(1)

الأربعين في واقعة كربلاء بداية

 كان الأربعين في واقعة كربلاء بدايةً. بعد أن حدثت واقعة كربلاء - تلك الفاجعة الكبرى - وتسطّرت التضحيات الفذة لأبي عبد الله (عليه السلام) وأصحابه وأعوانه وعياله في ذلك المكان المحدود، كان على واقعة الأسر والسبي أن تنشر الرسالة، وكان على خطب السيدة زينب الكبرى (سلام الله عليها) والإمام السجاد (عليه الصلاة والسلام) وكشفهما للحقائق أن تعمل كوسيلة إعلامية قوية لنشر الأفكار والأحداث والأهداف والاتجاهات على نطاق واسع.. وهذا ما حصل بالفعل.

من ميزات بيئة القمع أن الناس فيها لا تتوفر لديهم الفرصة والجرأة على التعبير عن الحقائق التي أدركوها في أعمالهم. فأولاً: لا يسمح الجهاز الظالم المستبد للناس بأن يفهموا ويدركوا، وإذا خرج فهم الناس من يده وفهموا الحقائق والأمور فلن يسمح لهم بالعمل بما فهموه. ففي الكوفة، وفي الشام، وفي وسط الطريق أدرك عدد كبير من الناس الكثير من الأشياء عن لسان زينب الكبرى (سلام الله عليها) أو الإمام السجاد (عليه الصلاة والسلام) أو عبر مشاهدتهم حال الأسرى، ولكن من كان يجرأ ويقدر على إبداء ما فهمه مقابل أجهزة الظلم والاستكبار والاستبداد والقمع؟ بقيت القضية أشبه بغصّة في حناجر المؤمنين. وتفجرت هذه الغصّة لأول مرة في يوم الأربعين.. الفوران الأول حصل في كربلاء في يوم الأربعين.

كتب المرحوم السيد بن طاووس - وغيره من الشخصيات اللامعة - أن قافلة الأسرى، أي السيدة زينب (سلام الله عليها) وباقي الأسرى، حينما جاءت كربلاء في الأربعين، لم يكن هناك جابر بن عبد الله الأنصاري، وعطية العوفي فقط بل «رجال من بني هاشم..» عدد من رجال بني هاشم وأصحاب الإمام الحسين كانوا مجتمعين حول تربة سيد الشهداء وجاءوا لاستقبال زينب الكبرى. وربما كانت هذه السياسة الولائية لزينب الكبرى بالتوجه إلى كربلاء - عند العودة من الشام - من أجل قيام هذا الاجتماع الصغير - لكن الغزير بالمعنى - في ذلك الموضع. البعض استبعد وصولهم إلى كربلاء في يوم الأربعين، وللمرحوم الشهيد آية الله قاضي مدوّنة مفصّلة يثبت فيها أن هذا الشيء ممكن الوقوع. على كل حال ما ورد في كلمات القدماء والأعلام هو أن زينب الكبرى وجماعة أهل البيت حينما نزلوا كربلاء كان فيها عطية العوفي، وجابر بن عبد الله ورجال من بني هاشم. هذا مؤشر ونموذج لتحقق ذلك الهدف الذي كان ينبغي أن يتحقق بالاستشهاد، أي نشر هذا الفكر وبث الجرأة في نفوس الناس. ومن هنا انبثقت أحداث التوابين. ومع أن نهضة التوابين قمعت، ولكن اندلعت بعد مدة قصيرة ثورة المختار وسائر أبطال الكوفة وكانت نتيجة ذلك انهيار عائلة بني أمية الظالمة الخبيثة. طبعاً حلّت من بعدهم السلالة المروانية، لكن المقاومة استمرت والطريق انفتح. هذه هي خصوصية الأربعين. أي ثمة كشف للحقائق في الأربعين، وثمة عمل، ويوجد في الأربعين كذلك تحقيق لأهداف هذا الكشف عن الحقائق.

