المسألة السادسة: هل الأرض أو المال غير المنقول الآخر المأخوذة عنوة يتعلّق به الخمس؟

بعد أن لم يكن ريب في تعلّق الخمس بالغنائم المنقولة الّتي تؤخذ من أهل الحرب فظاهر كلمات الأصحاب تعلّقه بغير المنقول المأخوذ منهم عنوةً، وقد تعرّض لهذا الأمر في الكلمات الماضية الّتي حكيناها عنهم الشيخ في ما حكينا عن خلافه من كتاب الفيء منه، وابن إدريس في موضعين من سرائره قد حكيناهما عنه، والعلاّمة في القواعد، فراجع.

كما أنّ المحقّق أيضاً في جهاد الشرائع ـ بعد تقسيم غنيمة دار الحرب إلى ما ينقل وما لا ينقل ـ قال: وأمّا ما لا ينقل فهو للمسلمين قاطبة وفيه الخمس.

وقد تعرّض الأصحاب لتعلّق الخمس بها في باب الخمس نذكر من كلماتهم أنموذجاً:

ففي نهاية الشيخ: الخمس واجب في كلّ ما يغنمه الإنسان، والغنائم كلّ ما أُخذ بالسيف من أهل الحرب و... ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه[1].

وفي الشرائع: فيما يجب فيه الخمس، وهو سبعة: الأوّل غنائم دار الحرب ممّا حواه العسكر وما لم يحوه من أرضٍ وغيرها.

وفي الوسيلة لابن حمزة: ما يجب فيه الخمس... ثلاثة وثلاثون صنفاً... والغنائم الّتي تؤخذ من دار الحرب عنوةً، قلّت أو كثرت، من المال والسلاح والثياب والمماليك والكراع والأرضين والعقار[2].

وفي قواعد العلاّمة: إنّما يجب الخمس في سبعة أشياء: أـ غنائم دار الحرب وإن قلّت، سواء حواها العسكر أو لا، ممّا ينقل ويحوّل كالأمتعة أو لا كالأرض[3].

وقال في التذكرة: فيما يجب [يعني الخمس] فيه، وهو أصناف: الأوّل: الغنائم المأخوذة من دار الحرب، ما حواه العسكر وما لم يحوه، أمكن نقله كالثياب والدوابّ وغيرها أو لا يمكن كالأراضي والعقارات[4].

وقريب منه عبارة المنتهى، الّتي حكاها المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة[5].

وقال في الإرشاد: كتاب الخمس، وهو واجب في غنائم دار الحرب، حواها العسكر أو لا إذا لم يكن مغصوباً.

وقال المحقّق الأردبيلي ـ بعد توضيحه بأنّها شاملة للأراضي والعقارات ـ: وأمّا دليل وجوبه فيه فهو النصّ من الكتاب والسنّة والإجماع[6].

وقال صاحب الجواهر شرحاً لما مضى من عبارة الشرائع: يتّجه تعميم المصنّف بل وغيره من الأصحاب كالشيخ والحلّيّ وابن حمزة والعلاّمة والشهيدين والمقداد وغيرهم بل لا أعرف فيه خلافاً «لما حواه العسكر وما لم يحوه من أرضٍ وغيرها» بل هو من معقد إجماع المدارك[7].

وكيف كان فلم نجد فيه خلافاً، وقد ادّعى الإجماع عليه الشيخ في الخلاف والمحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد، وهكذا صاحب المدارك على ما نقله صاحب الجواهر.

هذا هو خلاصة أقوال العلماء في المسألة.

وأمّا الأدلّة فربما يستدلّ بالإجماع كما هو المستفاد من كلمات مَن تقدّم، إلاّ أنّه لمّا كان استناد أقوالهم إلى الكتاب والسنة محتملاً فلا يتمّ الاستدلال به.

ويمكن أن يستدلّ له بآية إيجاب الخمس، فقد قال تعالى: ﴿أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾[8]. فإنّ موضوع تعلّق الخمس هو عنوان «ما غنمتم» وليس ما يغنم إلاّ ما يحدث ويقع اليد عليه فهو شامل لكلّ مال تقع يد الإنسان عليه فيعمّ ما يقع في يده عقيب الحرب من أموال أهل الحرب فيشمل الغنائم المنقولة وغير المنقولة كالأراضي المفتوحة عنوةً، فإطلاق الآية يقتضي تعلّق الخمس بها.

