ثمّة مَهمّة كبيرة تقع على عاتق مجتمع ذاكري أهل البيت عليهم السلام، وهي إدارة أفراح المجتمع وأتراحه. إنّكم في الواقع تديرون الأفراح المعنويّة والمآتم الأساسيّة والقلبيّة العميقة، وتوجّهونها. المجتمعات التي لا تملك هذه المجالس وهذا البكاء وهذه الأفراح، تشعر بالفراغ، وأنا على اطّلاع على أنّهم يريدون بشكلٍ من الأشكال ملء هذا الفراغ وردمه، ولكن دون جدوى. وتقاليد هذه المَهمّة لا تعود إلى اليوم والأمس القريب، بل إلى زمن الأئمّة عليهم السلام، حيث كانوا يجلسون للاستماع إلى أشعار دعبل وأمثاله، ويحثّونهم ويدفعونهم إلى مواصلة هذه الأعمال. فهذا العمل هو عين المهمّة التي تقومون بها أنتم اليوم.

 

•إقامة العزاء والشعور بالعزّة

بعد حادثة كربلاء، أضحت إقامة العزاء للأئمّة عليهم السلام والشهداء عملاً شائعاً بقي إلى يومنا هذا. وخلافاً لما تصوّره بعض الناس، فإنّ البكاء في مجالس الشهداء ليس بكاء ضعف، بل هو بكاء إرادة وعزم، وإظهار للمشاعر السامية للإنسان وسط الميدان. فتشييع جثامين الشهداء، ومجالس عزائهم، وتكرار أسمائهم كلّه عزاء، وفيه بكاء أيضاً، لكنّه وسيلة للشعور بالعزّة والقوّة والشجاعة. لاحظوا أيّ حدثٍ عظيم سطّره تكريم الشهداء: قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس والآخرين في مختلف الدول! هذا هو معنى توجيه وإدارة مجالس العزاء بالاتّجاه الذي يريده الأئمّة عليهم السلام ويحتاجه المجتمع.

 

•نقل معارف أهل البيت عليهم السلام

إذا تحقّقت مَهمّة نقل معارف أهل البيت عليهم السلام في مجالس العزاء والهيئات الحسينيّة وما شاكل، فسيكون ذلك ذُخراً لا ينتهي. ونلاحظ اليوم أنّ مجتمعنا يصبر صبراً عجيباً تحت ضغوط متنوّعة، وهذا كلّه ببركة معارف أهل البيت عليهم السلام وهذه المجالس والمحافل، وبفضل ذكر اسم الحسين بن عليّ عليه السلام، وببركة ذكر اسم فاطمة الزهراء عليها السلام؛ لذلك يجدر أن نسلّح شبابنا بالأسلحة الناعمة؛ أي بسلاح الفكر وسلاح التفكير الصحيح وما تزخر به معارف أهل البيت عليهم السلام.

 

•بثّ الطاقة المعنويّة باستمرار

تقوم الإذاعات ووسائل التواصل الاجتماعيّ في العالم، وكذلك وسائل إعلام العدوّ، ومجامع مراكز الأبحاث والجمعيّات الفكريّة بالتخطيط لإقناع الشعوب بالتنازل أمام أمريكا، وأنّه لا سبيل أمامهم سوى ذلك. لكنّ شعبنا -بحمد الله- صامد، ولذلك ينبغي لكم بثّ الطاقة المعنويّة تباعاً وإحياؤها باستمرار. ورد في دعاء الصحيفة السجّاديّة: "وَلا تَجعَل لِفاجِرٍ وَلا كافِرٍ عليّ... يداً"(1)؛ أي لا تجعلني مديناً لكافر أو فاسق، ولا تجعلني محتاجاً إليهم، فلا تكون عيني مسمّرة على أيديهم، وأن لا أشعر بالضعف أمامهم. وهذا أمر لا ينبغي حصوله؛ لذلك كان موضوعاً للدعاء.

 

•تقديم نمط العيش الإسلاميّ

من الأمور التي ينبغي أن تتابع في هذه المجالس، بكلّ تأكيد، قضيّة نمط العيش الإسلاميّ. أن يركّز الإخوة الأعزّاء على قضيّة نمط عيش الأئمّة عليهم السلام، وليزيّن شعراؤنا الملتزمون البارزون هذه القضيّة بفنونهم الشعريّة وليقدّموها ويقرأوها في المجالس، حتّى يُصار إلى صناعة ثقافة بهذا الشأن.

 

•العقاب الإلهيّ لمن يتخلّف عن هذه المسؤوليّة

أقول لكم أيّها الإخوة الأعزّاء، الذين تشكّلون مجتمع ذاكري أهل البيت عليهم السلام إنّ هذه المسؤوليّة مهمّة. فإذا لم نعمل بمسؤوليّة الهداية بالشكل الذي ذكرناه، سوف نُسأل أمام الله تعالى، فما إن توجّه واجب ما نحونا، علينا أن نعمل بهذا الواجب، وإذا لم نعمل به فسيغضب الله تعالى. كلّما كان مستواكم المعرفيّ والمعنويّ أعلى وأكبر، كانت التّوقّعات منكم في ساحة العدل الإلهيّ وفي حضرة الحقّ أعلى وأكبر.

 

لاحظوا نموذج النبيّ يونس عليه السلام في القرآن الكريم، وهو النبيّ الإلهيّ العظيم، حيث غضب على قومه. وهو من وجهة نظرنا لم يقم بأمر خارج عن المنطق. فهو كان قد دعا قومه إلى الهداية لسنين طويلة، لكنّهم أصرّوا على الكفر والضلال. فما عسى هذا الإنسان أن يفعل؟ غضب عليهم وخرج من عندهم. لكن في المنطق الإلهيّ، ما كان يجب أن يغضب عليهم: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ (الأنبياء: 87)؛ أي تصوّرَ أنّنا لن نتشدّد معه. بلى، سوف نتشدّد معه، ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ﴾ (الأنبياء: 87)، فقد ابتلاه الله تعالى بتلك الحادثة العجيبة، ولو لم يقرأ هذه الأذكار، ولو لم يتوسّل بهذا التوسّل: ﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (الصافات: 144) كان مقرّراً أن يبقى هناك إلى يوم القيامة. لاحظوا، لأنّه كان نبيّاً، كان تنبيهه أشدّ من الآخرين!

 

•صنّاع ثقافة

في الختام، أؤكّد عليكم -أيّها الإخوة الأعزّاء- أن تستحضروا دوماً أنّكم صنّاع ثقافة، ينبغي أن تقدّموا الفكرة الصحيحة، والعمل الواجب بصورة واضحة في أذهان الناس وقلوبهم حتّى تبقى راسخة فيها، متفرّدة بالمعرفة والبصيرة. هذا العمل أكبر عبادة وأكبر صدقة.

 

 

(*) من كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله في لقاء جمع من هيئة مداحي وذاكري أهل البيت عليهم السلام، بتاريخ 15/2/2020م.

1.الدعاء الحادي والعشرون.

 

المصدر: مجلة بقية الله