حوار مع حرم السيد احمد الخميني السيدة فاطمة طباطبائي

كلما ازداد في الشخصية ظهورها العام وتألقها أمام الجمهور، كلما استبدَّ بالعقول النيرة والنفوس المستبصرة شوقها وفضولها لكي تنفذ من وراء هذا الألق بحثاً في الأعماق عما يتستر وراء المشهد ويخفى عن الأنظار.

ومع رجل كالإمام لامست مكونات شخصيته تلك السكينة والطمأنينة العلوية التي تنفح بها السماء على أولياء الله دون الناس جميعاً، يزداد التوق لاكتشاف بطائنها وما يضمره مشهد الظهور العظيم من أسرار ومفردات.

الشخصية الكبيرة والصغيرة تمارس كلاهما حضورهما الطبيعي البعيد عن التكلف في دائرة الحياة الشخصية وذاتياتها؛  مع فارق أنَّ الأولى تبرهن بالتزامها على سموّها وعلو همتها وما تنطوي عليه من انسجام بين الظهور العام والسلوك الشخصي، في حين أنَّ الثانية تعطي الأدلة على دنوها ووضاعتها من خلال حجم المفارقة بين «تكلفها» في الظهور العام، وانحدارها في السلوك الخاص.

وفي السلوك الخاص تتفوق بعض الشهادات على غيرها بما لا يضارعها أية شهادة. وهذه الأسطر التي بين أيدينا تنطوي على اضمامات ـ لا أكثر ـ تحكي لمحات من معالم الوجه الآخر في حياة الإمام، وتثبت كم هي منسجمة سيرة حياة هذا الرجل بين الدائرتين الخاصة والعامة.

 

* السيدة فاطمة طباطبائي، نرجو أن تحدثينا عن تاريخ ارتباطك بعائلة الإمام.

لقد ارتبطت بعائلة الإمام في عام 1970، بيدَ أن عائلتنا كانت على معرفة كاملة بعائلة الإمام قبل هذا التاريخ؛ فقد كان والدي وسماحة الإمام الراحل كلاهما مدرسين في الحوزة العلمية بمدينة قم، بالإضافة إلى أن كريمة الإمام الكبرى هي حرم حجة الإسلام إشراقي، والأخير قريب لوالدتي، وهذا سبب آخر لعلاقتنا مع هذه العائلة.

 

* وما هي الوصايا والتوجيهات التي تركت أثرها عليك في أول لقاء لك مع الإمام الراحل؟

لقد تزوجت من السيد أحمد الخميني في عام 1970، وفي 1973 سافرتُ وزوجي وطفلي البالغ تسعة شهور، إلى العراق، حيث وصلنا منزل الإمام مُنتصف الليل، وقد فتح لنا الباب سماحة الإمام بنفسه، فجلس معنا دقائق ثم نهض وانهمك بأداء صلاة الليل. أثار هذا الموقف استغرابي، فصلاة الليل ليست واجبة، وقد كان بإمكانه تأجيلها، خاصة والإمام يحب السيّد أحمد كثيراً، ولم يكن قد رآه منذ عدّة سنوات!

تأكدَّ لي بعد ذلك أنَّ هذا الموقف للإمام نابع من شدّة حبّه لله وحرصه على أداء صلاة الليل.

أمّا الخصيصة الأخرى التي كان يمتاز بها الإمام، والتي اكتشفتها فيه سريعاً، فهي ثباته وصلابته، والنظام الخاص الذي امتاز به سماحته. فبعد مرور عدّة أيام على مكوثي في النجف الأشرف، احطت علماً بطبيعة برامجه في كل ساعة من اليوم، حتى بت أعرف الساعة من خلال ملاحظة الإمام، بسبب انتظام برامجه ودقّتها.

وسألت حرم الإمام مرّة عن برامج الإمام، فأجابت: إذا أخبرتك ببرنامجه خلال اليوم الواحد، فبإمكانك اعتباره برنامجه على مدار السنة، فهو على غاية كبيرة من النظم والدقة، وكان يوصي بالنظم والتخطيط دائماً.

