الإمام الخميني قدس سره..شمسٌ لا تغيب

 

تحقيق: كوثر حيدر

 

تاه عنك المعرضون، وخسروا، وفاز العارفون بك. حاضرٌ كطيف عصيّ على التاريخ والنسيان، ممتدّ جيلاً بعد جيل، نرى طلّتك في الشوارع المعمّدة بالدم والورد، في المدن التي أشبعتها الأجساد المترفة بالنعيم الأعلى، بين صور الشهداء المرصوصة فوق سماء البلاد المزيّنة بمن أسرها طيف روحك.. حتّى غدا العيش قربك معيناً لا انقطاع فيه، ولا موت، لا ضعف فيه ولا سقم، وغدا العيش قرب محيّاك حياة متجدّدة أصيلة، تشبه "روحاً" منقطعة النظير، نفخ فيها الرحمن من روحه، فصارت "روح الله".

سبعٌ وثمانون سنة، أفناها الإمام قدس سره في نِعم الجهاد والعمل، حتّى بات منهجاً وأيقونة بشريّة حاضرة بقوّة لدى الشباب الثوريّ على وجه الخصوص. وعليه، نطلّ في هذا التحقيق المتواضع على الإمام روح الله الموسويّ الخمينيّ قدس سره في عيونهم، وقلوبهم، لنعلم أكثر عن ذاك الذي خلّف بحياته ورحيله أُمّةً بأسرها.

 

* "أمريكا الشيطان الأكبر"

يقول "محمّد مهديّ"، وهو شابّ عشرينيّ وطالب جامعيّ: "لعلّ من أكثر الكلمات أو المواقف الخاصّة بالإمام قدس سره والتي أردّدها دائماً، هي: (أمريكا الشيطان الأكبر، وإسرائيل غدّة سرطانيّة)؛ وهذا يعود إلى أنّنا نشأنا وتربّينا على مفهوم محاربة (إسرائيل) ومعاداة أميركا. وكلّ شيء نراه، سواء بالبصر أو بالبصيرة، يدلّ أنّ عدوّنا الأساسيّ هو أميركا. وبالفعل، إنّ أميركا هي الشيطان الأكبر، وما (إسرائيل) إلّا أداة وذراع لهذا الشيطان".

 

* منظومة شاملة

يضيف محمّد قائلاً: "أوضح لنا الإمام الدين الصحيح، والذي هو نظام شامل وكامل، من أنظمة وقوانين وضعيّة، إلى توصيات للاهتمام بالصحّة والرياضة، وكيفيّة التعاطي مع أفراد أسرتنا، وأكثر ما أتذكّره في هذا الصّدد، هي مقولته الشهيرة: (لست رياضيّاً، لكنّي أحبّ الرياضيّين)".

 

 

* النتيجة على الله

أمّا في الأثر الوجدانيّ، فيقول محمّد: "لقد تعلّمتُ من الإمام قدس سره أنّنا نستطيع فعل كلّ شيء وفق منهج واضح، حيث يكون العمل والسعي علينا، والنتيجة على الله. فنحن علينا أن نقاوم أميركا وإسرائيل، ولكنّ الانتصار أو الشهادة بيد الله. علينا أن ندرس ونتعلّم، والنتيجة دائماً بيد الله. علينا أن نؤسّس لحياتنا في هذه الدنيا، والرزق والتوفيق من عند الله".

 

* حضور الإمام قدس سره الماديّ والروحيّ

في المقلب الآخر، شابّ في الخامسة والعشرين من عمره، جذبته روح الإمام منذ صغره، حتّى كان أن دخل سلك العلوم الدينيّة في سنّ يافعة. يقول حسين حجازي: "قبلَ الإجابة عن تأثير الإمام قدس سره، ينبغي توضيح نقطتين: الأولى: التأثير تارةً يكونُ بفعل المظهر الخارجيّ، ولذلك نجد أنّنا ننجذب إلى أحدهم من مجرّد النظر إليه، ولعلّ ذلك يكون مصداقاً لـ(سيماهم في وجوههم). أمّا الثانية: التأثير يكون نتيجة الباطن الذي يتمتّع به المرء، والذي يظهر على لسانه وجوارحه. فالسيّد الإمام صاحبُ وجهٍ نورانيّ، يكفي النظر إليه لتعرف حجم القوّة التي يتمتّع بها، وإنّ كلماته تتطابق مع أفعاله.

