مما لا شك فيه أن مكانة القدس عند أهل الأديان عموماً وعند المسلمين خصوصاً هي مكانة عظيمة جداً، نظراً لما تحتويه تلك المدينة من المقدسات الدينية كالمسجد الأقصى وقبة الصخرة وغيرهما، فضلاً عن أنها كانت القبلة الأولى التي صلى إليها المسلمون قبل نزول الأمر إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بتحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، وهي عندنا كذلك منتهى رحلة الإسراء وانطلاق رحلة المعراج لنبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بلغ (قاب قوسين أو أدنى). وبالجملة فالقدس لا خلاف ولا نزاع بين أهل الأديان جميعاً على قداستها ورفعة شأنها وعلوِّ منزلتها، ويكفي أنها عندنا (أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين). وقد كان المسلمون يحجون إليها كما يحجون إلى بيت الله الحرام وإلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلا أن احتلال الكيان الصهيوني الغاصب للقدس بأكملها عام سبعة وستين صار حائلاً دون استمرار الزيارة إليها.

وباعتبار هذه الأهمية والمكانة الدينية والتاريخية والمعنوية للقدس عند المسلمين فقد حاول الإمام الخميني (قدس سره) ومنذ إنشاء الكيان الغاصب تنبيه العالم الإسلامي إلى خطورة ذلك الكيان، لا على القدس وفلسطين التي احتلها فقط، بل على مجمل عالمنا العربي والإسلامي، وعمل على إيجاد نوع من الوعي الإسلامي الحقيقي للربط ما بين المسلمين وبين القدس وفلسطين (أرض الرسالات ومهد الأنبياء)، حتى تصبح القدس قضية في وجدان كل مسلم وفي عقله وقلبه وكيانه المعنوي والروحي والرسالي، وتجعله حاجزاً للدفاع عنها والجهاد في سبيلها ضد مغتصبيها من العصابات الصهيونية التي احتلتها ودنستها بعد أن كانت قد احتلت ودنست أرض فلسطين الحبيبة وطردت أهلها منها.

وإذا أردنا أن نوجز نظرة الإمام إلى خطر الكيان الصهيوني، فيمكن ذلك ضمن التالي:

أولاً: خطر إسرائيل لا يقتصر على القدس وفلسطين، ويقول الإمام الخميني (قدس سره) في هذا المجال:

«إن جرثومة الفساد إسرائيل لن تكتفي بالقدس، ولو أُعطيت مهلة فإن جميع الدول الإسلامية ستكون معرضة للخطر». 18/8/1997م

«منذ ما يقرب من عشرين سنة وأنا أوصي الدول العربية أن يتحدوا ويطردوا مادة الفساد إسرائيل هذه، إذ لو وجدت الفرصة فإنها لن تكتفي باحتلال بيت المقدس». 5/5/1979م

ثانياً: الخطر اليهودي على الدين الإسلامي: ويقول الإمام الخميني (قدس سره) في هذا المجال أيضاً:

«إن إسرائيل لا تريد أن يكون في هذه الدولة إيراده قبل الثورة عالم ولا قرآن ولا رجال دين ولا أحكام إسلامية، وحتى تصل إسرائيل إلى أهدافها فإن حكومتنا حكومة الشاه تقوم بإهانتنا تنفيذاً لأوامر إسرائيل». 3/6/1964م

«إن إسرائيل وصديقتها الحميمة مصر يفكران اليوم في إيجاد بذرة مركزية في المنطقة من أجل القضاء على المسلمين وعلى قيمهم الفكرية العالية». والمقصود من (مصر) هو النظام الذي أقام مع إسرائيل معاهدة (كامب ديفيد) وليس الشعب المصري المسلم الأبي الغيور.

ثالثاً: استنهاض الشعوب الإسلامية وحكامها ضد الكيان الغاصب: وهنا نرى أن الإمام الخميني (قدس سره) يعطي هذه النقطة بالذات أهمية محورية، لأنه يعتبر أن المسلمين شعوباً وحكاماً كانوا المسؤولين عن إنشاء الكيان الغاصب، وينبغي أن يتحملوا مسؤولية إزالته من الوجود أيضاً، ولذا يقول (قدس سره):

 «يجب على المسلمين، دولاً وشعوباً، أن يضعوا أيديهم في أيدي بعضهم البعض، فإن الذين يهاجمون الإسلام كالصهيونية التي هي أشد عداوة للإسلام بصدد الاستيلاء على بلاد المسلمين الواحدة تلو الأخرى...». 14/1/1982م

وقد كانت قمة استنهاض الإمام الخميني (قدس سره) للأمة من أجل قيامها بواجب الجهاد ولتحرير القدس وفلسطين هو (إعلان يوم القدس العالمي) في آخر يوم جمعة من شهر رمضان في كل عام، لتنبيه الأمة وتحذيرها من خطر إسرائيل، ولتحضير الأمة الإسلامية كلها لليوم الذي سيتم فيه تحرير القدس وكل فلسطين من العصابات الصهيونية المتحالفة مع قوى الكفر والاستكبار العالمي لإذلال الأمة وإركاعها، وقال الإمام (قدس سره) في هذا المجال الكثير، نقتطف منه ما يلي:

«إن يوم القدس يوم عالمي، وليس يوماً يخص القدس فقط، بل هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين». 16/7/1979م

«من اللازم على المسلمين إحياء يوم القدس الذي هو مجاور لليلة القدر وجعله أساساً ومبدأً ليقظتهم وانتباههم... وجدير بالمسلمين في يوم القدس الذي هو من أواخر أيام شهر الله الأعظم أن يتحرروا من أسر وعبودية الشياطين الكبار وقوى الاستكبار، وأن يرتبطوا بالقدرة اللامتناهية لله وأن يقطعوا أيدي مجرمي التاريخ عن دول وبلاد المستضعفين». 31/7/1981م

وبهذا نرى أن الإمام الخميني (قدس سره) يرى أن قتال إسرائيل وإزالتها من الوجود هو واجب عقائدي وشرعي وديني وأخلاقي وإنساني، لأن خطرها لا يقتصر على فلسطين والقدس، بل يشمل الإنسانية كلها التي تسعى الصهيونية لجعلها في خدمة أهدافها الشريرة والشيطانية.