كما يمكن الاستدلال له بطوائف من الأخبار:

(الطائفة الأولى) ما وردت ذيل الآية المباركة دالّة على وجوب الخمس في ما تضمّنت الآية.

1ـ ففي صحيح عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد (عليه السلام) أنّه كان في ما كتب إليه: فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائد يفيدها والجائزة من الإنسان للإنسان الّتي لها خطر... الحديث[9].

فقد صرّح بوجوب الخمس في الغنائم والفوائد واستشهد له بالآية الشريفة وزاد بعد ذكرها تفسير الغنائم والفوائد، لكلّ ما كانت غنيمة أو فائدة وذكر لهما مصاديق، فهذه الصحيحة أيضاً تدلّ بإطلاقها على تعلّق الخمس بالمفتوحة عنوةً كما عرفت.

2ـ وفي الرواية المنقولة عن تفسير النعماني ـ بعد تقسيم وجوه معايش الخلق بخمسة وجوه ـ: فأمّا وجه الامارة فقوله: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ فجعل لله خمس الغنائم، والخمس يخرج من أربعة وجوه: من الغنائم الّتي يصيبها المسلمون من المشركين ومن المعادين ومن الكنوز ومن الغوص[10].

والاستدلال فيها أيضاً بعموم الغنائم كما مرّ بيانه ذيل الآية المباركة.

3ـ وفي خبر حكيم مؤذّن بني عيس [ابن عيسى ـ خ ل] عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم، إلاّ أنّ أبي (عليه السلام) جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا[11].

فقد فسّر الغنيمة بالإفادة يوماً بيوم فتعمّ المأخوذة عنوةً، والخبر منقول عن الكافي والتهذيبين إلاّ أنّ سنده غير تامّ.

4ـ وفي خبر أبي حمزة الثمالي المنقول عن روضة الكافي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث قال (عليه السلام): إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ثُمّ قال [فقال ـ ئل] تبارك وتعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا، والله يا أبا حمزة. ما من أرضٍ تُفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيءٍ منه إلاّ كان حراماً على مَن يصيبه فرجاً كان أو مال... الحديث[12].

والاستدلال به بملاحظة استشهاده بالآية الشريفة على ثبوت حقّ الخمس لهم، وقد عرفت دلالة الآية المباركة بإطلاقها على المطلوب، وللخبر دلالة على المطلب من وجه آخر وهو قوله (عليه السلام): «ما من أرضٍ ولا خُمس يخمس فيضرب على شيءٍ منه إلاّ كان حراماً على مَن يصيبه» فقد جعل كلّ أرضٍ مفتوحة حراماً على مَن يصيبه والأرض المفتوحة تعمّ المفتوحة عنوةً أيضاً وإن كان لا بأس بشمولها لما لا يوجف عليه بخيل ولا ركاب وقد مرّ أنّه من الأنفال ولعلّه المراد بالفيء المذكور صدر الخبر فيدلّ بعموم «ما من أرض» على تعلّق حقّ لهم بالأرض المفتوحة عنوةً وهذا الحقّ هو حقّ الخمس. هذا إلاّ أنّ سند الخبر ضعيف بتضعيف علي بن العبّاس وجهالة الحسن بن عبد الرحمن.

5ـ وفي خبر زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير أنّهم قالوا له [الظاهر رجوع الضمير إلى أبي عبد الله (عليه السلام)]: ما حقّ الإمام في أموال الناس؟ قال: الفيء والأنفال والخمس، وكلّ ما دخل منه فيء أو أنفال أو خمس أو غنيمة فإنّ لهم خمسه فإنّ الله يقول: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾[13].

فقد حكم بأنّ كلّ ما دخل فيه غنيمة فإنّ لهم خمسه وذكر الآية المباركة شاهداً لإثبات حقّه، ففيه استشهاد بالآية، وقد مرّ بيان دلالتها، إلاّ أنّ الخبر من مرسلات العيّاشي في تفسيره.

(الطائفة الثانية) ما تدلّ من الروايات على تعلّق الخمس بالغنائم فبعمومها تشمل الأراضي المفتوحة عنوةً أيضاً بما مرّ من البيان.