 

* من المتوكّلين

ويتابع حسين قائلاً: "إنّ أكثر ما أثّر بي في شخصه الشريف هو التوكّل على الله واليقين به سبحانه، اليقين بأنّ الله هو الفاعل الحقيقيّ في الوجود، وأنّ ما يريده الله يكون. فلا تختلف نظرة الإمام إلى الحياة عن نظرة أجداده الأئمّة عليهم السلام، بأنّها مرحلة عابرة على الإنسان أن يؤدّي تكليفه فيها. كما يكشف ارتباطه بصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف عن معرفته بأنّ لطف المعصوم عليه السلام غيرُ ممتنع عنّا ولا منقطع.

ويضيف: "دائماً ما أتذكّر عبارة الإمام قدس سره التي تقول: (اكتب بقلم العقل على صفحة القلب أنّ لا مؤثّر في الوجود إلّا الله)، فهذه العبارة ترافقني مذ سمعتها ووعيتها، وإذا دقّقنا فيها نراها تلخّص حياة الانسان المؤمن صاحب التوكّل الخالص لله تعالى.

 

* رحماء بينهم

في السّياق نفسه، تقول ريان علويّة، وهي طالبة جامعيّة: "على الرغم من صلابة الإمام وشدّته في وجه الأعداء، تراه رقيقاً وحنوناً مع أفراد عائلته، وإذا ما كان يريد طلب كوب ماء من زوجته، كان يطلبه بكلّ ودّ وعطف".

وتضيف: "كان يحذّرنا أنّ أميركا ستتوجّه إلينا رافعةً القلم في وجوهنا وليس السلاح، وستأتي ومعها أصحاب الاختصاصات العلميّة، بأكثر الأوجه الناعمة".

 

* الإمام أحيا الدين الإسلاميّ الأصيل

"نيفين" شابّة ثلاثينيّة، شغفها هذا الرجل العرفانيّ الذي أفنى عمره في سبيل العيش الإنسانيّ الكريم، فرأت فيه نموذج الإنسان الكامل الذي عمل طيلة حياته في خدمة المستضعفين.

وتقول: "لم يأتِ الإمام قدس سره بتعاليم جديدة ولم يخترع شيئاً، بل هو أعاد إحياء دين أجداده الأصيل نحو القوام الصحيح. على الصعيد الشخصيّ، جعلني الإمام أرى كم أنّ الإسلام دين قويّ ومنطقيّ ومقنع، ولديه قابليّة للاستمراريّة والحياة، فضلاً عن الكرامة والاحترام التي يوليها للمرأة، بعكس مجتمعاتنا المليئة بالتخلّف والأفكار الرجعيّة والموروثات والتقاليد".

 

* العلاقة الوثيقة بصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

لقد كان السافاك يسلخون جلود الناس بشكل حرفيّ، كان الظلم مستشرياً في تلك الآونة. جاء الإمام قدس سره وحارب هؤلاء الطواغيت. ألا يمكن أن يكون هذا سبباً كافياً لسيره على نهج صاحب العصر والزّمان عجل الله تعالى فرجه الشريف؟! فضلاً عن اتّخاذ قيمة العدالة كمبدأ أساسيّ في قيام الدولة بعد انتصار الثورة، وهذه مسألة مهمّة وتتوافق مع مبدأ "بسط العدل" الذي سيظهر من أجله الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

* سرّ الانجذاب نحو الإمام قدس سره

يقول الشيخ حسين شمس الدين: "استطاع الإمام الخمينيّ قدس سره بشخصيته التي ظهرت لنا بسيرته وبياناته وخطاباته، أن يطرح لنا الإسلام مترابطاً، وهنا كان سرّ الانجذاب نحوه في الدائرة الإسلاميّة عموماً، كما استطاع أن يروي عطش الشباب الذين يشتعلون ثورةً وحماسةً في مواجهة الظالمين، فوجدوا أمامهم شخصيّةً جمعت بين الثورة والعرفان، وبين الحسّ النهضويّ والروح اللطيفة.

