مقال يتضمّن كلمات للإمام الخامنئي يتحدّث فيها سماحته حول تجربة سيادة الشعب الدينية التي استعرضها الإمام الخميني (قدس سره) في نظام الجمهورية الإسلاميّة تجسيداً للقيم الدينيّة الراقية والأسس الإسلامية وخشية الغرب من انتقال هذه التجربة إلى سائر نقاط العالم.

 

الإسلام والشعب

أُجريت في الجمهورية الإسلامية انتخابات رئاسية بمشاركة ملحمية حاشدة تُقدَّر بنسبة ما يقرب من 75 بالمئة، وهي نسبة لم يشهدها العالم الذي يتبجّح بالديمقراطية. وفي ضوء هذا الحدث الهام نقول: لقد أسس الإمام الخميني نظاماً إسلامياً أصيلاً بعد قرون متمادية من حاكمية الظلم والاستبداد والطغيان. لقد كان الإمام الخميني جريئاً وواضحاً وصادقاً في خطاباته وحركته وثورته، إذ كان الإسلام الأصيل هو الطريق الذي سار فيه الإمام وأسس الثورة على أساسه، ومن جانب آخر كان الإمام الخميني يؤمن بقدرة الشعب وإيمانه وبصيرته، يؤمن بأن الشعب هو الذي يجب أن يُدير شؤون الجمهورية الإسلامية بحضوره وعمله وسلوكه. «في بناء ذلك النظام المدني - السياسي (الذي شيّده الإمام الخميني) ثمة نقطتان أساسيتان ترتبطان ببعضهما البعض، وتمثلان بمعنى من المعاني وجهين لحقيقة واحدة: الأولى إحالة شؤون البلاد إلى الناس عن طريق سيادة الشعب والانتخابات، والثانية ضرورة أن تسير هذه الحركة... في إطار الشريعة الإسلامية. هذان جانبان، ومن منظار آخر بُعدان لحقيقة واحدة.» الإمام الخامنئي  (4/6/2014)

 

الإمام لم يستورد الانتخابات من الغرب

يتصور الكثيرون بأن الإمام الخميني قد استورد واستنبط فكرة الانتخابات من الغرب وهذا الأمر خاطئ تماماً، لأن الإمام الخميني كان رجلاً عميق الفكر محيطاً بأصول الفقه والفكر الإسلامي الأصيل، ولا يحتاج في تأسيس الثورة الإسلامية لاستيراد تجربة عقيمة من الغرب الفاشل في إدارة مجتمعاته وسوقها نحو الفضيلة والسعادة الحقيقية. «فلا يتصوّرنّ البعض أن إمامنا العظيم قد اقتبس الانتخابات من الثقافة الغربية ومزجها بالفكر والشريعة الإسلامية.. كلا، فلو لم تكن الانتخابات وسيادة الشعب والاتكال على آراء الناس مستمدة من الدين والشريعة الإسلامية لما التزم الإمام بها إطلاقاً ولبيّن الأمر وهو ذلك الرجل الصريح الحازم، ولذا فهي تدخل في عداد الدين.»  الإمام الخامنئي (4/6/2014)

 

الجمهورية الإسلامية نموذج فريد وجديد في الحياة السياسية

لقد سُمّيت الدولة الإسلامية التي أسسها الإمام الخميني بالجمهورية الإسلامية لتُجسِّد هذا المفهوم الديني الراقي. فسيادة الشعب عُبِّر عنها بالجمهورية، والمباني الإسلامية والشريعة التي تحكم وتنظّم الدولة عُبِّر عنها بالإسلامية، فكانت «الجمهورية الإسلامية» نموذجاً فريداً وجديداً في الحياة السياسية عبر قرون طويلة. «ترتكز الجمهورية الإسلامية على ركيزتين: الجمهورية بمعنى الشعبية، والإسلامية بمعنى القيم والشريعة الإلهية. فالشعبية تعني أن للشعب دور في تشكيل هذا النظام وفي تعيين مسؤوليه. ومن هنا فهو يشعر بالمسؤولية، وليس بمعزل عن الأمور... والإسلامية تعني أن كل ما ذكرناه يكتسب رصيداً معنوياً. ومن هنا يتم إقصاء الحكومات الديمقراطية العلمانية، والأجنبية عن الدين، والمنفصلة عن الدين، أو المعادية للدين في بعض الأحيان.» الإمام الخامنئي (7/10/2009)

