السيد كامل الهاشمي

منذ أن مارس المسلمون السلطة وإلى الآن ظهرت عدة نظريات لتفسير شرعية تلك السلطة في ضوء المتبنيات العقائدية والثوابت الشرعية، ويمكننا هنا أن نلخص أهم النظريات السياسية الإسلامية حول مصدر شرعية سلطة الحاكم السياسي في النظريات التالية:

 

أولاً : نظرية الانتخاب (البيعة):

ترى هذه النظرية أن شرعية الحكم والسلطة السياسية تأتي من كون الحاكم منتخباً من قبل الأمة، إما بشكل مباشر، أو عن طريق انتخاب جماعة معينة من الأمة له. فقد ذهب علماء السنة إلى أن الانتخاب أو ما عرف بالبيعة هو طريق لشرعية حكم الحاكم السياسي وتثبت من خلاله ولايته لأمور المسلمين.

وقد عرّف ابن خلدون في مقدمته (البيعة) قائلاً: "اعلم إن البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه في ما يكلفه به من الأمر على المنشّط والمكرّه. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمي بيعة، مصدر باع، وصارت البيعة مصافحة بالأيدي.

هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع"(1).

وتحدث الماوردي في الأحكام السلطانية عن البيعة قائلاً: "فإذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار، تصفحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها، فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلاً وأكملهم  شروطاً ومن يسرع الناس إلى طاعته ولا يتوقفون عن بيعته، فإذا تعيّن لهم من بين الجماعة من أداهم الاجتهاد إلى اختياره عرضوها عليه، فإن أجاب إليها بايعوه عليها وانعقدت في بيعتهم له الإمامة، فلزم كافة الأمة الدخول في بيعته والانقياد لطاعته، وأن امتنع من الإمامة ولم يجب إليها لم يجبر عليها، لأنها عقد مراضاة واختيار ولا يدخله إكراه ولا إجبار، وعُدل عنه إلى من سواه من مستحقيها"(2).

ومن الواضح أن هذه النظرية لا يمكن الادعاء بأنها نتاج إسلامي خالص، وذلك لأن واقع المجتمعات الإسلامية لم يعرف طوال تاريخه السياسي الماضي شيئاً من هذا القبيل بالمعنى الذي تتمثله اليوم العمليات الانتخابية الحرة والعامة، والتي تشارك الأمة فيها بكل طواعية وبكل حرية في انتخاب وتعيين حاكمها السياسي، وهو النموذج الذي أفرزته تجارب الديموقراطية في العالم الغربي. ومن الواضح أن هذه التجارب لم تقع في العالم الإسلامي وليست هي نتاج الفكر السياسي الإسلامي.

وما يذهب إليه بعض الكتاب من أن الخوارج وأهل السنة يرون "أن الأمة هي مصدر السلطة، فمن حقها أن تبايع أحد أعضائها وتسلمه هذه السلطة، إذا اعتقدت انه أهل لذلك، فيصبح هذا العضو حينئذ الإمام"(3)، لا نرى فيه إلا محاولة لتجميل هذا الفكر وإسباغ صفات التناغم والتناسق مع مقولات الفكر السياسي الحديث عليه بلا حق ولا مسوغ موضوعي؛ ويبدو أن الصفة التبريرية التي لصقت بالفكر السياسي الإسلامي القديم لا يراد لها أن تنفك عن الفكر السياسي الإسلامي في نتاجاته الحديثة والمعاصرة، وهذه الصفة التبريرية تصر على البحث عن النموذج الأعلى لكل قضية تواجه الإنسان في ثنايا التاريخ والماضي، إلى الحد الذي تمارس في بعض الأحيان تغطية لا شعورية على تشوهات الماضي من أجل أن يبقى جميلاً مشرقاً متعالياً على النقد الموضوعي والفحص الجاد، ولكن هذه التغطية سرعان ما تنكشف لمن لا يقنع بالظواهر ويصرّ على الغور في عمق التاريخ.

ولتأكيد هذه الحقيقة نرى أن عالم الاجتماع العربي ابن خلدون يقر بكل صراحة، بعد أن يذكر تعريفه المتقدم للبيعة، بأن الذي كان غالباً عليها في تاريخ الإسلام السياسي هو الإكراه وأخذها بالقوة، مما ينافي الغرض الأصلي من الرجوع إليها، وجعلها وسيلة لاستحصال رضا الأمة وشرعية الحكم، فيقول بعد تعريفها: "وكان الإكراه فيها أكثر وأغلب؛ ولهذا لمّا أفتى مالك رضي الله عنه بسقوط يمين الإكراه، أنكرها الولاة عليه ورأوها قادحة في أيمان البيعة، ووقع ما وقع من محنة الإمام رضي الله عنه"(4).

ومما يلزم التنبيه عليه في هذا الشأن أن أصل القول بهذه الفكرة وان انتخاب الأمة هو مصدر شرعية الحاكم السياسي، إنما طرح في الوسط الإسلامي وأراد بعضهم التنظير له انطلاقاً من الرغبة في مواجهة الفكر السياسي لمدرسة أهل البيت (ع) والقائل بنظرية الإمامة، وأن من له شرعية الحكم بعد رسول الله (ص) هو الإمام المعصوم المنصوص عليه من قبل رسول الله (ص). وهنا حدث خلل كبير في المواجهة العقائدية والتنظيرية بين المدرستين؛ فقد كان اتباع مدرسة أهل البيت ينظرون إلى مقام الإمام على أنه منصب ديني وسياسي يتواصل مع مقام النبوة والرسالة؛ فالإمام في الفكر السياسي لمدرسة أهل البيت يتمتع بنفس الصلاحيات الدينية التي كان يتمتع بها رسول الله (ص)، وتتحدد مهمته الأساسية في القيام بالوظائف الدينية والسياسية التي كان يقوم بها رسول الله (ص)، ولم يكن الإمام في مدرسة أهل البيت مجرد حاكم سياسي دنيوي كما صارت تغلب عليه هذه الصفة في الفكر السياسي لمدرسة أهل السنة. ومن هنا يمكننا ـ بل يجب علينا ـ التمييز في فكر مدرسة أهل البيت بين أمرين، فهناك نظرية الإمامة الكبرى بعد رسول الله (ص)، وهذه ـ كما هو معلوم ـ ترى مدرسة أهل البيت أنها لأشخاص محددين بأسمائهم وصفاتهم، وانطلاقاً من تنصيص الرسول (ص) عليهم خلال حياته وفي العديد من المواقف؛ كما تعتقد هذه المدرسة بنظرية العصمة والإمامة، والتي مايزت بينهم وبين بقية فرق المسلمين. ومن الواضح أن هذه الفكرة التي آمن بها اتباع مدرسة أهل البيت كانت صريحة في سلب الشرعية عن أي حاكم سياسي أو ديني يتولى شؤون الخلافة بعد رسول الله (ص) في حال وجود واحد من هؤلاء الأشخاص الذين ذكرهم رسول الله (ص) وأرجع أمر الأمة إليهم بعد وفاته.