كنت أجهل في البداية الكثير من الأمور، ولكني بعد التدقيق بأعمال الإمام وسلوكه؛ وبعد توجيه الأسئلة إليه، تأكّد لي انه يلتزم كثيراً من المستحبات الشرعية ويبتعد عن المكروهات، وكان ينهانا عن المكروهات أيضاً، فمثلاً حين كنّا نضحك بصوت عال كان ينهانا عن ذلك، لأن الضحك بصوت عال مكروه شرعاً.

 

* كيف كان يتعامل سماحة الإمام مع موضوع اختيار الزوجة لأبنائه أو الزوج لبناته، وهل كانت لديه وصايا خاصة في هذا المضمار؟

لقد كان سماحته يدرس وضع العوائل التي كانت تتقدم للزواج من كريماته بحثاً عن أوجه مُشتركة بين الجانبين. وبعد أن يطمئن إلى عائلة المتقدم ويقتنع بها، يتحدّث بنفسه مع الخاطب ليرَ هل أنه كفوء لكريمته أم لا، ويدرس الطرفين وهل بإمكانهما فهم بعضهما البعض. بعد دراسة الموضوع بتأمل يستخير الله (عزّ وجلّ)، أي يطلب الخير من الله.

وأتذكر مرة أنني سألت حرم الإمام فيما إذا كان سماحته يستخير الله بشأن المتقدمين للزواج من كريماته أم لا؟ فأجابت: لم تكن للإمام قناعة بالاستخارة بمعناها السائد، كأن يستخير ـ الإنسان ـ فإذا جاءت النتيجة سلبية يرفض، وإذا كانت ايجابية يقبل. كلا لم يكن يعمل بالاستخارة بهذا المعنى.

مازلت أتذكر جيداً عندما أراد تزويج أحد كريماته كيف استقبل القبلة وصلى ركعتين، ثم توجه إلى الله (عزّ وجلّ) يلتمس إليه أن يجعل الخير في هذا الزواج. ولو دققنا في الموضوع لرأينا أنّ هذا هو معنى الاستخارة.

أي أنّ على الإنسان بذل ما في وسعه والبحث في الأمور ودراستها ما أمكن، حتى إذا ما توصل إلى قناعة ذاتية يتوجه إلى الله (جلّ شأنه) لطلب الخير والمعونة.

 

* ما هو الدور الذي كان الإمام يمنحه لكريماته بشأن اختيار الزوج؟

كان يطرح الموضوع عليهن، والشيء الطبيعي أنّ العائلتين كانتا على معرفة ببعضهما؛ أي أن كريمة الإمام هي على معرفة كاملة بعائلة المتقدم للزواج مِنها، وكان الإمام يطرح الموضوع على كريمته، وينقل لها تصوره عن الخطيب ونقاط ضعفه وقوته، بيدَ انه كان يترك الخيار النهائي للبنت، وإلاّ في غير هذه الحالة يكون عقد الزواج باطلاً أساساً.

 

* هل كان لسماحته (رضوان الله عليه) وصايا خاصة وموازين معينة حول الزواج؟

لقد كان ميزانه تقوى الشخص دائماً، لأنه يعتقد بأن التقوى هي العامل الرئيس؛ فحتى لو وضعنا البعد المعنوي جانباً، فانّ الإنسان المؤمن لن يتسبب بمشكلة في القضايا الدنيوية؛ فالمسلم المتقي لا يُلحق الأذى والظلم بالآخرين، وبزوجته أيضاً، والمؤمن لن يضيع حق أحد، وكان الإمام يقول دائماً أنّ من يسير على منوال ضوابط معينة لا يقوم بأي تصرف غير صادق، وبالنتيجة لن يلحق الأذى بزوجته وأطفاله.