من كلمة للإمام الخامنئي بتاريخ: 16 / 2 / 2009

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(2)

الدرس الذي نتعلّمه من الأربعين

 إن أهمية الأربعين تعود في الأصل إلى أنّ النهضة الحسينية، وبفضل التدبير الإلهي لآل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله)، تخلّدت في هذا اليوم وإلى الأبد وأصبحت أساساً وقاعدة. فلو لم يهتم ذوو الشهداء وعوائلهم بالحفاظ على ذكريات وآثار الشهادة في الأحداث المختلفة – من قبيل شهادة الحسين بن علي (عليه السلام) في عاشوراء – لما استطاعت الأجيال التالية أن تستفيد كثيراً من معطيات الشهادة.

صحيح أن الله تعالى جعل الشهداء أحياءاً حتى في هذه الدنيا وأن الشهيد خالد بطبيعته في التاريخ وذاكرة البشرية، إلا أن الأدوات الطبيعية التي قيّضها الله تعالى لهذا العمل – ككلّ الأعمال – كامنة في اختيارنا وإرادتنا نحن. إننا نحن الذين نستطيع بفضل عزمنا الأكيد وقرارنا المناسب أن نحيي ذكرى الشهداء وفلسفة الشهادة وأن نُبقيَ عليها حية دائماً.

فلو لم تجدّ زينب الكبرى (سلام الله عليها) والإمام السجاد (صلوات الله عليه) في الجهاد وتبيين وإيضاح حقيقة فلسفة عاشوراء وهدف الحسين بن علي وظلم الأعداء، وذلك على طوال أيام الأسر – سواء في عصر يوم عاشوراء في كربلاء أو في الأيام التالية في الطريق إلى الشام والكوفة وفي الشام نفسها وبعد ذلك عند زيارة كربلاء والعودة إلى المدينة ثم على مدى الأعوام التي عاشها هؤلاء العظماء – لما بقيت حادثة عاشوراء نابضة وحية وملتهبة حتى اليوم.

لماذا قال الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) – طبقا لبعض الروايات -: «من قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى غفر الله له ووجبت له الجنة»، لأن جميع الأجهزة الإعلامية قد أعدّت من أجل جعل قضية عاشوراء وقضية آل البيت بصفة عامة منعزلة عن الواقع ومنطوية تحت أستار الظلام حتى لا يفهم الناس ما حدث وما هي القضية. وهكذا هو الإعلام. فما أشبه اليوم بالبارحة حيث تستغل القوى الظالمة والجائرة وسائل الإعلام الكاذبة والمغرضة والشيطانية على أوسع نطاق. فهل كان من الممكن أن تخلّد قضية عاشوراء مع ذلك الوضع – الحادثة التي وقعت بهذا القدر من العظمة في صحراء في ركن من أركان العالم الإسلامي – على ما هي عليه من التدفّق والحيوية وفي جوّ كهذا؟ إنها كانت ستُمحى بالتأكيد لولا هذه الجهود.

إن الذي أحيى هذه الذكرى هو ما بذله آل بيت الحسين بن علي (عليهما السلام) من جهود. فبقدر ما تحمّله جهاد الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) وأصحابه بصفتهم حَمَلَة للواء، كان جهاد زينب (عليها السلام) وجهاد الإمام السجاد (عليه السلام) وباقي هؤلاء العظماء شاقاً كذلك. وبالطبع فإن ساحتهم لم تكن عسكرية، بل كانت إعلامية وثقافية. وهذا ما ينبغي أن نهتم به.

إنّ الدرس الذي نتعلمه من الأربعين هو وجوب الحفاظ على ذكرى الحقيقة وخاطرة الشهادة الحية في مقابل طوفان إعلام العدوّ...

هكذا كان إعلام يزيد وجهازه الظالم الجبار الذي كان يسعى إلى إدانة الحسين بن علي (عليه السلام) وإظهاره بمظهر الحب للدنيا الذي ثار ضدّ جهاز العدل والحكومة الإسلامية!