وفي المقابل هناك نظرية مدرسة أهل البيت في الحاكمية السياسية والدينية بعد غيبة الإمام المعصوم، وذلك أن هذه المدرسة ترى أن الشخص الأخير من الأشخاص الذين عيّنوا بشكل خاص لمقام الإمامة والخلافة عن رسول الله (ص)، وهو الإمام محمد بن الحسن العسكري (ع) قد غاب واختفى عن الأنظار، وأن الله تعالى يظهره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وفي فترة غيبته تعتقد هذه المدرسة أن شرعية الحكم تكون للفقيه العالم العارف بأحكام الله والمطلع على حلاله وحرامه والخبير بشؤون زمانه.

ومن الواضح والثابت تاريخياً أن نظرية الانتخاب أطلقت في الوسط السني الإسلامي لإسباغ الشرعية على خلافة الخلفاء الذين تولوا الحكم بعد وفاة رسول الله (ص) ولمواجهة نظرية الإمامة، وعلى هذا الأساس تتقاطع نظرية الانتخاب مع النظرية السياسية لمدرسة أهل البيت في الأمر الأول، وهو القول بولاية الأئمة من أهل البيت (ع) وأنهم الخلفاء الشرعيون بعد رسول الله (ص)؛ وأما في الأمر الثاني وهو ما عرف بـ"ولاية الفقيه" في الفكر السياسي لمدرسة أهل البيت، فإن نظرية الانتخاب لا تتعارض معه تعارضاً ذاتياً، كما سنبينه بعد قليل، حين استعراضنا للنظرية الإسلامية الأخرى في شرعية حكم الحاكم السياسي.

 

ثانياً : نظرية الإمامة:

هذه النظرية تمثل المنهج الذي اتبعه أتباع مدرسة أهل البيت في إثبات الشرعية السياسية للحاكم السياسي؛ فلقد ذهبت هذه المدرسة ـ وكما هو معروف عنهم ـ إلى القول بان الحق في السلطة السياسية وإدارة شؤون الأمة بعد رسول الله (ص) والقيام بمهامه الدينية والدنيوية ينتقل إلى الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (ع)؛ فالشيعة يرون في فلسفتهم السياسية أن السلطة بما تستلزمه من أمر ونهي من صاحب السلطة وطاعة واتباع ممن تجرى عليه السلطة، هي بالأصل حق يختص بالله عز وجل، لكونه الخالق المعبود، وكل ما سواه مخلوق وعابد له، وأن الله تعالى قد فرض للرسول الأكرم (ص) حق الطاعة والاتباع على الأمة وأعطاه صلاحية الأمر والنهي، وكل المسلمين يتفقون مع مدرسة أهل البيت في ذلك ولا يخالفونهم فيه، والقرآن الكريم صريح في إثبات الولاية المطلقة لرسول الله (ص) على آحاد الأمة، ويكفي في التدليل على ذلك قوله سبحانه: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم..}(5)، وقوله عز وجلّ: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً}(6)، وقوله تعالى: {... وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب}(7).

وبعد أن يثبت أتباع مدرسة أهل البيت ـ شأنهم شأن بقية المسلمين ـ الولاية المطلقة لرسول الله (ص) على الأمة باعتباره رسولاً معصوماً لا يأمر ولا ينهى إلا بتوجيه رباني وتسديد إلهي، فإنهم يذهبون إلى القول بأن هذا المقام الذي كان لرسول الله (ص) لا يسد حاجة مؤقتة عند الأمة ويرفعها إلى الأبد، بل الأمة محتاجة في كل زمان وعصر إلى من يملأ هذا الفراغ المتجدد في حركة وكيان الأمة، ومن هنا احتاجت الأمة إلى من يخلف رسول الله (ص) ويقوم مقامه في توجيهها وتدبير شؤونها السياسية والدينية، وليس من المعقول أن يسكت الرسول (ص) عن بيان هذا الأمر وتعيين من يقوم مقامه في أمته، وهو الحريص على مصلحة الأمة ووحدة كلمتها واجتماع كيانها السياسي والاجتماعي، ومثل هذا المقام لا يمكن أن يرجع إلى الأمة كلها أو بعضها في تعيين الشخص المناسب إليه والقادر على القيام بمهامه على أفضل وجه وأكمله، في الوقت الذي يمكن أن يحدد الشخص المناسب من خلال الوحي الذي كان يرشد رسول الله (ص) إلى كل صغيرة وكبيرة تهم المسلمين وترتبط بمصلحتهم العامة، وليس في ذلك أي محذور عقلي أو شرعي؛ فالوحي الإلهي كان يرسم الكثير من تفاصيل حياة المسلمين مما هي أقل شأناً من مسألة الإمامة والخلافة عن رسول الله (ص)، فما المانع أن يعيّن الخليفة بعد رسول الله (ص) عن طريق الوحي والإرشاد الإلهي الذي لا يمكن افتراض تطرق الخطأ أو الاشتباه أو الغفلة إليه في ما يصدره من توجيهات وأحكام وما يتحدث عنه من معارف وعلوم، ولا سيما أن هذا السبيل هو السبيل الوحيد والمتعين لقطع أي احتجاج من قبل الناس على الله عز وجل فيما لو عللوا انحرافهم عن تحقيق الأوامر الإلهية بعدم اطلاعهم على الحقيقة وعدم تمكنهم من الاهتداء إلى الصراط المستقيم.

وعلى هذا الأساس رأينا الفكر العقائدي لمدرسة أهل البيت، سواء في أحاديث ومرويات أئمة أهل البيت (ع) أم في طرق متكلمي الشيعة الهادفة لإثبات إمامة الأئمة (ع) وأنهم الأحق بولاية أمور المسلمين بعد رسول الله (ص)، يتجه لإبراز جنبة الاحتجاج من قبل الله تعالى على البشر بتنصيب وتعيين الإمام المعصوم. وأفضل تلخيص لهذه الفكرة نجده في كلام للعلامة الحلي يذكره في كتاب من أهم كتبه الكلامية وهو "كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد"، وهو في الأصل شرح لكتاب أستاذه المحقق الطوسي المتوفى عام 672 هـ إذ يقول العلامة الحلي شارحاً وجهة النظر هذه: "والتحقيق ان لطف الإمامة يتم بأمور:                                                  

منها: ما يجب على الله تعالى، وهو خلق الإمام وتمكينه بالقدرة والعلم والنص عليه باسمه ونسبه، وهذا قد فعله الله تعالى.