أما الوصية الأخرى التي كان يؤكد عليها، فهي موضوع الكفاءة، بأن يكون الزوجان مناسبين لبعضهما البعض. والشيء الطبيعي أنّ العائلة العلمائية تتسق أكثر مع العائلة الأخرى المماثلة لها.

بناءاً على ما مرّ كان الإمام يؤكد على وصيتين مهمتين بشأن الزواج، الأولى: التقوى، والثانية: كون الشخص كفوءاً مناسباً. بالإضافة إلى الأهمية التي كان يوليها للعائلة وأصولها؛ إذ كان يعتقد أنّ الأب والجدّ إذا كانا صالحين، فإن نطفتهما تكون طاهرة أيضاً.

بعد هذه الأمور كان يهتم بالقضايا الأخرى، من دون أن يعير أهمية للجوانب المادية، أو أن يعتبرها معياراً للسعادة والشقاء.

 

* ما هي نظرة الإمام إلى آداب الزواج والقضايا المتعلقة به كالمهر مثلاً؟

كان الإمام دقيقاً بشأن المهر، أي انه كان يعتقد بضرورة المهر، فعندما كان الزوجان يحضران لاجراء العقد عند سماحته، ويحددان المهر، كأن يكون نسخة من القرآن الكريم فقط، كان يطلب مِنهما تحديد مبلغ من المال كمهر بالإضافة إلى القرآن الكريم.

 

* ماذا كان رأيه حول مقدار المهر؟

هذه مسألة ترتبط بوضع الأفراد، وكان الإمام يُرجع ذلك إلى العرف السائد؛ فهذا موضوع عرفي بالدرجة الأولى، فقد يختلف ميزان المهر من عائلة إلى أخرى، وكان الإمام يعتقد بضرورة الاهتمام بالموازين التي تعتمدها البنت وعائلتها، بيد أنه لم يكن يميل إلى مراسم الزواج الأخرى، فعندما تزوج حفيده من شقيقتي نهى عن إقامة المراسم، سيما إذا علمنا أن الزواج جرى خلال سني الحرب، حيث نهى سماحته عن الاحتفال، فاقتصرت مراسم الزواج على مستوى الحد المتوسط. أقول بشكل عام، إنّ الإمام كان يرى ضرورة رعاية العرف السائد والعمل وفقاً له.

 

* ما هي الأمور التي كان يعتبرها الإمام جزءاً من واجبات حرمه أو كريماته، وهل كان يبدي انزعاجه لعدم التزامهن بها؟

لقد كان احترامه لحرمه كبيراً جداً، وقد كان هذا الاهتمام مشهوداً حتى آخر لحظات عمره، فكان يوصي الجميع بذلك، حتى أولاده؛ أي يوصيهم باحترام زوجاتهم.

كما تعلمون لا يوجب الإسلام شيئاً من الأعمال المنزلية على المرأة، من قبيل طهي الطعام مثلاً، والإمام كان يولي موضوع الألفة والتفاهم أهمية خاصة، لذا لم يكن سماحته يصدر أمراً لحرمه بشأن هذه الأمور، فعندما كان يريد مثلاً خياطة أحد أزرار ملابسه، كان يقول للسيدة حرمه: هل يمكن أن تعطيه للآخرين لخياطته، ولم يكن يأمرها أن تخيط ذلك بنفسها. وإذا رأى أن زرّ القميص لم يُخاط فلم يكن يقول ـ معترضاً ـ: لماذا لم تخيطيه؟ بل كان يقول: الم يكن هناك أحد لخياطته.

لم يقل لحرمه حتى آخر لحظة من حياته ناوليني كأساً من الماء، وفي المقابل كان يقوم بذلك تجاه حرمه، أي كان يأتي لها بالماء، ويذكرها بتناول أقراص الدواء.

هذا من ناحية سلوك الإمام. وقد كان يتقيّد في بعض المجالات، فبشأن العلاقات مع بقية العوائل، كان يحرص على أن تستشيره حرمه بخصوص إقامة العلاقات الجديدة مع العوائل، وكان يطلب أن تبلغه بالمكان الذي تريد حرمه التوجه إليه، للتأكد من العائلة التي يُراد بناء علاقة عائلية معها.

