مؤامرة إفساد الجامعات

 

ومن مؤامراتهم الكبرى _ كما أشرت الى ذلك مراراً _ السعي للسيطرة على مراكز التربية والتعليم وخصوصاً الجامعات، ذلك لأن مقدرات الدول بأيدي خريجها.

 

وأسلوبهم في التعامل مع الروحانيين ومدارس العلوم الإسلامية يختلف عنه فيما يتعلق بالجامعات والاعداديات، فهم في الحالة الأولى يؤكدون على إزاحة الروحانيين عن الطريق، وعزلهم إما بالقمع والعنف والإهانة، كما حصل في عهد رضا خان _ وإن كانت نتائجه عكسية _ وإما بالدعايات والتهم والخطط الشيطانية للفصل بينهم وبين الطبقة المتعلمة والمثقفة _ كما يصطلح عليها _ كما حصل في عهد رضا خان مقترناً بالضغط والقمع، وفي عهد محمد رضا مجرداً عن العنف وبطريقة أخرى اشد إيذاءً.

 

أما في الجامعة، فإن خطتهم تقضي بحرف الشبان عن ثقافتهم وآدابهم وقيمهم المحلية، وجرّهم نحو الشرق أو الغرب، واختيار المسؤولين الحكوميين من بين هؤلاء وتحكيمهم بمصائر البلدان لينفّذوا بواسطتهم كل ما يريدون. فهم ينهبون البلدان ويجرّونها نحو الأسر للغرب دون أن يكون بمقدور الروحانيين الحيلولة دون ذلك، فهم قد ساهموا في عزلهم وتنفير الناس منهم وإحباطهم. وهذا هو الطريق الأفضل لنهب البلدان المستعمرة وإبقائها متخلفة، فهو يؤدي إلى إفراغ كل شيء في جيوب الدول الكبرى دون عناء أو كلفة، ودون إثارة أيّة ضجة في الأوساط الوطنية.

 

لذا فإن من اللازم علينا جميعاً الآن _ وحيث تنصبُّ الجهود على إصلاح وتطهير الجامعات والمعاهد التعليمية _ مساعدة المسؤولين في ذلك للحيلولة _ والى الأبد _ دون انحراف الجامعات والسعي لمعالجة أيّ انحراف يلوح بحركة سريعة، ولابدّ من تحقيق هذا الأمر الحيوي على يد شبان الجامعات والمعاهد التعليمية ابتداءً. فإن نجاة الجامعة من الانحراف يعني نجاة البلد والشعب.

 

إنني أوصي جميع الفتية والشبّان وآبائهم وأمهاتهم ومحبيهم أولاً، ثم رجال الدولة المثقفين الحريصين على مصالح البلد ثانياً، أن يبادروا جميعاً الى بذل الجهود الجهيدة في هذا المجال الذي يستتبع حفظ البلاد من الأذى، ثم تسليم أمانة حفظ الجامعات الى الجيل القادم.

 

كما أوصي الأجيال اللاحقة أن يجهدوا في حفظ الجامعات وصيانتها من الانحراف أو الميل إلى الغرب والشرق فإن في ذلك نجاتهم ونجاة بلدهم العزيز والإسلام _ صانع الانسان _ وليعلموا أنهم بعملهم الإنساني والإسلامي هذا إنما يقطعون أيدي القوى الكبرى عن بلادهم ويفقدونها الأمل نهائياً.. حفظكم الله وأعانكم.

 

* انتخبوا نواباً متدينين

 

زاء _ من الأمور الضرورية أيضاً، تدين نواب مجلس الشورى الاسلامي، فقد رأينا جميعاً أيٌة إضرار محزنة لحقت بالإسلام وبإيران نتيجة عدم صلاحية مجلس الشورى وانحرافه منذ الفترة التي تلت النهضة الدستورية[1] وحتى عهد النظام البهلوي المجرم، والتي كان سواها وأخطرها عهد ذلك النظام الفاسد المفروض. يالها من مصائب وخسائر مدمرة حلت بالبلاد والشعب على أيدي هؤلاء العبيد التافهين المجرمين.

 

لقد أدى وجود أكثرية مصطنعة مقابل أقلية مظلومة خلال الخمسين عاماً الأخيرة _ من العهد البائد _ إلى تمكن إنجلترا والاتحاد السوفيتي وأمريكا بعد ذلك من تمرير كل ما أرادوه على أيدي هؤلاء المنحرفين الغافلين عن الله مما جر البلاد الى حافة الدمار والانهيار. فمنذ ما تلا الحركة الدستورية لم يطبق شيء تقريباً من مواد الدستور الأساسية، وقد تم ذلك قبل عهد رضا خان عبر المأمورين للغرب وحفنة من الباشوات والإقطاعيين، وعبر النظام السفاك وحواشي البلاط وأزلامه في عهد النظام البهلوي.

 

أما الآن، وحيث أصبح مصير البلاد _ وبلطف الله وعنايته وهمة الشعب العظيم _ بأيد المواطنين أنفسهم، حيث اصبح النواب منبثقين من سواد الجماهير يتم انتخابهم لمجلس الشورى الإسلامي دون تدخل الحكومة أو الباشوات، فإن المؤمل أن يحول التزامهم بالاسلام وحرصهم على مصالح البلاد دون وقوع أي انحراف.

 

لذا فإني أوصي أبناء الشعب أن يصوتوا في كل دورة انتخابية _ حاضراً ومستقبلاً _ لصالح المرشحين الملتزمين بالإسلام والجمهورية الإسلامية انطلاقاً من إرادتهم الصلبة والتزامهم بأحكام الإسلام وحرصهم على مصالح البلاد.

 

 ولا شك أن مثل هؤلاء المرشحين يكونوا غالباً من الطبقات الاجتماعية الوسطى ومن بين المحرومين غير المنحرفين عن الصراط المستقيم نحو الغرب أو الشرق، ومن غير الميالين نحو المدارس العقائدية المنحرفة، ومن المتعلمين المطلعين على مجريات الامور المعاصرة والسياسات الإسلامية.

