لقد أذِن مَن بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة لدعائنا، وتكفّل بالإجابة، بل جعل في أيدينا مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئنا استفتحنا بالدعاء أبوابها.

لبيان أبعاد الدعاء وآثاره وفضله ومدى حاجتنا إليه، استعنّا بكلام خبيرٍ، نال من فيوضات هذا الباب الكثير، وتلمّس آثاره عن كثب، في مراحل علمه وجهاده، ثمّ في قيادته هذه الأمّة، مواجهاً طواغيت عصرنا ومستكبريه. إنّه الإمام الخامنئيّ دام ظله، الذي يرى الدعاء مدرسةً قائمةً بذاتها، فهو صلة العبد بالله، وسلاحه المتين، ومصدر قوّة المؤمنين، فيه دروس وعِبر، ينبغي لكلّ مؤمنٍ تعرّفها.

 

•الحاجة إلى الدعاء

العلاقة مع الله جلّ وعلا لا تنقطع بحال، فالإنسان من دونها فارغٌ، لا لبّ له. يجب التوجّه إليه في كلّ آنٍ ولكلّ شأن، فلا ندعوه عند حلول نازلة أو وقوع جائحة فقط، بل يجب أن تكون أيدينا مرفوعة بالمسألة إليه دائماً.

"يحتاج البشر إلى العلاقة مع الله، وإلى دعائه والإقبال عليه، والتضرّع إليه في كلّ لحظة من لحظات الزمان، وفي كلّ شأنٍ من شؤونهم الاجتماعيّة. وهذه الحاجة أساسيّة، فالإنسان من دون علاقة مع الله سيكون فارغاً من الداخل؛ لا لبّ له ولا معنى ولا محتوى. إنّ التوجّه إلى الله والتعلّق به هما روحٌ حقيقيّة وواقعيّة في جسم الإنسان، ويجب اغتنام أيّ فرصة لتحكيم أواصر العلاقة بين العبد وربّه... الدعاء يحقّق الصلة بين قلب الإنسان والله، ويملأ روحه صفاءً وروحانيّةً، وكذلك يهدي فكره وذهنه"(1).

 

•الدعاء عامل قوّة وغلبة

إنّ اتّصال الإنسان بالله وارتباطه به تعالى من أهمّ العناصر الّتي تصنع الفئة المؤمنة، وتحقّق القوّة والنصر. والدعاء والمناجاة من أهمّ وسائل الارتباط بالله والتعلّق به.

"الروحانيّة، المناجاة مع الله، اتّصال القلوب بالله المتعال، اتّخاذ الله هدفاً، عدم الانخداع بالمظاهر، وترك التعلّق بالمال وزينة الدنيا وزخارفها؛ هذه العناصر كلّها هي التي تصنع فئةً مؤمنة، وعندها تتحقّق: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ﴾ (البقرة: 249). حتّى وإن كنتم قلّة، عندما تكونون مسلّحين بذلك البعد المعنويّ، فإنّكم ستلحقون الهزيمة بالفئة الكثيرة رغماً عنهم"(2).

 

•الدعاء حصن منيع

المال، الشهوة، المنصب... إغراءات تقع النفس في أشراكها، وتتجاذب الإنسان من كلّ حدب وصوب، لتحيد به عن جادّة الحقّ والصراط المستقيم؛ لذا كان لا بدّ من حصنٍ منيع يصون به الإنسان روحه، فلا تزلّ قدمه.

"لدينا العبادات الفرديّة والاجتماعيّة والسياسيّة. ولدينا عبادات أصيلة خالصة لآناء الليل، وما يختصّ بأوقات الدعاء والمناجاة وأوقات الكلام مع الله والتضرّع. ولكلٍّ من هذه العبادات درجة. كلّ واحدة من هذه تجعلكم أقوياء كالفولاذ المصقول، وتجعل هؤلاء الشباب أشدّاء، محمييّن من الخطأ، لا يضرّهم تسلّل الشيطان أو العدوّ أو عوامل الفساد، صامدين في وجه الغزو الثقافيّ"(3).

 

•الدعاء يصنع المعجزات

إنّ اللهَ مقتدِرٌ عزيز، له ما في السماوات وما في الأرض، وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كُن فيكون. وقد أعطى لعباده الدعاء، فإن جعله العبد وسيلةً، ولم يتربّع على عرش قلبه سوى الله، كان الجواب: لبّيك عبدي لبّيك.