لقد كان الإمام يضع هذه القيود خارج المنزل، وكان قد طلب من السيدة حرمه، ان يكون الميزان هو عدم اقتراف ما يشكّل مخالفة شرعية، مع التأكيد على الالتزام بالواجبات.

إنَّ المراقب لأعمال الإمام وتصرفاته يشعر بأنّ ظاهره وباطنه واحد لا يتغيّر؛ فإذا أراد مثلاً أن ينهانا عن الكذب، فقد كان يتصرف بشكل يبين لنا فيه أنَّ الكذب عمل مذموم وصفة الجبناء والوضيعين.

 

* ما هو رأي الإمام الراحل بشأن دراسة المرأة، وهل كانت له وصايا خاصة في هذا المجال؟

لم يكن سماحة الإمام يتدخل بالشؤون الخاصة لأفراد العائلة، وخاصة بالنسبة للمتزوجين من أبنائه الذكور، إلاّ أنه كان يدلي بتوجيهاته لأبنائه الذكور أكثر من الإناث، ولم يكن يتدخل ـ مثلاً ـ حتى في تسمية أحفاده، بيدَ انه كان يدلي بوجهات نظره في هذه الأمور فيما لو سئل عنها.

لذلك لم يكن يتدخل في تحديد الفرع الدراسي لكريماته، ولكنه كان يوصي بشكل عام بضرورة مواصلة تحصيل العلم. وكان يوصي أحفاده دائماً بمواصلة دراساتهم العليا ويشجعهم على ذلك. لقد ذكرت حرم الإمام انها طلبت من سماحته عندما قدموا مدينة قم، ان يدرّسها لأنها لم تكن قد أكملت سوى المرحلة المتوسطة، فاستجاب لذلك، وكان يعطيها جزءاً من وقته لتحقيق هذا الهدف، وكان يشجعها على المطالعة، بيدَ أنه كان يؤكد لها ضرورة ان لا يتحوّل العلم إلى حجاب.

 

* ما هو موقف الإمام بشأن عمل المرأة؟

لم يكن يعترض على ذلك بشرط أن لا يكون للعمل تبعات سلبية على الوضع العائلي، لأنّ المرأة هي التي تربّي المجتمع، والعائلة هي نواة المجتمع. لقد كان الإمام يرى أن دور المرأة مهم جداً في بناء العائلة وتماسكها، كما كان يعتقد أن بمقدور المرأة إصلاح الرجل السيئ، فإذا كان المحيط العائلي سليماً فلن تحدث مشكلة ولن يحدث خلاف، مما يترك آثاراً ايجابية على الأطفال الذين سينشأون بشكل سليم، ومن ثم سينعكس ذلك على المجتمع ايجابياً.

كان الإمام لا يمانع من عمل المرأة خارج المنزل بشرط أن لا يسيء ذلك إلى العائلة، نظراً لدور المرأة المصيري وأهميته في تربية الأطفال.

كنا أحياناً نمزح معه، ونحن نقول: أن على المرأة أن تبقى في منزلها! فكان يجيب: لا تستهينوا بدوركم في المنزل؛ فانَّ تربية الأطفال ليست بالشيء الهيّن، فلو تمكن إنسان ما من تربية وإعداد شخص واحد تربية صحيحة، فسيكون بذلك قد أدّى خدمة جليلة للمجتمع. الأكثر من ذلك، كان الإمام يعتقد بأنَّ الرجل غير قادر على تربية الأبناء، وان ذلك يعتمد بشكل أساس على المراة، لأنّ مساحة العاطفة في المرأة أكبر، والحب والعاطفة يجب أن يكونا عماداً للعائلة.

