نتقدم بأحر التعازي إلى إمام العصر والزمان (عج) وإلى الأمة الإسلامية جمعاء ونستعرض سطورا عن حياته المباركة.

يصادف يوم 28 صفر ذكرى وفاة الرسول الأكرم وسيد الرسل وخاتمهم واشرف الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وعلى آله.

اسمه ونسبه: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، وينتهي نسبه الشريف إلى النبي إبراهيم (عليه السلام) وأمه هي السيدة آمنة بنت وهب بن عبد مناف.

ألقابه: المصطفى، المختار ، الحبيب ... وله أسماء وردت في القرآن الكريم مثل: خاتم النبيين، والأمّي، والمزمل، والمدثر، والنذير، والمبين، والكريم، والنور، والنعمة، والرحمة، والعبد، والرؤوف، والرحيم، والشاهد، والمبشر، والداعي، وغيرها.

ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنين 17 وقيل 12 من شهر ربيع الأول عام الفيل بمكة، وقد مات أبوه وهو في بطن أمه، وتوفيت أمه وعمره ست سنين فكفله جده عبد المطلب ولما بلغ عمره ثمان سنين توفى جده فكفله عمه أبو طالب وأحسن كفالته، وكان لا يفارقه ليلا ولا نهارا، وصحبه في أسفاره إلى الشام للتجارة، ولما بلغ الأربعين سنة من عمره الشريف نزل عليه الوحي بالنبوة وكان في غار حراء، وأول آية نزلت عليه: (إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق).

فأخبر خديجة فصدقت به، وأخبر علي بن أبي طالب (ع) فصدق به، وأخذ في نشر دعوته سرا، ثم أعلنها فأسلم جماعة من العرب فعذبتهم قريش وهاجر إلى المدينة بعد أن أسلم جماعة من أهلها، وأخذ في نشر الدعوة وحاربته قريش والعرب فانتصر عليهم وفتح مكة. وبعد أن أكمل نشر دعوته وانتشر الإسلام في جزيرة العرب توفاه الله تعالى.

وقد عاش (ص) ثلاثا وستين سنة، أربعين منها قبل أن يبعث بالرسالة، وثلاثا وعشرين سنة نبيا رسولا قضى منها (13) سنة في مكة و (10) سنين في المدينة.

أخلاقه (ص): إمتاز النبي محمد (ص) بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة. فقد كان بعيدا عن كل ما يشين سمعته سواء في أقواله أو أفعاله، متواضعا عفيفا صادقا أمينا حتى لقبته قريش بالصادق الأمين.

وكان (ص) حليما كريما سخيا شجاعا أوفى العرب ذمة، صبورا على المكاره والأذى في سبيل نشر دعوته. وكان لا يغضب لنفسه ولا ينتقم لها، شفيقا لأصحابه كثير التردد إليهم، يقبل معذرة من اعتذر إليه، يحب الفقراء والمساكين ويأكل معهم، قليل الأكل، يختار الجوع على الشبع مواساة للفقراء.

وكان (ص) يجلس على التراب ويرقع ثوبه ويخصف نعله بيده الكريمة.وكان لا يجلس ولا يقوم إلا ذكر الله تعالى. وقد مدحه الله جل جلاله بقوله تعالى " وإنك لعلى خلق عظيم". صدق الله العلي العظيم.

كيفية الصلاة عليه (ص): قال النبي (ص): (( لا تصلوا علي الصلاة البتراء، قيل ما البتراء يا رسول الله؟ قال : أن تصلوا علي ولا تذكروا آلي))... فيجب على كل مسلم إذا ذكره (ص) أن يقول

(صلى الله عليه وآله وسلم). وإذا أراد الصلاة عليه (ص) أن يقول (اللهم صلي على محمد وآل محمد)).

 

من حكمه (صلى الله عليه وآله وسلم):

1- رضى الرب في رضى الوالدين وسخط الرب في سخط الوالدين.

2- سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه.