 

* على العلماء أن لا يعتزلوا المجتمع

 

وأوصي العلماء المحترمين _ لا سيما المراجع العظام _ أن لا يعتزلوا قضايا المجتمع، خصوصاً عند انتخاب رئيس الجمهورية أو نواب المجلس، وأن لا يكونوا غير مكترثين بهذه الأمور. فكلكم رأيتم _ والأجيال اللاحقة ستسمع بذلك _ كيف قام ممتهنو السياسة من عملاء الشرق والغرب بعزل الروحانيين الذين وضعوا الحجر الأساس للملكية الدستورية بعد أن تحملوا المشاق والمعاناة، وكيف أن الروحانيين أيضاً ابتلعوا الطعم الذي ألقاه لهم ممتهنو السياسة فظنوا ان التدخل في أمور البلاد والمسلمين مما لا يليق بمقامهم، فانسحبوا من الميدان تاركين إياه للمأسورين للغرب، الأمر الذي الحق بالحركة الدستورية والدستور والبلاد والإسلام ما يحتاج جبرانه إلى زمن طويل.

 

والآن وبعد أن أزيلت الموانع بحمد الله تعالى، وتوفرت الأجواء الحرة المناسبة لمشاركة جميع الشرائح الاجتماعية لم يبق من عذر، والتساهل بأي أمر من أمور المسلمين من الذنوب الكبيرة التي لا تغتفر.

 

فعلى كل امرءٍ أن يسعى _ وبمقدار استطاعته وبماله من التأثير في خدمة الإسلام والوطن وأن يحول بجد _ دون نفوذ عملاء القطبين المستعمرين، والمنبهرين بالغرب أو الشرق والمنحرفين عن نهج الإسلام العظيم.

 

وليعلم الجميع بأن أعداء الإسلام والدول الإسلامية المتمثلين بالقوى الناهبة الدولية الكبرى إنما يتغلغون في بلداننا والبلدان الإسلامية الأخرى بخفة ومهارة ليوقعوا تلك البلدان في شباك الاستعمار مستغلين أبناء شعوب تلك البلدان ذاتها.

 

كونوا يقظين، راقبوا بحذر، وما أن تشعروا بأول خطوة تغلغل هبوا للمواجه ولا تمهلوهم، والله معينكم وهو حافظكم.

 

* النواب صيانة الدستور[2]

 

أطالب ممثلي مجلس الشورى الإسلامي _ في هذا العصر والعصور الآتية _ أن يصرّوا على عدم قبول أوراق اعتماد العناصرالمنحرفة التي تتمكن في وقت ما من فرض تمثيلها على الناس بالدسائس والألاعيب السياسية، وأن يحولوا دون وصول حتى عنصر مخرب عميل واحد إلى المجلس.

 

 كما أوصي الأقليات الدينية المعترف بها رسمياً[3] أن يأخذوا العبرة من الدورات الانتخابية التي جرت في عهد النظام البهلوي، وأن يحرصوا على انتخاب ممثليهم الملتزمين بأديانهم وبالجمهورية الإسلامية، غير المرتبطين بالقوى الإستعمارية، وغير الميالة للمدارس الإلحادية المنحرفة والإلتقاطية.

 

واطلب من جميع النواب أن يتعاملوا فيما بينهم بحسن النية والاخوة، وليسعوا جميعاً الى أن لا تسن القوانين المنحرفة عن الإسلام _ لا سمح الله _ وليكونوا جميعاً أوفياء للاسلام ولأحكامه السماوية، سعياً في نيل سعادة الدنيا والآخرة.

 

كما أطالب أعضاء صيانة الدستور المحترمين وأوصيهم _ سواء في هذا الجيل أم الاجيال القادمة _ أن يحرصوا على أداء واجباتهم الإسلامية والوطنية بكل دقة وحزم، وان يحاذروا من الوقوع تحت تأثير أية سلطة، وأن يحولوا دون سن القوانين المخالفة للشرع المطهر والدستور، دون الأخذ بنظر الاعتبار أية اعتبارات أخرى، وأن ينتبهوا إلى مصالح البلاد التي يجب أن تتحقق عبر الأحكام الثانوية تارة، أو عبر ولاية الفقيه[4] تارة أخرى.

 

* المشاركة في الانتخابات تكليف الهي

 

وأوصي الشعب المجيد بأن يسجل حضوراً فاعلاً في جميع الانتخابات، سواء انتخابات رئاسة الجمهورية أو انتخابات الخبراء[5] لتعيين شورى القيادة أو القائد،[6] وعليهم أن يحرصوا على إتمام عملية الاقتراع وفق الضوابط المعتبرة. فمثلاً في انتخاب الخبراء لتعيين شورى القيادة أو القائد عليهم أن ينتبهوا جيداً، فإذا تم تجاوز الموازين الشرعية والقانون في انتخاب الخبراء وحصل تساهل ما في ذلك، فمن الممكن أن يتعرض الإسلام والبلاد إلى خسائر لا يمكن جبرانها، وحينها سنكون الجميع مسؤولين أمام الله تعالى.

 

على هذا الأساس، فإن عدم مشاركة الشعب _ بمراجعه وعلمائه العظام وتجّاره وكسبته وفلاحيه وعماله وموظفيه _ يحمل الجميع المسؤولية عن مصير البلاد والإسلام، سواءٌ بالنسبة لهذا الجيل أم الأجيال القادمة. وقد يكون التساهل وعدم المشاركة في بعض الظروف ذنباً من أكبر الكبائر.

 

لذا وجب علاج المسألة قبل وقوعها، وإلا فلن يكون بوسع أحد أن يفعل شيئاً، وهي حقيقة لمستموها ولمسناها بعد الحركة الدستورية. فليس من علاج أفضل من قيام أبناء الشعب وفي مختلف أنحاء البلاد بأداء تكليفهم وفق الضوابط الإسلاميّة ومواد الدستور، كذا فإن عليهم _ في انتخابات رئاسة الجمهوريّة أو مجلس الشورى _ مشاورة الطبقة المتعلمة المثقفة المطّلعة على مجاري الامور والمعرفة بالتقوى والالتزام بالإسلام وبنظام الجمهوريّة الإسلامية والعلماء الروحانيين المتّقين الملتزمين بالجمهورية الإسلاميّة، وامثالهم ممن لا ارتباط لهم بالدولة القوية المستعمِرة.

