قام الشعب الإيراني يوم (12 فروردين 1358 هجري شمسي) الموافق لـ(1-4-1979 ميلادي) أي بعد أقل من شهرين من انتصار الثورة الاسلامية المظفرة في 11 شباط 1979، بتحويل نهضته الإيمانية التضحوية إلى مفهوم حسي ومادي ، حينما خرج عن بكرة أبيه في مثل هذا اليوم قبل 34 سنة للمشاركة في الاستفتاء العام على شكل النظام ومضمونه اللذين كان سيدنا الراحل الإمام الخميني (قدس سره) قد حددهما في كلمتين اثنتين هما(الجمهورية الإسلامية). فجاء التصويت ب(نعم) بنسبة 98،2 بالمئة في موقف جسد عظمة هذا الشعب وخلود هذه الملحمة ليس في تاريخ إيران المعاصر فحسب بل و في التاريخ الإسلامي على الإطلاق.

لقد شكل الحدث منعطفا مفصليا خطيرا، نظرا للظروف الحرجة والعصيبة التي كانت تحيط بالبلاد والشعب والثورة والقيادة، وذلك بسبب أجواء "الشحن السياسي والفكري والعقائدي" الملغومة التي سعت إلى الالتفاف على الأهداف الحقيقية لنهضة الجماهير، عبر التسويق لمصطلحات أخرى، تنتمي للمعسكرين الشرقي والغربي لكنها في الحقيقة ، تستبطن أنوية هدمها من الداخل في المستقبل.

بيد أن حكمة الإمام الراحل ومعه مراجع الدين العظام والعلماء المجاهدون إضافة إلى يقظة الشعب  ووعي الجميع بأبعاد تلك المفاهيم الملتوية والفضفاضة والمموهة، كل ذلك أحبط المساعي المستميتة آنذاك لإقحام كلمات أخرى على تسمية النظام ، مثل " الديمقراطية" و" الاشتراكية" و" الشعبية" وما إلى ذلك. لقد كان واضحا أن المراد من كل ذلك هو تفريغ الثورة من مرتكزاتها الإسلامية والإيمانية.

والواقع أن التصويت بالأكثرية الساحقة لصالح (الجمهورية الإسلامية) نظاما للحكم في إيران، يشتمل أساسا على  المنطلقات العقائدية التي تستمد جذورها من الدين الحنيف(القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وتراث الأئمة المعصومين)، وهو في الوقت ذاته يضمن مشاركة الأمة في صناعة القرار وتجسيد سيادتها في بناء دولة المؤسسات وتحديد الصلاحيات للسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية تحت إشراف الولي الفقيه الذي يقع عليه واجب ترشيد مهام هذه السلطات وتصويب اداءاتها انطلاقا من تفويض الشعب إياه للاضطلاع بهذه المسؤولية المصيرية.

وقد ابدى الشعب الإيراني المجاهد تلاحما وصمودا  لا نظير لهما في  مكافحة مخططات قوي الثورة المضادة الداخلية والخارجية التي حاولت عبثا – ومافتئت - تجريد النظام الإسلامي من شرعيته الدينية الأساسية، وهي (ولاية الفقيه)، فقد ميز نفسه وثورته منذ البداية، عن أولئك المرتبطين  بالمشاريع الغربية الصهيونية التي تلقت ضربة قاصمة جراء حصانة الدولة الفتية بالمناعات الثلاث وهي (الاستقلال) و(الحرية ) و (الجمهورية الإسلامية)، أي المقومات التي بدلت إيران من قاعدة عميلة  وتابعة للاستكبار العالمي، إلى منطلق للقيم الإلهية والعدالة والاكتفاء الذاتي ومناصرة الحق والمظلومية و الاستضعاف في أنحاء الأرض.

فقد ذاق الإيرانيون الأمرين من جراء الدكتاتورية والقمع من جهة ومن انقياد الشاه المقبور للسياسات الأميركية والإسرائيلية من جهة أخرى، وإزاء ذلك كان الشعور الشعبي العام معبأ للانقلاب على ذلك الواقع الفاسد وتغيير المسار جذريا باتجاه الاستقلال الناجز وتحرير الوطن والمواطن من ذلة التبعية والعبودية والامتهان.

في ضوء ذلك تتبين أهمية  انتصار الثورة الإسلامية في (يوم 22 بهمن 1357 حسب التقويم الإيراني الهجري الشمسي)، مثلما  تتجلي عظمة يوم (12 فروردين)، فقد جسد هذان الحدثان التاريخيان تمسك الشعب الإيراني بالإسلام المحمدي الأصيل أولا، وانتصاره لحقه الطبيعي في التمتع بالحياة الإنسانية الكريمة ثانيا، وتحديه للنفوذ الأجنبي الصهيوغربي والعمل على قطع دابره كليا من البلاد ثالثا، وقد تحقق له كل ذلك تحت قيادة الولي الفقيه الشجاع  الإمام الخميني الذي نذر حياته الشريفة في مقارعة الحكم الاستبدادي الشاهنشاهي لعشرات السنين، حتى الإطاحة به وهو في الثمانين من العمر.

ومن الجلي أن معطيات الثورة والجمهورية الإسلاميتين طيلة العقود الماضية سواء بزعامة الإمام الراحل طاب ثراه (1979- 1989) أو بقيادة خليفته الأمين السيد الخامنئي (دام ظله) حتى الآن، قدمت للعالم اجمع مصاديق حية في الاستقلال الوطني  بشقيه السياسي والاقتصادي والسيادة الناجزة، ومشاركة الشعب الإيراني في صنع القرار والدفاع عن المكتسبات الوطنية وحماية التطلعات الإسلامية والإنسانية العالمية، كما وسطرت مآثر خالدة في دعم قضايا التحرر والعدالة ومقاومة المؤامرات الأميركية والأوروبية والصهيونية والرجعية.

فالثابت أن الجمهورية الإسلامية سجلت أمثولة فذة في الديمقراطية والحريات والتعدديات السياسية والفكرية والدينية والتعايش الحضاري بين أبناء الوطن الواحد، وقد خاضت أربع وثلاثين عملية انتخابية على مستوي رئاسة الجمهورية ومجلس الشورى الإسلامي (البرلمان وفيه نواب يمثلون الطوائف المسيحية واليهودية والزرادشتية) ومجلس خبراء القيادة، أي بواقع عملية انتخابية في كل سنة من الأعوام الأربعة الثلاثين الماضية .

وفي ما مضي دلالات قطعية على أشكال النجاح التي حققته طهران في جميع محطاتها السياسية والدستورية والعلمية  والصناعية والإبداعية، وهو ما يفسر أيضا تحامل الغرب المتصهين وأحقاده على المكاسب الإيرانية، واشتغال ماكنته الإعلامية والدعائية المغرضة ليلا ونهارا لتبشيع التجارب الحضارية المشرقة للجمهورية الإسلامية  في جميع المجالات .

 

*حميد حلمي زادة