نظرية العمل السياسي عند الشهيد السيد محمد باقر الصدر

 

بقلم: الشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم

 

المقدمة

عندما نريد أن نتناول النظرية السياسية عند الشهيد الصدر (رض) لا بد من أن نفهم، منذ البداية، المراد من مصطلح «النظرية السياسية»، حيث يوجد جانبان من البحث في هذا المجال: احدهما الجانب الذي يرتبط بنظرية الحكم والدولة، والآخر الجانب الذي يرتبط بالعمل السياسي الحركي وإطاره العام في المجتمع والأمة، ولاسيما في ظروف،ما قبل قيام الدولة الشرعية، سوا كانت الدولة القائمة كافرة أم إسلامية جائرة.

وفي هذا البحث، نحاول أن نتناول الجانب الثاني، ونقصد به نظام العمل السياسي، أو الإطار العام للتحرك السياسي في المجتمع الإسلامي لممارسة عملية التغيير والهداية للناس، ضمن الخطوط الثابتة والضوابط والمقاييس العامة والأخلاق الإسلامية التي جاءت بها الشريعة والقرآن الكريم.

أما الجانب الأول، فقد كتب فيه الشهيد الصدر في أواخر أيامه ضمن كراسات طبعت تحت عنوان: «الإسلام يقود الحياة»، ولاسيما كراس «خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء» وكراس «تصور عن دستور الجمهورية الإسلامية»، وسوف نشير إجمالا إلى تصوراته في هذا المجال.

ونسبة «النظرية السياسية» إلى الشهيد الصدر نقصد منها ما كان يفهمه في تصور هذا «النظام للعمل» و«الإطار العام»للتحرك في الإسلام والشريعة الإسلامية. ويمكن أن نتعرف إلى معالم وجهة نظره في هذه النظرية السياسية من خلال مراجعتنا الإجمالية للأعمال الفكرية والنشاطات السياسية التي قام بها، أو أسهم فيها، ومن خلال قراءتنا لأقواله وتصريحاته وبعض محاضراته، وهي كثيرة. ولكن يمكن أن نشير بشكل إجمالي إلى مجموعة منها:

فعلى مستوى الأعمال الفكرية يمكن أن نذكر ما دونه الشهيد الصدر في الكراس الصغير الذي تناول فيه أطروحة المرجعية الموضوعية، أو ما كتبه من شرح أسس «الدولة الإسلامية» ((1)). وكذلك ما دونه في بعض رسائله الخاصة حول دلالة آية الشورى على أساس الحكم الإسلامي. وكذلك ما دونه في بعض الكراسات التي كتبها، في أواخر حياته،تحت عنوان:

«الإسلام يقود الحياة»، مثل كراس «دستور الجمهورية الإسلامية» و«خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء»، وكذلك تبنيه أخيرا لنظرية «ولاية الفقيه» التي يستند فيها إلى التوقيع المعروف المروي عن الإمام الحجة (عج)، وهو: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة اللّه» ((2)).

وعلى مستوى الأعمال والنشاطات السياسية، يمكن أن نذكر منها إسهامه في تأسيس «حزب الدعوة الإسلامية» في أواخر صيف 1378 ه 1958م. ثم خروجه من الحزب في صيف عام 1380 ه 1960م، وأيضا إسهامه في تأسيس «جماعة العلماء في النجف الاشرف» وإسنادها، وكذلك إسناده لمرجعية آية اللّه العظمى المغفور له الإمام السيد الحكيم(قده) ومشاركته في مجمل الأعمال السياسية التي كانت تتصدى لها هذه المرجعية، وكذلك رعايته للحركة الإسلامية في العراق بشكل عام، ثم تصوره لتطور المرجعية الدينية وطيها للمراحل الأربع التي مرت بها والتي كانت آخرها مرحلة «القيادة»، ثم تأسيسه لبذرة شورى المرجعية في إطار مرجعيته الخاصة وطرحه لمسالة فصل العمل المرجعي وجهازه عن العمل التنظيمي الخاص (الحزب) عمليا، ثم تطور ذلك إلى فكرة فصل الحوزة العلمية بشكل عام عن العمل التنظيمي الخاص (الحزب) وتصريحاته وفتاواه بهذا الصدد التي تعبر عن موقف سياسي عملي ينطلق من جذور فكرية، ثم موقفه بعد ذلك من دور التنظيم الإسلامي في الحركة السياسية العامة والذي تجسد بتعيين ممثل له لدى بعض أطراف الحركة الإسلامية، ثم تسليم بعض الأطراف الأخرى لقيادته بعد انتصار الثورة الإسلامية، ومبادرته لتأسيس حركات ومكاتب إسلامية في الخارج وتعيين الممثلين الوكلاء والعلماء في مختلف المناطق بعد تصديه للمرجعية الدينية وقبل ذلك.

لقد كانت حياة الشهيد الصدر(رض) زاخرة بالأحداث والمواقف والأعمال والنشاطات السياسية والفكرية، ولذلك يحتاج هذا البحث إلى دراسة مستفيضة وتتبع لجميع الأقوال والنشاطات والكتابات التي دونها الشهيد الصدر، ولكن من خلال معايشة قريبة لمسيرة أعماله ومواقفه استمرت لمدة أكثر من أربع وعشرين سنة، أي منذ سنة 1376ه حتى سنة 1400ه التي استشهد فيها (رضوان اللّه عليه)، وكذلك من خلال مراجعة سريعة لمجمل أعماله، وبذلك يمكن أن نتعرف إلى تصور إجمالي واضح لنظريته السياسية ((3)).

ومن الواضح أن البحث، في هذا الموضوع الشائك، قد يثير بعض التحفظات، أو الأسئلة، أو ردود الفعل والانفعالات،لدى هذه الجماعة أو تلك، بسبب متبنياتها الفكرية والسياسية أو مواقفها، مع حرصها على أن لا تبدو بعيدة عن الشهيد الصدر، ولكن يبقى من الضروري أن نثبت الأفكار والمواقف التي تبناها الشهيد الصدر، باعتبار ذلك واجبا أخلاقيا وعلميا وتاريخيا، ولذلك نرى انسجاما مع الظروف التي تعيشها المرحلة السياسية الحاضرة للقضية الإسلامية العراقية والتي نرى أهمية أن نتجنب فيها الاثارات ذات ردود الفعل العاطفية والنفسية أن نتناول هذا الموضوع بالقدر المحدود الواقعي الذي لا يكون على حساب المصالح الأساسية والمبادئ ذات القيمة العملية في حياتنا. وأدا مني لبعض الحق والواجب والمسؤولية التي اشعر بها تجاه سيدنا وأستاذنا الشهيد الصدر ((4)).

ولذلك، سوف نحاول قدر الإمكان تجنب المناطق الحساسة، أو الأرقام ذات الطبيعة السلبية، أو التفسير بالنوايا،ونكتفي بذكر الشواهد التي تؤكد النظرية مع قطع النظر عن ملابساتها الخارجية أو علاقاتها ذات الطبيعة الشخصية.

مسار البحث واعتقد أن البحث لا بد من أن يأخذ مسارين من اجل توضيح الفكرة كما أشرت في البداية.

احدهما: المسار النظري الذي يمكن تتبعه من خلال أعمال الشهيد الصدر الثقافية والفكرية.

والأخر: المسار العملي الذي تمكن معرفته من خلال تتبع الحركة والمواقف السياسية للشهيد الصدر ومراقبتها. ومن خلال المقارنة والموازنة بينهما، تصبح الفكرة أكثر وضوحا، ويمكن أن نجد التفسير لبعض المواقف والأفكار التي قد تبدو أحيانا أنها غير منسجمة أو متناسقة.

وقد كتبت هذه الأوراق على الأكثر اعتمادا على الذاكرة والمشاهدات التي عشتها طوال المرحلة السابقة، وأرجو ألا تكون ذاكرتي قد خانتني.

كما أرجو منه تعالى السداد والتوفيق والقبول، فهو ولي التوفيق والسداد، وهو نعم المولى ونعم النصير.

أولا: النظرية السياسية المسار النظري نظرية الشورى والحزب لقد بدا الشهيد الصدر(رض) تصوره للنظرية السياسية انطلاقا من عدة نقاط فقهية وعملية.

الأولى: إن الشهيد لم يتم لديه دليل واضح على صيغة الحكم الإسلامي بشكل خاص، حيث كتب، في بداية تكوين التصور السياسي، رسالة ناقش فيها جميع الأدلة التي يذكرها الفقهاء على الصيغة الخاصة للحكم الإسلامي، سوا روايات ولاية الفقيه المطلقة أم دليل الحسبة وحفظ النظام ((5)) الذي كان يراه دليلا قاصرا عن الوفاء بجميع متطلبات الدولة والحكم الإسلامي في العصر الحاضر. وأتذكر في هذا الصدد، انه بعد أن دون هذه الرسالة قمت بطرحها على احد الفقهاء المعروفين في النجف الاشرف، وهو آية اللّه الشيخ حسين الحلي، فأعجب بها، وإن لم يكن يتفق مع الشهيد الصدر في نتائجها.

الثانية: الاستفادة من آية الشورى (وأمرهم شورى بينهم) [الشورى:38] للدلالة على إمكان إقامة الحكم الإسلامي على قاعدة الشورى باعتبار أن الحكم وإقامة الدولة يمثل أمرا مهما من أمور المسلمين، ولا يمكن تجاهله في مجتمعهم، لان التجاهل يؤدي إلى تهديد أصل الدين، بالإضافة إلى سيطرة الكفار وعقائدهم على المجتمع الإسلامي.

ولا بد من الالتزام بحكم الأكثرية في الشورى، لأن الإجماع في الأمور الاجتماعية أمر نادر، وهذا يعني أن إقامة الحكم على أساس الشورى يعني الرجوع إلى الأكثرية وإلا تعطلت آية الشورى ولم يكن لها مدلول عملي ((6)).

الثالثة: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الإسلام والدين من أهم الواجبات الإسلامية، ولما لم تكن هناك طريقة محددة وإطار سياسي عام مشخص لهذه الدعوة، كان ممكنا انتهاج كل أسلوب مؤثر في هذا المجال يعطي للمسلمين القوة والقدرة على تحقيق هذا الهدف أو القيام بهذا الواجب الإسلامي.