 

ليحرص الجميع عند اختيار رئيس الجمهوريّة ونواب المجلس على أن يكونوا ممن لمسوا حرمان المستضعفين والمجتمع ومظلوميتهم، وممن يعتزمون تحقيق الرفاهية لأبناء الشعب. اولئك التجار والإقطاعيين من الساعين للوجاهة والشهرة، المرفهين الغارقين في الملذات والشهوات غير القادرين على إدراك مرارة الحرمان ومعاناة الجائعين والحفاة.

 

وعلينا أن نعلم أنَّ رئيس الجمهوريّة وممثلي المجلس إذا كانوا لائقين ملتزمين بالإسلام متحمسين لخير البلاد والشعب، فإنّ ذلك سيمنع من ظهور الكثير من المشكلات ويحلُّ الكثير منها إن وجد. وكذا هو الأمر في انتخاب الخبراء لتعيين شورى القيادة _ والقائد بالأخص _ فإذا تمَّ انتخاب هؤلاء من قبل أبناء الشعب بدقة متناهية أو باستشارة مراجع العصر العظام والعلماء الأعلام في جميع أنحاء البلاد والمتدينين والمفكرين الملتزمين، فإنّ ذلك سيؤدٍي إلى تفادي الكثير من المشاكل والمعضلات أو حلها بسهولة، بناءً على ما تمَّ تحقيقه من اختيار لأكثر الأشخاص التزاماً ولياقةً للقيادة أو شورى القيادة.

 

ومع الأخذ بنظر الاعتبار المادة التاسعة بعد المائة[7] والعاشرة بعد المائة[8] من الدستور يتضح مدى جسامة مسؤولية الشعب في اختيار الخبراء، ومسؤولية الخبراء في تعيين القائد أو شورى القيادة، فأقل تساهل في الاختيار سيلحق ايّما ضررٍ بالإسلام والبلاد والجمهوريّة الإسلاميّة، وان احتمال هذا الضرر _ وهو امر في غاية الاهمية _ يمكن أن يرتّب عليها تكليفاً الهياً.

 

* إلى القائد وشورى القيادة

 

اوصي القائد أو شورى القيادة في عصر هجمة القوى الكبرى وعملائها _ في داخل البلاد وخارجها _ ضد الجمهوريّة الإسلاميّة _ وفي الحقيقة ضد الإسلام تحت ستار الهجمة على الجمهوريّة الإسلاميّة _ وفي العصور المقبلة بأن يوقفوا أنفسهم لخدمة الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة والمحرومين والمستضعفين، وان لا يتوهموا أن القيادة _ في ذاتها _ هديّة ومقام سامٍ لهم، فهي واجب ثقيل وخطير، والزلّة فيها إذا كانت اتّباعاً لهوى النفس _ لا سمح اللّه _ فإنّها تستتبع العار الأبدي في هذه الدنيا، ونار غضب اللّه القهار في الآخرة.

 

أتضرع وأبتهل إلى اللّه المنّان الهادي أن ينجينا ويستقبلنا وإيّاكم من هذا الامتحان الخطير وقد ابيضّت وجوهنا.

 

كذلك فإنّ هذا الخطر يتهدد أيضاً _ وبدرجة أقلّ قليلاً _ رؤساء الجمهوريّة _ الحالي ومن سيليه _ والوزراء والمسؤولين بحسب مواقعهم في سلّم المسؤولية، فلينتبهوا إلى أن اللّه تعالى حاضر وناظر وأنَّهم في محضره المبارك. هداهم اللّه تعالى إلى سواء السبيل.

 

* العدالة في القضاء الإسلامي

 

حاء _ ومن الامور الهامة مسألة القضاء، فالقضاء يباشر أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم. لذا اوصي القائد أو شورى القيادة ان يتحرّوا الدقّة في مجال التشخيص لأعلى منصب قضائي _ وهو من صلاحياتهم _ واختيار المتدينين المحنّكين من اولي الخبرة في الامور الشرعية والإسلاميّة والسياسية. كما اوصي أعضاء مجلس القضاء الاعلى العمل بجدّ على تنظيم أمر القضاء الذي عانى في العهد البائد من وضع محزن مؤسف، وان ينافحوا عن هذا الموقع البالغ الأهمّية مخافة أن يتسنم هذا الموقع أولئك المتلاعبين بأرواح الناس واموالهم ممن لا وجود لمعنى العدالة الإسلامية عندهم. وان يسعوا بمثابرة وجد لتغيير وضع دوائر العدلية[9] ويحرصوا على تنصيب القضاء الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة ممن تعمل الحوزات العلمية _ خصوصاً الحوزة العلمية المباركة في قم _ على أعدادهم وتأهيلهم وترشيحهم واستبعاد من لا تتوفر فيهم الشروط الإسلاميّة اللازمة، حتى يتم بسرعة _ إن شاء اللّه _ سريان القضاء الإسلامي في ربوع البلاد كافة.

 

وأوصي القُضاة المحترمين في عصرنا الحاضر والعصور القادمة أن ينبروا لتحمّل مسؤولية هذا الموقع الخطير ويفوّتوا الفرصة على غير المؤهلين له. فلا يتنصّلن المؤهلون لذلك عن قبول هذه المسؤولية، وليأخذوا بنظر الاعتبار الأحاديث الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) حول أهميّة القضاء وخطورته وما ورد حول القضاء بغير الحق. وليعلموا بأنّ المنصب أجر وفضل وثواب عظيم، كما أن خطره عظيم، وليس يخفى عليهم بأنّ التصدّي للقضاء ممن هو أهل لذلك واجب كفائي.

 

* تحصين الحوزات العلميّة أمام الإختراق

 

طاء _ لقد عقد أعداء الإسلام والجمهوريّة في هذا الزمن العزم على القضاء على الإسلام، فهم ساعون بكلّ طريقة ممكنة لتحقيق هذا الهدف الشيطاني، وإحدى الطرق الهامّة في تحقيق هدفهم المشؤوم والخطير على الإسلام والحوزات الإسلاميّة هو زرع أفراد منحرفين فاسدين فيها، والخطر الكبير الناجم عن ذلك على المدى القريب، هو تشويه سمعة الحوزات العلمية من خلال الممارسات غير اللائقة والسلوكيات غير الأخلاقية والمنحرفة لهؤلاء المندسّين، أمّا على المدى البعيد فإنّ الخطر يكمن في وصول البعض من النصّابين إلى المواقع الحسّاسة للقيام في الوقت المناسب بتوجيه ضربة مهلكة للحوزات الإسلاميّة وإلى الإسلام العزيز وإلى البلاد وذلك من خلال اطّلاعهم على العلوم الإسلاميّة واندساسهم بين الجماهير والناس البسطاء وكسب ودّهم.