وإذا كان موقف الإمام الخميني (قدس سره) هو الرفض المطلق لوجود الكيان الغاصب وضرورة إزالته، فإن موقف ولي أمر المسلمين وقائدهم الإمام الخامنئي المفدى الذي يقود اليوم مسيرة الأمة الإسلامية في مواجهة الصعاب والتحديات والمخاطر التي ازدادت وتنامت اليوم ضد الإسلام وأمته لا يبعد كثيراً عن موقف الإمام الخميني (قدس سره)، بل هو نفس الموقف، لأن كلا القائدين الخلف والسلف يأخذان وينهلان من النبع الواحد وهو القرآن الكريم والسنة النبوية وأحاديث المعصومين (عليهم السلام)، وذلك النبع الصافي الذي لم تكدره المؤامرات عبر التاريخ وبقي على نقائه وصفائه. ويمكننا أن نلخص مواقف الإمام الخامنئي من الكيان الغاصب على النحو التالي:

أولاً: تحميل الأنظمة وجود الكيان الغاصب: ويقول في هذا المجال «... لو أن زعماء المسلمين والعناصر الفاعلة في الأمة ومن ورائهم الجماهير، كانوا قد سجلوا آنذاك (عام 48) حضوراً واعياً ومقاومة جادة، لما شهدت هذه المنطقة اليوم كل هذه المصائب والمآسي، ولما تجرعت مرارة الحنظل من هذه الشجرة الخبيثة المتمثلة بدولة الصهاينة، ولما عانت شعوب المنطقة، وخاصة الشعب الفلسطيني المظلوم ما عانته خلال الأعوام الخمسة والأربعين الماضية».

ويقول الإمام الخامنئي في مقطع آخر من خطابه «كل من كان بمقدوره في ذلك اليوم (عام 48) أن يفعل شيئاً أو يقطع خطوة على طريق مقارعة هذا الظلم الفادح ولم يفعل، فإنه مستحق للعنة هذين الجيلين الفلسطينيين، ولحكم التاريخ المعاصر والمستقبل، ولعذاب الله وجزائه في يوم الحساب، لا فرق في ذلك بين رجال السياسة ورجال الاقتصاد ورجال الثقافة والأدب ورجال الحرب والقتال».

ثانياً: إزالة إسرائيل واجب على الأمة والشعوب: وإذا كان سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) يعتبر أن التخاذل هو الذي منح الكيان الغاصب فرصة الوجود والإنشاء، فهو يرى أيضاً أن الأمة الإسلامية بأنظمتها وشعوبها مسؤولة أيضاً عن إزالة هذا الكيان المغروس في قلب عالمنا الإسلامي. يقول في هذا الصدد «في هذه البرهة الخطيرة، يجب على المسلمين أن يتحملوا مسؤولياتهم، وأن يرتفعوا إلى مستوى الواجب الإسلامي الملقى على عاتقهم. إننا من جهة أمام مسؤولية صيانة الأرض الإسلامية، وتلك من ضروريات وبديهيات فقه المسلمين، ومن جهة أخرى أمام الاستجابة لاستغاثة شعب مشرد، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «من سمع مسلماً ينادي يا للمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم»، ونداء الاستغاثة اليوم يتصاعد، لا من فرد، بل من شعب بأكمله شعب فلسطين يجب أن تتحمل الحكومات المسلمة اليوم مسؤولياتها. إن قوة الحكومات المسلمة لو اتحدت كلمتها وتعاضدت، هي أشد من قوة أمريكا».

ثالثاً: الشعب الفلسطيني هو محور الجهاد لإزالة إسرائيل: ويقول الإمام الخامنئي (دام ظله) في هذا الخصوص «إن محور هذا الكفاح الحساس والخطير ضد إسرائيل هو الشعب الفلسطيني الشجاع المظلوم الذي عاش المصائب بكل وجوده، والذي يشكِّل خطراً عظيماً على العدو ببركة التمسك بالإسلام وبجهاده المتواصل داخل الوطن المحتل، وتستهدف المؤامرة الاستكبارية الكبرى إطفاء شعلة النضال خطط ميتشل وتينيت وجولة زيني وتشيني ولكن بحول الله وقوته وبهمة الفلسطينيين الشجعان، وبمساعدة الشعوب والحكومات المسلمة، يجب أن تتصاعد هذه الشعلة باستمرار لتأتي على آخر أبنية العدو الواهية، وسيتحقق ذلك وسيمنُّ الله بنصره عليهم ﴿ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز﴾».

رابعاً: فرض المقاطعة الشاملة على الكيان الغاصب: وهذا يعتبره الإمام الخامنئي سلاحاً قوياً وفعالاً في إبقاء الكيان الغاصب معزولاً عن عالمنا الإسلامي وغير قادر على اختراق أي سوق من أسواقنا أو دولة من دولنا. ويقول في هذا الصدد «إن فرض المقاطعة الاقتصادية على الدولة الغاصبة وعدم الاعتراف الرسمي بها واجب على كل الحكومات المسلمة، ويجب أن تقدر الشعوب حساسيتها الفائقة في هذا المجال...».