1ـ ففي صحيح عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة[14].

2ـ ومثله ما أرسله العيّاشي عن سماعة عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) قال: سألت أحدهما عن الخمس فقال: ليس الخمس إلاّ في الغنائم[15].

ومحلّ الاستدلال فيهما هو المستثنى ودلالته بالإطلاق واضحة كما عرفت.

3ـ وفي مرسل حمّاد بن عيسى ـ المروي في الكافي والتهذيبين ـ عن بعض أصحابنا عم العبد الصالح (عليه السلام) قال: الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة... الحديث[16].

والاستدلال به بعموم لفظ الغنائم كما فيما سبقه وفيه كلام لعلّه يأتي إن شاء الله تعالى.

4ـ وعن الصدوق في المقنع قال: روى محمّد بن أبي عمير أنّ الخمس على خمسة أشياء: الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ونسى ابن أبي عمير الخامسة[17].

ودلالته مثل ما سبق إلاّ أنّه مرسل.

5ـ ومثله ما رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن الصفّار عن أحمد بن محمّد قال: حدّثنا بعض أصحابنا رفع الحديث، قال: الخمس من خمسة أشياء من الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الّذي يقاتل عليه ولم يحفظ الخامس[18].

وهو مرسل مرفوع إلاّ أنّ دلالته مثل سابقه، وتفيد المغنم بوصف «الّذي يقاتل عليه» لا يوجب تخصيصه بالمنقولات، بداهة أنّ القتال في الشريعة ليس لأجل اغتنام غنيمة بل هي مترتبة عليه، ولا فرق حينئذٍ بين المنقولات وغير المنقولات.

6ـ وفي رواية عبد الله بن سنان المروية عن التهذيبين قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): على كلّ امرئٍ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة (عليها السلام) ولمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيّتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصّة يضعونه حيث شاؤا... الحديث[19].

ودلالتها كما سبقها، وجعل لفظة «غنم» وصفاً للمرء لا يوجب اختصاصه بما يقع في أيدي الأشخاص ليكون منصرفاً عن الأرض المفتوحة عنوةً الّتي لا تكون لشخصٍ بخصوصه بل لجميع المسلمين كافّة، وذلك أنّها وإن كانت للجميع إلاّ أنّ لكلّ شخصٍ أيضاً منها سهماً وهو كافٍ في صدق «غنم» عليه. هذا إلاّ أنّ الرواية ضعيفة بعبد الله بن القاسم الّذي قيل فيه: إنّه كذّاب لا يعتمد بروايته.

(الطائفة الثالثة) الروايات الّتي بإطلاقها تقتضي تعلّق الخمس بالمفتوحة عنوةً إلاّ أنّها بغير عنوان الغنيمة.

1ـ ففي موثّقة سماعة المروية في أصول الكافي قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير[20].

فموضوع تعلّق الخمس هو كلّ ما أفاد الناس، ومعناه كلّ فائدة تتحصّل بيد الناس، ومن المعلوم أنّ الأموال غير المنقولة المفتوحة عنوةً من أعظم الفوائد الّتي تقع يد الناس عليها، وقد عرفت أنّ الحصول على فائدة لا ينحصر بما كانت مختصّة بالشخص بل يعمّها ومن كان له فيها نصيب كما هو المفروض في المفتوحة عنوةً الّتي هي ملك للمسلمين كافّة.

2ـ ومثله خبر محمّد بن الحسن الأشعري ـ المروي عن التهذيبين ـ قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): أخبرني عن الخمس أعلى الجميع ما يستفيد الرجل من قليلٍ وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: الخمس بعد المؤنة[21].

فسؤال الراوي أنّه هل الخمس يجب في كلّ ما تصدق عليه الفائدة من أيّ سببٍ كان، وظاهر الجواب المكتوب بأنّ الخمس بعد المؤنة تصديق ذلك والتفضلّ ببيان شرط في تعلّق الخمس هو أنّ الخمس إنّما يتعلّق بعد المؤنة، فهذا الخبر أيضاً بعمومه يدلّ على تعلّق الخمس بالمفتوحة عنوةً، إلاّ أنّ سنده غير معتبر فإنّ محمّد ابن الحسن الأشعري لم يرد فيه توثيق.