 

وليس بدعاً من الأمر أن يكون للقوى الناهبة الكبرى طابورٌ من المندسّين في المجتمعات وباشكالٍ مختلفة تشمل الوطنيين والمثقفين القشريين بين الناس أحياناً ثلاثين أو أربعين عاماً متظاهرين بالإسلام والقداسة والقوميّة والوطنية إلى سائر الحيل الأخرى بصبرٍ وأناةٍ متحيّنين الفرصة المناسبة لتنفيذ مهماتهم. وقد رأى شعبنا العزيز نماذج من قبيل مجاهدي الشعب[10] وفدائيي الشعب[11] والشيوعيين[12] وغيرهم ممن اشتهرت أسماؤهم بُعيد انتصار الثورة. لذا وجب على الحوزات العلميّة أن تحذر ذلك كلّه، كما إنّ على الجميع ان يمارسوا أدوارهم في إحباط هذه المؤامرات بيقظة، والأهمُّ من ذلك كلّه هو تصدّي المدرسين المحترمين والفضلاء من أهل الخبرة بمباركة مراجع العصر لتنظيم الحوزات العلميّة، ولعلّ المقولة المشهورة "نظمنا في عدم النظم" هي من الإيحاءات المشؤومة لهؤلاء المخططين المتآمرين.

 

* تنظيم الحوزات العلميّة

 

على أيّة حال، فإنّ من المطلوب في كلّ العصور، وخصوصاً في العصر الحاضر الذي اشتدّت فيه المخططات والمؤامرات وتسارعت، التصدي لتنظيم الحوزات، فيصرف المدرسون والأفاضل الإجلاّء الوقت في ذلك لصيانة الحوزة في هذه المرحلة ومن خلال البرامج الدقيقة الصحيحة، أخصُّ بذلك الحوزة العلمية في قم[13] وسائر الحوزات الكبيرة والمهمة.

 

ومن الضروري أن لا يسمح العلماء والمدرسون المحترمون بانحراف الدراسة في مجال الفقه والأصول عن طريقة المشايخ العظام، التي تمثل الطريق الوحيد لحفظ الفقه الإسلامي، وليعملوا على زيادة التدقيق والبحث والإبداع والتحقيق كل يوم، وليحصروا على حفظ المنهج التقليدي في الفقه الذي ورّثه لنا السلف الصالح والذي يؤدي الانحراف عنه إلى إضعاف أسس التحقيق والبحث والتدقيق. ولتضاف التحقيقات إلى التحقيقات. طبيعي أن برامج في المجالات العلمية الأخرى يجب أن تُعد وبما يتناسب مع احتياجات البلاد والإسلام، كما ينبغي إعداد المتخصصين في تلك المجالات، غير أن أسمى المجالات التي ينبغي أن تُصبّ عليها جهود التعليم والتعلم وأفضلها هي العلوم المعنوية الإسلامية كعلم الأخلاق وتهذيب النفس والسير والسلوك إلى الله[14] _ رزقنا الله ذلك وإياكم _ فإنه الجهاد الأكبر.

 

* أهميّة الجهاز التنفيذي وخطورته

 

ياء _ من الأمور التي يلزم إصلاحها ومراقبتها، الجهاز التنفيذي، فقد تصدر عن المجلس أحياناً قوانين ممتازة ومفيد للوضع الحالي للمجتمع، وتقوم شورى صيانة الدستور بإمضائها وإبلاغها الوزير المختص إلا أنها عندما تقع بعد           ذلك في أيدٍ غير صالحةٍ، قد تُمسخ أو يُعمل خلافاً لها، أو إنها تؤدي _ ونتيجة لما اعتاده أولئك من الروتين والمسالك الإدارية الملتوية أو لتعمدٍ في ذلك منهم _ إلى إثارة الاضطراب بين الناس تدريجياً حتى يبلغ الأمر حدوث فوضى اجتماعية.

 

أوصى الوزراء المسؤولين في العصر الحاضر والعصور المقبلة أن يُدركوا أنهم وموظفي وزاراتهم يرتزقون من أموال الشعب، لذا وجب عليهم جميعاً أن يكونوا خداماً للشعب وخصوصاً المستضعفين منهم، كذلك عليهم أن يدركوا بأنّ إيجاد المشقة للناس والعمل خلافاً للواجب حرام ويوجب أحياناً الغضب الإلهي _ والعياذ بالله _.

 

إنكم بحاجة إلى دعم الشعب، فبدعم الشعب _ خصوصاً طبقاته المحرومة _ تحقق النصر وقطعت يد الظلم الملكي عن البلاد وثرواته، فإذا حُرمتم ذات يوم دعم الشعب فإنكم ستُعزلون أيضاً وسيحتلُّ الظلمة مواقعكم ويعود الأمر إلى سابقه.

 

وبناءً على هذه الحقيقة الملموسة، عليكم أن تسعوا لإرضاء الشعب وتتجنبوا السلوك اللااسلامي واللاإنساني، ومن هذا المنطلق فإنّي أوصي وزراء الداخلية في كل عصر أن يدققوا في اختيار المحافظين، ويحرصوا على انتخاب الأكفاء المتدينين المحنكين المتآلفين مع الناس، حتى يسود الهدوء البلاد إلى أبعد حدٍّ ممكن.

 

تجدر الإشارة إلى أنه _ وإن كان على جميع الوزراء السعي في أسلمة الجهاز الذي يعمل بين أيديهم وتنظيم أموره _ إلا أنَّ لبعض الوزارات خصوصية مميزة كوزارة الخارجية المسؤولة عن سفارات البلاد في الخارج.

 

* تطهير السفارات

 

 ولقد أوصيت وزراء الخارجية _ ومنذ انتصار الثورة _ بوصايا حول المظاهر الطاغوتية في السفارات، وحول السعي في تغيير وتنظيم السفارات وبما يتناسب مع مبادئ الجمهورية الإسلامية، إلا أن البعض منهم إما انه لم يرغب في ذلك، أو أنه لم يتمكن من القيام بمسعى إيجابي.