ولقد كان البعض أيضاً يصدّق هذه الدعايات الكاذبة. وحتى بعد أن استشهد الحسين بن علي (عليه السلام) بذلك الوضع المدهش وتلك الصورة المفجعة على أيدي اللئام في صحراء كربلاء، فإنهم حاولوا التعبير عن ذلك بأنه غلبة لهم وفتح! ولكن الإعلام الصحيح لجهاز الإمامة فنّد كل هذه المزاعم. وهكذا هو الحق.

من كلمة للإمام الخامنئي بتاريخ 8 / 9 / 1989

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3)

دور زينب الكبرى في حركة الإمام الحسين (ع)

هذه الأيام أيام العشرة الأخيرة من صفر، أيام ما بعد الأربعين. إذا نظرنا إلی تاريخ صدر الإسلام فسنجد أن هذه الأيام هي أيام السيدة زينب الكبری (سلام الله عليها). والمهمة‌ التي نهضت بها زينب الكبری (سلام الله عليها)‌ كانت مهمة من هذا السنخ، أي مهمة محضة لوجه الله تعالی. ظهر الكيان المعنوي والإلهي للدين في الشخصية الحاسمة للسيدة زينب الكبری (سلام الله عليها) وسط الأخطار والمحن والصعاب. من المناسب أن نعلم ونفهم سطور التاريخ القديم القيم جداً والذي لا يزال يفيض إلی اليوم بالبركات والخيرات الفكرية والمعرفية وسيبقی كذلك إلی آخر الدنيا إن شاء الله.

تألقت السيدة زينب (سلام الله عليها) كوليّ إلهيّ في المسير إلی كربلاء مع الإمام الحسين، وفي حادثة يوم عاشوراء وتحملها تلك الصعاب والمحن، وأيضاً في أحداث ما بعد استشهاد الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) حيث قامت برعاية تلك الجماعة المتبقية من الأطفال والنساء.. تألقت بشكل لا يمكن أن نجد له نظيراً علی مرّ التاريخ. ثم في الأحداث المتتابعة خلال فترة الأسر، في الكوفة والشام وإلی هذه الأيام وهي أيام نهاية‌ هذه الأحداث وابتداء مرحلة‌ جديدة للحركة الإسلامية وتقدم الفكر الإسلامي والمجتمع الإسلامي. وبسبب هذا الجهاد الكبير اكتسبت زينب الكبری (سلام الله عليها) عند الله تعالی مقاماً لا يمكننا وصفه.

لاحظوا أن الله تعالی يضرب في القرآن الكريم مثلاً لامرأتين كنموذج إيماني متكامل، ويضرب مثلاً لامرأتين كنموذج للكفر أيضاً. ﴿ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا﴾، هذان هما المثالان علی الكفر وهما امرأتان كافرتان. أي إنه لا يسوق المثال للكفر من الرجال بل يأتي به من النساء. وهذا ما نجده في باب الكفر وفي باب الإيمان أيضاً. ﴿‌وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون﴾. أحد المثالين علی النموذج الإيماني المتكامل هو امرأة فرعون والمثال الآخر السيدة مريم الكبری ﴿ومريم ابنة عمران﴾.