3- الرحم معلقة بالعرش تقول اللهم صِلْ من وصلني واقطع من قطعني.

4- التاجر الأمين الصدوق مع الشهداء يوم القيامة.

5- حسنوا لباسكم وأصلحوا رحالكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس.

6- إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه قد كفاه علاجه ودخانه فليجلسه معه، فإن لم يجلس معه فليناوله أكلة أو أكلتين.

7- إتقوا الله في الضعيفين، المرأة الأرملة والصبي اليتيم.

8- إتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا، فإنها ليس دونها حجاب.

9- من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله.

10- من لا يَرْحم لا يُرْحَمْ.

11- الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إليه أنفعهم لعياله.

12- لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهْدَ له.

13- قل الحق ولو على نفسك؟

14- إياك وقرين السوء فإنك به تُعْرَفْ.

15- من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فقد كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته.

 

مبعثه: بعث بمكة في 27 رجب بعد أن بلغ عمره الشريف أربعون سنة.

تعاليمه: جاء (ص) بالمساواة بين جمع الخلق، وبالاخوّة، والعفو العام عمّن دخل في الإسلام، ثم سنّ شريعةً باهرةً وقانوناً عادلاً تلقاه عن الله عزّ وجلّ ثم تلقاه المسلمون منه.

معجزاته: كثيرة ولا يسع المجال لذكرها جميعا ولكن نذكر أعظمها:

الأولى: القرآن الكريم الذي عجزت قريش والعرب جميعا عن معارضته والإتيان بمثله.

الثانية: وضعه الشريعة الإسلامية المطابقة للحكمة والموافقة لكل عصر وزمان مع كونه أميا لا يقرأ

ولا يكتب وقد نشأ بين قوم أميين.

ولا بأس بذكر بعض من معجزاته الأخرى كنبوع الماء من بين أصابعه، وإشباع الخلق الكثير من قليل الزاد، ومجيء الشجر، وحنين الجذع، وإخباره بالمغيبات.

أما المغيبات التي أخبر عنها فهي كالتالي:

أخبر النبي صلى الله عليه وآله بحوادث كثيرة وقعت بعد وفاته، منها قوله (ص) لعلي عليه السلام، "أنت تقاتل بعدي الناكثين(وهم أهل الجمل بالبصرة)، والقاسطين (وهم معاوية وأهل الشام في صفين)، والمارقين (وهم الخوارج بالنهروان). وإن قاتِلُك إبن ملجم. وإخباره بسم الإمام الحسن (ع) وقتل الإمام الحسين (ع) بكربلاء. وقوله (ص) ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، فقُتِلَ عمار في معركة صفين. وقوله (ص) لفاطمة عليها السلام: "أنت أول أهل بيتي لحاقا بي".

وإخباره بظهور الدولة الأموية وظهور دولة بني العباس.

دعوته: دعا الناس في مكة إلى التوحيد سراً مدة ثلاث سنين، ودعاهم علناً مدة عشر سنين.

هجرته: هاجر من مكة إلى المدينة المنورة في بداية شهر ربيع الأول بعد مرور 13 عاماً من مبعثه، وذلك لشدة أذى المشركين له ولأصحابه.

حروبه وغزواته: أذن الله عز وجلّ للرسول (ص) بقتال المشركين والكفار والمنافقين، فخاض معهم معارك كثيرة نذكر هنا أبرزها: بدر ـ أحد ـ الخندق (الأحزاب) ـ خيبر ـ حنين.

زوجاته: خديجة بنت خويلد (رضوان الله عليها) وزوجته الأولى التي نصرته بنفسها ومالها خير نصرة وأكرمها الله تعالى بولادة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وجعل ذريته منها ومن الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام؛ أما الأخريات فهن: سودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، وغزية بنت دودان (ام شريك)، وحفصة بنت عمر، ورملة بنت أبي سفيان (أم حبيبة)، وأم سلمة بنت أبي أميّة، وزينب بنت جحش، وزينب بنت خزيمة، وميمونة بنت الحارث، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حييّ بن أخطب.

