الشيخ د. أكرم بركات

 

كثيراً ما نسمع عن أصحاب الإمام الحسين عليه السلام واستبسالهم في الذود عنه في كربلاء، ولكن قلّما تُذكر تفاصيل ومعلومات شخصيّة عنهم. في هذا المقال، موجز عن أولئك القلّة الأوفياء.

 

* عدد الأصحاب

اختلف المؤرّخون في عددهم على النحو الآتي:

1- 72 رجلاً موزّعين بين 32 فارساً و40 راجلاً(تاريخ الطبريّ، عن أبي مخنف عن الضحّاك بن عبد الله المشرقيّ).

 

2- 62 أو 72 رجلاً من أهل بيته وأصحابه (تاريخ اليعقوبيّ).

 

3- 82 رجلاً (الخوارزميّ).

 

4- 87 رجلاً (تاريخ المسعوديّ).

 

5- 100 رجل (تاريخ الطبريّ عن شاهد عيان هو سعد بن عبيدة).

 

6- 145 رجلاً (تاريخ الطبريّ).

 

7- 600 رجلٍ موزّعين بين 500 فارس و100 راجل (تاريخ المسعوديّ)(1).

 

والتفاوت بين هذه الأرقام مردُّه إلى أسباب عدّة، أهمُّها، اختلاف المنازل؛ فمن عدَّهم 600 رجل ذكر أنّ ذلك عند ملاقاة الحرّ بن يزيد الرياحيّ، ورواية 145 رجلاً توقيتها هو الثاني من محرَّم عند النزول في كربلاء، ورواية الـ 100 رجل توقيتها في اليوم العاشر في بداية القتال (2). والفرق بين الـ 100 والـ 72 قد يكون نتيجة التغيّر الذي حصل في عددهم، ولا سيَّما أنّ ثمّة عدداً التحق بعسكر الحسين عليه السلام في ليلة العاشر أو يومه؛ فقد ذكر ابن طاووس في "اللّهوف في قتلى الطفوف": "وبات الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلاً"(3). وذكر ابن عبد ربّ الأندلسيّ في العقد الفريد: "وكان مع عمر بن سعد ثلاثون رجلاً من أهل الكوفة، فقالوا: يعرض عليكم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث خصال، فلا تقبلون منها شيئاً! فتحوَّلوا مع الحسين عليه السلام فقاتلوا معه"(4).

 

* أعمارهم

الملاحظ في كربلاء تنوّع أعمار أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، ففيهم:

 

1- أطفال دون عشر سنوات، بل كان بينهم من هو في سنّ الرضاعة كعبد الله الطفل الرضيع الشهيد.

 

2- ناشئة في العقد الثاني من العمر كـالحسن بن الحسن الذي كان عمره 11 سنة، وقد استشهد بعد أن تلقّى بيده ضربة السيف التي كانت موجّهة ناحية الإمام الحسين عليه السلام، والقاسم بن الحسن في سنّ الثالثة عشر، وكـعمرو بن جنادة الأنصاريّ في سنّ الحادية عشرة، الذي جاء الحسين عليه السلام واستأذنه فأبى وقال عليه السلام: "هذا غلام قُتل أبوه في الحملة الأولى، ولعلّ أمّه تكره ذلك"، فقال الغلام: "إنّ أمي أمرتني"(5).

 

3- شبّان في العقد الثاني من العمر مثل جعفر بن عليّ، وعمره 19 سنة.

 

4- شبّان في العقد الثالث من العمر كعثمان بن علي: 21 سنة، وعبد الله بن عليّ: 25 سنة، وعليّ بن الحسين: 27 سنة. ويبدو أنّ الكثير من مجاهدي كربلاء كانوا شبّاناً، وقد يكونون في هذا العمر أمثال عبد الله وعبيد الله بن يزيد بن نبيط العبديّ، اللذين قدما مع أبيهما، وعبد الرحمن بن عزرة بن حرَّاق الغفاريّ الذي كان جدّه من أصحاب الإمام عليّ عليه السلام (6).

 

5- شبّان في العقد الرابع من العمر كأبي الفضل العبّاس عليه السلام.

 

6- رجال العقد الخامس أو السادس كالإمام الحسين عليه السلام، الذي كان عمره -على المشهور- 57 عاماً (7).