 

* ما هو رأي الإمام الراحل من النشاطات التي تقوم بها السيدات من عائلته في المجالين السياسي والاجتماعي؟

لم يكن الإمام يمنعنا من ذلك، إلاّ أنه كان يحرص على أن لا نُستَغَل بسبب ارتباطنا به، أي أنه كان يحظر علينا التصدّي للمناصب الحساسة. فكان لا يرغب ـ مثلاً ـ أن تكون كريمته نائبة في مجلس الشورى، حيث كان يقول: لا أحب أن يقال أن فلانة تسلمت المنصب الفلاني لارتباطها بالإمام وصلتها به. وكان يقول أيضاً: لم نقم بالثورة لكي نتقاسم المواقع، ولكي لا تحدث شبهة في هذا المضمار أريد منكم أن لا تتسلموا مناصب كهذه، وهناك مجالات أخرى يمكنكن العمل من خلالها.

لذلك انطلقت نشاطاتنا في مجالات أخرى، على سبيل المثال عندما كان سماحته في مدينة قم المقدسة، وأصدر توجيهاته بتشكيل مؤسسة محو الأمية، التزمت بأحد الفصول الدراسية، وقد سجلت الكثير من الأخوات الأميات أسماءهن في هذا الفصل، ورغم أنَّ الإمام كان يعاني في حينها من مرض القلب، إلاّ انه كان يشعر بالغبطة والسرور عندما كنت أحدثه عن نشاطاتي في هذا المجال، مما كان يشجعني للتحدث عن ذلك له.

لقد كان يعلم بأن لدي طفل صغير واني أواصل العمل خارج المنزل، إلاّ انه لم يكن يمنعني عن ذلك. وكذا الحال بالنسبة لكريمته حيث كان يعلم أنها تقوم بنشاطات واسعة على صعيد حركة المرأة المسلمة. لقد كان يقول: واصلوا نشاطاتكم، إلاّ أن عليكم رعاية الحدود الشرعية، ومِنها كسب موافقة أزواجكن.

 

* ما هو رأي الإمام بشأن موضوع حجاب المرأة؟

كان الإمام الراحل يعتقد بأن ملابس المرأة وظاهرها لا يجب أن يقود إلى الإفساد؛ أي يجب عليها أن لا تظهر مفاتنها الجسدية، ولكن لا مانع من ظهور قرص الوجه، بدون زينة.

أمّا بشأن عمل المرأة خارج المنزل، فكان يرى بأنّ عليها أن لا تتحدّث إلى الرجل ما دام لم تستدع الضرورة ذلك. فعندما كان أحد أحفاده يصل مرحلة البلوغ، لم يكن يجلس معنا في غرفة واحدة، لأنّ الإمام لم يكن يرى ذلك ضرورياً، ولكنه لم يكن يعترض على الضروريات، فقد أخبرته مرة أني تحدثت مع الأستاذ في الجامعة حول أحد المواضيع الدراسية بباعث الضرورة العلمية.

 

* ما هو رأي الإمام بالنسبة لتعدّد الزوجات؟

لقد كان سماحته يعتبر رعاية العدالة شرطاً مهماً في ذلك، وكان يستبعد أن يتمكن الرجل من رعاية العدالة، أمّا إذا تمكّن فلا مانع من تعدّد الزوجات. ولكن تعرفون أن سماحته وكل أبنائه وأحفاده لم يتزوجوا غير زوجة واحدة، وكان يتصرف بما يوحي انه لا يحبّذ تعدّد الزوجات، أي انه كان يرى هذا الموضوع غير مناسب.

والشيء الطبيعي أن تؤخذ أوضاع المجتمع بنظر الاعتبار؛ إذ من المحتمل أن تستدعي الضرورة العمل بمبدأ التعددية. ولكن من الذي بمقدوره رعاية العدالة مع زوجاته.