 

والآن مضى ما يقارب الثلاثة أعوام على انتصار الثورة ووزير الخارجية الحالي أقدم على ذلك والمؤمل أن يتحقق المطلوب بالمتابعة وبذل الوقت.

 

أوصى وزراء الخارجية _ الحالي ومن سيليه _ أن يُدركوا جسامة مسؤولياتهم، سواء في مجال إصلاح الوزارة والسفارات وتطويرها، أم في مجال السياسة الخارجية الهادفة لحفظ الاستقلال ومصالح البلاد وإقامة العلاقات الحسنة مع الدول التي ليس في نيّتها التدخل في شؤوننا الداخلية.

 

حاذروا وبكل حزم من أي أمرٍ تشوبه شائبة التبعيّة بكل أبعادها، ولتعلموا بأنّ التبعيّة في بعض الأمور يعرِّض البلاد _ رغم ظاهرها الخداع أو ما تحققه من منافع مؤقتة _ إلى كارثة مدمرة. 

 

اسعوا لتحسين علاقاتكم مع الدول الإسلامية وإيقاظ قادتها وكونوا دعاة للوحدة والاتحاد فالله معكم.

 

كما أوصي شعوب العالم الإسلامي بأن لا ينتظروا مساعدة أحد من الخارج لتحقيق أهدافهم في تطبيق أحكام الإسلام، بل المبادرة للنهوض بأنفسهم وتحقيق هذا الهدف الضروري الذي سيؤمّن لهم الحريّة والاستقلال.

 

ليبادر العلماء الأعلام، والخطباء الموقرون في الدول الإسلامية إلى دعوة الحكومات لتحرير أنفسها من التبعيّة للقوى الأجنبية الكبرى، وليتفقوا مع شعوبهم فإنهم إذا فعلوا عانقوا النصر لا محالة، عليهم أيضاً أن يدعوا الشعوب إلى الوحدة ونبذ العنصرية المخافة لتعاليم الإسلام، ومد يد الاخوة إلى إخوانهم في الإيمان في أي بلد كانوا ومن أي عنصر فإن الإسلام يعدّ الجميع اخوة، ولو أن هذه الاخوة تحققت يوماً ما بهمة الحكومات والشعوب وبتأييد الله العلي، فسيظهر للعيان كيف أن المسلمين يشكلون اكبر قوة في العالم.

 

عسى أن يمن الله سبحانه وتعالى علينا بهذه الأخوّة والمساواة في يوم قريب.

 

* المؤامرات الإعلامية ودور وزارة الإرشاد

 

وصيتي إلى وزارة الإرشاد في كل العصور، خصوصاً عصرنا الحاضر_ لما له من خصوصية _ أن تسعى لنشر الحق في مقابل الباطل، وإظهار الوجه الحقيقي للجمهورية الإسلامية.

 

إننا نتعرض في هذا الزمان لهجوم إعلامي مكثف من قبل جميع وسائل الإعلام المرتبطة بالقوى الكبرى ذلك لأننا قطعنا يدها عن بلادنا. فأية أكاذيب وتهم باطلة لا يلصقها المتحدثون والكتّاب المرتبطون بالقوى الكبرى بهذه الجمهورية الإسلامية الفتيّة ؟ وللأسف فإن أكثر دول المنطقة _ وبدلاً من أن يمدّوا لنا يد الأخوّة لما يقتضيه الإسلام _ فإنهم هبّوا لمعاداتنا ومعاداة الإسلام، وهجموا علينا من كل صوب خدمة للناهبين الدوليين، في وقتٍ يعاني فيها إعلامنا من الضعف والعجز البالغين، وكلكم تعلمون بأن العالم يُدار اليوم بالإعلام.

 

ومما يؤسف له فإن الكتّاب المثقفين _ كما يقال _ يميلون إلى أحد القطبين بدلاً من أن يكون همّهم استقلال بلدهم وشعبهم وحريتهما، فالأنانيّة والانتهازيّة والفئويّة تحرمهم فرصة التفكير لحظة واحدة في مصالح بلدهم وشعبهم، ومقارنة الحرية والاستقلال في عهد هذه الجمهورية بما يماثلهما في العهد البائد، ومقايسة الحياة الشريفة العزيزة التي يعيشونها الآن مقترنة ببعض ما خسروه من الرفاهيّة والترف، وبين ما كانوا يحصلون عليه تحت ظل نظام الظلم الملكي مقترناً بالتبعية والاستبعاد والاضطرار إلى كيل المديح والثناء لجراثيم الفساد ومعدن الظلم والفحشاء. فليكفّوا عن إطلاق التهم وما لا يليق بهذه الجمهورية اليافعة وتوظيف ألسنتهم وأقلامهم لخدمة الشعب والنظام في مقابل الطواغيت والظلمة.

 

غير أن مسألة التبليغ لا تختصّ بوزارة الإرشاد فقط، فهي واجب الجميع من علماء وخطباء وكتّاب وفنانين، كذلك فإن على وزارة الخارجية أن تسعى لإصدار نشرات تبليغية  من خلال سفاراتها لتعرض للناس وجه الإسلام النوراني _ الذي إن تجلى وأزيح عنه قناع المعاندين وأولي الإفهام المنحرفة وظهر بجماله الجميل الذي عرضه القرآن وألسنّه في جميع أبعاده _ فإنه سيعم العالم وستخفق رايته المجيدة في كل مكان.

 

ما أدهاها وما أمرّها مصيبة أن يكون لدى المسلمين بضاعة مزجاة بهذه الجودة ومما لا يُناظر منذ بدء الخليقة إلى آخرها، ثم لا يستطيعون عرض هذه الجوهرة النفيسة التي يسعى إليها كل إنسان بفطرته السليمة، بل الأمرُّ من ذلك أن يكونوا غافلين عنها جاهلين بها أو فاريّن منها أحياناً.

 

مراكز التربية والتعليم غير الإسلامية وأثرها الهدّام

 

كاف _ من الأمور الهامة المصيرية، مسألة مراكز التربية والتعليم بدءاً من دور الحضانة وحتى الجامعات، وسوف اكرّر الحديث باختصار حول هذه المسألة لأهميتها الاستثنائية.