 

7- شيوخ مسنُّون كـأنس بن الحارث الكاهليّ، الذي كان صحابيّاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن الذين شهدوا بدراً، وكان مقوّس الظهر، قد احتجبت عيناه بطول حاجبيه، وكذا مسلم بن عوسجة وهو صحابيّ أيضاً، وزاهر مولى عمر بن الحمق الخزاعيّ.

 

* طبقاتهم الاجتماعيّة

1- منهم صحابة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ كأنس بن الحارث ومسلم بن عوسجة.

 

2- شيوخ القرّاء كبرير بن خُضير الهمدانيّ.

 

3- قادة أجهزة عسكريّة وأمنيّة: كالحرّ بن يزيد الرياحيّ، وهو أحد أمراء الجيش الأمويّ، والحلاس بن عمر الراسبيّ، وكان قائد شرطة الإمام عليّ عليه السلام في الكوفة.

 

4- زعماء قبائل كحبيب بن مظاهر وعابس بن شبيب الشاكريّ.

 

5- شخصيّات اجتماعيّة بارزة كـنافع بن هلال، وعمر بن عبد الله (أبي ثمامة الصائديّ)، وسويد بن عمر.

 

6- عبيد كـجون.

 

* انتماؤهم القوميّ والمناطقيّ

1- أتراك: كـأسلم التركيّ مولى الحرّ، وواضح التركيّ مولى الحرث المذحجيّ(8). تذكر بعض الروايات أنّه لما سقط صريع الشهادة، جاءه الإمام الحسين عليه السلام واعتنقه، ففتح عينيه في وجه الحسين عليه السلام وقال: "من مثلي وابن رسول الله واضعاً خدّه على خدّي"(9).

 

2- حجازيّون: بنو هاشم، والصحابيّ عبد الرحمن بن عبد ربّ الأنصاريّ الخزرجيّ، وجنادة بن كعب بن الحرث الأنصاريّ، وابنه عمرو بن جنادة.

 

3- كوفيُّون: أنس بن الحارث، ويزيد بن زياد الكنديّ، وعبد الرحمن بن عرزة الغفّاريّ، وعبد الله بن عميد الكلبيّ.

 

4- بصريّون: يزيد بن تبيط العبديّ البصريّ وابناه عبد الله وعبيد الله، وعامر بن مسلم العبديّ البصريّ.

 

5- يمنيّون (من عرب الجنوب): برير بن خُضير الهمدانيّ، وسويد بن عمر بن أبي المطاع الخثعميّ، وجنادة بن الحارث، والحجاج بن مسروق الجعفيّ، والحلاس بن عمر.

 

6- عدنانيّون (من عرب الشمال): حبيب بن مظاهر، وجبلة بن عليّ الشيبانيّ.

 

* الانتماءات السابقة

لم يكن جميع أصحاب الحسين عليه السلام سابقاً من اتّجاه عقائديّ وسياسيّ واحد، بل كان بعضهم قبل العاشر من المحرّم عام 61هـ لا ينتمي إلى أهل البيت عليهم السلام بالولاء، ومن هؤلاء:

 

1- وهب بن عبد الله الكلبيّ، ورد أنّه كان نصرانيّاً فأسلم (10).

 

2- زهير بن القين، فقد نُقل أنّه كان عثمانيّ الهوى.

 

3- الحرّ بن يزيد الرياحيّ، فمن الواضح أنّه كان من أمراء الجيش الأمويّ.

 

4- سعد بن الحرث الأنصاريّ العجلانيّ وأخوه أبو الحتوف، فقد اشتهر عنهما أنّهما كانا من الخوارج(11).

 

* كفاءاتهم

برزت كفاءات لهؤلاء الأصحاب في عاشوراء لا نظير لها، نسلّط الضوء على أربع منها:

 

1- الجهوزيّة القتاليّة العالية.

 

2- الوعي والبصيرة.

 

3- الشجاعة إلى حدِّ الاستماتة.

 

4- العبادة في أبهى صورها.