وحينئذ يمكن طرح أسلوب «التنظيم الحزبي» بوصفه أفضل طريقة تجريبية توصل إليها الإنسان في التحرك السياسي،حيث إنها الطريقة المتبعة والمعروفة الآن في المجتمعات الإنسانية (الحضارة الغربية والشرقية) والتي أثبتت جدواها وتأثيرها من خلال التجربة.

كما أن هذه الطريقة هي التي يمكن أن تواجه هذا الأسلوب الجذاب في المجتمع الإنساني الذي اعتمدته الإيديولوجيات والنظريات الحديثة الوضعية ((7)).

الرابعة: إن للفقهاء، في النظرية الإسلامية، وفي التاريخ الإسلامي، دورا متميزا. أما على مستوى النظرية، فنجد ذلك واضحا في مجال استنباط الأحكام الشرعية وفي القضاء الإسلامي. أما على مستوى التاريخ الإسلامي فإن الأمة ارتبطت بالفقهاء عمليا وواقعيا، خصوصا في أوساط أتباع أهل البيت (ع)، إذ أصبحت تقدسهم وتنقاد لهم وتنظر إليهم بوصفهم نوابا عن الإمام (ع) وحكاما للناس والشريعة. وهذه حقيقة عقدية وتاريخية لا يمكن تجاهلها في العمل السياسي، ولا يمكن التفكيك عمليا بين هذا الواقع العقدي والتحرك السياسي حتى لو انتهينا إلى التفكيك بين المرجعية في الفتوى والقيادة السياسية على المستوى النظري، ولذا لا بد من منحهم هذا الدور في التصور النظري للتحرك السياسي.

القيادة الواقعية والقيادة الواجهية وعند التركيب بين هذه المفردات الأربع، نجد انه يمكن تأسيس الحزب الإسلامي الذي يتبنى الدعوة إلى الإسلام وتنظيم جماعة المسلمين، ويدعو إلى إقامة الحكم الإسلامي على أساس الشورى والديمقراطية التعددية ضمن الإطار والضوابط الإسلامية العامة، ويكون للفقها في هذا الحزب والحكم الإسلامي دور المتخصصين في القضايا الإسلامية النظرية التي يمكن الرجوع إليهم فيها، شانهم في ذلك شان ذوي الاختصاص الآخرين في مختلف القضايا العلمية.

وتتم إدارة البلاد من المتخصصين في الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والمالية... تحت إشراف الفقهاء الذين لا بد لهم من أن يمارسوا تخصصهم من اجل ضمان سلامة المسيرة الإسلامية في هذه المجالات، من دون أن يكون لهم دور خاص بما هم فقها في القيادة والإدارة الإسلامية، هذا على مستوى النظرية.

ولكن من الناحية العملية والواقعية، يمكن الاستفادة من الطاقات الهائلة التي يملكها المراجع والحوزة العلمية والإمكانات الكبيرة في التبليغ والتوعية وعلاقة التقديس من الأمة لهؤلاء الفقهاء، ويتم ذلك عن طريق تحويل الواجهة القيادية في الأمة إلى العلماء، وعن طريق المزاوجة والتلفيق بين التنظيم الخاص والجماعة الواعية في الحوزة والمرجعية الرشيدة، بحيث يتحول الحزب إلى قيادة واقعية تنظم حركة الأمة، والمرجعية إلى قيادة واجهية تمنح الفكر الإسلامي الأصالة والقدسية للتحرك الإسلامي في أوساط الأمة، كما أنها توظف اكبر الطاقات لخدمة هذا العمل الإسلامي.

وهذه النتائج التي توصل إليها آية اللّه الشهيد الصدر تعني، بطبيعة الحال، مشروعية العمل الحزبي من خلال اختيار الأمة له، ككل أو كجماعة من الأمة، باعتبار دلالة آية الشورى، بحيث تكون الأمة لها القيمومة والنظارة والاختيار بشان العمل الحزبي من ناحية. كما انه يمكن لها أن تختار تعدد الأحزاب والتشكيلات السياسية، أو اختيار أي منهج آخر للعمل تراه مناسبا لحركتها وتطلعاتها وأهدافها من ناحية أخرى، حيث أن هذا التصور للنظرية يعني أن الشارع المقدس لم يعين أسلوب العمل السياسي ومنهجه، وإنما تركه للإنسان، ويفترض أن منهج العمل الحزبي هو أفضل أسلوب توصل إليه الإنسان في العصر الحديث، فعندما يتوصل الإنسان، في ضمن ظروف معينة، أو من خلال دراسة التاريخ الإنساني، إلى منهج أفضل فلا بد من أن يكون ذلك المنهج هو المختار.

وهذه النقطة كانت ولا تزال تشكل نقطة ضعف مهمة في هذه النظرية، حيث تفترض أن الإسلام الذي عالج مختلف القضايا في الكون والمجتمع قد ترك معالجة هذه النقطة المهمة في حياة الإنسان، وهي «منهج العمل السياسي» فلم يحدد المنهج العام لها، وإنما تركها نقطة فراغ يعالجها الإنسان حسب الظروف والتطورات. مع أن التاريخ الذي يعرضه القرآن الكريم عن سيرة الأنبياء وأعمالهم لا توجد فيه أي إشارة إلى منهج مثل المنهج الحزبي، وإنما كان يتمثل في منهج عام متشابه، وهو منهج النبوة والإمامة والبلاغ ((8)).

رؤية الإمام الحكيم (قده) للعمل السياسي ومن الجدير بالذكر، أن رؤية الإمام الحكيم (قده) الذي كان يمثل «المرجعية» في ذلك العصر للأمور ومسلكيته كانت تختلف، في هذه المرحلة، عن رؤية الشهيد الصدر ومتبنياته العملية، إلا أن هذا الاختلاف بينهما لم تكن له آثار عملية مهمة تنعكس على الواقع الخارجي في هذه المرحلة، وان انعكست آثاره بعد ذلك على الواقع العملي، والسبب في ذلك يعود إلى عدة نقاط:

ا. إن معالم النظرية لم تكن واضحة بشكلها الكامل في البداية، وإنما أخذت تتوضح تدريجيا من خلال الممارسة الخارجية.

ب. إن طبيعة المرحلة كانت طبيعة عملية عامة في مواجهة التيارات الفكرية والسياسية الكافرة أو المنحرفة، والقضايا فيها كانت مشتركة. كما أن التنظيم الخاص في ذلك الوقت لم يكن له وجود واضح ليكون له دور مهم في مجرى الأحداث الواقعية، وكانت أفكاره وتشكيلاته سرية، وكان يمر بمرحلة التأسيس، ثم بالمرحلة الثقافية.

بالإضافة إلى أن ابناه كانوا يرتبطون واقعيا بمرجعية الإمام الحكيم، بشكل عام، في التقليد وفي التحرك الثقافي والسياسي العام.

ج. سعة الصدر والإخلاص والأخلاقية العالية التي يتمتع بها كل من الإمام الحكيم والشهيد الصدر (رحمهما اللّه).

ويمكن أن نلخص نقاط الاختلاف، في هذا المجال، بين رؤية الإمام الحكيم والشهيد الصدر في الأمور الآتية:

1 ولاية الفقيه، حيث كان الإمام الحكيم يرى الولاية للفقيه بمستوى معين مستندا إلى دليل «الحسبة» وبعض النصوص الأخرى في بعض الموارد ((9)) وضرورة إقامة الحكم الإسلامي حفاظا على كرامة الدين وعزته وعقيدة المسلمين،وأن الفقيه يمثل القدر المتيقن الذي يتولى ذلك، وكان يمارس هذا الدور عمليا في حدود المجالات التي تنالها يده وقدرته.

2 المرجعية الدينية» هي الإطار الأفضل للعمل الإسلامي ونشاطاته، ولذا لم يتخذ الإمام الحكيم العمل المنظم الخاص قاعدة أساسية للعمل السياسي، بل اتجه بشكل عام لتشجيع العمل العلمائي قاعدة وأساسا، وأن كان يؤيد العمل الحزبي المنظم باعتباره مؤسسة ومفردة إسلامية يمكن أن يكون لها دور محدد في خدمة الإسلام، وكان يتعامل مع هذه المفردة بتحفظ ملحوظ.

3 إن الوسط الحوزوي والوكلاء وأمثالهم يشكلون حلقة الوصل الطبيعية بين الأمة والقيادة الإسلامية المتمثلة بالفقيه الجامع للشرائط، وفي الوقت نفسه يمكن للأحزاب السياسية والجمعيات ذات الأهداف المختلفة القيام بهذا الدور في أوساط محدودة، كوسط طلاب الجامعات والموظفين وأمثالهما.

4 استقلالية المرجعية عن العمل المنظم الخاص (العمل الحزبي) وأصالتها وضرورة بقائها على قدسيتها ونقائها،بعيدا عن الظنون أو الشكوك أو الأوهام التي قد تحيط بالعمل الحزبي.

ومن هنا نجد الإمام الحكيم يطلب من ولده السيد مهدي، وكذلك من الشهيد الصدر، الخروج من التنظيم ((10))،ويعلل ذلك بأنهما مرتبطان به ولا يصح أن يكونا مرتبطين بالتنظيم، الأمر الذي قد تكون له آثار سلبية على المرجعية نفسها.

5 السرية»، حيث كان الإمام الحكيم يرى أن القيادة لا يصح أن تكون سرية في إطار الجماعة التي ترتبط بها، وأن ذلك يؤدي إلى احتمال وقوع القيادة في خطر الانحراف أو التأثير عليها من الخارج من خلال ارتباطات مشبوهة أو فاسدة، وقد لخص ذلك في جواب احد الاستفتاات بقوله: «إذا كانت القيادة سرية فلا يمكن الانقياد إليها، لأنها إذا كانت ذكية يخاف منها وإذا لم تكن ذكية فيخاف عليها»، وهذا التصور ينطلق من نقطة نظرية مبدئية ترتبط بالرواية المشهورة المتواترة: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»، حيث يفهم من هذا الحديث أن «معرفة» المأمومين للإمام قضية أساسية في النظرية الإسلامية، وذلك انطلاقا من نقطة سياسية أدركها الإمام الحكيم من خلال تجربته ومعاناته السياسية ومراقبته للأحداث التي اجتاحت العالم الإسلامي، منذ حركة المشروطة في إيران، وحركة الجهاد ضد الانجليز في العراق، وثورة العشرين والتطورات السياسية الأخرى حتى سقوط الملكية، حيث إن القيادة عندما تكون معروفة تكون تحت رقابة الجماعة، ويشكل ذلك ضمانة نسبية كبيرة من الانحراف، أو أن تدرك الأمة ذلك الانحراف بسرعة عندما تكون تفاصيل الحركة تحت الأضواء.