ومنها: ما يجب على الإمام، وهو تحمله للإمامة وقبوله لها، وهذا قد فعله الإمام.

ومنها: ما يجب على الرعية، وهو مساعدته والنصرة له وقبول أوامره وامتثال قوله، وهذا لم تفعله الرعية. فكان منع اللطف الكامل منهم لا من الله تعالى ولا من الإمام" (8).

وبعد الأئمة (ع) ترى مدرسة اهل البيت أن الفقيه العالم بحلال الله وحرامه والأمين على أحكامه، هو الولي على الأمة، وأن الأئمة (ع) قد فوّضوا له في ظل غيبتهم ولاية الأمر في الشؤون السياسية؛ وهذا التفويض ليس تفويضاً لشخص معين من الفقهاء، بل كل من توفر على الصفات اللازمة للقيادة، وأهمها: العلم والعدالة وحسن التدبير، فقد استحق أن يكون ولياً للمسلمين.

وقد حصل اختلاف في وجهة النظر بين فقهاء وعلماء مدرسة اهل البيت، في حدود الولاية الثابتة للفقيه، وهل هي تقتصر على الأمور الحسبية أو أنها تتسع لكل الشؤون والصلاحيات التي كانت للإمام المعصوم (ع) باستثناء ما ثبت بالدليل اختصاصه به. ورغم أن نظرية ولاية الفقيه التي ذهب إلى القول بها اتباع مدرسة اهل البيت كانت قابلة لأن تتضح معالمها أكثر وأن تساهم في تغيير الواقع السياسي للمسلمين، إلا أن حالات الاضطهاد السياسي والإقصاء الفكري والإبعاد الاجتماعي التي جوبه بها اتباع هذه المدرسة طوال تاريخهم لم تمكن فقهاءهم من تطوير نظرية ولاية الفقيه بالشكل الذي يلاحق الحاجات والمتطلبات الاجتماعية والسياسية والفكرية المتلاحقة والمتسارعة التي شهدها العالم الإسلامي طوال تاريخه السياسي، ولا سيما في العصور الأخيرة. ومن الطبيعي أن لا تشهد نظرية ولاية الفقيه تطوراً ملحوظاً في المجال التنظيري بعد أن لاحظ الفقهاء اتساع الهوة التي تفصل بين الواقع والنظرية يوماً بعد يوم، مما أوجد حالة من الاحباط اللاشعوري في نفوس الكثيرين ممن كان لهم أن يبدوا آراء مفيدة ومثيرة في نظرية ولاية الفقيه، لو قدر لها أن تتواصل مع تجربة سياسية تتحرى الانطلاق منها فكرياً وعملياً، وهذا ما لم تحظَ به هذه النظرية إلا في الفترة الأخيرة وعلى أثر انتصار الثورة الاسلامية في إيران ونجاحها في تشكيل أول دولة إسلامية معاصرة تنطلق من رؤية إسلامية خالصة في الحكم، وذلك بقيادة الإمام روح الله الموسوي الخميني (رض).

وهنا ينبغي الانتباه إلى أن التفويض الذي أُعطِي للفقيه العادل في ولاية أمر الأمة من قبل الأئمة (ع) باعتبارهم أصحاب المشروعية السياسية في الأصل، إنما هو تفويض عام لكل فقيه عادل، وعلى هذا الأساس فهو لا يتنافى مع فكرة البيعة والانتخاب، لأن البيعة والانتخاب العامين أو الخاصين (9) سيكونان مجرد وسيلة لتعيين شخص معين لمنصب الحاكم السياسي والديني ممن يتوفر على الصلاحيات والشرائط اللازمة لهذا المنصب، وبذلك تجمع هذه النظرية السياسية بين القول بأن أصل السلطة السياسية يتحقق عبر عملية التفويض الإلهي (الله  ← الرسول  ← الإمام ← الفقيه)، وبين القول بالبيعة والانتخاب باعتبارهما الوسيلة التي تحدد فعلية سلطة وحكومة فقيه من الفقهاء العدول الذين لهم شأنية وصلاحية الحكم وولاية الأمر (10)، وهذا الأمر دفع بعضهم الى القول بنظرية ثالثة في شرعية السلطة السياسية هي مزيج من نظرية الامامة ونظرية البيعة، ومن هنا سنصطلح على هذه النظرية بـ(نظرية التفويض الانتخابي).

 

ثالثا : نظرية التفويض الانتخابي:

والذي نعتقده أن هذه النظرية ليست سوى امتداد لنظرية الامامة المتقدمة مع أنها قابلة للنقاش العلمي بحسب ما يطرحها القائلون بها. ولنحاول ابتداء أن نقدم عرضاً أولياً لهذه النظرية من خلال استعراض ما ذكره المحامي أحمد حسين يعقوب بشأنها، فقد قال: " ومن الناحية الفعلية، إذا عين الإمام بصورة صحيحة (11)، فإن السلطة عملياً تكون قد وجدت تماماً وعلى الوجه الشرعي، لأن الإمام هو الذي يعين مساعديه بإلهام العقيدة ومشورة الأمة. وتتجلى المشاركة بتعيين الإمام كما يلي:

الله سبحانه وتعالى هو الذي اختار محمداً (ص) ليكون نبياً، وفي الوقت نفسه هو الذي رشحه ليكون ولياً، أي إماماً للجماعة المؤمنة، ولكن هذا الاختيار وهذا الترشيح لا يجعل محمداً إماماً، وانما يصبح محمد إماماً عندما تبايعه الجماعة المؤمنة. فالإمام يتحقق وجوده الشرعي بتوافر ركنين، إذا انتفى ركن منهما عدمت الشرعية بالتعيين تماماً:

1ـ ترشيح إلهي أو اختيار إلهي، وهذا هو الركن الاول.

2ـ مبايعة الجماعة المؤمنة له موافقةً منها على هذا الترشيح.

وهذا بالضبط ما حدث برئاسة محمد (ص) للدولة، ­إذ رشحه الله وبايعته الجماعة المؤمنة بالإجماع صغيراً وكبيراً، ذكراً وأنثى، وكلهم رضوا به حاكماً وأظهروا هذا الرضا بما فيهم الفئة المنافقة" (12).