 

* هل كانت للإمام الراحل وصايا خاصة قبل رحيله؟

في اليوم الذي سبق انتقاله إلى المستشفى وجه إلينا بعض النصح بشأن موضوع الغيبة. فهو لم ينهِ عن الغيبة لأن ذلك أمر مفروغ منه، ولكنه كان يقول: حاولوا الابتعاد عن المجالس التي تذكر فيها الغيبة. لقد كان يؤكد كثيراً على الابتعاد عن الغيبة وعن السخرية بالآخرين.

أمّا الموضوع الآخر الذي كان كثيراً ما يؤكد عليه الإمام، فهو أداء الصلاة في أوقاتها، وكان يستشهد برواية عن الإمام الصادق (ع) تؤكد أن المستخف بالصلاة لن ينال شفاعة آل الرسول. قلت له مرّة، ربما كان مراد الإمام الصادق (ع) في حديث الاستخفاف، هو من يؤدي الصلاة مرة ويتركها في مرة أخرى، بيد أنه أجاب: كلا، أن ذلك سيكون خلافاً للشريعة، فقد كان الإمام الصادق يرى أن عدم الاكتراث بأداء الصلاة في أوقاتها، يعني أن الشخص يرجح عليها قضايا أخرى.

 

* لو تُحدثينا ـ في نهاية المطاف ـ عن بعض توجيهات الإمام الراحل

كانت توجيهاته تؤكد على الالتزام بالأخلاق والآداب في المنزل. أما بشأن التعبد والطاعة فهو بحث خاص يحتاج للتفصيل، فلو تفحصنا فتاوى الإمام لرأينا أنه كان يعطي لكل منها بعده المعنوي. وهذا لا يعني ترك ظاهر الأمر والتمسك ببعده المعنوي أو بالعكس؛ فقد كان الإمام يهتم بالجانبين معاً، أي انه كان يقول بأنّ الظواهر الشرعية لها أبعاد معنوية يجب العناية بها.

وحول العبادة يذكر الإمام في أحد كتبه، أن العبادة باب فتحه الله لرحمته، فليس بإمكاننا ـ مثلاً ـ أداء شكر النعمة التي أنعمها الله علينا بتعليمنا الصلاة، وسماحه لنا (سبحانه) بأدائها. كان ينظر إلى مفهوم الصلاة بمثل هذا المنظار.

أي أنَّ الصلاة والعبادة هي أبواب فتحها الله لرحمته، وبمقدور الإنسان التقرب إلى الله من خلال الصلاة. وقد كان الإمام يؤكد انه ليس بمقدورنا أن نعرب عن شكرنا للباري على نعمة الصلاة التي منحنا الله إياها، ليكون بمقدورنا الارتباط به (عزّ وجلّ) من خلال الصلاة. كان يوصي دائماً بقراءة الأدعية كالمناجاة الشعبانية، وكان يؤكد أنه لم يكن بإمكان أي منّا أن يدعوا بمثل هذه الأدعية التي كان يدعوا الأئمة بها، لولا أن لطف الله هو الذي هدانا إليها لنتكامل من خلالها ونسمو.

وبشأن شهر رمضان كان يؤكد انه شهر ضيافة الله، وهو رحمة منه (سبحانه) لمخلوق ضعيف كي يتمكّن من الارتفاع والسمو.

تكتسب العبادات والواجبات الشرعية مفهوماً خاصاً عندما ننظر إليها بمثل هذا المنظار.

شخصياً أوصاني الإمام في الأيام الأخيرة بقراءة دعاء العهد صباح كل يوم، ومن الأدعية التي كان يواظب عليها سماحته دعاء كميل بن زياد المروي عن الإمام علي (ع)، والمناجاة الشعبانية.

وبشكل عام كان الموضوع الذي يؤكده دائماً وينصح به أفراد أسرته هو الالتزام بالواجبات والانتهاء عن المحرمات، والعمل بذلك يستلزم أولاً معرفة الواجبات للعمل بها، ومعرفة المحرمات لاجتنابها، وكان يؤكد أن العمل بالمستحبات له دور خاص في بناء الشخصية الإسلامية.

كما كان يوصي كثيراً بتلاوة القرآن الكريم.