سؤال: هل يمكن انتقاد الولي الفقيه؟

جوابه: في ضوء معتقداتنا الدينية فإن الأنبياء وفاطمة الزهراء والأئمة الأطهار وحدهم المعصومون، من هنا فليس ثمة من يدّعي انتفاء احتمال أن يطرأ الخطأ على سلوك ورؤى الولي الفقيه، بل إن احتمال الخطأ والسهو واردُّ بشأن الولي الفقيه، وقد يُدرك الآخرون خطأه، وعليه من الممكن توجيه النقد للولي الفقيه ونحن لا نرى جواز انتقاد الولي الفقيه فحسب، بل نعتقد وفقاً لتعاليم ديننا أن أحد حقوق الإمام المترتبة على الأمة بذل النصيحة والتسديد له، وهذا ما جرى بيانه تحت عنوان «النصيحة لأئمة المسلمين» ولا تعني النصيحة في هذه العبارة الوعظ والنصح؛ وإنما تفيد سُدّة حب الخير لأئمة المسلمين. وعلى ضوء ذلك فانتقاد الولي الفقيه ليس أمراً جائزاً فحسب، بل هو واجبٌ شرعي يتحمله المسلمون احتفاظاً على القيم والمصالح، ودفعاً للغفلة والخطأ عن المسؤولين.

 

ملاحظات حول طريقة الانتقاد

ولكن من الضروري مراعاة الملاحظات التالية عند توجيه النقد للولي الفقيه:

1ـ مراعاة الأخلاق الإسلامية حين الانتقاد وفي ذلك يتساوى الإمام مع غيره من المؤمنين، وشروط الانتقاد تتضمن القواعد التالية:

أـ يجب أن يسبق الانتقاد إحراز أصل الموضوع، وأن يكون الخلل واللبس ثابتاً، لا أنْ يُلصق ما كان باطلا استناداً للإشاعات والأخبار غير الموثوق بها، أو في ظلّ الحدس والظن بعيداً عن التحقيق، فيصبح ذلك مدعاةً للاعتراض والانتقاد.

ب ـ توجيه النقد لغرض الإصلاح والبناء، وليس تنقيباً عن العيوب وفضح الأشخاص.

ج ـ يجب أن يكون الانتقاد نابعاً من حبّ الخير والإخلاص، وليس بدافع حب الظهور.

د ـ أن يجري النقد بعيداً عن الإهانة والتجاسر، ومراعاة ما يقتضيه شأنه، وفي واقع الأمر يتعين توجيه الانتقاد على غرار تقديم الهدية، يقول الإمام الصادق(عليه السلام): «أحبُّ إخواني إليَّ مَنْ أهدى إليَّ عيوبي»[1].

2ـ بالإضافة إلى الحالات الآنفة الذكر، ثمة أمور أخرى لابد من أخذها بنظر الاعتبار للمحافظة على شخصية القائد وحرمته في النظام الإسلامي.

من المسلَّم به وجود فارق واضح بين الانتقاد الذي يوجّهه المرء لصديقه، أو المرأة لزوجها، أو الولد لوالده، أو التلميذ لأستاذه، فثمة احترام خاص يكنّه الولد للوالد والتلميذ للأستاذ، لكن ما يفوقه القداسة الخاصة بالإمام ونائبه. والقداسة ـ كما سيتم بيانها بالتفصيل خلال البحث ـ هي المحبة المقترنة بالاحترام والتواضع، وحيث إن الولي الفقيه يتبوأ موقع نيابة المعصوم، فهو يحظى بقدسية عالية، ومن الضروري مراعاة الاحترام والأدب بتمامهما حياله، ويجب على الجميع صيانة حرمته وشأنه، وعليه يتحتم أن يتم الانتقاد بطريقة تخلو من إخلال بقدسية الموقع الذي يتبوؤه الولي الفقيه.

3ـ الملاحظة الثالثة التي يتعيّن التنبّه إليها حين توجيه النقد للولي الفقيه؛ هي مراقبة العدوّ، فلابد أن يُنتقد القائد بطريقة ذكية كي لا يساء استغلاله من قبل الأعداء، ومن هنا تأتي ضرورة مراعاة هذه الملاحظات عند توجيه النقد للولي الفقيه.

هنالك لجنة في مجلس الخبراء مهمتها الإشراف على نشاطات القائد، حيث تتولى التحقيق في أعماله وإحاطته بالنتائج إن اقتضى الأمر، وقد جرى تشكيل هذه اللجنة في مجلس الخبراء باقتراح من قائد الثورة شخصياً.

 

الطريقة المثلى للانتقاد

لغرض مراعاة كافة البنود المتقدمة؛ يبدو أن أفضل طريقة للانتقاد تتمثل في تحرير رسالة إلى الأمانة العامة في مجلس الخبراء، تتضمن بياناً للأمور الضرورية؛ أما توجيه الانتقاد لسائر مسؤولي النظام ـ السلطة التشريعية، التنفيذية والقضائية ـ فقد أشارت إليه المادة 90 من الدستور الإسلامي «من كانت لديه شكوى تتعلّق بطبيعة عمل مجلس الشورى، أو السلطة التنفيذية أو القضائية، فبإمكانه تقديم شكواه خطيّاً إلى مجلس الشورى الإسلامي، المكلّف بدوره بالتحقيق حول هذه الشكاوى والرد عليها...»، ويُلاحظ أن الرجوع إلى المجلس اعتُبر أسلوباً مناسباً للبثّ في الشكوى التي هي بمثابة نمط من الانتقاد الموجّه للمراكز العليا، والعمل بهذا القانون ذي الضمانة التنفيذية من شأنه صيانة حرمة المؤسسات المذكورة. واستناداً للمادة 113 من الدستور يعتبر القائد أعلى مسؤول رسمي في البلاد، لذلك من الأَولى مراعاة هذه الأمور حياله.

جدير ذكره أنه ينبغي أن لا نطمع بالرد إيجازاً أو تفصيلا على كافة الإيرادات والانتقادات التي نوجهها، وذلك لدوام تعذّر بيان الدوافع التي تقف وراء النشاطات والإجراءات السياسية للملأ العام، بسبب التعقيد الذي يكتنف القضايا السياسية والقرارات المهمّة على الصعيد الاجتماعي، وكذلك إمكانية استغلال العدوّ لما سيجري إفشاؤه، ولكن من المسلَّم به أن الآراء والانتقادات والمقترحات البنّاءة ستكون موضع اهتمام، وسيحيط الولي الفقيه علماً بالضروري منها.

[1]  بحار الأنوار: 78/249، الرواية 108، الباب 23.