"إنّ دعاءكم -أيّها الشباب الأعزّاء- وإقبالكم، وذكركم لله بقلوبكم الطاهرة النورانيّة يصنع المعجزات... إنّ علاقتكم مع الله تقوّي فيكم الصفاء والإخلاص. والصفاء والإخلاص هما مفتاح حلّ العقد في جميع الأمور"(4).

 

•الدعاء والوسائل المادّيّة

إن كان للدعاء دوره العظيم في تحقيق القوّة والقدرة والمنعة وصنع المعجزات، فعلامَ كانت الوسائل الدنيويّة والتقنيّات العلميّة، والحثّ على السعي وتحضير الأسباب؟ يجيب الإمام الخامنئيّ دام ظله قائلاً:

"إنّ الدعاء لا يعارض الوسائل المادّيّة؛ فإذا أراد الإنسان أن يسافر، فليس مخيّراً بين أن يركب السيّارة والقطار والطائرة، وبين أن يذهب بالدعاء! وكذلك، إذا أراد الإنسان أن يحصل على شيء ما، فليس إمّا أن يدفع المال أو -إن لم يمتلكه- أن يدعو لكي يحصل على ذلك الشيء! الدعاء يعني أن تطلب من الله أن يهيّئ لك هذه الوسائل. عندها، ستأخذ كلّ واحدة من العلل المادّيّة مكانها، هكذا يُستجاب الدعاء"(5).

 

•الدعاء قرين العمل

قيل للإمام الصادق عليه السلام: رجلٌ قال: لأقعدنَّ في بيتي، ولأصلّينَّ، ولأصومنَّ، ولأعبدنّ ربّي، فأمّا رزقي فسيأتيني، فقال الإمام الصادق عليه السلام: "هذا أحد الثلاثة الذين لا يُستجاب لهم"(6). يبيّن الإمام الخامنئيّ دام ظله ذلك، فيقول: "عندما تطلبون من الله أن يُحدث شيئاً ما تحتاجون إليه، عليكم أن تستغلّوا قدراتكم أيضاً إلى جانب الدعاء. فإذا شعرتم بالكسل مثلاً، ودعوتم الله تعالى أن يكشف عنكم هذا الشعور، لا يتصوّرنّ أحدٌ أنّ الله سيقضي حاجتنا إذا جلسنا في المنزل ولم نسعَ أو نُقدِم على شيء، ولم نتحلَّ بالإرادة حتّى، بل اشتغلنا بالدعاء فقط"(7).

 

•لا دعاء من دون إجابة

إنّ من أُعطي الدعاء أُعطي الإجابة، فهو كهفها، كيف لا وهو القائل تعالى اسمه ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: 60)؟ فكيف تكون الاستجابة؟

"لا يوجد دعاءٌ معدوم الاستجابة. الاستجابة لا تعني أنّ الإنسان سيُعطى ما يريده حتماً، فقد تُقضى الحاجة، وقد تحول بعضُ الأسباب أو المصالح أو الدوافع دون قضائها، لكنّ استجابة الله موجودة، واستجابة الله هي جواب الله وتوجّهه والتفاته، حتّى وإن لم تتحقّق تلك الحاجة التي نريدها، والّتي كثيراً ما نتخيّل أنّها لصالحنا، وتكون على العكس من ذلك، لكن عندما تقولون: "يا الله"، اعلموا أنّ "لبّيك" ستأتي بعدها"(8).

 

•اطلبوا حوائجَكم مهما كَبُرت

إنّ الشدائد والعظائم بيد الله تعالى، لا تُرفع إلّا بإذنه، ولا يُؤمَّل فيها غيره؛ فبيده مفاتيح الأبواب، وبابه مفتوح لمن دعاه، وهو العظيم الذي لا يقطع رجاء مَن رجاه لعظيمة، بل إنّ الله يحبّ العبدَ أن يطلبَ إليه في الجرم العظيم.