والنقد الذي يمكن توجيهه لهذه النظرية ليس في أصل مزاوجتها بين الترشيح الإلهي والبيعة في تثبيت شرعية الحاكم السياسي، وإنما في المورد الخاص الذي أراد الباحث أن يجري نظريته عليه، وهو ولاية النبي (ص)، ويتبعها بحسب ما تقتضيه الأصول العقائدية لفكر مدرسة اهل البيت ولاية الأئمة المعصومين (ع)، وذلك لأن أتباع هذه المدرسة يرون أن النبوة العامة والإمامة العامة ـ أي أصل الحاجة إلى نبي أو إمام في كل عصر ـ إنما يثبتهما العقل الإنساني المستقل بلا مدخلية للشرع والوحي في ذلك؛ وأما النبوة الخاصة والإمامة الخاصة ـ أي كون هذا الشخص نبياً مرسلاً وكون هذا الشخص إماماً معصوماً ـ فإن الأولى ـ أي النبوة الخاصة ـ تثبت بالمعجزة الخارقة للعادة التي تدل على صحة دعوى مدعي النبوة، والثانية ـ أي الامامة الخاصة ـ تثبت بالنص الصريح على إمامة الإمام من قبل الرسول أو الإمام الذي يسبقه.

ومدرسة اهل البيت تعتقد أن رسول الله (ص) بأمر وتوجيه من الله تعالى قد نص بكل صراحة على اسماء الأئمة الاثني عشر من اهل البيت (ع)، وان كل إمام منهم قد نص على الإمام الذي يليه وذكره باسمه، وهذا يعني أن شرعية الإمامة مرتبطة في أصل ثبوتها وتحققها بالاختيار الإلهي والتنصيص الديني من دون أن يكون لأحد من البشر أي مدخلية في ذلك. وهذا هو ما يمكن أن يستفاد من الآيات القرآنية المتعددة التي دلت على ان اختيار النبي والإمام هو شأن إلهي خاص، كما في قوله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} (13). وقوله سبحانه في شأن إبراهيم (ع): {وإذ ابتلى إبراهيمَ ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} (14)، وقوله عز اسمه في جعل الخلافة الخاصة لداود (ع): {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله…} (15).

 

الدور الحقيقي للبيعة

وإذا تبين أن اختيار الله عز وجل لشخص ما ليكون نبياً أو اماماً معصوماً، هو حق مختص بالله تعالى، فإن شرعية ولاية هذا الشخص على غيره من الناس بما هو حاكم لا يمكن أن تكون متوقفة على رضى الناس وموافقتهم للاختيار الإلهي، ولو بنحو ان تكون مبايعة الناس وموافقتهم جزء علة لشرعية حكم الإمام المنتخب من قبل الله عز وجل. نعم، يمكن أن يكون للبيعة دور في تأكيد الالتزام من قبل الأمة بالميثاق الإلهي وتفعيل لدور الإمام المرشح من قبل الله تعالى وفي ولايته على الأمة؛ لأنه من الواضح أن الأمة لو لم تستجب للإمام المعين والمنصوب من قبل الله تعالى ولم تبايعه على السمع والطاعة وحسن الاتباع، فإن الإمام لا يتمكن من القيام بمهمته في توجيه وإرشاد الأمة وتوظيف كل طاقاتها وقدراتها الفكرية والعملية في الوصول بها إلى أهدافها ومقاصدها الكبرى. وانطلاقاً من ذلك نستطيع أن نتفهم دور البيعة وموقعها في الولاية الإلهية الثابتة للنبي (ص) والإمام المعصوم (ع). ولا يمكن بطبيعة الحال أن تقاس ولاية النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع) على ولاية الفقيه العادل التي تحدثنا عنها في ما مضى، وذلك لأن الحق في السلطة بالنسبة إلى الفقيه العادل كما تفترضه نظرية ولاية الفقيه، التي هي امتداد لنظرية الامامة عند مدرسة اهل البيت، يتعلق بعنوان الفقيه العادل من دون تعيين لشخص معين؛ فكل من انطبق عليه عنوان الفقيه العادل كان له شأنية الإفتاء والقضاء بين الناس في منازعاتهم وخصوماتهم، فيمكن حينئذ أن نفترض للبيعة دوراً أكبر في تثبيت الولاية الشرعية للفقيه باعتبارها تحدد من بين الفقهاء العدول الفقيه الذي له فعلية الحكم والسلطة، وهي تعني التزاماً من قبل الأمة بكل قطاعاتها بولاية الفقيه المنتخب دون بقية الفقهاء الذين يمكن ان تتعارض وجهات نظرهم مع نظرات وتوجهات الفقيه المنتخب من قبل الامة، فيبقى لبقية الفقهاء الحق في إبداء­­­ وتبني وجهة النظر المخالفة كما لأي فرد من الأمة الحق في ذلك، من دون أن يستتبع اختلاف وجهات النظر في الشؤون الحياتية المختلفة تمزقاً اجتماعياً وتشتتاً سياسياً في الوسط العام، وهذا ما نعتقد أن البيعة العامة تساهم في إيجاده وتثبيته في حركة المجتمع والأمة.

ويمكن أن نفترض أن العلاقة بين التعيين الإلهي وبين البيعة هي علاقة طولية؛ بمعنى أن الذي يقتضيه الأصل الأولي أن يعين الله سبحانه وتعالى من يقوم بمهام الحكومة والسلطة، وفي فرض عدم التمكن من الرجوع إلى الشخص المعين من قبل الله تعالى لسبب أو آخر فإن المشروعية السياسية والدينية للحاكم تثبت حينئذ عن طريق البيعة وانتخاب الأمة مع توافر الشرائط اللازمة في الحاكم المنتخب، وهذا ما شرحه بعض فقهاء الشيعة المعاصرين بقوله:"والحاصل أن لأرباب التحقيق من علماء المسلمين في مبدأ الحكومة قولين:

الاول : أن السيادة والحاكمية لله تعالى فقط، وبيده التشريع والحكم {إن الحكم إلا لله} ؛ والنبي (ص) أيضاً لم يكن له حق الحكم إلا بعد ما فوض الله إليه ذلك، ولم يكن يتبع في حكمه إلا ما كان يوحى إليه. والأئمة أيضاً قد انتخبوا من قبل النبي (ص) بأمر الله تعالى بلا واسطة أو مع الواسطة. حتى إن الفقهاء في عصر الغيبة أيضاً نصبوا من قبل أئمتنا (ع) لذلك، وإلا لم يكن لهم حق الحكم. وليس لانتخاب الناس أثر في هذا المجال أصلاً… وهذا هو قول الظاهر من أصحابنا الإمامية.

الثاني : أن الأمة بنفسها هي صاحبة السيادة ومصدر السلطات، وأهل الحل والعقد يمثلون سلطة الأمة. ويشهد لذلك، مضافاً إلى سلطة الناس على أنفسهم تكويناً، قوله تعالى:{وأمرهم شورى بينهم}، وما ورد من الأخبار الكثيرة المتضافرة في بيعة الناس للنبي (ص) والخلفاء والأئمة؛ فيظهر بذلك أنهم مبدأ السلطة والسيادة. نعم، ليس للحكام التخلف عما أمر الله ـ تعالى ـ في كل مورد.