 

إن على شعبنا المنكوب أن يعلم بأن الضربة المهلكة التي وُجهت إلى إيران والإسلام في النصف الأخير من هذا القرن تعود في معظمها إلى الجامعات. فلو أن الجامعات ومراكز التربية والتعليم الأخرى كانت تسير وفق برامج إسلامية ووطنية في تعاملها مع الأطفال والناشئة والشبان وتهذيبهم وتربيتهم بما ينسجم مع هدفها في الحفاظ على مصالح البلاد، لما أصبح وطننا لقمة سائغة للإنجليز ثم للأمريكان والروس، ولما أمكن مطلقاً فرض الاتفاقيات الجائزة على شعبنا المحروم المنكوب، ولما فتحت الطريق أمام المستشارين الأجانب ليملئوا إيران، ولما أفرغت الثروات النفطية للشعب الإيراني المضطهد في جيوب القوى الشيطانية، ولما أمكن لأسرة البهلوي وعملائها نهب أموال الشعب وتحويلها إلى منتزهاتٍ وقصور مشادةٍ على أجساد المظلومين في الداخل والخارج، أو ملأ المصارف الخارجية بحاصل كدّ المظلومين لتُصرف بعد ذلك على المجون والفساد الذي يمارسونه مع من لفّ لفهم.

 

 فلو أن أعضاء المجلس والحكومة والقضاء وسائر المؤسسات كانوا من خريجي جامعات إسلامية ووطنية لما كان شعبنا اليوم يعاني كل هذه المشاكل العصيبة. ولو أن المسؤولين الذين كانوا يتولون المراكز في السلطات الثلاث، كانوا من المتمسكين بالإسلام والوطنية بمعناها الصحيح _ لا كما يدعونه الآن في مقابل الإسلام _ لكان وضعنا غير هذا الوضع وحال بلادنا غير حالها هذه، ولكان المحرومون من أبناء شعبنا قد تحرروا من قيد الحرمان، ولكان قُضي منذ أمد _ وإلى الأبد _ على نظام الظلم الملكي ومراكز الفحشاء والإدمان ودور البغاء التي كان الواحد منها يكفي لإتلاف الجيل الشاب ذي الدور الفاعل المهم.. ولما ورِثَ الشعب هذا الإرث المدمر للبلاد والعباد.

 

ولو أن الجامعات كانت إسلامية، إنسانية ووطنية لأمكنها أن تقدم للمجتمع مئات وآلاف الأساتذة.

 

ولكن كم هو أمر محزن ومؤسف أن تدار الجامعات والثانويات من قبل المأسورين للغرب والشرق _ إلا ما ندر من أقليّة مظلومة محرومة _ فيتعرض شبابنا للتربية على أيديهم وعلى أساس برامج ومخططات أمليت عليهم من قبل الأساتذة الأجانب ممن كانت لهم المواقع في الجامعات، الأمر الذي جعل شباننا الأعزاء المظلومين يترعرعون في أحضان هذه الذئاب المرتبطة بالقوى الكبرى، فنشأ منهم من تسنّم مواقع المسؤولية عن تشريع القوانين والحكم والقضاء، فصاروا يحكمون طبقاً لأوامر النظام البهلوي الظالم.

 

واليوم وبعد أن خرجت الجامعات من قبضة الجناة _ بحمد الله تعالى _ لزم الشعب وحكومة الجمهورية الإسلامية في كل العصور، أن يحولا دون تسلل العناصر الفاسدة من اتباع المدارس الفكرية المنحرفة أو ذات الميول للغرب والشرق إلى معاهد المعلمين أو الجامعات أو سائر مراكز التعليم والتربية، وأن يحرصوا على علاج هذا الأمر قبل تفاقمه وانفلات الزمام.

 

وأوصي الشبان الأعزاء في معاهد المعلمين والثانويات والجامعات، الوقوف بحزم وشجاعة في مقابل الانحراف لكي يُصان الاستقلال والحرية لهم ولبلادهم ولشعبهم.

 

_________________________

 

[1]  في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ساءت أوضاع ايران كثيراً، وارتفعت استغاثات الشعب الإيراني المسلم من نير الظلم والجور والاستبداد للحكم وعمّاله. وقد أدى ضعف "مظفر الدين شاه" _ ملك إيران آنذاك _ وعدم صلاحيته لإدارة شؤون البلاد، والوعي المتنامي للشعب، وأسباب أخرى أهمها: انتفاضة العلماء والروحانيين، إلى تهيئة الأرضية المناسبة لقيام ثورة سمّيت بانتفاضة المشروطة أو الحركة الدستورية. واستمرت هذه الثورة لعدّة سنوات، وشهدت صراعاً مريراً إلى أن انتصرت عام 1906م.

 

هذه الانتفاضة _ رغم انها لم تسر في الطريق السليم بشكل كامل _ لكنها استطاعت أن تغيّر البنية الاجتماعية في ايران بشكل أساسي، وحطمت الامتيازات الطبقية التي كانت سائدة، ودكّت مراكز وقصور اتباع الطاغوت والاقطاعيين الكبار، وثبتت القانون والعدالة. لكن تحييد العلماء عن الساحة السياسية والحكم، ونفوذ عناصر وعملاء الغرب إلى داخل الثورة أدى إلى منع الانتفاضة من تحقيق هدفها المنشود، وعودة نظام الحكم الملكي المستبدة، وذلك إثر نجاح مؤامرة "رضاخان".

 

[2]  من أجل الحفاظ على الاحكام الإسلامية والدستور _ الذي أعدّ في الجمهورية الإسلامية في إيران طبقاً لأحكام القرآن والإسلام _ ولمراقبة قرارات مجلس الشورى الإسلامي، وضمان عدم مغايرتها للأحكام الإسلامية والدستور، شكّلت شورى سمّيت بشورى صيانة الدستور، وتضم هذه الشورى اثني عشر عضواً. ستة أشخاص من الفقهاء العادلين والواعين، وستة أشخاص من الحقوقيين "رجال القانون" المتخصصين في مختلف مجالات القانون، وذلك حسب "المادة الحادية والتسعون من الدستور" ويتم انتخابهم لمدة ست سنوات حسب "المادة الثانية والتسعون من الدستور". كما أن مجلس الشورى الإسلامي ليس له اعتبار قانوني دون شورى صيانة الدستور. وذلك حسب "المادة 93 من الدستور"، كما أن مقررات المجلس يجب أن ترسل إلى شورى صيانة الدستور لتصديقها، والتأكد من مطابقتها للموازين الإسلامية والدستور، وعدم مغايرتها لهما. وذلك حسب "المادة 94 من الدستور".