(الطائفة الرابعة) الأخبار الواردة على عنوان ما يحصل اليد عليه عقيب الحرب والجهاد، وهي روايتان:

أحدهما: ما رواه الكليني في أصول الكافي بإسناده المعتبر عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كلّ شيءٍ قوتل عليه على شهادة  أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول الله فإنّ لنا خمسه، ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا[22]. وروى أيضاً عن مقنعة الشيخ المفيد عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام)[23].

والظاهر أنّ العموم المذكور فيه شامل لما يؤخذ عنوةً أيضاً، فإنّ المراد بهذه الجملة ليس أنّ القتال كان بهدف العثور على الأشياء المذكورة بداهة أنّ الداعي الأصيل من القتال بسط الإسلام العزيز ودعوى الناس إلى الاهتداء بالهداية الإسلامية، فالمراد من هذا العموم أنّ كلّ شيءٍ وقعت يد المسلمين عليه عقيب الجهاد الإسلامي فخمسه لهم (عليهم السلام) وواضح أنّ هذا العامّ يشمل الغنائم الحربية سواء كانت منقولة أو غير منقولة فيدلّ على المطلوب.

إلاّ أنّ سند الرواية ضعيف بعليّ بن أبي حمزة الّذي هو  أحد عمد الواقفة، وقال علي بن الحسن بن فضّال: إنّه كذّاب متّهم ملعون ورويت في ذمّه روايات كثيرة. هذا بالنسبة لسند الكافي، وأمّا المقنعة فسندها مرسل.

وثانيتهما: أيضاً رواية أخرى رواها علي بن أبي حمزة عن أبي بصير ـ وهي مروية عن روضة الكافي ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) فإنّ فيها أنّه (عليه السلام) قال: «ما من أرضٍ تفتح ولا خمس يُخمس فيضرب على شيءٍ منه إلاّ كان حراماً على مَن يصيبه»[24] وقد مرّ نقل هذه الرواية وبيان دلالة هذه الفقرة منها، إلاّ أنّها أيضاً ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة وعلي بن العبّاس والحسن بن عبد الرحمن، فتذكّر.

فالحاصل: أنّ أخبار هذه الطائفة وإن كانت تامّة الدلالة إلاّ أنّ سندها ضعيف. نعم الطوائف الأخر من الروايات كانت تامة الدلالة بحسب الإطلاق أو العموم وكان فيها ما هو معتبر السند أيضاً.

فهذه الأخبار تدلّ على تعلّق الخمس بالأموال غير المنقولة المفتوحة في الحرب عنوة، وفي قبالها أدلّة المفتوحة عنوةًَ ظاهرها أنّ جميع الأرض المأخوذة عنوةًَ للمسلمين؛ فإنّ هذه الأدلّة على قسمين: قسمٌ منها مدلوله أنّ نفس الأرض للمسلمين كصحيحة الحلبي[25] ومصحّح أبي بردة بن رجا[26] وخبر أبي الربيع الشامي وخبر محمّد بن جريح[27]، وقسمٌ آخر يدلّ على أن خراج هذه الأرض وعوائدها للمسلمين كمرسل حمّاد بن عيسى الطويل[28]. وظاهر كلا القسمين أنّ جميع الأرض وكلّ الخراج يكونان للمسلمين وهو في معنى عدم تعلّق الخمس بها.

ولو كان لخبري أبي بصير سند معتبر لكان اللازم تقييد ظهور أدلّة الأرض المفتوحة عنوةً بهما فإنّ ظهورهما في شمول الأراضي المغتنمة أقوى من ظهور تلك الأدلّة فيكونان دليل تقييد ظهورها كما هو الأمر كذلك في تقييد اقتضاء إطلاق أدلّة الملكية في سائر الموارد بأدلّة وجوب الخمس، إلاّ أنّك عرفت ضعف سنديهما.

وحينئذٍ فهل يؤخذ بإطلاق أدلّة تعلّق الخمس ويقيّد به إطلاق أدلّة ملكية الأراضي أو خراجها؟ أو يؤخذ بإطلاق تلك الأدلّة ويقيّد به إطلاق أدلّة تعلّق الخمس؟ كلاهما محتمل.