 

وقد عبَّر عن الصفات الثلاثة الأولى عمرو بن الحجّاج الزبيديّ، الذي كان من الشخصيّات الكوفيّة الموالية للنظام الأمويّ، قائلاً: "ويلكم يا حُمَقَاء، مهلاً، أتدرون من تقاتلون؟ إنّما تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين"(12). نذكر بعض صفاتهم:

 

1- فرسان المصر: صفة تُعبِّر عن التفوّق في الحقل العسكريّ، وهذا ما كان واضحاً في خوضهم معركة كربلاء، وفي عدد القتلى الكبير جداً في جيش عمر بن سعد.

 

2- أهل البصائر: تعبير ورد مكرّراً في نهج البلاغة، وهو يعني الفئة الواعية من المجتمع. وقد برز وعيهم في كربلاء، ولا سيّما في معرفتهم الواضحة أنّهم يذودون عن الإسلام، ويضحّون لأجل بقاء الدين المحمّدي الأصيل، وهذا ما نلاحظه في كلماتهم وأشعارهم:

 

- سعيد بن عبد الله الحنفيّ ينشد في المعركة: "أقدم حسين اليوم تلق أحمداً..."(13)، وحينما يصبح على عتبة الشهادة يقول: "اللهمَّ أبلغ نبيّك عنّي السلام، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإنّي أردت ثوابك في نصرة ذرية نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم "(14).

 

- حبيب بن مظاهر قال لقومه حين دعاهم لنصرة الإمام الحسين عليه السلام: "فإنّي أقسم بالله لا يُقتل أحد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله صابراً محتسباً إلّا كان رفيقاً لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم في علّيين"(15).

 

3- مستميتون: صفة تعبِّر عن أعلى مستوى من الشجاعة التي تقتحم باب الموت بعشق. وهذا نابع من وصفَين أكَّد الإمام الحسين عليه السلام على ضرورة توفرهما لدى من يريد أن يلتحق به، حينما قال عليه السلام في عشيّة مكّة: "...ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً إن شاء اللّه"(16).

 

4- موطنون أنفسهم: يبرز توطين أنفسهم على لقاء الله في مشاهد استثنائيّة في ليلة العاشر من محرَّم:

 

- فها هو برير بن خُضير يداعب عبد الرحمن الأنصاريّ ضاحكاً، فيقول له: "ما هذه ساعة باطل"، فيجيب: "لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل كهلاً ولا شابّاً، ولكنّي مستبشر بما نحن لاقون، والله ما بيننا وبين الحور العين إلّا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم، ولوددت أنّهم مالوا علينا الساعة"(17).

 

- وها هو حبيب بن مظاهر يخرج من خيمته ضاحكاً يبادره يزيد بن الحصين التميميّ: ما هذه ساعة ضحك، فيجيب: "أيّ موضع أحقّ من هذا بالسرور! والله ما هو إلّا أن يميل علينا هؤلاء الطغاة فنعالجهم بسيوفنا ساعة ثمّ نعانق الحور العين"(18).

 

5- باذلو المهج: تجلّت في مواقف خالدة، منها:

 

- موقف بشير بن عمر الحضرميّ، الذي بَلَغَه أنّ ولده (عمرو) أسره الديلم بمدينة الرّيّ، فقال له الحسين عليه السلام: "رحمك الله، أنت في حلّ من بيعتي، فاذهب واعمل في فكاك ابنك"، فأجاب: "أكلتني السباع حيّاً إن أنا فارقتك يا أبا عبدالله"(19).

 

- موقف نافع بن هلال، فقد ورد أنّ الحسين عليه السلام خرج ليلاً، فإذا بنافع خلفه، فقال له الحسين عليه السلام: "نافع، من أخرجك في هذا الليل؟ فأجابه: سيّدي، أزعجني خروجك ليلاً إلى جهة هذا الباغي، فقال الحسين عليه السلام: خرجتُ أتفقّد هذه التلعات مخافة تكون مكمناً لهجوم الخيل على مخيمنا يوم يحملون وتحملون، ثمّ رجع قابضاً على يساره: يا نافع، ألا تسلك بين هذين الجبلين وانجُ بنفسك، فقال نافع: سيّدي، إذن ثكلت نافعاً أمّه، إنّ سيفي بألف وفرسي بمثله، فوالله الذي من عليّ بك في هذا المكان، لن أفارقك حتّى يكلّا عن فرّي وجرّي"(20).