"ثمّة أمرٌ آخر في الدعاء، يتعلّق بقضاء الحاجات، فليس هناك حاجة كبيرة، بحيث نقول: هذه حاجة لا يمكن طلبها من الله؛ لأنّها كبيرة جدّاً! كلّا، إذا لم تكن الحاجة على خلاف الطبيعة وسنّة الخلق، ولم تكن مستحيلة، فلا مشكلة، اطلبوها من الله مهما كبرت. إنّكم تقولون في كلّ يوم من شهر رمضان بعد الصلاة، على ما هو مأثور: "أَللّـهُمَّ أَدْخِلْ عَلى أَهْلِ الْقُبُورِ السُّرُورَ، أَللّـهُمَّ أَغْنِ كُلَّ فَقير..."(9)، فأنتم تطلبون من الله أن يغني كلّ فقير؛ أي كلّ فقراء الإسلام، وهذه أمور مهمّة للغاية"(10).

 

•لا تُحقِّروا صغيراً من حوائجكم

إنّ الطلب من الله لا يقتصر على الحاجات الخطيرة فقط، بل ينبغي للمؤمن أن يرتبط به تعالى في كلّ كبيرةٍ وصغيرةٍ، يسأله كلّ ما يحتاج إليه، حتّى علف الشاة، وملح العجين، وشسع النعل إذا انقطع، كما ورد في الروايات.

"إنّ أحد الأسباب التي لأجلها أُمِرنا أن نطلب الحاجات الصغيرة من الله، هي أن نلتفت إلى حوائجنا وعجزنا وحقارتنا وعِوَزنا، لندرك كم نحن فقراء. لو أنّ الله تعالى لم يساعدنا أو يعطنا القدرة والإمكانيّة، ولم يعطِنا التفكير والابتكار، ولم يعطِنا الوسائل، لما تمكّنا حتّى من الحصول على شريطٍ للحذاء"(11).

 

•لِنتكلّم مع الله بلسان المعصومين

الكلام مع الله لا يحتاج إلى لغة خاصّة، لكنّ أفضل الكلام ما يصدر عن أهل العلم والمعرفة بمقام الألوهيّة، أفضل الكلام دعاء العشق والعرفان؛ لذا ورد التأكيد والحثّ على التواصل مع الله بأدعية أهل البيت عليهم السلام، أدعية المعرفة والحبّ.

"لا لغة خاصّة للتحدّث مع الله، لكنّ المعصومين الذين نتّبعهم، والذين طووا مقامات القرب الإلهيّ واحداً بعد الآخر، قد تحدّثوا مع الله بطرق جيّدة، وعلّمونا كيف نتكلّم مع الله. فهذه المناجاة الشعبانيّة، وها هي أدعية شهرَي رجب وشعبان، ذات المعاني الرفيعة، والمعارف الرقيقة والنورانيّة، والألفاظ الجميلة التي تشبه المعجزة، هي وسيلتنا للدعاء"(12).

 

•لاستغلال شهر رمضان

"إنّي أدعوكم جميعاً -أيّها الأعزّاء- إلى التوجّه أثناء الدعاء في هذه الأيّام، التوجّه في الصلاة، الإقبال على الصيام واستغلال أيّام شهر رمضان ولياليه. آمل أن يشملكم اللّطف والفضل الإلهيّ جميعاً"(13).

 ــــــــــــــ

1.من كلامٍ له دام ظله ، في لقاءٍ مع مختلف الفئات الشعبيّة، بتاريخ 21/09/1998م.

2.من كلامٍ له دام ظله ، بتاريخ 18/9/1991م.

3.من كلامٍ له دام ظله ، بتاريخ 08/01/1997م.

4.من كلامٍ له دام ظله في لقاء طلّاب جامعة الشهيد بهشتي، بتاريخ 12/05/2003م.

5.من كلامٍ له دام ظله في خطبة الجمعة، بتاريخ 17/02/1995م.

6.الكافي، الكلينيّ، ج5، ص77.

7.(م.ن).

8.من كلامٍ له دام ظله في لقاء مسؤولي نظام الجمهوريّة الإسلاميّة والعاملين فيه، بتاريخ 09/07/2000م.

9.مفاتيح الجنان، القمّيّ، ص287.

10.من كلامٍ له دام ظله في خطبة الجمعة، بتاريخ 17/02/1995م.

11.من كلامٍ له دام ظله في خطبة صلاة الجمعة، بتاريخ 17/022/1995م.

12.من كلامٍ له دام ظله في لقاء تجمّع شعبيّ كبير، بتاريخ 21/11/2001م.

13.(م.ن).