وقد انتهى الشهيد الصدر (قده)، بعد ذلك، إلى الالتقاء مع رؤية الإمام الحكيم، كما سوف يتضح ذلك نظريا وعمليا.

وهذا الاختلاف في الرؤية أدى، بعد ذلك، إلى بروز حالة الانفصال النسبي تدريجيا في التحرك السياسي بين موقف المرجعية والكادر الإسلامي الذي تربى في أحضان التنظيم الحزبي والذي كان يرتبط بالمرجعية في تحركها العام كما سوف نلاحظ في المرحلة التالية.

وأدى، أيضا، إلى حصول ضعف في الجهاز العام للمرجعية التي كانت تعتمد، في بعض الأحيان، على هذا الكادر في تحركها العام، وذلك من خلال تداخل في الجهاز كانت له آثار سلبية على التحرك العام، وقد أدرك الشهيد الصدر (رض)كل ذلك في ما بعد، كما سوف يتضح.

الشك في الشورى والحزب وفي تطور آخر أصاب الشهيد الصدر (رض) الشك في دلالة آية الشورى على الحكم الإسلامي من خلال شبهة كنت قد أثرتها حول آية الشورى في بداية تكون النظرية، ولكنه أجاب عنها في حينه، ثم بدت له صحتها بعد ذلك. وقد دون هذه الملاحظات ضمن مجموعة من المراسلات ((11)).

وهذا الشك في دلالة آية الشورى انتهى به إلى الشك في صحة العمل الحزبي بمعناه الواسع الذي لا معنى له في نظر الشهيد الصدر آنذاك إلا إذا كان يتضمن تصورا كاملا عن نظرية الحكم الإسلامي وطريقة ممارسته، فإذا لم تكن النظرية حول الحكم الإسلامي وإطاره ومؤسساته واضحة، فكيف يمكن إيجاد تنظيم يسعى إلى هذا الهدف، من دون أن يكون الهدف نفسه واضح المعالم؟ وعلى هذا الأساس انسحب الشهيد الصدر من تنظيم حزب الدعوة ((12)) بعد أن كان يمارس فيه دور القيادة الفكرية والإشراف العام.

ولكنه كان، في الوقت نفسه، يشعر بضرورة العمل السياسي الإسلامي المنظم وأهميته. ولذا بقي يؤيد التحرك السياسي(الخاص) بمستوى من المستويات، وسمح للحزب من اجل أن يحل الإشكال الشرعي له أن يستند في شرعيته إلى فتوى بعض الفقهاء، أمثال خاله الشيخ مرتضى آل ياسين أو غيره.

كما انه، في الوقت نفسه، نقل جهوده بشكل عام إلى العمل المرجعي من خلال مرجعية الإمام الحكيم (ره)، ومن خلال التوجه الأساسي لبنا الحوزة العلمية الواعية وتربية الطلبة والمبلغين وتنظيم هذه الحوزة الذي تجسد في احد مفرداته بتبني الشهيد الصدر ل «مدرسة العلوم الإسلامية» في النجف الاشرف التي كان قد أسسها الإمام الحكيم (ره).

نظرية ولاية الفقيه والمرجعية وبعد مدة من الزمن، توصل الشهيد الصدر (رض) إلى توثيق التوقيع المعروف عن الإمام الحجة (عج)، وهو: «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اللّه»، كما انه استفاد من التوقيع المذكور للدلالة على ولاية الفقيه بعد أن كان الفقهاء يستفيدون منه للدلالة على صحة تقليد المجتهد وجوازه في الفتاوى الشرعية فقط، حيث كانوا يفسرون الرجوع فيه بخصوص الرجوع اليهم بالفتوى. أما الشهيد ففهم منه الرجوع إليهم في قضايا الولاية أيضا بقرينة «الحوادث الواقعة».

وكان الالتزام بولاية الفقيه فقهيا يمثل تطورا نوعيا في النظرية السياسية للشهيد الصدر(قده)، ومن هنا نجده يبدأ بإعادة ترتيب المفردات السياسية نظريا في الأمة وفي واقع العمل المرجعي، وينتهي بهذا الترتيب إلى النتائج الآتية:

أولا: أطروحة المرجعية الموضوعية، وهي الأطروحة التي يكون الشهيد فيها تصوره عن التركيب الذاتي للقيادة وأجهزتها ودورها في الأمة، حيث يرى أن المرجعية القائمة في المجتمع الإسلامي، في هذه المرحلة، لها الدور القيادي، وهي مرجعية في الفتوى وفي الأمور السياسية والاجتماعية المرتبطة بالولاية.

والمرجعية الدينية، وان كانت من الناحية الواقعية والعملية، تؤدي هذا الدور إلى حد كبير فعلا في حركة الأمة وتحفظها من الانحراف وتقوم بقيادتها في المواقف المهمة، ألا أن هذه القيادة لا بد لها من أن تتكامل ذاتيا، من اجل أن تؤدي دورها بشكل أفضل ومناسب مع متطلبات ظروف ما بعد سقوط الدولة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى وطبيعة تطور العلاقات والاتصالات بين أطراف القاعدة الشعبية والإسلامية.

وهذا التكامل الذاتي يتحقق من خلال تحولها من الحالة الذاتية التي تعتمد فيها على:

(ا) المرجع بوصفه إنسانا له خصوصياته العلمية والأخلاقية وأوضاعه وعلاقاته الاجتماعية التي تنمو معه طبيعيا.

(ب) جهازه الخاص (الحاشية).

(ج) الوكلاء والمعتمدون الخاصون، إضافة إلى الحالة الموضوعية التي تعتمد على المرجعية بوصفها موقعا يتخذ شكل مؤسسة تتحرك في الأمة، وتمتلك جهازا له ديمومته وشموليته واستمراريته ومقدماته المبدئية والنظرية وقدرته القيادية.

وكان يعتقد أن هذا التحول يحتاج إلى توافر شروط موضوعية مناسبة، والى مدة زمنية، والى سعي متواصل بهذا الاتجاه، وان المرحلة التي تعيشها المرجعية الآن أي ما قبل قيام الدولة الإسلامية وظروفها القائمة تتناسب مع المرجعية الذاتية أكثر من المرجعية الموضوعية ما لم تحدث تطورات مهمة في وضع المجتمع والمرجعية وتبقى المرجعية (الموضوعية) تمثل هدفا لحركة المرجعية في طريق التكامل ((13)).

ثانيا: إن المرجعية الموضوعية ليست مجرد المرجع والقائد، أو جهازه الخاص (الحاشية)، بل المرجعية الموضوعية تعني شيئا أوسع من ذلك، فهي مؤسسة واسعة تتكون بالإضافة إلى المرجع الذي يمثل موقع القيادة فيها وجهازه الخاص الذي يمثل الحاشية المتمثلة بالمستشارين، وكذلك أيضا الجهاز الإداري التنفيذي لمسؤولياتها ونشاطاتها،والذي يجب أن تكون له الديمومة والاستمرار من خلال ارتباطه بالمؤسسة لا بشخص المرجع والقائد من جهاز الحوزة والوكلاء (العلماء) والمبلغين وامتداداتها، ولا بد من أن ترتبط الأمة بمجموعها مع المرجعية من خلال الاتصال المباشر بهذه المرجعية وأجهزتها.

ثالثا: لا بد من أن يكون الإطار العام للتحرك سياسيا في الأمة هو الإطار العام لجهاز المرجعية الذي يبدأ في تكوينه(ذاتيا) ليتحول إلى مؤسسة ذات طابع (موضوعي) حسب ما أشير إليه في النقطة الأولى والثانية إذا تحققت شروطه وظروفه ومقوماته، ومن هنا لا بد من تطوير الحوزة العلمية والوكلاء والمبلغين... إلى غير ذلك من أجهزة المرجعية والاهتمام بالمساجد والحسينيات والمدارس العلمية والمؤسسات الإسلامية لتصبح قادرة على استيعاب هذا التحرك.

رابعا: إن هذا الإطار السياسي ليس شيئا جديدا في تاريخ التحرك السياسي البشري، بل هو امتداد لحركة الأنبياء جميعهم ولحركة الأئمة (ع)، وان هذا يمثل النظرية الإسلامية في خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء، وان المرجع يمثل امتدادا للأنبياء والأئمة ((14)).

خامسا: إن الحركة الإسلامية تمثل مفردة ومؤسسة في الساحة الإسلامية شانها شان بقية المفردات والمؤسسات المؤثرة والمتحركة في الأمة، والعلاقة بين القيادة (المرجعية) والحركة الإسلامية (التنظيم الخاص) هي علاقة قيمومة من «القيادة» على «الحركة الإسلامية» مع واجب الإسناد والدعم من المرجعية للحركة الإسلامية ضمن الدعم أو الإسناد لمجمل العمل الإسلامي في الساحة.

ولا بد لهذه القيادة من أن تمارس تجاهها هذا الدور المزدوج.

غاية الأمر أن هذه المؤسسة (الحركة الإسلامية) لها دور خاص، وهو دور الكادر الوسطي الذي له خبرة نسبية وتجربة.فهي حالة متطورة في حركة عموم الأمة باتجاه الإسلام وأهدافه وإقامة الحكم الإسلامي. ولا بد لها من أن تتحرك ضمن الإطار العام الذي تتحرك فيه المرجعية وتكون تابعة لها لتقوم بدور خاص او مهمة خاصة حسب متطلبات الظروف.

كما أن الحركة الإسلامية (التنظيم الخاص) يجب ((15)) ألا تقتصر على صيغة واحدة شمولية تستوعب كل الأمة أو جلها، بل يمكن أن تكون ضمن صيغ ومؤسسات (متعددة) ومتكثرة في وجودها وأهدافها العملية أو المرحلية أو المحدودة لتصب جميعها في الهدف الكبير الأصيل والعام الذي تحمل همه القيادة الإسلامية.