هذا الأمر بتقديري استطاع أن ينفذ في وجدان الشباب، حتّى أضحى الثائرون بعد الإمام قدس سره يجدون طعم تهذيب النفس والأخلاق في عين ثورتهم ونهوضهم، بينما كان الوضع قبل الثورة يتمثّل في الابتعاد عن الدين والمعنويّات الدينيّة، وخاصّةً في دائرة الحركات اليساريّة والشيوعيّة آنذاك".

 

* الإمام قدس سره وتهذيب النفس لدى الشباب

حول موضوع تهذيب النفس عند الشباب، يقول الشيخ حسين: "استطاع الإمام قدس سره أن ينقل مسألة التهذيب إلى عمق العمل والحياة، وأخرجها من أسر التكايا والزوايا والخلوات، وجعلها مسألةً متناسبةً مع حيوية الشباب وانخراطهم في العمل؛ لأنّ زهرة الشباب والنشاط والعمل والجدّ لا تتعارض مع قضيّة تهذيب النفس، ومن يراجع كلمات الإمام قدس سره يتّضح له هذا الأمر تماماً. كما أنّ الإمام الخمينيّ قدس سره، بصناعته لنفسه المتمحورة حول تهذيب النفس، أوجد النموذج العمليّ للإسلام، فأخرج بذلك ما كان مدوّناً في الكتب إلى الممارسة والتطبيق، وكان هذا الأمر أعظم داعٍ إلى الإسلام وإلى تهذيب النفس".

 

* الدين المحمّديّ الأصيل

يتابع الشيخ حسين قائلاً: "إنّ سرّ استمرار التأثّر بالإمام الخمينيّ قدس سره يكمن في النهج، فالإمام صار نهجاً، حيث إنّ المراقب له يرى أنّه كان يُسند كلّ قراراته وأفعاله إلى أصول وقواعد مستنبطة من المعارف الإسلاميّة البرهانيّة، ومن النصوص الدينيّة المعتبرة. لذا، لم يكن الإمام ليموت بموت شخصه، لأنّه أرسى ثقافة النهج الذي يستمرّ باستمرار قوّة منطقه وإخلاص أتباعه، وهذا النهج هو الإسلام المحمديّ الأصيل.

 

* سرّ التأثّر بشخصيّة الإمام قدس سره

"إنّ الاطّلاع على حياة الإمام قدس سره الشخصيّة، بدءاً من تحصيله العلميّ، ومروراً بعلاقته بأسرته وأقربائه، وانتهاءً بنفوذ شخصيّته السياسيّة، يولّد في النفس إعجاباً بشخصه العظيم. وإنّ التأثير الحقيقيّ للإمام قدس سره يتجلّى إذا ما انصبغت شخصيّة الشابّ بإرشاداته قدس سره، وهذا يحصل بالاطّلاع على تفاصيل نهجه، وهو الإسلام المحمّديّ الأصيل"، يقول الشيخ حسين.

 

* الإمام قدس سره.. القدوة والمنارة

وهكذا، ليس غريباً أن يُسحر الشباب بذلك الإمام التقيّ العالِم، مفجّر الثورة الإسلاميّة في إيران، ومحقّق حلم الأنبياء، وهو الذي كان قوله وفعله مرآةً لنهج الأولياء والأئمّة عليهم السلام، فكان لذلك الجيل القدوة والمنارة التي تنير لهم ظلام دروبهم.