مقارنة عابرة بين زينب الكبری وبين زوجة فرعون يمكن أن تجلي لنا عظمة مقام السيدة زينب الكبری. عُرّفت زوجة فرعون في القرآن الكريم بوصفها نموذج الإيمان للرجال والنساء علی مرّ الزمان وإلی آخر الدنيا. ثم لكم أن تقارنوا زوجة فرعون التي آمنت بموسی وانشدّت إلی تلك الهداية التي جاء بها موسی وحينما كانت تحت ضغوط التعذيب الفرعوني والذي توفيت بسببه حسب ما تنقل التواريخ والروايات، ساقها التعذيب الجسدي إلى أن تصرخ قائلة: ﴿إذ قالت ربّ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة ونجّني من فرعون وعمله﴾، طلبت من الله تعالی أن يبني لها بيتاً عنده في الجنة.. والواقع أنها طلبت الموت وأرادت أن تفارق الحياة. ﴿ونجني من فرعون وعمله..﴾، انقذني من فرعون وأعماله المضلة. والحال أن السيدة آسيا زوجة فرعون كانت مشكلتها وعذابها ألماً جسدياً ولم تكن كالسيدة زينب فقدت مجموعة من الإخوان والأبناء وعدداً كبيراً من الأقارب وأبناء الإخوان ساروا أمام عينيها إلی مقاتلهم. هذه الآلام الروحية التي تحملتها زينب الكبری لم تتعرض لها السيدة آسيا زوجة فرعون. رأت السيدة زينب بعينيها يوم عاشوراء كل أحبتها يسيرون إلی المذبح ويستشهدون: الحسين بن علي (عليه السلام) سيد الشهداء والعباس وعلي الأكبر والقاسم وأبناءها هي نفسها وباقي إخوانها رأتهم كلهم. وبعد استشهادهم شهدت كل تلك المحن: هجوم الأعداء وهتك الحرمات ومسؤولية رعاية الأطفال والنساء. فهل يمكن مقارنة عظمة وشدة هذه المصائب بالمصائب الجسدية؟ ولكن مقابل كل هذه المصائب لم تقل السيدة زينب لله تعالی: «ربّ نجّني»، بل قالت يوم عاشوراء: ربنا تقبل منا. رأت الجسد المبضّع لأخيها أمامها فتوجهت بقلبها إلی خالق العالم وقالت: اللهم تقبل منا هذا القربان. وحينما تُسأل كيف رأيتِ؟ تقول: «ما رأيت إلا جميلاً».. كل هذه المصائب جميلة في عين زينب الكبری لأنها من الله وفي سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمته. لاحظوا هذا المقام الرفيع وهذا العشق للحق والحقيقة كم هو الفارق بينه وبين ذلك المقام الذي يذكره القرآن الكريم للسيدة آسيا. هذا دليل علی عظمة مقام السيدة زينب. هكذا هو العمل في سبيل الله. لذلك بقي اسم زينب وعملها إلی اليوم نموذجاً خالداً في العالم. بقاء دين الإسلام وبقاء سبيل الله وبقاء السير في هذا السبيل من قبل عباد الله يعتمد كله علی العمل الذي قام به الحسين بن علي (عليه السلام) وما قامت به السيدة زينب الكبری. أي إن ذلك الصبر العظيم وذلك الصمود وتحمل كل تلك المصائب والمشكلات أدی إلی أنكم ترون اليوم القيم الدينية هي القيم السائدة في العالم. كافة‌ هذه القيم الإنسانية التي نجدها في المدارس المختلفة والمتطابقة مع الضمير البشري هي قيم نابعة من الدين. هذه هي خصوصية العمل لله.

كلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 8 / 2 / 2010

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4)

الجاذبة المغناطيسية الحسينية بدأت من يوم الأربعين

لقد اقترن عيد النوروز في هذا العام مع أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، فتلوّن عيدنا وعامنا الجديد بصبغة حسينية، وتنوّر باسم أبي الأحرار وسيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام.

وسواء عاد أهل بيت الرسول (ص) في يوم الأربعين إلى كربلاء ـ حيث روى ذلك البعض ـ أم لم يعودوا، فليس هناك شكّ في أنّ جابر بن عبد الله الأنصاري قد طوى بمرافقة أحد كبار التابعين ـ الذي كان يسميه البعض عطية والبعض الآخر عطاءً، ويحتمل أنّه عطية بن حارث الكوفي الهمداني، وعلى كل حال هو أحد كبار التابعين الساكنين في مدينة الكوفة ـ الطريق وحلّا عند القبر الطاهر لشهيد كربلاء.