سادسا: إن الأمة لها دور الرقابة على حركة المرجعية، كما أن لها دور انتخاب المرجع من خلال الوسائل الشرعية، أي لها دور اختياره مرجعا لها من خلال اكتشاف الخصائص الموضوعية التي تؤهله للمرجعية بالطرق التي ذكرها الفقهاء في رسائلهم العملية، إما بشكل طبيعي تدريجي كما هو المتعارف عليه في الانتخاب من خلال التقليد والرجوع إليه، أو من خلال الاقتراع في الصناديق الخاصة عندما تملك إرادتها في الاختيار.

وبهذه الطريقة أصبحت النظرية السياسية، لدى الشهيد الصدر، واضحة المعالم، حيث أصبح المرجع (الولي الفقيه)يمثل «المحور» الأساس في هذا التحرك وفي العلاقات السياسية.

 

ذلك لأنه يقوم بقيادة التحرك من «جهة»، ويمارس عملية الإشراف الفكري والسياسي من «جهة أخرى»، ويمثل محور الولاء السياسي للأمة بكل قطاعاتها من جهة ثالثة،وأجهزته هي التي تتحرك في الأمة من خلال النشاطات العامة والخاصة فيها.

النشاطات العامة: «نشاط المساجد والحسينيات والمدارس..».

النشاطات الخاصة: «نشاط تربية العلماء والمبلغين والمتفقهين والحواريين والصفوة، بنا التنظيمات الإسلامية ذات الأهداف المحدودة أو المرحلية: الأحزاب والجمعيات والحركات..

ومن الملاحظ، أيضا، في هذا التصور النظري للسيد الشهيد(رض) انه حاول أن يوفق بين ولاية الفقيه ونظرية الشورى من خلال:

1- انتخاب الأمة للفقيه الولي والرقابة العامة التي تمارسها تجاه الحركة السياسية له.

2- المستشارون الذين لا بد من أن يرجع إليهم الفقيه في إطار المرجعية الذاتية وحتى المرجعية الموضوعية.

3- المؤسسات المرجعية التي لا بد من أن يتم انتخابها أو تأسيسها من قبل المرجع أجهزة للتحرك في الأمة والتي يتم بناؤها على أساس الانتخاب الطبيعي أو التشريعي ((16)).

ثانيا: المسار العملي للنظرية السياسية إذا أردنا أن نؤرخ للمسار العملي للنظرية علينا أن نؤرخ للمعالم الرئيسية في التحرك السياسي للشهيد الصدر طوال مرحلة من حياته تمتد حوالي أربعة وعشرين عاما، وهذا يحتاج إلى تفصيل كثير، ولكن نود هنا أن نرسم الخطوط العامة لهذا التحرك خلال هذه المدة بالشكل الذي يوضح الجانب النظري. وسوف أشير إلى ذلك ضمن تقسيم هذا التحرك إلى مراحل ثلاث:

المرحلة الأولى: الحزب، وجماعة العلماء، والمرجعية الرشيدة لقد كانت هناك، في المرحلة الأولى، مفردات ثلاث مهمة في تصور الشهيد الصدر عمليا لا بد لها من أن تتجانس وتنسجم وتتحرك باستمرار في الساحة السياسية.

الحزب الإسلامي:

الأولى: الحزب الإسلامي الذي يعتمد الفكر الإسلامي الأصيل ويتحمل مسؤوليات التوعية في مختلف المجالات،وهي:

ا- مجال الأمة والجماهير، حيث يمكن أن يكون للحزب دور خاص في الأوساط المثقفة من الطلبة الجامعيين وأساتذتهم والأوساط التعليمية وموظفي الدولة... باعتبار أن هذه الأوساط كانت تعيش في عزلة نسبية عن نشاط المرجعية والحوزة العلمية للحواجز المصطنعة التي رسخها الاستعمار الثقافي والسياسي بين الحوزات العلمية وهذه الأوساط، بحيث أصبح من العسير بنا الجسور والعلاقات المباشرة بين الحوزة وهذه الأوساط.

بالإضافة إلى أن فكرة التنظيم السياسي (الحزب) كانت فكرة رائجة لها تأثير نفسي، حيث كانت تستهوي هذه الأوساط بسبب تماسها المستمر مع التنظيمات السياسية الأخرى الموجودة في الساحة السياسية، وتعد الوسيلة الطبيعية للوصول الى الحكم في تصور الحضارة الأوروبية ذات التأثير الكبير في أوساطنا السياسية.

ب- مجال الحوزة العلمية، وذلك بتربية جيل من طلبة العلوم الدينية الواعين والمنظمين والذين يمكن أن يشكلوا قاعدة قوية يعتمد عليها الحزب في هذا الوسط ذي الأهمية الخاصة والمتميز إسلاميا واجتماعيا. وفي الوقت نفسه يقومون بدورهم في توعية الأمة والجماهير وتوعية الوسط العام للحوزة، كما يمكن أن تستند إلى هذه القاعدة المرجعية الرشيدة في تحركها العام.

ج- مجال أجهزة المرجعية الدينية (الجهاز الخاص للمرجعية (الحاشية) أو الجهاز العام للمرجعية المتمثل بالوكلاء والمبلغين والمؤسسات الأخرى للمرجعية) وحتى إقناع المرجعية الدينية نفسها بضرورة الحزب ودوره وأهميته واعتماده وتبنيه، أو تبني أعماله ونشاطاته، أو السماح له بالتواجد ضمن هذه النشاطات على الأقل.

ومن خلال هذه النظرة سعى الشهيد الصدر، بشكل مباشر وغير مباشر، إلى دفع الحزب في هذه الاتجاهات المذكورة،من خلال التحرك في الأوساط المثقفة في الأمة، وكذلك التحرك من خلال عناصر مختارة ومتميزة في الحوزة والاهتمام بقبول الطلبة في الحوزة، أو الحث على انتمائهم إليها وكسبهم إلى جانب التنظيم الخاص وربطهم به. وتبنى شخصيا في بعض الأدوار الأولى إدارة بعض الحلقات الخاصة أو توجيهها وحتى مخاطبة بعض الأشخاص للانتماء إلى التنظيم.

 

جماعة العلماء:

الثانية: جماعة العلما، وكانت الفكرة العملية لدى الشهيد الصدر حولها هي ان ايجاد تنظيم يضم نخبة من العلماالواعين الذين لديهم استعداد لممارسة العمل السياسي، ولو بالحد الادنى، امر مهم، وعندها يكون التحرك، من خلالها،ذا طابع جماعي ويمكن ان يحقق الاهداف الاتية:

ا- الواجهة السياسية ذات الصيغة الشرعية في نظر الامة، وذات العمق التاريخي المتجذر والتي يمكن تحت غطائها ان يتم التحرك المرحلي في بنا الحزب والقيام بالنشاطات الفكرية والثقافية... في المقاطع المختلفة.

ب- دفع الامة باتجاه العمل السياسي واضفا الشرعية عليه، وكسر الحاجز النفسي الذي بناه الاستعمار في محاولته لفصل الدين عن السياسة، خصوصا في اوساط الحوزة العلمية، حيث كانت تعيش تحت تاثير هذا الاتجاه من ناحية،وتحت تاثير ما خلفته احباطات العمل السياسي للحوزة العلمية من آثار ونتائج في السابق من ناحية ثانية.

ج- تطوير العمل السياسي في وسط الحوزة العلمية بعد ان عمل الاستعمار على عزلها وتحجيم دورها، بل منعها في بعض الاحيان بالقوة عن ممارسة هذا الدور، بحيث اصبح العمل السياسي كانه من الامور الغريبة والمرفوضة في بعض اوساط الحوزة العلمية. ومن ثم يمكن لهذه الجماعة ان يكون لها دور مهم في اسناد دور المرجعية الدينية الرشيدة ودعمه في التصدي للعمل السياسي.

د مواجهة التيارات الثقافية والسياسية ذات البعد الالحادي، وكذلك الانحرافات الاخلاقية والسلوكية في الامة التي كانت تحتاج الى تصد واسع وفعال من قبل الحوزة العلمية.

وقد كانت المرجعية الدينية الرشيدة حينذاك، المتمثلة بالامام الحكيم، تلتقي في تحركها السياسي وتصوراتها العملية مع الاهداف الثلاثة الاخيرة من ورا تاسيس جماعة العلما، بالاضافة الى اهداف اخرى، الامر الذي ادى الى ان يقوم الامام الحكيم (قده) بالمساهمة مع بقية العلما المنضوين تحت هذا التشكيل بتاسيس جماعة العلما ودعمها التي كانت تضم كبار علما النجف الاشرف من الطبقة الثانية والثالثة بعد المراجع الكبار ((17))، والذين كانوا ينطلقون في نشاطاتهم وتصوراتهم من اهداف المرجعية. ويمكن تلخيص الاهداف الاخرى المرحلية لتاسيس جماعة العلما من وجهة نظر المرجعية وفي اطارها بالاهداف التالية:

ا المطالبة بالحقوق المهضومة للمسلمين بشكل عام والشيعة بشكل خاص، سوا على المستوى المدني ام الديني،وطرح الفكر السياسي الاسلامي على الامة.

ب اتخاذ المواقف السياسية تجاه الاحداث التي تواجهها الامة وتطوراتها. وايجاد تيار سياسي اسلامي في مقابل التيارات الاخرى الوضعية التي غزت العراق وبلاد المسلمين، مع الاهتمام بطرح هذا التيار والفكر من خلال العمل الجماعي للحوزة العلمية.

ج محاولة الجمع بين جميع اطراف الحوزة العلمية المتمثلة بالمراجع العظام في صف واحد تجاه الاحداث والمواقف، حيث كانت هذه الجماعة تمثل في انتمااتها الحوزوية مختلف الاطراف المهمة فيها، بالرغم من ان المرجع الاعلى آنذاك هو الامام الحكيم(رض) الذي برزت المرجعية فيه بشكل واضح بعد وفاة آية اللّه البروجردي (رض) سنة 1380ه.

وعلى هذا الاساس امكن ان تتكون هذه الجماعة في النجف الاشرف التي كانت تسندها المرجعية الدينية، وتلقى، في الوقت نفسه، تبنيا غير محدود من الشهيد الصدر (رض) الذي كان حينذاك شابا معروفا بالفضل في اوساط الحوزة العلمية، ولكن لا يسمح له عمره بالانضمام الى قائمة اسما الجماعة.