والحق هو الجمع بين القولين بنحو الطولية، فإن كان من قبل الله تعالى نصب لذلك ـ كما في النبي (ص)، وكذا في الأئمة الاثني عشر عندنا ـ فهو المتعين للإمامة، ولا تنعقد الإمامة لغيره مع وجوده والتمكن منه، وإلا كان للأمة حق الانتخاب، ولكن لا مطلقاً، بل لمن وجد الشرائط والمواصفات المعتبرة. ولعل إمامة الفقهاء في عصر الغيبة من هذا القبيل، كما سيأتي بيانه.

فالامامة تنعقد أولاً وبالذات بالنصب، وبعده بانتخاب الامة بمرحلة واحدة أو بمراحل" (16).

وعلى هذا الأساس يتبين أن نظرية الامامة التي تذهب الى التفويض عند مدرسة اهل البيت تمثل فلسفة الحكم أو الأساس الأولي للسلطة، بينما تمثل البيعة نظام الحكم والطريقة العملية في تعيين الحاكم السياسي في ظل غيبة الإمام المعصوم.

وفي هذا المجال يعترض بعض المعاصرين، على اعتبار ان البيعة أو المبايعة هي الصورة الصحيحة التي يلزم أن تحكم العلاقة بين الحاكم والمحكومين، وذلك "أن مفهوم المبايعة يفترض أن الحكم سلعة، وأن الحصول عليه يتم بالتراضي والتبادل بين فريق يطرح نفسه حاكماً وفريق يقبل أن يكون محكوماً من قبل الفريق الأول. وباعتبار الحكم سلعة أو كالسلعة، فإن الحاصل عليه يعتبر نفسه قادراً على التصرف فيه كما يشاء، على غرار تصرفه في سائر السلع التي يملكها. ومن هذه الناحية، يأتلف مفهوم المبايعة تماماً مع النظرة إلى الحكم والسلطة بوصفها ملكاً" (17).

ويواصل هذا البعض تحليله لمفهوم البيعة بعد أن يقرر أن الحكم ينظر إليه في البيعة على أنه سلعة أو كالسلعة، فيقول: "وفي الحقيقة ان افتراض الحكم سلعة أو كالسلعة ينبغي أن يقودنا إلى النظر في ما يأخذه الحاكم بحصوله على الحكم أكثر مما ينبغي أن يقودنا إلى النظر في ما يدفعه أو يعطيه.

إن طالب السلعة يسعى إلى الحصول عليها بأقل ما يمكن من الأثمان؛ وعندما يحصل عليها، ينصرف إلى استخدامها والاستمتاع بها بأقل ما يمكن من القيود. والحاكم، إذا كان الحكم سلعة، لا يسعه إلا التصرف فيه بحسب منطق السلعة، تحصيلاً واستخداماً واستهلاكاً" (18).

ولكننا ندرك أن هذا التصور المتقدم عن البيعة، لم يمثل في أي وقت من الأوقات حتى عند الحكومات والسلطات التي مارسته بشكل خاطئ ومحرف المفهوم الأولي والمتبادر إلى الذهن من مصطلح البيعة في المجال السياسي؛ والبيعة في حد ذاتها لا تعني أن الحكم سلعة، وإنما تعني أنه مسؤولية يبايع الحاكم الأمة على تحملها، وتبايع الأمة الحاكم على التعهد والوفاء له بمقتضى ما تستتبعه هذه المسؤولية من صلاحيات للحكم. وليس المهم في هذا الشأن إطالة النظر وزيادة التمعن في الألفاظ والسعي لاكتشاف دلالاتها الخفية وغير المنظورة لناطقها ولا لسامعها، لأن الألفاظ إنما تتحدد دلالاتها في العرف العام وبين عامة الناس من خلال مداليلها المستعملة فيها والتي يتبادر إليها الفهم الأولي في المحاورات الكلامية، وليس من الضروري أن يكون المعنى الأصلي الذي وضع له اللفظ هو المعنى المتبادر من اللفظ عند انطلاقه؛ ومجال هذا البحث هو مباحث الألفاظ والظواهر في علم أصول الفقه، ولا ينبغي أن تحدد مداليل المصطلحات السياسية بهذه الطريقة التي اتبعها صاحب الفكرة المتقدمة في تحديده لمفهومه البيعة.

وفي حقيقة الأمر أن ما ينبغي اعتباره، من أجل أن لا تتحول عملية الحكم القائمة على البيعة أو على أي منهج آخر في تحديد وانتخاب الحاكم إلى سلعة يتصرف الحاكم فيها كما يشاء، هو الضمانات التي تطرحها النظرية السياسية لعدم تحول السلطة من وظيفة يؤديها الحاكم إلى وسيلة ينتفع بها ويتوصل من خلالها إلى تحقيق وتقديم مصالحه الذاتية على مصالح الأمة وتطلعاتها. وكلنا يعلم أن القرآن الكريم قد استخدم مصطلح البيعة في مبايعة الرسول (ص) على الإيمان بالله تعالى وحده لا شريك له وعلى الصدق والوفاء (19). والأهم من ذلك أن هذا المصطلح استخدم في مقام الإشارة إلى الميثاق الذي يرتبط الإنسان من خلاله بالله عز وجل عن طريق مبايعة الرسول (ص)، وذلك في قوله تعالى مخاطباً نبيه الاكرم (ص) {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً} (20).

ولقد استخدم مفهوم المبايعة والبيعة في القرآن الكريم في الإشارة إلى العلاقة التي تربط الله تعالى بكل المؤمنين به وبرسالاته عبر تاريخ الأديان الإلهية كلها، فقال عز اسمه:{ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتُلون ويُقتَلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} (21).

ومن الواضح أن السلطة التكوينية والتشريعية أراد الله عز وجل تأكيد اختصاصها به دون سواه من خلال النصين القرآنيين المتقدمين، ومن هنا جعل الالتزام الذي يجسده المؤمنون في علاقتهم بالنبي (ص) وفي مجاهدتهم بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله تعالى مبايعة له واتباعاً لأوامره، إذ إن الذين يبايعون النبي (ص) إنما يبايعون الله جل جلاله… نقول ان هذه السلطة الإلهية التي تؤكدها عملية البيعة لله ولرسوله من الواضح أنها لا تحمل ولا يمكن أن تحمل عقلاً وشرعاً أية دلالة على أن السلطة التي يمارسها الطرف المُبايَع يمكن أن تعطيه من المنافع والصلاحيات أكثر مما يمنحه هو للآخرين من فوائد ونتائج من وراء الاعتراف له بالسلطة، وأي شيء يمكن أن نتصور أن بإمكان الانسان ان يقدمه لله عز وجل، ولمن فوض الله إليه أمر السلطة والحكم في عالم الإنسان، أعني رسوله الأكرم(ص) ؟ (22).

