الحديث عن أمير المؤمنين وأمير البلاغة علي(ع) وعما تحدث به كله فضائل ومناقب.. فمهما تحدث به (ع) وما قام به .. فضائل ومناقب وهي لا تحصى. شهاب تنير للبشرية الدرب على مر العصور. وها هو حفيد من أحفاد علي (ع) يتطرف إلى بعض تلك الفضائل والمناقب:

نحن نعجز عن ذكر الأبعاد المعنوية لأمير المؤمنين، فلا نتمكن من قول جملة واحدة مطابقة للواقع بشأنها، لكن يمكن التحدث حول بعض الأبعاد المادية والاجتماعية؛ لاحظوا أحوال من كان خليفة للمسلمين وبيده زمام أمور الدولة؛ فبرغم كونه خليفة ويصلي الجمعة بالمسلمين لا يمتلك ملابساً كثيرة، وكما ينقل عنه أنّه صعد المنبر لتحريك الملابس التي يلبسها كي تجف لعدم امتلاكه غيرها؛ وكانت له نعل يخصفها بنفسه، ولما يسأل عن ذلك يقول: ما قيمة هذا النعل؟ فيجاب: لا قيمة لها، فيقول (ع): «والله لهي أحب إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلًا».أي خليفة في الأرض يشبه وضعه وضع أمير المؤمنين (ع)؟ لقد كان الإمام مظلوماً حقا.

صحيفة الإمام، ج‏20، ص406.

 

في الليلة التي اعتدي عليه فجرها- ينقل أنه- كان ضيفاً عند أم كلثوم، وجاءته بالحليب وملح وقطعة خبز، فقال: متى رأيت أنني آكل أدامين؟ أرادت أن تأخذ الملح، فقال: بل خذي الحليب. هذا وضع الحاكم الذي تصل مساحة مملكته إلى ذلك القدر. هذه هي الحكومة الإسلامية. ومن جانب آخر ابن ملجم هذا- لعنة الله عليه- الذي أغتاله، واعتقلوه، عامله الإمام بعطف، وأوصى بأن يطعموه من طعامه، قال: خذوا له أيضاً. ثم قال: إن متّ فضربة بضربة، وإيّاكم بالمثلة، وإن نجوت سأنظر في أمره. كونوا على ثقة بأنه كان سيعفو عنه.

صحيفة الإمام، ج11، ص311

 

وكمال عمل الأولياء عليهم السلام إنّما كان بواسطة الجهات الباطنيّة وإلاّ فصورة العمل ليست لها الأهميّة الكثيرة، فإن نزول عدة آيات من السورة المباركة هل أتى مثلاً في مدح علي عليه السلام وأهل بيته الطاهرين ليس بسبب إعطاء قرص من الخبز وإيثارهم به بل كان للجهات الباطنية ونورانية صورة العمل كما أشار إلى ذلك في الآية الشريفة حيث يقول {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا}(الإنسان9). بل إن ضربة عليّ عليه السلام التي هي أفضل من عبادة الثقلين ليست أفضليّتُها بصورتها الدنيوية بحيث لو صدرت من غيره لكانت أفضل أيضاً وإن كان نفس العمل بلحاظ موقعه. وفي حين تقابل الكفر والإسلام كان مهمّاً ولعل الأمر لولا تلك الضربة كان سيؤول إلى تمزق حبيكة جند الإسلام ولكن العمدة في فضيلتها وكمال عمله عليه السلام إنما كان بسبب حقيقة الخلوص وحضور قلبه عليه السلام.

سر الصلاة، ص: 45

 

"ضربة عليٍّ يومَ الخندقِ أفضَلُ مِنْ عِبادة الثَّقَلَيْن" وليست هذه لأنّ كلّ الكفر نازلَ كلَّ الإسلام بل كانت هذه الفضيلة. فلو فرضنا أنّ أحداً غير أمير المؤمنين ضرب هذه الضربة، وأنزل هذه الهزيمة لما كانت لها هذه الفضيلة التي هي أسمى من صلاة الأنبياء. كانت هذه الضربة قد نبعت من روح أمير المؤمنين، وكانت فضيلة الأيام التي ضرب فيها أسمى من كلّ الأيام، لأنّ قلبَه كان قلباً إلهياً لم يَجِدْ غير الله إليه سبيلا. فالضربة التي تنبع من هذا القلب والتصميم الذي يُشرق منه قيمته أفضل من كلّ ما في هذا العالم على ما تفضّل الرسول- صلّى الله عليه وآله-

صحيفة الإمام، ج8، ص385.

 

قال الإمام علي(ع) في دعاء كميل: "حتى تكون أعمالي وأورادي كلُّها ورداً واحداً.