ولكنه، مع ذلك، كتب جميع بياناتها السبعة، كما كان يكتب باسمها «كلمتنا» في مجلة الاضوا على الغالب.

وكان يفكر، في البداية، ان ينشر باسمها كتاب «فلسفتنا» الا انه عدل عن هذه الفكرة بعد ذلك لما اثاره بعض الاشخاص ضده من «تهمة» انه يرغب في استخدام اسم الجماعة للتستر على تحركه السياسي الواقعي، وهو التحرك الحزبي.

كما انه انقطع عن كتابة «كلمتنا» بعد ذلك باسمها، بعد ان اثير هذا الموضوع ضده ايضا ((18)).

وكانت لعلاقته الخاصة برئيس هذه الجماعة، خاله آية اللّه الشيخ مرتضى آل ياسين، وببعض اعضائها من ارحامه واصدقائه، امثال ابن عمه السيد محمد صادق الصدر واخيه السيد اسماعيل الصدر وآية اللّه السيد محمد تقي بحرالعلوم وحجة الاسلام والمسلمين السيد باقر الشخص وغيرهم الاثر الكبير في قدرته على التاثير في مسار هذه الجماعة((19)).

كما كان لوجود حجة الاسلام السيد مهدي الحكيم واخيه السيد محمد باقر الحكيم (كاتب هذه السطور) في جهازمرجعية الامام الحكيم الاثر المهم في التنسيق بين اهداف المرجعية من تشكيل جماعة العلما وفكرتها والاهداف الخاصة للحزب الذي كان حينذاك في بداية وجوده، ولم يكن قادرا على ممارسة التاثير الا من خلال هذه العلاقات الطبيعية التي كانت موجودة قبل وجود الحزب نفسه . ((20)) وبهذا الشكل، تمكنت هذه الجماعة من ان تحظ ى بتاييد المرجع العام وجميع المراجع الاخرين كما تحظ ى في الوقت نفسه بقبول شباب الحوزة الذي يتطلع للعمل المنظم الخاص، لانها كانت تمثل حاجة فعلية وضرورية للمرجعية وللحوزة العلمية من جهة وللتنظيم السياسي الخاص من جهة اخرى. كما ان اعضاها كانوا يمثلون الطبقة الثانية في الحوزة العلمية الذين ياتون بعد المراجع العظام.

وبهذا اصبحت جماعة العلما، في النجف الاشرف، انموذجا يقتدى به في ساحة العمل السياسي في وسط المرجعية الرشيدة والحوزات العلمية والتنظيم الخاص . ((21)) وعندما توقفت جماعة العلما في النجف الاشرف، او تقلص نشاطها لاسباب لا مجال لتفصيلها الان ((22))، نجدانبثاق فكرة جماعة علما في بغداد والكاظمية لتحقيق اهداف المرجعية نفسها، بعد ان تولت المرجعية مباشرة قيادة العمل السياسي، واصبحت قادرة على تجسيد وحدة الحوزة العلمية باعتبارها المرجعية العليا. وقد تميزت جماعة في بغداد والكاظمية ((23)) بنشاطها في الستينات وكانت تضم في اعضائها كبار علما بغداد والكاظمية، وكانت غالبيتهم الساحقة من المستقلين والعاملين في اطار المرجعية وحدها، بالاضافة الى بعض العلما المعدودين الذين يرتبطون بالتنظيم.

 

المرجعية الرشيدة:

الثالثة: المرجعية الرشيدة، حيث اهتم الشهيد الصدر (رض)، بالاضافة الى المفردتين السابقتين، بمفردة المرجعية الرشيدة (الواعية) التي كان يتصور دورها الاساس في هذه المرحلة العملية ضمن النقاط والاهداف التي ذكرناها لجماعة العلما مضافا الى ذلك:

ا المرجعية هي التي تملك القدرة الواقعية في الاوساط الدينية:

اولا: من خلال الارتباط الديني بها في الاحكام الشرعية (التقليد) الذي يخلق ارتباطا روحيا مهما بين الامة والمرجع.

وثانيا: من خلال الامكانات المادية التي تملكها المرجعية (الحقوق الشرعية) وكذلك اجهزتها الدينية (الوكلاوالمؤسسات والحوزات العلمية والمدارس) ذات التاريخ الطويل.

ب ان المرجعية تمثل الواجهة العليا الدينية والبارزة في العمل الاسلامي والشرعي في مجتمع اتباع اهل البيت (ع)،ولها قدسيتها الخاصة دينيا واجتماعيا، ولا يمكن التعويض عنها باي مفردة اخرى سوا كانت «جماعة العلما» او«الحزب»، ام غير ذلك من المؤسسات في هذا المجال.

وعلى هذا الاساس، كان الشهيد الصدر (رض) يرى انه لا بد للعمل السياسي والتنظيم (الخاص) من ان يكون مدعوماومؤيدا من المرجعية الدينية ومنسجما معها، والا لواجه الفشل، او التناقض معها على اقل تقدير.

وهذا يفرض، في الوقت نفسه، ان تكون المرجعية واعية للاوضاع العامة الاجتماعية والسياسية، ورشيدة في خبرتهاومعرفتها ودرايتها ومتصدية للعمل السياسي والاجتماعي، حتى يمكنها ان تستوعب هذا النوع من العمل السياسي،وترضى ان تصبح غطا شرعيا له وتضع امكاناتها في خدمة اهدافه العامة.

ومن هنا يمكن ان نفهم ارتباط الشهيد الصدر، في بداية تحركه السياسي، عمليا بمرجعية الامام الحكيم(رض)، مع ان موقعه «الجغرافي» في الحوزة العلمية لم يكن الى جانب مرجعية الامام الحكيم في تلك الاونة على الاقل. حيث كان ارتباطه العلمي ب آية اللّه العظمى السيد الخوئي وارتباطه المرجعي من خلال حوزة خاله المرحوم آية اللّه العظمى الشيخ محمد رضا آل ياسين التي ارتبط بعضها بعده بشكل عام ب آية اللّه العظمى السيد عبد الهادي الشيرازي وآية اللّه العظمى السيد البروجردي، وبقي بعضها الاخر مستقلا في انتمائه المرجعي، وارتبط بعض عناصرها بالامام الحكيم.

الشهيد الصدر (رض) ومرجعية الامام الحكيم (قده) وهذا الارتباط بمرجعية الامام الحكيم (رض) كان على اساس ادراك الشهيد الصدر (قده) الخصائص الذاتية والموضوعية التي تتميز بها مرجعية الامام الحكيم(رض) في تلك الاونة، وهي:

الوعي السياسي، والانفتاح على الحوزة واوساط الامة، والقدرة على الاستيعاب، والتصدي للعمل السياسي والاجتماعي، والشعور بالمسؤولية تجاه الاوضاع الفاسدة وتغييرها، والفهم للظروف السياسية وملابساتها في العراق، والقاعدة الجماهيرية الواسعة التي كانت تتمتع بها،والاخلاقية المتميزة في الشجاعة والصبر والتسامح، والانعطاف نحو الطبقة المحرومة والمستضعفة في الحوزة العلمية التي يمكن ان تشكل قاعدة التحرك السياسي الجديد. والتحرر من ضغوط تاريخ السكوت والعزلة او المهادنة، والاعتزازبالكرامة المرجعية والتصور الواضح لتطلعات المرجعية الواسعة...

وبهذا الشكل، تحول الشهيد الصدر الى موقع العمل مع مرجعية الامام الحكيم، ولكن بالمفهوم الصحيح للعمل الذي يعني تحمل مسؤوليات المرجعية وهمومها والتخطيط لها وابدا النصح والمشورة والاستعداد للتضحية من اجل اهدافها الكبيرة، بعيدا عن المصالح والمنافع الذاتية، ودعمها وتاييدها في المفاصل الرئيسية لحركتها وقضاياها.

وفي الوقت نفسه، فتحت مرجعية الامام الحكيم الابواب امام العمل السياسي الخاص والعام، بمستوى عال فاق تصورات «النخبة» من الاسلاميين، فضلا عن الجمهور، وتمكنت من ان تهدم الحواجز امام العمل الاسلامي، وحتى القوية منها، في مدة قياسية سوا في مستويات التصدي واساليبه، ام في مضمونه السياسي، ام في العلاقات السياسية الرسمية والشعبية.

ففي الوقت الذي يمتنع الامام الحكيم فيه عن استقبال الملك قبل تاسيس العمل المنظم الخاص وعبد الكريم قاسم آبعده يقوم الامام الحكيم باستقبال قادة «الحزب الاسلامي» الذي اسسته مجموعة من شباب ابنا «السنة»، وامتنعت حكومة «عبد الكريم قاسم» من اجازته بعد ان اجازت مجموعة من الاحزاب السياسية، ومنها الحزب الشيوعي مثلا،ويقدم الامام الحكيم توجيهاته الى قادة الحزب ويدعم فكرة هذا النوع من الاعمال.

وفي الوقت الذي تتعرض فيه «جماعة العلما» الى الاذى بمستوى الاعتدا على بعض اشخاصها والتهديد بقتل «وسحل» الاشخاص الاخرين بالحبال، وتصاب بعض اوساط العلما والحوزة والامة بالخوف ((24))، يقف السيدالحكيم ليغطي تحرك الجماعة بقوة ويصدر فتواه بصلاحيتها ودعمها وسلامة اهدافها، بحيث يفرض هذا الموقف بشكل طبيعي على بقية المراجع فيقومون باسناده.

ويواجه التهديد من قبل السلطة والعناصر الفوضوية الملحدة بصلابة ومن دون تنازل.

وعندما تتوقف «جماعة العلما» عن التحرك، ياخذ الامام الحكيم زمام المبادرة ويتصدى بشكل مباشر لقيادة المسيرة السياسية، وهو المرجع العام الذي تضغط عليه الظروف ومخلفات الماضي حينذاك ليكون محافظا ومحتاطا،خصوصامع وجود المراجع الاخرين في النجف وقم الذين كانوا يلتزمون الخط المحافظ والمحتاط.