 

- موقف عابس بن شبيب الشاكريّ، الذي قال للحسين عليه السلام: "ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك، ولو قدرتُ على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته"(21). وسار نحو الجيش فأحجموا عنه لشجاعته، فصاح عمر بن سعد: "أرضخوه بالحجارة"، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره وشدّ على الناس.

 

- موقف سعيد بن عبد الله الحنفيّ، الذي سمع الإمام الحسين عليه السلام في ليلة العاشر من محرّم يقول: "والله، لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيك. والله لو أعلم أنّي أُقتل، ثمّ أُحيا، ثمّ أُحرق، ثمّ أُذرّى، ويُفعل بي ذلك سبعين مرّة، ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي موتة أو قتلة واحدة، ثمّ هي بعدها الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً"(22).

 

6- عُبّاد: ورد في أوصافهم:

 

- سويد بن عمر: كان شريفاً كثير الصلاة.

 

- عابس بن شبيب: كان ناسكاً متهجّداً.

 

- برير: كان ناسكاً.

 

- أبو عمر النهشليّ: كان متهجّداً كثير الصلاة.

 

وقد برزت عبادتهم ليلة العاشر من محرّم ويومه، فقد أرسل الإمام الحسين عليه السلام أخاه العبّاس عليه السلام لطلب تأخير المعركة إلى غدٍ، قائلاً: "ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدٍ، وتدفعهم عنّا العشيّة؛ لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة، وندعوه، ونستغفره، فهو يعلم أنّي كنت قد أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار"(23). وقد سجّل التاريخ أروع مشهدٍ عباديٍّ في ليلة العاشر من المحرّم عام 61هـ: "وبات الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة، ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد"(24). وفي ظهيرة العاشر من المحرّم، رسم الحسين عليه السلام وأصحابه عليهم السلام لوحة العبادة في وسط المعركة.

 

نظر أبو ثمامة الصائديّ أو (الصيداويّ) في السماء، وأخذ يقلِّب وجهه فيها، ثم توجّه نحو الحسين عليه السلام وقال: "يا أبا عبد الله، نفسي لنفسك الفداء، هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله لا تُقتل حتّى أُقتل دونك، وأحبّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيتُ هذه الصلاة"، فرفع الحسين عليه السلام رأسه إلى السماء وقال: "ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلّين"(25).

 

فكان وبقيّة أصحاب الحسين عليه السلام: "لا يسبقهم أحد قبلهم، ولا يلحق بهم من كان بعدهم"(26).

 

1- انظر: أنصار الحسين عليه السلام، محمّد مهدي شمس الدين، ص 44-49.

2- (م. ن.).

3- (م. ن.).

4- ذخائر العقبى، الطبري، ص 149.

5- مقتل الحسين عليه السلام، المقرّم، ص 253.

6- أنصار الحسين، (م. س.)، ص 98.

7- الكافي، الكليني، ج1، ص 53.

8- مقتل الحسين عليه السلام، (م. س.)، ص 249.

9- أعيان الشيعة، الأمين، ج3، ص 303.

10- أنصار الحسين عليه السلام، (م. س.)، ص 111.

11- انظر: عاشوراء وما تلاها، الطبسيّ، ص 32.

12- أنصار الحسين عليه السلام، (م. س.)، ص 186.

13- أعيان الشيعة، (م. س.)، ج7، ص 241.

14- (م. ن.)، ج1، ص 606.

15- بحار الأنوار، المجلسيّ، ج44، ص 387.

16- (م. ن.)، ج44، ص 367.

17- مقتل الحسين عليه السلام، (م. س.)، ص 216.

18- (م. ن.).

19- أعيان الشيعة، (م. س.)، ج3، ص 575.

20- المجالس الفاخرة، في مصائب العترة الطاهرة، شرف الدين، ص 231.

21- تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص338.

22- جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج12، ص 498.

23- بحار الأنوار، (م. س.)، ج44، ص 392.

24- (م. ن.)، ج44، ص 394.

25- (م. ن.)، ج45، ص 21.

26- (م.ن.).

 

المصدر: مجلة بقية الله