بقلم: الشيخ إبراهيم بلوط

لقد أعطيت كربلاء، حسب النصوص الواردة، بأكثر مما أعطي لأي أرض أو بقعة أخرى من المزية والشرف في الإسلام، فكانت أرض الله المختارة والمقدسة المباركة والخاضعة المتواضعة وحرماً أمناً مباركاً وقبّة الإسلام التي نجّى الله عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح في الطوفان، ومن المواضع التي يحب الله أن يعبد ويدعى فيها، وأرض الله التي في تربتها الشفاء(1).

وهذه الأرض المباركة لم تنل هذا الشرف العظيم في الإسلام إلاّ بالحسين ‏عليه السلام كما نص عليه الحديث: "وزادها في تواضعها وشكرها لله بالحسين عليه السلام وأصحابه".

وأحاديث فضل التربة مشهورة في كتب المسلمين، وقد سمّاه أبو ريحان البيروني في كتابه "الآثار الباقية" بالتربة المسعودة في كربلاء.

وقد قدّست التربة في الصدر الأول فكانت تربة الشهداء وتربة قبر النبي ‏صلى الله عليه وآله وتربة بعض الصحابة أيضاً والاستشفاء بها عادة مألوفة عند المسلمين.

فبعد وقعة أحد بقليل والتي استشهد فيها حمزة سيد الشهداء فصاروا يأخذون من تربته للاستشفاء ولمعالجة الصداع، وكذلك كانوا يتبركون ويتداوون بتراب حرم الرسول صلى الله عليه وآله كما يستفاد ذلك مما أورده السيد البرزنجي في كتابه "نزهة الناظرين في تاريخ مسجد سيد الأولين والآخرين"، وننقله حرفياً:

"ويجب على من أخرج شيئاً من ذلك (أي من المدينة) ردّه إلى محله ولا يزول عصيانه إلا بذلك ما دام قادراً عليه. نعم استثنوا من ذلك ما دعت الحاجة إليه للسفر به كانية من تراب الحرم وما يتداوى به منه كتراب مصرع حمزة رضي الله عنه للصداع...،  إلى أن يقول: لإطباق السلف والخلف على نقل ذلك(2).

وكذلك لمّا توفي النبي صلى الله عليه وآله صاروا يأخذون من تربته الشريفة كما يستفاد ذلك مما نقله السيد نور الدين الشافعي السمهودي في كتابه "وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى" بما نصّه: "وعن المطلب قال: كانوا يأخذون من تراب القبر (يعني قبر النبي)، فأمرت عائشة بجدار فضرب عليهم، وكانت في الجدار كوّة فكانوا يأخذون منها فأمرت بالكوّة فسدّت".

وبعد هذه المقدمة، نقول وبه المستعان:

في معنى التربة

إن التربة لغة بمعنى مطلق التراب كما هو مقتضى كلام صاحب "القاموس" حيث عدّ "التّرب" "التراب" و"التربة" وغيرها، معروفة.

ولكن صارت حقيقة عرفيّة في بعض أقسام التراب وهي "التربة الحسينية" من التراب المأخوذ من القبر أو الموضوع على الصندوق أو الموضوع في الحائر بناءً على القول بأن التربة هي التي على الصندوق أو الموضوع في الحائر.

في حرمة الطين‏

إنه قد تكاثرت الأخبار في حرمة الطين كما عن الصدوق في "العيون" بسنده عن الكاظم عليه السلام "لا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به فإن كل "تربة" لنا محرّمة إلا تربة جدّي الحسين بن علي عليهما السلام فإن الله عزّ وجلّ جعلها شفاءً لشيعتنا وأوليائنا".

وعنه بسنده عن الرضا عليه السلام: "أكل الطين حرام مثل الميتة ولحم الخنزير".

وللمراجعة: علل الشرائع، ص‏179، بحار الأنوار، 129، 101، باب تربته صلوات الله عليه، ج43، فروع الكافي، 1562، تهذيب، 3602، المحاسن، ص‏565، كامل الزيارات، ص‏285، مصباح المتهجد، ص‏510، أمالي الطوسي، 3261، دعوات الراوندي، ص‏187.

 

في بيان معنى الحمّص‏

وأنه يسمى في لسان الأئمة روحي وأرواح العالمين لهم الفداء "بالعدس" إن "الحمّص" حب معروف، كما في القاموس وانظر في المصباح والمجمع.

وقد روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله‏ عليه السلام، إن الناس يروون أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن العدس بارك عليه سبعون نبياً؟ فقال عليه السلام: "هو الذي يسمّونه عندكم الحمص ونحن نسميه العدس"(3).

