طبعاً ليست كل البلدان وكل الأنظمة في العالم على هذه الشاكلة بحيث يعتبرون وجود الشباب فرصة، لا، نظام بهلوي مثلاً لم يكن يعتبر وجود الشباب وحراكهم فرصة، بل تهديداً - وهذا بدوره من الكلام الذي توجد لصالحه أدلة تعتمد تماماً على الإحصائيات، لكن مجال طرحه ليس هنا - كانوا يتمنون أن لا يشارك الشباب، لا مشاركة علمية ولا مشاركة سياسية ولا مشاركة اجتماعية، وكانت تشاع الكثير من الأمور من أجل تهميش هذه المشاركة. كانوا يعتبرون الشباب تهديداً حقاً. وكانوا يبعثونهم للخارج ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، حتى يذهب النخبة والأكفاء حسب رأيهم إلى الخارج، ولا يكونوا هنا. المسألة في الجمهورية الإسلامية ليست على هذا الغرار، فالجمهورية الإسلامية تعتمد على نفسها، وهي ذاتية التدفق، وترى قدرتها في داخلها وفي معنوياتها وفي وجودها وما تمتلكه، لذا فإن أعظم ثروات الجمهورية الإسلامية هي في الواقع طاقاتها البشرية، أي هؤلاء الشباب الأذكياء الملتزمون الراغبون في العمل، والمكبّون على الدراسة، وذوو المستقبل الواعد. طيب، هذه من المسلمات في بلادنا.

اليوم حيث نلتقي بكم وأنتم جماعة من الشباب الصالحين في بلادنا، أريد أن أقدم لكم عدة توصيات، توصيات أبوية. أنتم الشباب في مثابة أبنائي - بعضكم بمثابة أبنائي وبعضكم بمنزلة أحفادي - ومن المناسب أن أذكر لكم عدة نقاط بروح أبوية، وعندي جملة توصيات إدارية وعملية سوف أذكرها أيضاً تتعلق بالأمور العملية ذات الصلة بشؤونكم أنتم الشباب. ولديّ أيضاً تحذير ونظرة قلقة سأطرحها أيضاً عليكم إذا اتسع المجال والوقت إن شاء الله.

أما تلك التوصيات الأبوية التي أطرحها عليكم فالتوصية الأولى منها هي أن تعتبروا ما تمتلكونه، أيْ هذه الحالة النخبوية، من الله. إنها نعمة من الله وموهبة إلهية، إنها نعمة منحها لكم الله، فاشكروا الله وزيدوا من ارتباطكم بالله، واشكروا الله تعالى ولتلهج ألسنتكم بهذا الشكر بينكم وبين الله. هذه أمور تزيد من توفيقكم وتضاعف النعمة الإلهية التي منّ الله بها عليكم؛ اعلموها من الله؛ واعلموها من الثورة. هذه بدورها نظرة وطبقة من طبقات التفكير حول هذه الموهبة، وهي أن هذه الحركة العامة العظيمة في البلاد على سبيل العلم هي من بركات الثورة. لو لم تكن الثورة لما كانت هذه الأشياء. وقد قرأ السيد ستاري هاهنا ذكرى نقلاً عني (3) وتتمة هذه الذكرى هي أن تلك الطائرات التي كانوا يقولون لنا إنها سوف تعطل كلها خلال ثلاثين أو واحد وثلاثين يوماً لا تزال تعمل لحد اليوم، وقد مضى اليوم على ذلك الحين نيفٌ وثلاثون سنة، وشبابنا في القوة الجوية وطاقاتنا التقنية عقدوا الهمم ونزلوا إلى الساحة - وقد كان والده من أولئك الشباب يومذاك - (4) ووظفوا أيديهم الصانعة للمعاجز وأذهانهم وأفكارهم، وبقيت تلك الطائرات التي كان يقال لنا إنها ستعطل، بقيت تعمل إلى نهاية الحرب، ولا تزال تعمل إلى اليوم، طائرات السي مائة وثلاثين، وطائرات الأف أربعة عشر، وطائرات الأف أربعة، وطائرات الأف خمسة، لا تزال لحد الآن موجودة وتعمل. الثورة هي التي صنعت معجزة هذه الأيدي. أولئك الإخوة الذين كانوا يقولون لي إن الأمر قد انتهى، وكانوا أفراداً طيبين - وقد استشهد بعضهم - لكن تفكيرهم لم يكن تفكيراً ثورياً، بل كان تفكيراً يعود لما قبل الثورة، وكانوا ينظرون للأمور من هذه الزاوية.

عندما كانوا يريدون تعمير قطع هذه الطائرات، لم يكن من حقهم فتح القطع المغلقة - أي القطع الكبيرة المكوّنة في داخلها من نحو أربعين أو خمسين قطعة - بل كانوا يأخذونها بالطائرات إلى أمريكا ويبدلونها هناك ويعيدونها. أي إن الضابط التقني الإيراني والمتخصص الجوي الإيراني لم يكن من حقه لمس هذه القطعة ليرى ما هي وكيف يجب أن تعمل، هكذا كان التفكير قبل الثورة. جاءت الثورة وقلبت الصفحة ومنحت الإيراني شخصية وهوية وجرأة وشجّعته على أن يستخدم طاقته الذاتية. وكانت النتيجة أن نقف بين كل هذه البلدان في العالم في المرتبة العلمية الخامسة عشر، هذا شيء كبير جداً. من بين مائتي بلد في العالم، وبعض هذه البلدان المائتين لها سوابق في الصناعة والعمل العلمي تعود لمائتي سنة أو ثلاثمائة سنة، واستطاعت إيران بعد الثورة - ولم يكن هناك شيء قبل الثورة - مع ضغوط الحرب والحصار والحظر وبكل هذه المشكلات، أن ترفع نفسها إلى هذه المستوى، هذا ما منحته لنا الثورة.

 

كامل الخطاب