فما معنا أن تكون جميع الأوراد والأذكار كلّها ورداً واحد؟ أتعني أن يكون "سبحان الله" هو "الحمد لله" أم أن تصبح "لا إله إلا الله" هي "الحمد لله"؟ وما معنا أن تصبح الأوراد كلّها ورداً واحداً؟ وبالطبع ما قاله أيضاً الإمام عليه السلام: "ولم أشرك بالله طرفة عين أبداً" لعمل عظيم حقاً. إنه لكلام جداً جداً كبير، فلا شيء أكثر إعجازاً من أن يكون في الدنيا ولم يشرك بالله طرفة عين أبداً، فنحن ومهما نظرنا إلى أنفسنا وبذلنا قصار جهدنا وأردنا أن نكون هكذا لمدة ساعة فقط، لما أمكن لنا هذا؛ فنحن نغوص بالشرك، ولا نعرف نحن أنفسنا أي شرك نغوص فيه. ونحن أنفسنا لا نعلم كم لنا من أوراد وأذكار متعددة ومتنوعة؛ ورد البنون، ذكر العيال، ورد المنزل، ورد السياسة، ورد الأنانية، ورد المال وذكر الجاه، ولو ارتقينا بأنفسنا لأدركنا أن لدينا ورد الجنة وورد التفاح، ورد الحرير والذهب وحور العين أو ورد البعد عن النار. ولكن أولئك الذين لديهم ورد واحد، لو أنهم كانوا يقيمون في هذه الدنيا لما عبدوا غيره، ولو كان لديهم مال الأرض كله لما أنفقوه في سبيل سواه، ولو أنهم كانوا يريدون أولاداًَ لما تمنوا ذلك سوى ليحب أولئك الأطفال المعبود سبحانه وليرفعوا كلمة لا إله إلا الله، فهؤلاء الذين كانوا ومنذ بداية الخليقة وحتى سطوع الفجر يتمتعون بقلوب صافية متجهة نحو نوره الواحد سبحانه، ولا يؤمنون سوى به وبتوحيده الذاتي والفعلي والصفاتي وقلوبهم مصبوغة بالصبغة الإلهية بشكل كامل.

 

(تقريرات فلسفية، ج3، 230)

إن أعظم نازلة حلت بالإسلام هي سلب أمير المؤمنين (عليه السلام) حكومته، وعلينا أن نتجلبب بالحزن على تلك النازلة أكثر من الحزن على واقعة كربلاء، فالمصيبة التي حلت بأمير المؤمنين (عليه السلام) وبالإسلام، أجل وأشد من تلك المصيبة التي حلت بسيد الشهداء (عليه السلام)، فهي" أعظم المصائب" التي حرم الناس بسببها من إدراك المعنى الحقيقي للإسلام، الذي يعيش اليوم حالة من الغموض والإبهام. فالناس يجهلون اليوم معنى الإسلام، ومعنى الحكومة الإسلامية، وحقيقة الأهداف التي يسعى إليها الإسلام، وماهية برامجه في الحكم.

إن سقوط حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام)- والتي ناهز عمرها الخمسة أعوام، ومع كل ما رافقها من مشاكل ومتاعب، ومع كل ما تحمّله أمير المؤمنين (عليه السلام) من معانات- يعتبر مصاباً عظيماً إذا نظرنا إليه من جانب. كما أن تلك الأعوام الخمسة تحتم على المسلمين الاحتفاء بها مدى الدهر، الاحتفاء بحكومة يتمنى رئيسها والحاكم فيها- أمير المؤمنين (عليه السلام)- الموت لاحتمال تعرض ذمي أو ذمية لسرقة خلخالها في أحد أطراف بلاده. فمن أجل هذه الحكومة ينبغي للناس إقامة مراسم العزاء على رحيلها، والاحتفاء بالسنوات الخمس من حكومته لأنها كانت حكومة من أجل العدل، ومن أجل الله.

صحيفة الإمام، ج2، ص339.

 

أما عن حياة أمير المؤمنين الإمام علي (ع) فقد بسط نفوذ حكومته وإمامته على بلاد شاسعة شملت جميع أرجاء الحجاز والعراق وسوريا ولبنان ومصر وإيران وتوحدت كل هذه البلدان تحت لوائه، فكيف يا ترى كانت حياته؟ هل كانت مشابهة لحياة الأمراء؟ كان (ع) يمتلك فقط جلد خروف يفرشه ليلًا- حسب ما يذكر التاريخ- وينام عليه هو وزوجته، وفي النهار كان يحشي جلد الخروف علفاً ليعلف به البعير. هذه هي حكومة الإسلام. وكان (ع) يحفر القناة بيده، بمسحاته، وفي ذات اليوم الذي بايعه المسلمون عاد لمواصلة عمله، ولم يكن يعمل من اجل نفسه ومن اجل منفعته الخاصة بل حفر قناة وما أن تفجرت عين الماء حتى جعلها وقفاً للفقراء.

صحيفة الإمام، ج4، ص121.

 

كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حاكما على مساحة واسعة تضم العديد من البلدان بدءً من الحجاز وحتى مصر وإيران والعراق وسوريا وسائر الأماكن، وقد نقل لنا التاريخ كيف أن القاضي الذي عينه أمير المؤمنين حينما أراد أن يقضي في قضية دعوى اليهودي عليه واتهامه له فان القاضي طلب أمير المؤمنين وقد لبى أمير المؤمنين ذلك الاستدعاء وحضر بين يدي القاضي ووقف مع اليهودي جنبا إلى جنب وقد تم‏استجوابه واصدر القاضي حكما لصالح اليهودي وفي غير صالح أمير المؤمنين سلام الله عليه، الذي كان يمثل الحكومة آنذاك وقد قبل الإمام بذلك الحكم. إن وضعا حكوميا كهذا لا يمكن أن نتوقع حصوله في مكان آخر، ونحن نسعى لإقامة حكومة كهذه، حكومة عادلة تحب رعيتها.

صحيفة الإمام، ج6، ص51-52.