 

[3]  تنص المادة الثالثة عشر من دستور الجمهورية الإسلامية في إيران على أن "الزرداشت واليهود والمسيحيّون هم وحدهم الأقليات الدينية المعترف بها. وتتمتع هذه الأقليات بالحرية في أداء المراسم الدينية الخاصة بها ضمن حدود القانون، ويحق لها أن تعمل وفق قواعدها الخاصة بها في مجال الأحوال الشخصية والتعاليم الدينية.

 

كما تنص المادة الرابعة عشر على أنه وبحكم الآية الكريمة "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتسقطوا إليهم إن الله يحبّ المقسطين" على أن على حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران، والمسلمين فيها معاملة غير المسلمين بالأخلاق الحسنة والقسط والعدل الإسلامي، ومراعاة حقوقهم الإنسانية. وتسري هذه المادة على الذين لا يتآمرون ولا يقومون بأي عمل معاد للإسلام والجمهورية الإسلامية في إيران.

 

[4]  طبقاً للأحكام الإلهية والمصادر الأصلية للرسالة والأحاديث الشريفة المعتبرة، فإن الرسالة التاريخية للأنبياء وتشكيل الحكومة أمر يقع على عاتق النبي(ص) ثم الأئمة المعصومين(ع) من بعده، ثم ولي الفقيه الذي يتولى هذه المسؤولية في زمن الغيبة. وولي الفقيه هذا يجب أن يكون متفوقاً على رجال عصره ودينه بالوعي والصلاح ليتمكن بذلك من الإستمرار بخط الولاية وحكومة الأنبياء. وهو الفقيه العالم الذي يرث الأنبياء للحكومة عن واجباتهم الأصلية الإسلامية.

 

[5]  تدار شؤون البلاد العامة في الجمهورية الإسلامية باعتماد الاستفتاء الشعبي العام والانتخابات العامة. ويشمل ذلك كلاً من: انتخاب رئيس الجمهورية، وانتخاب نواب الشعب في مجلس الشورى الإسلامي، وانتخاب أعضاء مجالس الشورى المحلية وغيرها.

 

وفي حال استحالة الحصول على رأي الأكثرية في أمر ما، أو إذا كان الأمر يستلزم البحث والتفاوض بين ذوي الاختصاص، عندئذٍ على أبناء الشعب أن ينتخبوا خبراء ومعتمدين كمندوبين عنهم ليتبادلوا الرأي والبحث والتفاوض في الأمر الذي يهمّ الشعب، كما هو الحال في خبراء الدستور، وخبراء اختيار القائد، وغيره. ويسمّى هذا المجلس الذي يضم هؤلاء الخبراء من مندوبي الشعب بمجلس الخبراء.

 

[6]  يتولى قيادة الأمة، وولاية الأمر، وجميع المسؤوليات المترتبة عليهما الفقيه الجامع للشرائط والذي تُجمع الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب على قيادته. وفي حال عدم توفر ذلك فإن شورى الخبراء التي ينتخبها الناس لأمر تعيين القائد، تتولى البحث والتدقيق والمشورة في وضع وحال كل من ترى فيهم صلاحية القيادة، وتنتخب من بينهم الأصلح.

 

[7]  هذه المادة من دستور الجمهورية الإسلامية تبين شروط وصفات القائد وهي:

 

الصلاحية العملية، التقوى، المعرفة والاطلاع السياسي والاجتماعي، الشجاعة، القدرة على الإدارة.

 

[8]  هذه المادة من دستور الجمهورية الإسلامية تبين واجبات القائد وصلاحياته وهي:

 

1 _ تعيين أعضاء مجلس صيانة الدستور الفقهاء.

 

2 _ تعيين أعلى مسؤول قضائي في البلاد.

 

3 _ تعيين وعزل قادة القوات المسلّحة.

 

4 _ تشكيل المجلس الأعلى للدفاع.

 

5 _ اعلان الحرب والصلح.

 

6 _ المصادقة على حكم رئيس الجمهورية بعد انتخاب الشعب له.

 

7 _ عزل رئيس الجمهورية إذا اقتضت ذلك مصلحة البلاد.

 

8 _ العفو عن المساجين أو تخفيض مدة أحكامهم طبقاً للموازين الإسلامية.

 

[9]  حسب دستور الجمهورية الإسلامية فإن جميع المحاكم يجب أن تراجع إلى مرجع رسمي تتّبعه وهو "الدوائر العدلية". وهذه بدورها تعمل تحت إشراف رئيس السلطة القضائية.

 

أما دور وزير العدل في الجمهورية الإسلامية فإنه يختلف عن دور سائر الوزراء، ففي سائر الوزارات يتولى الوزير بنفسه مسؤولية جميع نشاطات الوزارة، بينما في القضاء فإن وزير العدل لا علاقة له بالشؤون القضائية المتعلقة بالمحاكم وصدور الأحكام الجزائية، بل أن دوره الأساسي هو تنظيم العلاقة بين السلطة القضائية وباقي الوزرات وهيئة الحكومة ومجلس الشورى الإسلامي.

 

[10]  هو تنظيم سياسي إيراني يعتمد العمل المسلح، أسس عام 1965م، هدفه المعلن هو مواجهة النظام الملكي، عقيدته الفكرية إلتقاطية مستوردة بسبب عدم اطلاع قيادة هذا التنظيم على الإسلام. ومع انتصار الثورة الإسلامية في إيران وقف هذا التنظيم ضد بناء دولة إسلامية، فقتلوا واغتالوا الكثيرين من المخلصين للثورة والشعب من علماء ملتزمين مجاهدين، وشبّان ثوريين، وفجّروا مئات القنابل، وأحرقوا المؤسسات والبيوت والحافلات المكتضة بالأبرياء، وقتلوا وسفكوا دماء الآلاف في الشوارع والأزقة، وعلى موائد الافطار في شهر رمضان، ودفنوا العديد وهم أحياء، وأحرقوا العلماء بالحوامض الكيميائية الفتاكة.