إنّ بداية الجاذبة المغناطيسية الحسينية، بدأت من يوم الأربعين، وإنّ القوة الجاذبة التي دفعت جابر بن عبد الله الأنصاري على مغادرة المدينة والتوجّه نحو كربلاء، هي نفس الجاذبة الموجودة في قلوبنا على مرّ القرون المتمادية.

وإنّ لأربعينية الإمام الحسين عليه السلام دور تعرّفَ من خلاله بعض الأفراد على مقام أهل البيت عليهم السلام، فأصبحت قلوبهم تنبض بمحبة وعشق كربلاء، بالإضافة إلى تعلقهم بالتربة الحسينية والمرقد الطاهر لسيد الشهداء عليه السلام.

إنّ جابر بن عبد الله الأنصاري يُعدّ من مجاهدي صدر الإسلام الأول، ومن أصحاب بدر، وقد كان إلى جانب الرسول (ص) وجاهد معه قبل ولادة الإمام الحسين عليه السلام؛ أي أنه رأى بعينه ولادته ونشأته.

ومن المسلّم أنّ جابر بن عبد الله قد رأى الرسول الأعظم (ص) لمرّات عديدة وهو يضمّ الحسين بن علي عليه السلام إلى صدره، ويقبّله في عينيه وعلى وجهه، ويُغذّيه الطعام والشراب بيده الشريفة، فأغلب الظنّ أنّ جابر بن عبد الله رأى ذلك بأم عينه.

ومما لاشكّ فيه أنَّ جابر بن عبد الله قد سمع الرسول (ص) وهو يقول: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». وكذلك بعد وفاة الرسول (ص) بقيت مكانة الإمام الحسين عليه السلام وشخصيته ـ سواءً في زمان الخلفاء أو في زمان أمير المؤمنين عليه السلام، في المدينة المنورة أو في الكوفة ـ ماثلة أمام عيني جابر بن عبد الله الأنصاري.

وعندما سمع جابر أنّ الحسين بن علي عليه السلام عزيز الرسول (ص) قد استشهد، وقُتل عطشاناً، انطلق من المدينة، وعند وصوله إلى الكوفة رافقه عطيّة، وقد روى ذلك، قائلاً:

وصل جابر بن عبد الله إلى شط الفرات، واغتسل فيه، ثم ارتدى ثياباً بيضاء نظيفةً، وتوجّه نحو قبر الإمام الحسين عليه السلام ماشياً بكل وقار وسكينة.

إنّ الرواية التي رأيتها تقول أنه عندما وصل جابر إلى القبر قال ثلاثاً بصوت عال: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر»؛ أي أنه أخذ بالتكبير عندما علم كيف استشهد عزيز الرسول (ص) وعزيز الزهراء عليها السلام مظلوماً على أيدي الطغاة وعبدة الشهوات.

ثم قال عطيّة: ولقد فَقَدَ جابر بن عبد الله صوابه عند قبر الإمام الحسين عليه السلام، وأغمي عليه وسقط إلى الأرض. لا نعلم ما الذي جرى بعد ذلك إلا أنه يقول في هذه الرواية: عندما عاد جابر إلى وعيه، أخذ بمخاطبة الإمام الحسين عليه السلام قائلاً: «السلام عليكم يا آل الله، السلام عليكم يا صفوة الله».

أيها الحسين المظلوم.. أيها الحسين الشهيد..

نحن اليوم أيضاً نقول من أعماق وجودنا في بداية هذا العام الجديد: «السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام على الحسين الشهيد».

فلقد جعلت شهادتك وجهادك وثباتك الإسلام متألّقاً، وأحْيَت الدين المحمدي الأصيل، ولولا شهادتك لم يبق للدين من أثر.

إن قلوبنا اليوم مشتاقة أيضاً إلى الحسين بن علي عليه السلام، ولمرقده وقبره الطاهر، ومهما بَعُدت الشقّة، فسوف نبقى نتحدث عن ذكرى الحسين بن علي عليه السلام ومحبته.