 

 باب "في الحائر"

الحائر لغة "مجمع الماء"، ويراد به حائر الحسين عليه السلام وهو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرّفه السلام.

وعن بعضٍ كما ذكر صاحب البحار أن الحائر ما أحاط به جدران الصحنن وعن بعض آخر أنه القبّة الشريفة.

وأما بالنسبة إلى قدره خلاف، فبعض يعتقد: أنه خمسة عشر ذراعاً من كل جانب، وقيل خمسة وعشرون ذراعاً، وقيل خمسة فراسخ من أربع جوانبه.

فقد روى الشيخ في التهذيب بسنده عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إن لموضع قبر الحسين‏عليه السلام حرمة معروفة من عرفها واستجار بها أجير، قلت: فصف لي موضعها جعلت فداك. قال: امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه وموضع قبره من يوم دُفِن روضة من رياض الجنة ومنه معراج يعرج فيه بأعمال زوّاره إلى السماء فليس ملكٌ في السماء ولا في الأرض إلا وهم يسألون الله في زيارة قبر الحسين عليه السلام ففوج ينزل وفوج يعرج"(4).

(وقد عبر في بعض أخبار القصر والإتمام بحرم الحسين عليه السلام، وعبر في بعضها بحائر الحسين، وفي بعضها سئل عن حكم الحائر وأجاب المعصوم، والظاهر اتحاد الحرم والحريم كما هو المتصرّح من "الذخيرة" لكن في أخبار التربة بل في أخبار القصر والإتمام).

إذا عرفت، ما تقدم فنقول! إنه روى الشيخ في المصباح: أن رجلاً سأل الصادق عليه السلام فقال: "إني سمعتك تقول: إن تربة الحسين ‏عليه السلام من الأدوية المفردة وأنها لا تمر بداء إلا هضمته، قال: قد كان ذلك، أو قد قلت ذلك، فما بالك؟ قال: إني تناولتها فما انتفعت بها. قال: إن لها دعاء، فمن تناولها ولم يدع به لم يكد ينتفع به، فقال له: ما يقول إذا تناولها؟

قال: تُقبلها قبل كل شي‏ء وتضعها على عينيك ولا تناول أكثر من حمّصة، فإن من تناول منها أكثر من ذلك فكأنما أكل لحومنا أو دماءنا، وإذا تناولتها فقل: اللهم إني أسألك بحق الملِكِ الذي قبضها وأسألك بحق النبي الذي خزنها وأسألك بحق الوصي الذي حلّ فيها أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعله شفاء من كل داء وأماناً من كل خوف وحفظاً من كل سوء، فإذا قلت ذلك فاشددها في شي‏ء واقرأ عليها "إنا أنزلناه في ليلة القدر" فإن الدعاء الذي يقدَّم لأخذها هو الاستئذان عليها وقراءة "القدر" ختمها"(5).

وعلى هذا فقد تبين مما مضى أصل مشروعية أخذ التربة ثم أخذ تربة وطين الحسين عليه السلام بشرط الاستشفاء ومقداره حمّصة ولا يجوز تجاوز المقدار، ولها كيفية خاصة قد ذكرنا بعضها على مستوى الدعاء، لكن لا يخفى عليك أن لهذه التربة خصائص أخرى غير الشفاء والاستشفاء.

فهي للأمن من المكاره، وللرزق، وحملها يوجب البركة والأمن من المكاره، وضع لبنة من التربة مقابل وجه الميت في القبر، كتابة الكفن بالتربة(6) التسبيح بالتربة عقيب الصلاة حيث ورد عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: "لا يخلو المؤمن عن خمسة، سواك ومشط وسجادة وسبحة فيها أربع وثلاثون حبة وخاتم عقيق"، ويبين الإمام الصادق عليه السلام على ما في بعض الروايات عدول الأئمة عليهم السلام بعد مقتل الحسين عليه السلام حيث استعملوا تربته لما فيه من الفضل والمزية.

 --------------------------------

الهوامش‏

(1) كامل الزيارة، ص267ـ 273.

(2) نزهة الناظرين للبرزنجي،  ص‏116، طبع مصر 1332هـ.

(3) فروع الكافي، 3436، باب الحمص.

(4) تهذيب، 2520، كامل الزيارات، ص‏272، وسائل الشيعة، 40010، باب 67، بحار، 110 101، باب لحائر وفضله.

(5) مصباح المتهجد، ص‏677 ـ 678، باب خواص طين قبر الحسين.

(6) أمالي الطوسي، 3251، بحار الأنوار، 118 101، تحفة الزائر، ص‏215، كامل الزيارات، ص‏278.