى .. وعن سنة مأثورة وقران

 

أحلوهم قتلا وسلبا وغادروا .. جسومهم صرعى تُرَى بعيان

 

تنوشهمُ وحش الفلاة وطيرها .. لعمرُك لم تسمع بذا أذنان

 

لذا لبس الإسلام ثوب حداده .. وناح ونادت حاله بلسان[3]

 

وكتب إلي الأخ محمد سهيل من صعدة أن أمه لا تزال تحفظ بيت شعر من قصيدة شعبية كانت النساء تنشدها في الأعراس أسىً على شهداء تنومة، وهو: يا ريت وأن علي بن أبي طالب على الدنيا يعود *** يؤمن طريق الحج والمذهب يصونه.

 

هذه هي مملكة آل سعود في بدايتها، فما عساها أن تكون في نهايتها؟!

 

[1] إحدى الهجر الوهابية الثقافية والعسكرية التي أسسها عبد العزيز آل سعود، وكانوا يسمون (إخوان من أطاع الله)، وكانت أحد أشد فرقه العسكرية تشددا، والطريف أن عبد العزيز آل سعود بعد أن استغنى عن خدماتهم العسكرية تولى بنفسه القضاء عليهم.

 

[2] الأكوع، إسماعيل بن علي، هجر العلم ومعاقله في اليمن، ج1، ص76.

 

[3] لدي القصيدة كاملة بخط نائب مفتي الجمهورية الأسبق السيد العلامة عبد الرحمن الوشلي، نقلها من ديوان الشاعر، والأكوع، هجر العلم ومعاقله في اليمن، ج2، ص666- 667.