لقد قطعنا عهداً على أنفسنا، وسنبقى على هذا العهد، بأن لا نترك ذكر الحسين واسمه ومسيرته في حياتنا أبداً، وهذه هي مشاعر كافة أفراد شعبنا وشيعة العالم بأجمعهم تجاه الإمام الحسين بن علي عليه السلام، بل هو شعور جميع الأحرار في كافة أنحاء العالم.

كلمة للإمام الخامنئي بتاريخ: 21 / 3 / 2006

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5)

تثبيت سنة الزيارة وإحياء ذكرى كربلاء في الأربعين

من كلام السيّد القائد الخامنئي دام حفظه حول تثبيت سنة الزيارة وإحياء ذكرى كربلاء في الأربعين:

من أين تأتي أهمية الأربعين؟ ما هي خصوصية مرور أربعين يوما؟ إن خصوصية الأربعين هو إحياء ذكرى شهادة الحسين عليه السلام وهذا الأمر بالغ الأهمية. افرضوا أنه حصلت هذه الشهادة العظيمة في التاريخ، أي استشهاد الحسين بن علي وبقية شهداء كربلاء؛ لكن بني أمية - مثلما أنهم في ذلك اليوم قتلوا الحسين بن علي وأصحابه وأزالوهم واخفوا أجسادهم المطهرة تحت التراب- استطاعوا أيضا محو ذكراهم من أذهان جيل الناس في ذلك اليوم وفي الأيام اللاحقة، فما هي فائدة هذه الشهادة بالنسبة للعالم الإسلامي؟! أو إذا ما تركت أثرا في ذلك اليوم، فهل سيكون لهذه الذكرى بالنسبة للأجيال الآتية أثر مبيِّناً وفاضحاً للظلمات والظلم والآلام والمرارات وفاضحا لليزيديين في حقب التاريخ التي ستلي؟ إذا ما استشهد الإمام الحسين عليه السلام، ولم يفهم أهل ذلك اليوم والناس والأجيال الآتية انه استشهد، فما هو الأثر والدور الذي يمكن أن تتركه هذه الخاطرة في رشد وبناء وتوجيه وحث الشعوب وتحريك المجتمعات والتاريخ؟ تعرفون انه لن يكون لها اثر.

نعم، يصل الإمام الحسين عليه السلام بشهادته إلى أعلى عليين؛ شهداء لا يعرفهم احد وقد مضوا في الغربة وطواهم الصمت والسكوت، هم سيصلون إلى أجرهم في الآخرة ، وستنال أرواحهم الفتح والرحمة في المحضر الإلهي، لكن كم ستكون درسا وأسوة؟؟

فإلى أي حد يصبح الشهداء أسوة؟ تصبح سيرة ذلك الشهيد درسا عندما تعرف وتسمع الأجيال المعاصرة والآتية بمظلوميته وشهادته. يصبح ذلك الشهيد أسوة ودرساً عندما يفور دمه ويصبح سيالاً في التاريخ. يمكن لمظلومية أمة أن تبلسم جرح جسد مظلوم وترفع السياط عن امة وتداوي جراحها، وعندما يتسنى لهذه المظلومية أن تنادي وتصدح، وان تصل هذه المظلومية إلى مسامع الناس الآخرين؛ ولهذا السبب فإن مستكبري العصر الحاضر يصدحون ويرفعون أصواتهم تترى حتى لا يرتفع صوتنا؛ ومن أجل ذلك هم حاضرون لصرف الأموال الطائلة حتى لا تفهم شعوب العالم لماذا كانت الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية، وما هي الدوافع والأسباب والأيدي المحرّكة لها.

في ذلك اليوم كانت الأجهزة الاستكبارية على استعداد لبذل كل ما لديها حتى لا يبقى ولا يعرف اسم الحسين ودم الحسين وشهادة عاشوراء كدرس لناس ذلك الزمان وللشعوب التي ستأتي فيما بعد. بالتأكيد هم في بداية الأمر ما فهموا قيمة هذه المسالة وكم هي عظيمة، لكن مع مرور الوقت عرفوا ذلك. حتى أنهم في أواسط العهد العباسي دمّروا قبر الحسين بن علي عليه السلام واجروا الماء عليه وأرادوا أن لا يبقى اثر له.