وفي الوقت الذي يتعرض فيه بعض علما السنة وبعض جماهيرهم الى الاضطهاد والامتهان بسبب ارتباطهم الجغرافي والعاطفي مع بعض العناصر القومية المعارضة للحكم القاسمي، يقوم الامام الحكيم بدعوة بعض هؤلا العلما الى النجف لحضور الاحتفالات فيها، ويرسل وفدا لحضور الاحتفال الذي اقامه هؤلا العلما في جامع ابي حنيفة في بغداد وغيرها، بالرغم من موقف هؤلا العلما السلبي من قضايا المسلمين الشيعة (بشكل خاص) في العهود السابقة،ووجود الحساسيات المذهبية السلبية في بعض الاوساط الحوزوية والاوساط العامة.

وفي الوقت الذي كان الشباب المتدين يتعرض فيه للمطاردة، ويشعر بالخوف من التيار الشيوعي الاحمر الذي شجعه عبد الكريم قاسم لاغراضه الخاصة، وتقوم منظمات «انصار السلام» و«الشباب الديمقرطي» و«المقاومة الشعبية» و«لجان نصرة الجمهورية»... بمراقبة انفاسه واحصائها، تقوم مرجعية الامام الحكيم بفتح ابواب المساجد والحسينيات والمكتبات لهذا الشباب الواعي. ولتمارس ايضا ضغطا واسعا كبيرا تجاه بعض العناصر من العلما او كبار السن ممن لم يكن يؤمن بالعمل السياسي، او كان قد وقع تحت تاثير مواقف التيارات السياسية المنحرفة او الضالة من اجل هدايتها اوعزلها او تحجيمها. وفي الوقت نفسه يوجه جميع امكاناته لمقاومة هذا التيار الملحد . ((25)) وقد كان هذا النجاح للمرجعية في تطوير العمل السياسي وادارته يمثل نقطة البداية في تحول النظرية للشهيد الصدرنحو فكرة المرجعية الموضوعية التي اشرنا اليها سابقا، كما انه، في الوقت نفسه، يمثل المنعطف العملي في المسارالسياسي الحركي كما سوف نعرف ذلك.

لقد كان الشهيد الصدر(رض)، في هذه المرحلة، يرى في المرجعية الرشيدة واجهة ضرورية لا يمكن الاستغنا عنها في العمل المنظم الخاص، وفي الوقت نفسه لا بد للمرجعية من ان تكون رشيدة وواعية حتى تتكامل الصورة.

ومن هنا كان يعتقد ان البديل للامام الحكيم لا بد من ان يكون مرجعا رشيدا في المستقبل متطابقا في تصوراته مع العمل المنظم الخاص حتى تصبح الصورة اكثر تماسكا.

وكان يخطط للمستقبل من اجل ان يصبح هو ذلك المرجع الذي يمكنه من ان يتحمل المسؤوليات كاملة((26)).

المرحلة الثانية: المرجعية الرشيدة واقع يتقدم ويتطور وتبدا المرحلة الثانية من المسار العملي للنظرية عندما يبرز الشك عند الشهيد الصدر(رض) في دلالة آية الشورى على طبيعة الحكم الاسلامي، وذلك في صيف 1960 م  1380ه، حيث انتهى الى قرار الخروج من الحزب الاسلامي الذي كان يتولى قيادته الفكرية والاشراف الديني عليه لوجود الشبهة الشرعية في هذا العمل.

واقترن ذلك بازمة سياسية اثيرت حول الحزب وعلاقته به، وكذلك حول كتابة الشهيد الصدر لافتتاحية مجلة «الاضواء» باسم «جماعة العلماء» من دون اطلاع اعضاء الجماعة، بعد ان كان نشاط «الجماعة‏» قد تجمد واقعيا، وانتهت الازمة‏باستقالته من الحزب واستقالة العلامة السيد مهدي الحكيم منه بطلب من الامام الحكيم.

والسيدان الشهيدان، وان كانا قد خرجا من الحزب في آن واحد، الا ان المسوغ للشهيد الصدر كان هو الشك في دلالة آية‏الشورى على النظرية، بالاضافة الى العامل الروحي والنفسي بطلب الامام الحكيم ((27)). اما المسوغ للشهيد الحكيم‏فهو طلب والده منه والذي فسره الامام الحكيم(رض) بان جهاز المرجعية يجب ان ينفصل عن الحزب، لئلا تفسرمواقف المرجعية بانها مواقف تتاثر بموقف حزبي. وكان طلب السيد الامام الحكيم موجها الى كل من السيد مهدي‏والسيد الشهيد الصدر.

علما بان الامام الحكيم كان مطلعا على وجود الحزب وعلى وجود علاقات المودة والتنسيق بينه وبين بعض اولاده،وان لم يكن له اطلاع على كثير من التفاصيل.

وفي هذه المرحلة، لم تكن تفاصيل اطار العمل السياسي وشكله واضحة لدى الشهيد الصدر بعد ان اهتزت الصورة‏الشرعية للعمل السياسي (الخاص) الذي كان يستحسنه، ولكن في الوقت نفسه بدات تتبلور صورة جديدة من خلال‏الممارسة العملية لمرجعية الامام الحكيم وقدرتها على التطور والتعبئة الجماهيرية والاستفادة من امكانات الامة‏وتوعيتها على مختلف المستويات الثقافية والسياسية.

ومن هنا نجد ان الشهيد بدا يعمل على خطوط ومحاور اساسية‏مع وجود الفارق في مستوى الاهتمام بينها.

الاول: العمل في اطار المرجعية الدينية الرشيدة، حيث طور الشهيد الصدر علاقته بمرجعية الامام الحكيم، وظهر ذلك‏واضحا في نهاية سنة 1380ه، عندما توفي المرجع الكبير آية اللّه العظمى السيد البروجردي (قدس سره) حتى‏اصبحت كما اشرت سابقا على درجة كبيرة وعالية بحيث عد، في الاوساط الحوزوية في النجف الاشرف، انه‏محسوب على مرجعية الامام الحكيم. واخذ الشهيد الصدر يسهم في مختلف النشاطات السياسية والحوزوية العامة‏التي تمارسها مرجعية الامام الحكيم مثل:

ا النشاطات الجماهيرية، كالاحتفالات والزيارات، حيث كان يخطط لها في جملة العلماء الواعين في اطارالمرجعية. ب نشاطات الحوزة العلمية، كتربية الطلبة وتاسيس الدراسة المنظمة، ومنها مدرسة العلوم الاسلامية.

ج النشاطات الثقافية والاجتماعية، كالمكتبات والمدارس وكلية اصول الدين وجامعة الكوفة...

د النشاطات السياسية العامة التي كانت تتبناها المرجعية، والتزم بذلك حتى الايام الاخيرة من حياة الامام الحكيم،مثل كتابة نص الخطاب الذي القي في الصحن الحيدري في يوم السابع والعشرين من صفر 1389ه، والذي حدد الامام‏الحكيم فيه موقفه العام من الاوضاع السياسية، وكذلك نص المذكرة التي اريد تقديمها الى حكومة انقلاب 17 تموز في‏الايام الاولى، وكذلك سفرة الامام الحكيم الى سامراء 1383ه، واستقبال ضريح العباس، والسفر التاريخي لحج الامام‏الحكيم، والزيارة التاريخية الاخيرة لبغداد وملابساتها المختلفة، وحتى سفر الشهيد الصدر الى لبنان لمتابعة قضية محنة‏المرجعية وقيامه هناك بحملة سياسية واعلامية واسعة وتضحيته من اجلها . ((28)) ه الاهتمام بارسال الوكلاء ومل‏ء الفراغات في هذا المجال، حيث تم ارسال آية اللّه السيد «اسماعيل الصدر» الى‏الكاظمية وحجة الاسلام السيد «مهدي الحكيم‏» الى بغداد ونقل العلامة السيد العسكري من البياع الى الكرادة الشرقية‏وارسال العلامة الشيخ «علي الكوراني‏» الى الكويت وتدعيم تحرك آية اللّه السيد «موسى الصدر» في لبنان وتطوير هذاالتحرك، وغير ذلك من النشاطات المهمة.

و المساهمة في التخطيط العام لمرجعية السيد الحكيم على مستوى الحوزة في قضايا الرواتب والمدارس‏وغيرها.

الثاني: بناء الوضع المرجعي الخاص للشهيد نفسه، وذلك بالاتجاه، بشكل مكثف، الى البحث الفقهي والاصولي في‏الحوزة العلمية واعطاء هذا البعد، في عمله الحوزوي، اهمية خاصة، بحيث يصبح الطابع العلمي الخاص هو الوجه‏الظاهر له في الحوزة.

وفي الوقت نفسه اتجه نحو دراسة تاريخ الائمة (ع) وتعميق هذه الدراسات وتطويرها للخروج منها بنظرية في العمل‏والمواقف وربط حركة المرجعية بها.

وكانت محاضراته حول الائمة (ع) والتي طبع قسم منها تحت عنوان: «اهل البيت (ع) وحدة هدف وتعدد ادوار»وكذلك محاضرته حول المحنة التي تعرضت لها المرجعية الرشيدة للامام الحكيم، في آخر ايامها، انموذجا لهذا اللون‏من التفكير والدراسة.

الثالث: رعاية العمل الاسلامي المنظم الخاص من خلال ترشيده بالنصائح والاراء وحل المشكلات ومعالجة‏الصراعات الداخلية له التي بدات تهدد وجوده. وكذلك رعاية الوسط الحوزوي والمثقف بشكل عام المرتبط به وتربيته‏اخلاقيا وعمليا.

الرابع: بناء العنصر الحوزوي الواعي بناء علميا وفكريا واخلاقيا من اجل ان يكون الوسيط بين المرجع والامة في عملية‏التوعية والتوجيه والادارة، والاهتمام بشكل خاص بادخال دم جديد في هذا الوسط من عناصر خريجي الجامعات‏العلمية والانسانية لتاكيد الصلة والوحدة مع هذا القطاع المهم من الامة.

الخامس: التفكير الجدي والبحث العلمي للتوصل الى تصور نظري كامل حول التحرك السياسي للعمل الاسلامي،بحيث يتصف بالشمولية، ويتمكن من تفسير جميع هذه المواقف وكشف الواقع الموضوعي المعيش، ويكون‏قادراعلى ترتيب اجزاء الصورة ويضع المفردات في مواضعها وحسب اولويتها وادوارها الصحيحة الشرعية.