 

رابعاً : نظرية العهد أو الاستخلاف:  

هذه النظرية وجدت في الفكر السياسي الإسلامي لتسويغ أشكال الحكم التي كان يعهد فيها الحاكم السياسي المتنفذ بعهد الحكم والولاية العامة إلى شخص معين يخلفه في الحكم ويقوم مقامه، وهي من أبرز النظريات السياسية التبريرية التي استهدفت إسباغ الشرعية الدينية والشعبية على هذا النمط من الحكم، وهذا ما نلمح الإشارة إليه بكل صراحة في كلمات القدماء والمحدثين من علماء وكتاب ومفكري أهل السنة؛ فالماوردي بعد أن ذكر أن الإمامة تنعقد من وجهين:أحدهما: باختيار أهل العقد والحل، والثاني: بعهد الإمام من قبل، قال مبيناً الدليل على مشروعية الطريق الثاني: "(فصل) وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله فهو مما انعقد الإجماع على جوازه ووقع على صحته لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما.

أحدهما: أن أبا بكر رضي الله عنه عهد بها إلى عمر رضي الله عنه فأثبت المسلمون إمامته بعهده.

الثاني: أن عمر رضي الله عنه عهد بها إلى أهل الشورى فقبلت الجماعة دخولهم فيها وهم أعيان العصر، اعتقاداً لصحة العهد بها، وخرج باقي الصحابة منها. وقال علي للعباس رضوان الله عليهما حين عاتبه على الدخول في الشورى: "كان أمراً عظيماً من أمور الإسلام لم أر لنفسي الخروج منه، فصار العهد بها اجماعاً في انعقاد الإمامة؛ فإذا أراد الإمام أن يعهد بها فعليه أن يجهد رأيه في الأحق بها والأقوم بشروطها، فإذا تعين له الاجتهاد في واحد نظر فيه، فإن لم يكن ولداً ولا والداً جاز أن ينفرد بعقد البيعة له وبتفويض العهد إليه، وإن لم يستشر فيه أحداً من أهل الاختيار…" (23).

وأما ابن خلدون، فإنه بالغ في إضفاء الشرعية على هذه النظرية إلى الحد الذي قال فيه بشرعية عهد معاوية إلى ابنه يزيد، وهو الذي لم يخفَ فسقه وفجوره على أحد، ومن هذا المنطلق أيضاً أسبغ المشروعية على خلافة الخلفاء الأمويين والعباسيين الذين أعقبوه بنفس الطريقة والمنهج. ولقد وجد ابن خلدون في ترشيح أبي بكر لعمر وترشيح عمر لستة من بعده لمنصب الخلافة الأساس لمشروعية هذا النوع من الحكم. ولابن خلدون كلام طويل في هذا الشأن نذكره بتمامه من أجل أن تتحدد للقارئ معالم صياغة الفكر السياسي في تاريخ الإسلام، وكيف أن هذا الفكر كان في كثير من الأحيان يخضع للواقع السياسي في ما يتبناه من منطلقات وتوجهات ومقولات، في الوقت الذي لم تكن هذه المنطلقات والتوجهات والمقولات تنسجم ولو أدنى انسجام مع قيم الإسلام والشريعة التي يفترض أنها تمثل الإطار النظري والمرجع الفكري للأمة وعلمائها وكتّابها.

يقول ابن خلدون مدافعاً عن مشروعية نظرية الاستخلاف: "اعلم أنّا قدمنا الكلام في الإمامة ومشروعيتها لما فيها من المصلحة وأن حقيقتها للنظر في مصالح الأمة لدينهم ودنياهم؛ فهو وليهم والأمين عليهم، ينظر لهم ذلك في حياته ويتبع ذلك ان ينظر لهم بعد مماته ويقيم لهم من يتولى امورهم كما كان هو يتولاها، ويثقون بنظره لهم في ذلك كما وثقوا به في ما قبل. وقد عرف ذلك من الشرع بإجماع الأمة على جوازه وانعقاده، إذ وقع بعهد أبي بكر رضي الله عنه لعمر بمحضر من الصحابة، وأجازوه وأوجبوا على أنفسهم به طاعة عمر رضي الله عنه وعنهم، وكذلك عهد عمر في الشورى إلى الستة بقية العشرة وجعل لهم أن يختاروا للمسلمين، ففوض بعضهم إلى بعض حتى أفضى ذلك إلى عبد الرحمن ابن عوف، فاجتهد وناظر المسلمين فوجدهم متفقين على عثمان وعلى علي، فآثر عثمان بالبيعة على ذلك لموافقته إياه على لزوم الاقتداء بالشيخين في كل ما يعنّ دون اجتهاد، فانعقد أمر عثمان لذلك وأوجبوا طاعته، والملأ من الصحابة حاضرون للأولى والثانية ولم ينكره أحد منهم. فدل على أنهم متفقون على صحة هذا العهد عارفون بمشروعيته، والإجماع حجة كما عرف. ولايُتهَم الإمام في هذا الأمر وإن عهد إلى أبيه أو ابنه، لأنه مأمون على النظر لهم في حياته، فأولى أن لا يحتمل فيها تبعة بعد مماته، خلافاً لمن قال باتهامه في الولد والوالد، أو لمن خصص التهمة بالولد دون الوالد فإنه بعيد عن الظنة في ذلك، لا سيما إذا كانت هناك داعية تدعو إليه من إيثار مصلحة أو توقع مفسدة فتنتفي الظنة في ذلك رأساً؛ كما وقع في عهد معاوية لابنه يزيد، وإن كان فعل معاوية مع وفاق الناس له حجة في الباب، والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بني أمية، إذ بنو أمية لا يرضون سواهم وهم عصابة قريش وأهل الملة أجمع وأهل الغلب منهم، فآثره بذلك دون غيره ممن يُظن أنه اولى بها، وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصاً على الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك، وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه، فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق، فإنهم كلهم أجل من ذلك وعدالتهم مانعة منه. وفرار عبد الله بن عمر من ذلك انما هو محمول على تورعه من الدخول في شيء من الأمور مباحاً كان أو محظوراً كما هو معروف عنه. ولم يبق في المخالفة لهذا العهد الذي اتفق عليه الجمهور إلا ابن الزبير، وندور المخالف معروف. ثم انه وقع مثل ذلك من بعد معاوية من الخلفاء الذين كانوا يتحرون الحق ويعملون به مثل عبد الملك سليمان من بني أمية، والسفاح والمنصور والمهدي والرشيد من بني العباس وأمثالهم ممن عرفت عدالتهم وحسن رأيهم للمسلمين والنظر لهم، ولا يعاب عليهم إيثار أبنائهم وإخوانهم وخروجهم عن سنن الخلفاء الاربعة في ذلك، فشأنهم غير شأن أولئك الخلفاء… " (24).