وهذا هو دور ذكرى الشهداء والشهادة. فالشهادة من دون خاطرة وذكرى ومن دون غليان دماء الشهيد لا تبث أثرها، والأربعين هو ذلك اليوم الذي بدا فيه رفع علم رسالة شهادة كربلاء عاليا ويوم ورثة الشهداء. وهنا، سواء قدِمت عائلة الإمام الحسين(عليه السلام) إلى كربلاء في الأربعين الأول أم لم تأتِ.

أما الأربعون الأول فهو اليوم الذي جاء فيه الزوار العارفون بالإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء للمرة الأولى. فقد جاء إلى هناك جابر بن عبد الله الأنصاري، عطية، وهما من صحابة النبي صلّى الله عليه وآله وحواريي أمير المؤمنين عليهم السلام. وكما جاء في الأخبار والروايات أن جابرا كان كفيفا واخذ عطية بيده ووضعها على قبر الحسين. لمس القبر وبكى وتكلم مع الحسين عليه السلام. فبمجيئه وكلامه قد أحيا ذكرى الحسين بن علي عليه السلام، وثّبت سنة الزيارة قبر الشهداء. إن يوم الأربعين على هذا القدر من الأهمية.

فيوم الأربعين هو:

- حركة امتداد عاشوراء.

- بداية تفجّر ينابيع المحبة الحسينية.

- بداية الاجتذاب الحسيني للقلوب.

- ويوم الصمود في مواجهة الاستكبار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6)

الأبعاد العظيمة في حركة الإمام الحسين كما ورد في زيارة الأربعين

وردت في زيارة الأربعين التي تأتي فقراتها الأولى على صورة دعاء يناجي به المتكلم المولى سبحانه وتعالى فيقول: «وبذل مهجته فيك» أي الحسين بن علي (ع) «ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة».

فهذا هو أحد جوانب القضية وهو المتعلق بصاحب النهضة أي الحسين بن علي (ع)، وأما الجانب الآخر فيرد في الفقرة التالية التي تقول: «وقد توازر عليه من غرّته الدنيا وباع حظه بالأرذل الأدنى» في وصفٍ للواقفين على الجبهة المضادّة، وهم الذين غرّتهم الدنيا بالمطامع الدنيوية والزخارف والشهوات والأهواء النفسية فباعوا حظّهم من السعادة الدنيوية والأخروية بالأرذل الأدنى؛ وهذه هي خلاصة النهضة الحسينية.

وبالتدقيق في هذا الكلام، يدرك المرء أن بإمكانه النظر إلى النهضة الحسينية بمنظارين في الواقع، وكلاهما صحيح، سوى أنّ مجموعهما يكشف عن الأبعاد العظيمة لهذه النهضة؛ فالنظرة الأولى تكشف عن الحركة الظاهرية للحسين بن علي، والتي قام بها في مواجهة حكومة فاسدة ومنحرفة وظالمة وقمعية وهي حكومة يزيد، وأما باطن القضية وعمقها فتكشف عنه النظرة الثانية، وهي الحركة الأعظم والأعمق؛ لأنها ضد جهل الإنسان وضلالته.

 فمع أن الإمام الحسين قام بمقارعة يزيد في الواقع، إلا أن هذه المقارعة الواسعة التاريخية لم تكن ضد يزيد الفرد الفاني الذي لا يساوي شيئاً، بل كانت ضدّ جهل الإنسان وانحطاطه وضلالته وذلّه، وهو ما يكافحه الإمام الحسين في الحقيقة.