ومن خلال مراجعة سريعة لاهتمامات الشهيد الصدر نجده يتجه في هذه المرحلة، عمليا الى اطروحة «المرجعية‏»،ويلتزم باطارها وحركتها، انطلاقا من مجموعة حقائق هي:

ا الواقع الموضوعي الفعلي الذي كان يعيشه.

ب الحالة الوجدانية والارتباط الروحي الذي كان يحس به.

ج طبيعة واقع الاوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية التي كانت تعيشها الامة حينذاك، والتي اصبح من الواضح، من‏خلالها، ان حركة المرجعية كانت متقدمة عدة اشواط على الحركة الاسلامية والعمل المنظم الخاص، سواء في عمق‏وجودها في الامة وارتباط الامة بها، ام في ادراكها لطبيعة الظروف وتحليلها لهذه الظروف، ام في مواقفها من الاحداث،حيث كانت تتخذ المواقف ذات العلاقة بهذا الواقع وعلى اساس هذا التحليل وتتفاعل مع الجماهير والامة. ولذا كان هذا الموضوع بالذات يحظ‏ى بالاهتمام الاكبر للشهيد الصدر، ويقف الى جانب حركة المرجعية في النقاط التي‏كانت تختلف فيها زوايا رؤية المرجعية الى الاحداث عن زوايا رؤية العمل الحزبي لها، او تختلف فيها المواقف‏تجاهها.

مع العلم ان المساحة المشتركة بين عمل المرجعية والتنظيم الخاص كانت واسعة وكبيرة، كما ان العمل الحزبي المنظم‏آنذاك كان محدودا في وجوده السياسي وفي تصدياته السياسية والاجتماعية، ويمارس وجوده من خلال التحرك العام‏للمرجعية باستثناء اللقاءات الحزبية الخاصة او بعض المنشورات الثقافية محدودة التداول.

وهناك امثلة كثيرة على هذه الحقيقة:

1 الرؤية والموقف من عموم النشاط الاجمالي للمرجعية والمواقف السياسية لها تجاه الاحداث، مثل: نشاط‏الاحتفالات والزيارات العامة التي كانت تستخدم وسيلة للتعبئة العامة السياسية وكذلك مضمونها ومحتواها السياسي.ومثل تاسيس المدارس الرسمية وكلية اصول الدين في بغداد، ومثل الانفتاح في العمل المرجعي وفي الحوزة على‏العلماء والطلبة غير المنظمين والاعتماد عليهم في الاعمال الرئيسة ((29)).

فقد كان الشهيد الصدر مع المرجعية في‏جميع هذه النشاطات مع ان مجمل هذه النشاطات كان يواجه انتقادا احيانا من قادة العمل الحزبي، بادعاء انها لاجدوى منها ولا تنسجم مع المرحلة التي تعيشها الامة ((30)).

2 المشاركة عمليا في المواقف السياسية المهمة في الساحة الاسلامية، مثل الموقف ضد تشريع قانون الاحوال‏الشخصية، وسياسة التمييز الطائفي، وسياسة تاميم التجارة وتحويل النظام الاقتصادي الى «الاشتراكية‏» وغيرها. مع‏ان‏العمل المنظم الخاص لم يكن لديه موقف سياسي حركي تجاهها، ولم يتناولها في ادبياته الا على المستوى الفكري‏احيانا، بالرغم من ضخامة بعض الاحداث التي عاشتها الامة في هذه المرحلة الزمنية.

ولعل العمل الحزبي، في تلك المرحلة، كان يعتمد على تحرك المرجعية في هذه المجالات بشكل عام، ويكتفي به،الاان ه يلاحظ عليه عدم التصدي المباشر حتى على مستوى البيانات العامة او الخاصة في داخل التنظيم.

3 الموقف السياسي من حكومة «البعث العفلقي‏» وانقلاب 17 تموز والاحداث التي تعاقبت بعده ومحاولتها القضاءعلى الوجود الاسلامي من خلال ضرب القواعد المهمة له، مثل الحوزة العلمية والشعائر الحسينية، وذلك من خلال‏الاجراءات التي اتخذها النظام، مثل تسفير طلبة الحوزة العلمية والمقيمين الايرانيين، ومنع الزائرين من زيارة العتبات‏المقدسة، والتحرش بالشعائر الحسينية، وشن حملة الاعتقالات العامة للمتصدين للعمل السياسي والارهاصات باتهام‏المرجعية. الامر الذي انتهى الى قيام الامام الحكيم بزيارته الى بغداد للمواجهة، وقد تردد الحزب في القيام بعمل‏سياسي في هذا المجال، واكتفى بمراقبة الاوضاع، وبعد ضغط الشهيد الصدر والعلامة السيد مرتضى العسكري‏وغيرهما من العناصر المؤثرة على الحزب استجاب جزئيا في اول الطريق، ثم عدل عن المواجهة بدعوى الالتزام‏بمنهج المرحلية ((31)) وذلك في الوقت الذي كانت المرجعية تمر فيه باشد المحن والازمات واقساها، ويكون الشهيدالصدر مستعدا للتضحية بدمه الشريف في هذا المجال، حيث طرح مشروع التوقيع على مذكرة احتجاج بالاسماءالصريحة بعد المذكرة التي قدمها السيد مهدي الحكيم للنظام باسم جماعة علماء بغداد والكاظمية والتي يحتج بهاعلى مجمل التصرفات ويدين النظام على اساسها ويقدم اقتراحات محددة بشانها ((32)).

وقد سافر الشهيد الصدر، بعد ذلك، الى لبنان متحملا اشد الاخطار من اجل ان يقوم بحملة سياسية واعلامية لدعم‏موقف المرجعية واسنادها والدفاع عنها...

ففي مثل هذا الظرف، لم تكن القيادة في التنظيم الخاص على استعداد لاصدار منشور يشجب هذا الموقف من السلطة‏تجاه الامة والمرجعية، بل ولا لتوزيع منشور ابسط من ذلك . ((33)) وانسحبت القيادة من تعهدها بالقيام بتظاهرات عندما يقوم البعثيون بالتحرش بالمرجعية ((34)).

4 الموقف من ازمة اخراج آية اللّه، السيد «اسماعيل الصدر»، من الكاظمية وملابساتها، حيث اهتم الشهيد الصدربالمواجهة مع النظام وتطوراتها، وعبرت عن الموقف الحقيقي في اسناد المرجعية ودعمها الاوساط العشائرية العراقية،سواء في الكاظمية ام في منطقة الفرات الاوسط ((35)).

5 الموقف من المواكب الحسينية، حيث تم ايقاف مواكب الطلبة في الجامعة والتي كان وراء تنظيمها «التنظيم‏الخاص‏»، والتي كانت تحظ‏ى بتاييد متميز من المرجعية الدينية، اذ تحولت بهذا الاسناد الى ثقل سياسي، حيث اخذت‏تشترك فيه عناصر ذات انتماءات عامة، الامر الذي ادى بالتنظيم الى ان يوقف اخراج هذه المواكب تجنبا للمواجهة مع‏النظام. ولكن استمرت المواكب في المناطق الاخرى انسجاما مع التوجه المرجعي.. وهذا الموقف من «التنظيم الخاص‏» كان‏بخلاف موقف الشهيد الصدر الذي كان يرى في وجود المواكب الحسينية واستمرارها ضرورة واهمية خاصة، وكان‏يحث طلابه على الاهتمام بها وتشجيع الاخرين على الاستمرار، حتى كان احد الاسباب الحقيقية لشهادة حجة الاسلام‏السيد «عماد الدين الطباطبائي‏» ورفاقه هو هذا الموقف من الشعائر.

وبالاضافة الى هذا التوجه في العمل المرجعي، قام الشهيد الصدر بالانفتاح على الاوساط الشعبية كخطوة اخرى في‏هذا المجال، ولا سيما بعد وفاة اخيه آية اللّه السيد «اسماعيل الصدر»، حيث اخذ يهتم بالسفر الى الكاظمية وبغداد،ويلتقي بالاوساط الشعبية والاجتماعية هناك بشكل واسع ومفتوح، وكان للتنظيم الخاص دور في تاييد هذا التوجه‏واسناده بطبيعة الحال.

ونجد الشهيد، بعد ذلك، يركز على الجانب العلمي ويعطيه اولوية خاصة في عمله، ويبني القاعدة الحوزوية القوية في‏المجال العلمي، ويتجنب الى حد كبير مواطن الاثارة ضمن العمل المنظم الخاص، وكل ذلك كان يتم ضمن تنسيق‏وتفاهم عمليين وواقعيين مع التنظيم الخاص غير مكتوبين او مقررين، بحيث كانت الصورة مختلطة ومبهمة في نظرالكثير من القريبين او المراقبين للشهيد الصدر، سواء في اوساط التنظيم الخاص ام في اوساط الحوزة العلمية اوغيرهما.

وقد كان التنظيم حريصا، في هذه المرحلة، على ان يعرف الشهيد الصدر، في اوساطه، بطريقة الايحاء او التلميح، بانه‏قائده، بل كان بعضهم يجرؤ ويروج ذلك صراحة كما اتضح في ما بعد ((36)).

المرحلة الثالثة: المرجعية وولاية الفقيه ولا اتذكر بالضبط في اي وقت انتهى الشهيد الصدر الى رايه الفقهي القائل بولاية الفقيه المطلقة ((37))، ولكن يمكن ان‏نؤرخ للمرحلة الثالثة في المسار العملي لنظريته في التحرك السياسي في هذا التاريخ الذي يقع، على ما اظن، في اواخرالثمانينات الهجرية، اي اواخر مرجعية الامام الحكيم (رض).

ويكون الشهيد الصدر، بوصوله الى هذه الرؤية الفقهية، قد توج توجهه العملي السياسي بهذه النظرية الفقهية، حيث‏عرفنا، من خلال المرحلة الثانية، انه اتجه عمليا الى مضمون هذه الرؤية الفقهية، وان لم يكن قد قال بها بالفعل.

ومن خلال هذه الرؤية بدات تتطور الاحداث في التطبيق العملي بعد المسيرة السابقة التي اشرنا اليها.