 

ولم تتوانَ هذه الجماعة عن السعي لإسقاط الجمهوررية الإسلامية لكنهم بأعمالهم الوحشية والهمجية وظهور عمالتهم للأجنبي واعتداءاتهم ضد أبناء الشعب، فضحوا أنفسهم أمام الشعب، وتمّ استئصالهم في الداخل، وتوارى كثير منهم إلى الخارج، ليعيشوا في أحضان الأمبريالية ويتسلّحون بمساعدتهم لمواجهة الإسلام والثورة الإسلامية، رغم ادعاءاتهم السابقة بعدائهم للإمبريالية، لذا فقد اطلق عليهم الناس لقب "المنافقين" وبلغ بهم الأمر إلى التحالف مع "صدام العفلقي" في حربه المفروضة على الثورة الإسلامية ومشاركتهم في العدوان على الجمهورية الإسلامية.

 

[11]  هي جماعة مسلحة ماركسية إيرانية بدأت تحركها بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.

 

يعود تشكيلها إلى عام 1966م عندما تحولت مجموعة من الشباب الجامعي من الماركسية السوفيتية إلى الشيوعية الصينية الماوية (مذهب ماوتسي تونغ)، ورغم العمليات المسلّحة لهذه الجماعات ضد النظام الملكي، لكن مركزها الاجتماعي بقي محدوداً بين أوساط الطلاب اليساريين قط، ولم تتمكن هذه الجماعة من إيجاد قاعدة شعبية لها. هدف هذه الجماعة المعلن هو إقامة نظام حكم اشتراكي في إيران بسرعة دون ضمان الرشد الفكري نحوه. لكن الخلافات الفكرية والسياسية بين مسؤولي هذه الجماعة أدّت إلى إيجاد عدة انشقاقات فيها، ثم أن الأزمة العالمية للإشتراكية أثرت على هذه الجماعة بشكل أساسي، ودفعتهم إلى الانفعال السياسي.

 

[12]  "حزب تودة" هو أقدم وأشهر تنظيم ماركسي لينيني إيراني، وهو الحزب الشيوعي الإيراني. تأسس هذا الحزب عام 1920م، وجدد تأسيسه وتركيزه باسم حزب تودة عام 1942م، وهو حزب تابع بشكل مباشر إلى أجهزة الأمن السوفيتية (ك.ج.ب) وهذا الأمر دفعه طوال حياته السياسة إلى اتخاذ مواقف جعلته يشتهر بين الناس باسم "بائعو الوطن".

 

من أهم مواقفه تلك: دعمه لتجزئة محافظتي آذربايجاني وكردستان في إيران إبان الغزو السوفيتي لإيران، ودعمه لمشروع اعطاء امتياز نفط الشمال الإيراني للسوفيت رغم معارضة الشعب لذلك.

 

بعد حركة 1953م واستمرار حكم الملك "محمد رضا بهلوي" توقف نشاط حزب تودة داخل إيران، ولجأ جميع اعضاء قيادته إلى المانيا الشرقية، وفي عام 1979م وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران جدد هذا الحزب نشاطه كباقي الأحزاب، لكنه رغم إعلامه القوي وتاريخه الطويل لم يتمكن من إيجاد قاعدة شعبية واسعة في المجتمع الإيراني المسلم وذلك بسبب عقائده الالحادية وتبنّيه للنفاق السياسي.

 

وفي عام 1983م قام بمؤامرة فاشلة بدت فيها بوضوح ارتباطاته المباشرة بأجهزة الأمن السوفيتية (ك.ج.ب) وأجهزة الأمن العسكرية السوفيتية (ج.ز.ي) عند ذلك ثم اعتقال اعضاء اللجنة المركزية للحزب، وجميع الشبكات التابعة له.

 

[13]  مدينة قم احدى أقدم المدن الشيعية الإسلامية، فمنذ عهد ما بعد رسول الله(ص) كانت هذه المدينة مركزاً قوياً ونشطاً لرسالة الإسلام الملتزم "التشيّع". الخطوات الأولى للحركة العلمية بمدينة قم خطاها "عبد الله بن سعد الأشعري" العالم المعروف. وبلغت هذه الحركة أوجها في القرن الرابع ونصف القرن الخامس الهجري. لذا فإن تاريخ الإسلام الملتزم "التشيّع والثقافة الجعفرية" يعود تاريخه في قم إلى ما قبل مجيء السيدة فاطمة بن الإمام الكاظم(ع). لكنه وبعد وفاة هذه السيدة الجليلة تحول مرقدها إلى شمعة جذبت إليها عشاق أهل بيت الرسول(ص) فازدهرت مدينة قم أكثر مما مضى كمركز علمي. وطوال أكثر من ألف عام مضت على حوزة قم العلمية شهدت هذه الحوزة مداً وجزراً متعدداً، آخر جزر شهدته بعد وفاة المحقق الميرزا القمي الشهير. فضعفت بعده الحوزة حتى تحولت مدرستي الفيضية ودار الشفاء إلى خربة تأوي المتسولين. إلى أن هاجر إليها آية الله الحائري اليزدي فأعاد الحياة إليها، وأسسها من جديد، إلى أن اضحت اليوم أكبر الحوزات العلمية الإسلامية في العالم وأكثرها تحصيلاً ودراسة وتأليفاً وتحقيقاً وتبليغاً ونشراً للثقافة الإسلامية، ومركزاً لأضخم حركة فكرية وعلمية يساهم فيها آلاف الطلاب والعلماء من مختلف البلدان.

 

[14]  العرفان هو دقة علمية وثقافية تنقسم إلى قسمين هما: العرفان النظري والعرفان العملي. العرفان العملي هو علم السير والسلوك إلى الله. ويوضّح هذا العلم للسالك المبتدئ في طلب العرفان ما يجب عليه فعله ليصل إلى القمة المعنية للإنسانية أي "التوحيد الإلهي" ومن أين يجب أن يبدأ وأية منازل عليه أن يطوي، وبأي ترتيب، وماذا سيحصل له في طريقه ذاك.

 

ولابد أن يكون السير في جميع تلك المراحل والمنازل تحت أشراف ومراقبة إنسان كامل مجرب طوى هذا الطريق، واطلع على أحوال وطرق التوحيد الذي يعتبره العارف قمة منيعة للإنسانية، وآخر مقصد في السير والسلوك، فهو يختلف عن التوحيد لدى عامة الناس، بل وحتى عن التوحيد عند أهل الفلسفة. فالتوحيد العرفاني هو طي الطريق العملي التوحيدي، وبلوغ مرحلة لا يرى فيها سوى الله.