 كلمة الإمام الخامنئي بتاريخ: 14 / 4 / 2000م

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7)

أهداف النهضة الحسينية كما ورد في فقرات زيارة الأربعين

أهداف النهضة الحسينية

لقد وردت عبارة في زيارة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام) تنطوي على مغزى عميق, وهي جديرة بالتأمّل والتدبّر كسواها من العبارات الكثيرة الواردة في مثل هذه الزيارات والأدعية، وإنني أودّ اليوم وبمناسبة ذكرى تاسوعاء وعزاء سيد الشهداء التحدّث قليلاً بشأن هذه العبارة في الخطبة الأولى، حيث إنها ناظرة إلى أهداف النهضة الحسينية.

وهذه العبارة هي «وبذل مهجته فيك».

وقد وردت في زيارة الأربعين التي تأتي فقراتها الأولى على صورة دعاء يناجي به المتكلّم المولى سبحانه وتعالى فيقول «وبذل مهجته فيك» أي الحسين بن علي (عليهما السلام) «ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة».

فهذا هو أحد جوانب القضية وهو المتعلق بصاحب النهضة أي الحسين بن علي ×, وأما الجانب الآخر فيرد في الفقرة التالية التي تقول «وقد توازر عليه من غرّته الدنيا وباع حظه بالأرذل الأدنى» في وصف للواقفين على الجبهة المضادّة، وهم الذين غرّتهم الدنيا بالمطامع المادية والزخارف والشهوات والأهواء النفسية فباعوا حظّهم من السعادة الدنيوية والأخروية بالأرذل الأدنى؛ وهذه هي خلاصة النهضة الحسينية.

وبالتدقيق في هذا الكلام، يدرك المرء أن بإمكانه النظر إلى النهضة الحسينية بمنظارين في الواقع، وكلاهما صحيح، سوى أن مجموعهما يكشف عن الأبعاد العظيمة لهذه النهضة؛ فالنظرة الأولى تكشف عن الحركة الظاهرية للحسين بن علي، والتي قام بها في مواجهة حكومة فاسدة ومنحرفة وظالمة وقمعية وهي حكومة يزيد, وأما باطن القضية وعمقها فتكشف عنه النظرة الثانية، وهي الحركة الأعظم والأعمق؛ لأنها ضد جهل الإنسان وضلالته.

فمع أن الإمام الحسين قام بمقارعة يزيد في الواقع، إلاّ أن هذه المقارعة الواسعة التاريخية لم تكن ضد يزيد الفرد الفاني الذي لا يساوي شيئاً، بل كانت ضد جهل الإنسان وانحطاطه وضلالته وذلّه، وهو ما يكافحه الإمام الحسين في الحقيقة.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8)

الدرس الذي نتعلمه من الأربعين

 

إن الدرس الذي يعلّمنا إياه يوم الأربعين هو وجوب إحياء ذكر وحقيقة الشهادة في مواجهة السيل الإعلامي للأعداء.

وإن أهميّة الأربعين تكمن بالأساس في أن ذكر النهضة قد خُلّد إلى الأبد وتجذّر في هذا اليوم بتدبير إلهي وحكمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

فلو أن زينب الكبرى عليها السلام والإمام السّجّاد عليه السلام لم يُبادرا على امتداد أيام السبي سواء في عصر عاشوراء في كربلاء أو الأيام التي أمضياها في الطريق إلى الكوفة والشام أو في الشام نفسها وما تلا ذلك في مرورهما بكربلاء ومن ثمّ التوجه إلى المدينة وبالتالي السنوات المتمادية التي بقيا فيها على قيد الحياة إلى الجهاد وبيان الحقائق والكشف عنها ولم يقوما ببيان حقيقة فلسفة عاشوراء وهدف الحسين بن علي‏ عليه السلام في ثورته وجور الأعداء، لم تبق واقعة عاشوراء حيّة متفاعلة متوهجة حتى يومنا هذا.

كان جهاد زينب عليها السلام وجهاد السجاد عليه السلام وسائر الطاهرين صعباً ومريراً، وبالطبع لم يكن ميدانهم عسكرياً بل إعلامياً وثقافياً، وعلينا الانتباه إلى هذا الأمر.