بل ربما لا يبعد أقوائية ظهور أدلّة الملكية، وذلك أنّ من هذه الأدلّة ـ كما عرفت ـ مرسل حمّاد بن عيسى الّذي ينجبر ضعف سنده بعمل الأصحاب به وفيه: «والأرضون الّتي أخذت عنوةً بخيلٍ وركابٍ فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها ويُحييها ويقوم عليها على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحقّ الخراج... ـ ثُمّ ذكر حكم ما يخرج من الأرض بأنّه يؤخذ منها الزكاة وسهم العاملين عليها ثُمّ قال: ـ ويؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينويه من تقوية الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد وغير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير».

فالفقرات الأولى كالصريحة في ترك الأرض المأخوذة عنوةً وبقائها بجميعها بيد مَن كانت بيده سابقاً، والفقرات الأخيرة أيضاً كالصريحة في أنّ جميع ما يؤخذ من هذه الأراضي بعنوان الخراج يصرف في مصلحة العامّة وليس شيء منه لنفس الوالي لا قليل ولا كثير، ومن المعلوم أنّه إن كان الخمس واجباً فيها لكان خمس نفس الأرض ويتبعه خمس عوائد الأرض للوالي الأصلي الّذي هو وليّ الأمر (عليه السلام)، فهذه المرسلة كالصريحة في عدم تعلّق الخمس بالمفتوحة عنوةً ولا محالة تكون دليلاً قوياًَ على تقييد إطلاقات وجوب الخمس. كما أنّها قرينة على قوّة إطلاق غيرها من أدلّة الملكية.

لا يقال: إنّ الإجماع المدّعى على تعلّق الخمس بها والشهرة المحصّلة مخالف لهذا التقييد ومعه لا مجال للمصير إليه.

فإنّه يقال: بعد أن نحتمل استناد أقوال المجمعين إلى روايات تعلّق الخمس الّتي كان مقتضى الأمر فيها ما عرفت فمثل هذا الإجماع المحتمل المدرك لا يقدر على المنع عن هذا المسير. والله العالم بحقائق أحكامه.

ـــــــــــــــــــــــــــ

 [1] النهاية ونكتها: ج1 ص447.

[2] الوسيلة: ص136.

[3] القواعد: ج1 ص361.

 [4] التذكرة: ج9 ص409.

[5] مجمع الفائدة: ج6 ص292.

[6] مجمع الفائدة: ج6 ص293.

[7] الجواهر: ج16 ص6.

[8] الأنفال: 40.

[9] الوسائل: الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ج6 ص349 الحديث5.

[10] الوسائل: الباب2 من أبواب ما يجب في الخمس ج6 ص341 الحديث12.

[11] الوسائل: الباب4 من أبواب الأنفال ج6 ص381 الحديث8.

[12] الوسائل: الباب4 من أبواب الأنفال ج6 ص385 الحديث19.

[13] الوسائل: الباب1 من أبواب الأنفال ج6 ص373 الحديث33.

[14] الوسائل: الباب2 من أبواب ما يجب في الخمس ج6 ص338 و342 الحديث1و15.

[15] الوسائل: الباب2 من أبواب ما يجب في الخمس ج6 ص338 و342 الحديث1و15.

[16] المصدر السابق: ص339 و340 الحديث4و9.

[17] الوسائل: الباب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ج6 ص339 و341 الحديث2 و11.

[18] الوسائل: الباب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ج6 ص339 و341 الحديث2 و11.

[19] الوسائل: الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ج6 ص351 و350 الحديث8و6.

[20] الوسائل: الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ج6 ص351 و350 الحديث8و6.

[21] الوسائل: الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ج6 ص348 الحديث1.

[22] الوسائل: الباب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ج6 ص339 الحديث5.

[23] الوسائل: الباب2 من أبواب الأنفال ج6 ص378 الحديث9.

[24] الوسائل: الباب4 من أبواب الأنفال ج6 ص385 الحديث19، وقد مرّت في عداد الطائفة الأولى تحت الرقم4 من ص341.

[25] الوسائل: الباب21 من أبواب عقد البيع ج12 ص2274 و275 الحديث4.

[26] الوسائل: الباب 69 من أبواب جهاد العدوّ ج11 ص116 الحديث1.

[27] الوسائل: الباب21 من أبواب عقد البيع ج12 ص2274 و275 الحديث4.

 [28] الوسائل: الباب41 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث2.