وليس هناك ما يدعو للعجب من إصرار القدماء من مثل الماوردي وابن خلدون على إضفاء المشروعية على كل أنواع الحكم الاستبدادي الوارثي الذي ابتلي به المسلمون حتى عصرنا هذا، والذي حولهم إلى غثاء كغثاء السيل لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا يدفعون عنها ضراً.. نعم، ليس هناك ما يدعو للتعجب من قدماء الكتّاب والمؤلفين حينما يسبغون الشرعية على نظرية الاستخلاف، ولكن ما يدعو للتعجب ويثير التقزز في النفس، هو السعي المتواصل من قبل بعض المحدثين للسكوت عن هذه التبريرات المموهة والتستر على مساوئ مثل هذه الفتاوى والتوجهات التي قصمت ظهر الدين وأهله، وفي ذلك يقول بعضهم متحدثاً عن نظرية الاستخلاف:"دعت الظروف التاريخية التي اجتازتها الدولة الإسلامية إثر الفتوحات إلى التطلع إلى تحقيق استقرار الحكم بصورة من الصور، بعد أن تحولت إلى دولة عالمية تترامى أرجاؤها وتبعد مواصلاتها، وقد تفرق في ثناياها الصحابة والتابعون وتباينت فيها السلالات والثقافات وتعددت النزاعات والأهواء. وأمام الضرورات الواقعية والسوابق التاريخية تقررت قاعدة (الاستخلاف) في الإمامة أو عهد السلف إلى الخلف، وجاء ذلك في الواقع العملي أولاً، ثم عرف طريقه إلى الأحكام الفقهية" (25).

 

خامساً : نظرية الاستيلاء والتغلب:

هذه النظرية تفترض الشرعية لكل شخص يتمكن من الوصول إلى سلطة الحكم بمجرد وصوله إليها، بغض النظر عن الدوافع التي تقف خلف رغبته في الحكم وبغض النظر عن مشروعية الطريقة نفسها التي وصل بها إلى الحكم، وبغض النظر عن كل اللوازم التي يستلزمها القول بشرعية هذه النظرية، وأهمها استلاب حق الامة في الاختيار وتقرير مصيرها بنفسها! ومجرد وجود هذه النظرية في الفكر السياسي والسعي لإضفاء صفة الشرعية عليها من قبل بعض فقهاء السلاطين في تاريخ الاسلام، يدلل بما فيه الكفاية على مدى السقوط والانحطاط الذي أصيب به هذا الفكر، والذي اضحت مهمته الاساسية تسويغ كل شكل من اشكال الحكم والسلطة يوجد على ارض المسلمين، من دون ان تكون هناك قيم ومبادئ محددة تتحكم في التوجهات التي تعمل على صياغة وتقرير مقولات الفكر السياسي الإسلامي.

ويرصد المستشرق المعروف"هاملتون جب"  التطورات الخطيرة التي مرت بها هذه النظرية في الوسط السني الأشعري في ما بين الغزالي المتوفى عام 505 هـ وابن جماعة المتوفى عام 733 هـ فيقول:" يقول الغزالي:

فالذي نراه ان الخلافة منعقدة للمتكفل بها من بني العباس (رض)، وان الولاية نافذة للسلاطين في أقطار البلاد والمبايعين للخليفة. وقد ذكرنا في كتاب المستظهري…ما يشير إلى المصلحة فيه، والقول الوجيز انا نراعي الصفات والشروط في السلاطين تشوفاً إلى مزايا المصالح، ولو قطعنا ببطلان الولايات الآن لبطلت المصالح رأساً…بل الولاية الآن لا تتبع إلا الشوكة، فمن بايعه صاحب الشوكة فهو الخليفة …." (26) .

ويتضح من هذه العبارة ان الخلافة كما تمثلها الاسرة العباسية لم تعد تعتبر مصدر توجيه وتأثير، وإنما تعد فحسب مصدراً لجعل الحقوق التي تؤخذ بالقوة ذات صبغة شرعية، شريطة ان يعترف صاحب الشوكة؛ أي صاحب السلطة العسكرية ـ بعد أن يعلن ولاءه للخليفة ـ بسيادة الشريعة، ولما قضى المغول على خلافة بغداد عام 1258 لم يبق امام الفقهاء إلا أن يخطوا الخطوة الأخيرة ويعلنوا ان الحقوق المنتزعة بالقوة هي في ذاتها حقوق مشروعة وان السلطة العسكرية تمثل إمامة صحيحة. ولم تكن الخلافة الاسمية التي نصبت في القاهرة ذات أثر ما، لأنها لم تنل أي اعتراف في مؤلفات الفقهاء ذوي الاقتدار والنفوذ، بل كان الذي منح السلطة الدنيوية المطلقة صورة الشرعية هو قاضي قضاة القاهرة في عهد المماليك. ذلك هو ابن جماعة في كتابه "تحرير الاحكام"، وقد نالت عبارته بهذا الصدد حظاً من الشهرة يغني عن اقتباسها جميعاً في هذا المقام، وإنما يكفينا منها هذه الجملة لما فيها من قيمة خاصة؛ يقول ابن جماعة:

" فإن خلا الوقت عن إمام فتصدى لها من هو ليس أهلها، وقهر الناس بشوكته وجنوده بغير بيعة أو استخلاف، انعقدت بيعته ولزمت طاعته، لينتظم شمل المسلمين وتجمع كلمتهم، ولا يقدح في ذلك كونه جاهلاً او فاسقاً في الأصح. وإذا انعقدت الامامة بالشوكة والغلبة لواحد ثم قام آخر فقهر الأول بشوكته وجنوده، انعزل الأول وصار الثاني إماماً لما قدمناه من مصلحة المسلمين وجمع كلمتهم".

هكذا سارت النظرية الاشعرية في تطورها المنطقي، خطوة اثر خطوة، ابتداءً من مبادئ الأشعري والدفاع السياسي الذي قدمه الماوردي حتى انتهت إلى فصم مبدأ الامامة عن صلب الشريعة، ورفض حكم الشرع رفضاً كاملاً.