«نحن حين نتحدث عن السيادة الشعبية الدينية  والإسلامية، يتصوّر البعض أنّها تتلخص في صناديق الاقتراع والانتخابات، إلا أنّ هذه هي واحدة من مظاهرها. فالسيادة الشعبية تعني أنّ الناس هم الذين يسودون الحياة في المجتمع على أساس الدين والإسلام.. هذه هي السيادة الشعبية الإسلامية.» الإمام الخامنئي (23/11/2016)

 

مشاركة الشعب والالتزام بالشريعة

إنّ الشعب هو الذي يدير نفسه من خلال كل مرافق الدولة ومؤسساتها وهذا ما تقتضيه العدالة الاجتماعية. فالمشاركة الشعبية في الانتخابات واختيار ممثلي الشعب في مجلس الشورى الإسلامي أو رئاسة الجمهورية أو بقية المؤسسات المهمة تنتج عنها مشاركة شعبية فعلية في تمشية شؤون الحياة الاجتماعية والسياسية وفق القانون الإسلامي المصوَّت عليه من قبل الشعب نفسه. وهذه هي الحالة الفريدة والرائعة التي طبّقها الشعب الإيراني في جمهوريته الإسلامية. «ويمثل الالتزام بالشريعة الإسلامية روح النظام الإسلامي وحقيقته، وهذا ما ينبغي الالتفات إليه. والتطبيق الكامل للشريعة الإسلامية في المجتمع من شأنه أن يضمن الحريات العامة والمدنية - حرية الأفراد والحرية الفردية - وكذلك حرية الشعب الموسومة بالاستقلال - فالاستقلال حرية على مستوى الشعب بأن يكون متحرراً من التبعية لأي أحد ولأي مكان، والشعب الحرّ هو الخارج من ربقة معارضيه أو أعدائه أو الأجانب -.» الإمام الخامنئي (4/6/2014)

 

خشية انتقال هذه التجربة

إنّ الشعوب الإسلامية بأغلبها تفتقد إلى هذه الظاهرة الرائعة حيث تمتزج سيادة الشعب مع الإسلام في إدارة المجتمع وتشكيل النظام السياسي. والأعداء يخشون انتقال هذه التجربة إلى بقية شعوب المسلمين المضطهدة من حكوماتها المتجبرة. إن أمريكا التي تحاول إفشال التجربة الإسلامية أو تشويهها أو حرفها، محرجة أشدّ الحرج لأنها في الوقت الذي تحاول تصوير نظام الجمهورية الإسلامية القائم على أساس مشاركة إيمان الشعب بالإسلام على أنه نظام استبدادي لا يؤمن بدور الناس ومشاركتهم في بناء الدولة وإدارتها، في ذات الوقت فإن أمريكا تدعم دولاً رجعية لم تشم رائحة الانتخابات ولا الحريات ولا تجد فيها إلا الاستبداد والتوارث القائم على أساس النسب والعائلة لا على أساس الخبرة والنزاهة والعلم وغيرها. إنّ «السيادة الشعبية الدينية... تشكّل طريقاً ثالثاً، بين الأنظمة المستبدة والدكتاتورية من جانب، وبين الأنظمة الديمقراطية البعيدة عن الدين والمعنوية من جانب آخر.. هذه هي السيادة الشعبية الدينية، وهي التي تستهوي أفئدة الناس إليها، وتدفعهم للنزول إلى الساحة.» 

الإمام الخامنئي (19/6/2009)