أولاده: وهم: 1 ـ عبد الله. 2 ـ القاسم. 3 ـ ابراهيم (عليهم السلام). 4 ـ فاطمة (عليها السلام).

وقيل: زينب ورقية وام كلثوم.

أعمامه: له تسعة أعمام، وهم أبناء عبد المطلب: الحارث ـ الزبير ـ أبو طالب ـ حمزة ـ الغيداق ـ ضرار المقوّم ـ أبو لهب ـ العباس.

عماته: وله عمات ست من أمهات شتى وهنّ: أميمة ـ أم حكيمة ـ برّة ـ عاتكة ـ صفيّة ـ أروى.

أوصياؤه: اثنا عشر وصياً وقد بشر بهم في أحاديث كثيرة وردت في جميع كتب الحديث عند جميع فرق المسلمين لاسيما الصحاح الستة، وهم: 1 ـ أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، 2 ـ الحسن بن علي (عليهما السلام)، 3 ـ الحسين بن علي (عليهما السلام)، 4 ـ علي بن الحسين (عليهما السلام)، 5 ـ محمد بن علي (عليهما السلام)، 6 ـ جعفر بن محمد (عليهما السلام)، 7 ـ موسى بن جعفر (عليهما السلام)، 8 ـ علي بن موسى (عليهما السلام)، 9 ـ محمد بن علي (عليهما السلام)، 10 ـ علي بن محمد (عليهما السلام)، 11 ـ الحسن بن علي (عليهما السلام)، 12 ـ الحجة بن الحسن (عج).

 

مصيبة رحيله:

ما إن حلَّ موسم الحج من السنة العاشرة للهجرة المباركة، فدعا خاتم الأنبياء (ص) الناس إلى الحج، وسار بهم قاصداً حجَّ بيت الله الحرام، وبعد أن أدوا مناسكهم وتوجهوا إلى عرفة، وقف حبيب الله فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وقال: "أما بعد أيها الناس... لا أدري لعليّ لا ألقاكم بعد عامي هذا... إنّ دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد... أيها الناس إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرئٍ مال أخيه إلا عن طيب خاطر، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض..أيها الناس إن ربكم واحد، وأباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب".

وفي طريق العودة إلى المدينة نزل الوحي على رسول الله(ص): {يا أيها النبي بلِّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته}، فاستوقف النبي الناس عند غدير خم ووقف على أعواد نصبت له، بحيث يراه جميع الحاضرين، وأخذ بيد علي بن أبي طالب(ع)، وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، يوشك أن أدعى فأجيب... أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين... فمن كنت مولاه، فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه كيفما دار..."، فقال عمر بن الخطاب: "بخٍ بخٍ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة".

وعاد خاتم الأنبياء (ص) إلى المدينة، وراح يجهز الجيوش للفتح، ولكن المرض داهمه، واشتدّ عليه، ولم يلبث أن انتقل إلى جوار بارئه، ودفن في الحجرة التي توفي فيها.

وهكذا خسرت الإنسانية بوفاة حبيب الله، شخصيَّةً ملأت الدنيا نوراً وعطاءً، فسلام على خاتم الأنبياء حبيب الله محمد وعلى آله الطاهرين، وما تزال الدنيا تعاني من مصيبة فقدانه حتى يظهر ابنه ووصيه الثاني عشر الإمام القائم المهدي المنتظر والذي بشر به في أحاديث كثيرة وكذلك الكتب السماوية الأخرى، والذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلما وجوراً وهو من ولد فاطمة ومن ولد الحسين كما ورد في أحاديث متواترة.

والسلام على رسول الله محمد (ص) يوم ولد ويوم بعث لهداية البشرية ويوم توفي ويوم يبعث حياً وهدى الجميع لاتباعه وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم صلوات الله أجمعين.

والحمد لله رب العالمين.