وفي هذا المجال توجد فكرة حديثه تفترض أن هناك مجالاً لإسباغ الشرعية والحق في السلطة على عملية الاستيلاء والاغتصاب للحكم، التي يقوم بها أي شخص من الأشخاص، عن طريق الاستحصال البعدي لرضا المستولى عليهم وفتح المجال لهم للمشاركة في العملية السياسية. وهذه الفكرة يطرحها الباحث "ناصيف نصار" بقوله:" نستطيع أن نؤكد أن المقياس الحقيقي لشرعنة الاستيلاء على الحكم في الدولة هو مدى تقبل المستولي لمبدأ عدم احتكار النشاط السياسي في الدولة، نظرياً وعملياً؛ فالإرادة السياسية الحرة، التي يمتلكها المجتمع ويمكنها التعبير عن موقف نقدي من الحاكم، رأياً وتنظيماً، من دون خوف وبمسؤولية تامة، هي وحدها الطرف الذي يستطيع تحويل الاستيلاء على الحكم إلى تفويض، ضمني؛ أو صريح" (27).

ومن الواضح أننا لا نستطيع قبول هذه الفكرة التي تحاول شرعنة الحكم السياسي المغتصب، لأن رضا الأمة ليس هو المناط الوحيد لشرعية حكم الحاكم السياسي، بل لا بد أن تتوافر في الحاكم شرائط معينة أهمها الفقاهة والعدالة؛ وتوافر هذه الشرائط هو الذي يعطي للحاكم بحسب التصور الإسلامي صلاحية شأنية لأن يكون حاكماً عاماً على المجتمع والأمة، ورضا الأمة لابد وأن يتعلق بشخص له مثل هذه الشأنية. ومن هنا يتضح أنه إذا كان الذي استولى على الحكم والسلطة هو الفقيه العادل ورضيت الأمة بولايته عليها فإن ولايته وسلطته حينئذ تكون ولاية وسلطة شرعية، وهذا الرأي هو ما تقتضيه طبيعة منهجنا في النظر إلى مسألة الشرعية السياسية، كما تبين ذلك من الأفكار التي طرحناها في استعراضنا للنظريات الثلاث الأولى المتقدمة.

 

(الهوامش):

(1) ابن خلدون، المقدمة: ص321.

(2) الماوردي، الأحكام السلطانية: ص7.

(3) البيرنصري، د.نادر، مدخل إلى الفرق الاسلامية السياسية والكلامية: ص18.

(4) مقدمة ابن خلدون، مصدر سابق: ص 232.

(5) الاحزاب: 6.

(6) الاحزاب: 36.

(7) الحشر: 7.

(8) العلامة الحلي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد.

(9) البيعة والانتخاب العامان يعنيان أن توكل وتفوض الأمة حقها في اختيار وتعيين الحاكم وولي الأمر نخبة من الناس يكونون موضع ثقتها ورضاها، وهم ما اصطلح على تسميتهم في الفكر السياسي الإسلامي بـ"اهل الحل والعقد".

(10) يدلل حسن السيد علي القبانجي، وهو كاتب شيعي معاصر، على حق الأمة في انتخاب الحاكم، معتبراً أن العلاقة بين الأمة والحاكم السياسي تقوم على أساس البيعة والتعاقد، من خلال قوله:" والكلية الاسلامية في الحكم، أنه عقد بين متعاقدين…بين الراعي والرعية، وهو من قبيل التعاون على البر والتقوى؛ لأن الحياة الانسانية لا تقوم الا بهذا التعاون ولا تستقيم إلا بهذا النظام. والعقد أساسه الاختيار والرضا، لا التعسف والاكره… إنه توكيل من المجموع للفرد الذي انتخبه هذا المجموع انتخاباً شعبياً حراً ليكون راعياً لهم قائماً بأماناتهم، منفذاً لشريعة الله بينهم، موقراً للحياة السعيدة الحرة الكريمة لهم. فالسلطان ليس شخصاً مقدساً حاكماً بأمره، وليس وارثاً لملك، ولا مهيمناً على عقائد الناس وقلوبهم؛ إنه طرف في عقد ليقوم بأعمال الوكالة باسم المجموع". انظر:السيد علي القبانجي: شرح رسالة الحقوق: ج1،ص 462.

(11) يقصد الكاتب من الصورة الصحيحة لتعيين الامام أن يكون منتخباً من قبل الله تعالى وبنص منه عز وجل: وسيأتي بعد قليل تصريح الكاتب بذلك.

(12) يعقوب، المحامي أحمد حسين، مرتكزات الفكر السياسي: ص 155.

(13) القصص: 68.

(14) البقرة: 124.

(15) ص: 26.

(16) دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الاسلامية: ج 1، ص 404 ـ 405.

(17) نصار، ناصيف:منطق السلطة: ص72.

(18) المصدر نفسه: ص 73.

(19) في صحيح البخاري، كتاب الأحكام حديث 6660،عن عبادة بن الصامت قال :"بايعنا رسول الله (ص) على السمع والطاعة في المنشّط والمكرّه، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنّا، لا نخاف في الله لومة لائم".

وروى أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث 21692 عن عبادة أيضاً، قال :"كنت في حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلا،ً فبايعنا رسول الله (ص) على بيعة النساء، وذلك قبل ان يفترض الحرب، على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف، فإن غشيتم من ذلك فأمركم الى الله، إن شاء عذبكم وان شاء غفر لكم".

وفي صحيح البخاري، كتاب الايمان، حديث 55، عن جرير بن عبد الله، قال :" بايعت رسول الله (ص) على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم".

وبيعة النساء التي يشير اليها الخبر الثاني الذي رواه احمد عن عبادة بن الصامت هي المذكورة في قوله تعالى :{ياأيها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم}. (الممتحنة :12).

(20) الفتح: 10.

(21) التوبة: 111.

(22) هذا التصور للسلطة الإلهية وللسلطة صاحبة التفويض من قبل الله تعالى في القيام بشؤون الحكم في عالم الانسان، والمستند إلى تأكيد أن الانسان هو المستفيد الوحيد من قبل الله تعالى في القيام بشؤون الحكم في عالم الإنسان، ترشد اليه تعاليم الأديان الإلهية. ومن هنا يقول الله تعالى لمن يمنّ عليه وعلى رسوله بإسلامه والذي لا يعدو أن يكون مجرد اقرار نظري بحقيقة لا تقبل الانكار والتشكيك، ولا يمكن أن يمثل سوى الدرجة الدنيا من التسليم لله عز شأنه بسلطته الحقيقية التي تعلو عن أن تكون مرتبطة نفياً أو اثباتاً بتسليم البشر أو انكارهم لها :{ يمنّون عليك أن أسلموا قل لا تمنّوا عليَّ إسلامكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين }. (الحجرات:17).

(23) الأحكام السلطانية، مصدر سابق: ص 10.

(24) المقدمة، مصدر سابق: ص 232ـ233.

(25) عثمان، محمد فتحي، من أصول الفكر السياسي الإسلامي: ص 432ـ433.

(26) جب، هاملتون، دراسات في حضارة الاسلام: ص 187ـ188.

(27) منطق السلطة، مصدر سابق: ص 359.