انشا الشهيد الصدر، في جهازه الخاص، مجلسا للاستشارة اراد له ان يكون بذرة لمجلس استشاري يكون ضمن جهازالمرجعية، وهو يضم مجموعة من خيرة طلابه المتقدمين اختارهم لهذا المجلس، وكان يضيف اليهم من يراه قد وصل‏درجة النضج والكمال لبعضهم او من اجل الاعداد والتدريب السياسي والاجتماعي لبعضهم الاخر.

واعضاء هذا المجلس، وان كانوا يتفاوتون في مستواهم العلمي والفهم الاجتماعي، فانهم كانوا يشتركون في الايمان‏بمرجعية الشهيد الصدر، وانه يمثل الاطروحة الصالحة للمرجعية الرشيدة مستقبلا، بالاضافة الى انتمائهم جميعا الى‏الوسط العلمي والحوزوي.

وكانت تطرح القضايا والمشاكل والنشاطات المهمة في هذا المجلس الاستشاري، بالاضافة الى الابحاث الجانبية،وتنضج بهذا الشكل الرؤية تجاهها، وتتخذ بحقها القرارات المختلفة.

مرجعية الامام الخوئي وفي البداية بعد وفاة الامام الحكيم عام 1390ه قرر الشهيد الصدر دعم مرجعية آية اللّه العظمى السيد الخوئي‏اعتمادا على النقاط الاتية:

1- انفتاح آية اللّه العظمى السيد الخوئي على مشاكل مرجعية الامام الحكيم الميدانية في العراق وموقفه الايجابي،نسبيا، من الامام الحكيم وحركته السياسية في ايامه الاخيرة على الاقل.

2- العلاقات القوية التي تربط الشهيد الصدر ب‏آية اللّه الخوئي والثقة المتبادلة بينهما، وهي علاقات كان الشهيد الصدريرى، من خلالها، امكانية التاثير على آية اللّه الخوئي في البقاء ولو نسبيا في خط مرجعية الامام الحكيم، لا سيماوان‏تصورات آية اللّه الخوئي عن العمل الاسلامي، نظريا، كانت قريبة من نظرية الشهيد قبل ان يقول بولاية الفقيه‏المطلقة.

3- الشعور بالفراغ ووجود الاخطار بعد وفاة الامام الحكيم في تلك الظروف الماساوية (المحنة) التي تهدد المرجعية‏والعمل الاسلامي العام والانجازات التي توصلت اليها مرجعية الامام الحكيم، وكذلك الاهتمام بمل‏ء هذا الفراغ من‏خلال وحدة المرجعية في العراق، وكان آية اللّه الخوئي هو المرجع الوحيد الذي يمكن ان تجتمع عليه الكلمة في‏العراق نسبيا.

ولعل هذه النقطة هي اهم النقاط الثلاث.

وقد حاول الشهيد الصدر ان يتوثق من ذلك عن طريق احاديث مباشرة وغير مباشرة بوساطة بعض طلابه مع آية اللّهالخوئي لمعرفة وجهة نظره في هذا المجال، وكانت نتائج المباحثات ايجابية.

ولكن لم يمر وقت طويل حتى اصبح من الواضح ان آية اللّه الخوئي كما صرح هو بنفسه ايضا لم يكن قادرا او مؤهلاللقيام بهذا الدور الديني بابعاده الاجتماعية والسياسية، لا سيما في ظروف المحنة والحكم القمعي الوحشي الذي‏يمارسه البعثيون العراقيون.

الشهيد الصدر (رض) في واجهة التصدي ولا اريد، هنا، ان اتناول هذا الموضوع الشائك بتفاصيله وملابساته، ولكن الواقع الذي واجهه الشهيد الصدر وتتابع‏الاحداث دفع به، على غير رغبة منه، الى ان يدخل في مواجهة الاحداث بشكل مباشر.

ومن هذه الاحداث المحاولة الاولى للتسفير العام للحوزة العلمية بعد وفاة الامام الحكيم في اواخر سنة 1392ه.ق،حيث كان آية اللّه الخوئي مريضا راقدا في المستشفى في بغداد وعلى ابواب السفر الى لندن للمعالجة، وكان طلاب‏الحوزة العلمية والعلماء في حيرة من موقفهم تجاه الانذار بالسفر الذي وجهته الحكومة المجرمة عن طريق مكبرات‏الصوت السيارة، وكان الشهيد الصدر في زيارة توديعية لاية اللّه الخوئي ونقل له مجمل الاوضاع في النجف، ورجح له ان‏يتخذ موقفا واضحا من هذه القضية، وهو الطلب من الحوزة الامتناع عن السفر، ووافق آية اللّه الخوئي على ذلك، ونقل‏الشهيد رسالته الى حاشية السيد الخوئي وكبار الحوزة العلمية.

ويبدو ان الحاشية كان لها راي آخر بالموضوع وتقدير آخر للموقف، فلم تستجب لمتطلبات الرسالة، بل امعن بعضهم‏في الموقف السلبي بان ابرز التشكيك بصحتها.

وهكذا تم تسفير عدد كبير من العلماء والطلبة حتى انقذ الموقف الامام الخميني (رض) الذي تدخل في الامر، ولاول‏مرة، واعلن تعطيل الحوزة احتجاجا على هذا القرار، وطلب عدم الاستجابة للسفر، فاعلنت الحكومة العدول عن‏قرارها، بعد ان ارسلت «علي رضا»، احد كبار مسؤولي المخابرات العراقية آنذاك ((38))، للتفاوض مع العلماء في‏النجف، حيث اجتمع بالامام الخميني وغيره من العلماء، واسمعه الامام كلاما واضحا وقويا تجاه هذا الموضوع. وكان للشهيد الصدر دور كبير في التنسيق ودعم هذا الموقف القوي الجديد في الحوزة تجاه الحكم العفلقي‏المجرم.

كما كان من هذه المواقف والاحداث البرقية التي ارسلتها الحوزة العلمية الى احمد حسن البكر تطالبه بايقاف‏التسفيرات بتوقيع كبار العلماء، امثال آية اللّه الشيخ مرتضى آل ياسين وآية اللّه السيد محمد سعيد الحكيم وآية اللّهالشيخ محمد جواد آل شيخ راضي وغيرهم، والتي سعى الشهيد الصدر الى ترتيبها . ((39)) ومنها التهيؤ لمواجهة التوقعات التي كانت موجودة في اقدام حزب البعث العفلقي المجرم على تحجيم المواكب‏الحسينية في الاربعين واحتوائها، حيث قام الشهيد الصدر بتوعية اصحاب المواكب والفاتهم الى هذه المؤامرة الدنيئة‏ضد الشعائر الحسينية والتي تطورت الاحداث تجاهها تدريجيا بعد ذلك في السنوات التالية حتى كانت انتفاضة صفرالمحدودة سنة 1396ه، وانتفاضة صفر الدموية الاخرى سنة 1397ه، والاحداث المؤلمة التي رافقتها ((40)).

وكان لتلك الجهود التي يبذلها الشهيد الصدر اثر مهم في مجال تاخير تنفيذ الحكم المجرم لمؤامرته ضد الاسلام‏وضدالشعائر الحسينية بشكل خاص من ناحية، وتوعية الجماهير في الوقوف تجاه هذه المؤامرة الاجرامية من ناحية‏اخرى.

وبسبب هذه الجهود التي كنت اساهم فيها مع شهيدنا الغالي كانت ردة فعل النظام المتمثلة باعتقالي وبالمحاولة الفاشلة‏لاعتقال الشهيد الصدر ونقله الى بغداد سنة 1392ه ((41)) وكذلك اعتقال عدد من العلماء والمجاهدين في الوقت‏نفسه واطلاق سراحهم في النجف. ولكن موقف آية اللّه الشيخ مرتضى آل ياسين ((42)) وجماعة من العلماء وطلاب‏العلوم الدينية من ناحية، وصمودي امام عمليات التعذيب التي مورست ليلة الاعتقال لانتزاع الاعترافات الكاذبة ((43))والنشاط السياسي الذي قمت به بعد الاعتقال لكسر حاجز الرعب والخوف الذي حاول البعثيون ايجاده افشل المؤامرة‏بكاملها، بل اعط‏ى التحرك المرجعي للشهيد الصدر زخما جديدا من ناحية، ووضع الشهيد الصدر وحوزته في الخط‏الاول من المواجهة من ناحية اخرى، واصبح الشهيد الصدر اطروحة المرجع الديني المتصدي للنظام العفلقي.

وفي هذه الاثناء، وبعد هذا التطور في التصدي، اي في اواخر سنة 1393ه 1973م، قام الشهيد الصدر بطرح موضوع‏حساس ومهم حول العلاقة بين الحوزة العلمية والتنظيم الخاص الذي كان يوليه حينذاك رعاية خاصة، وكان هذا الطرح‏في المجلس الاستشاري الخاص به.

 

وكانت تصورات الشهيد الصدر تقوم على اساس ان الحوزة، بتشكيلاتها وتنظيماتها، تمثل القيادة الاساسية للعمل‏الاسلامي، ولا بد لهذه الحوزة من ان تكون مستقلة عن العمل المنظم الخاص.

وقد تم بحث هذا الموضوع في عدة اجتماعات، وكان يوجد اتجاهان في المجلس:

احدهما: كان يتبنى ضرورة ابقاء المجال مفتوحا امام العمل المنظم الخاص ليمارس نشاطه في الحوزة استنادا الى‏ان‏هذا هو السبيل الطبيعي المتيسر امامنا لتوعية طلبة الحوزة العلمية على العمل السياسي وحمل همومه. ومن دون‏ذلك فسوف ينخفض هذا الوعي في الاوساط الحوزوية خصوصا الطلبة الجدد الذين لا يخضعون لضوابط او توعية في‏الحوزة، ويتعرضون عادة الى الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الحوزة، بحيث قد يتعرضون الى العزلة اوالانكفاء على الذات او ترك الهموم السياسية.

مضافا الى ان فصل الارتباط العضوي قد يؤدي بالعمل المنظم الخاص الى الانحراف والابتعاد تدريجيا عن المرجعية‏الرشيدة الصالحة وتاثيرها فيه، لان وجود العلاقة العضوية بين الطلبة والعلماء والعمل المنظم الخاص سوف يسمح‏بشكل طبيعي بوجود التاثير المتبادل بين الحوزة والعمل المنظم الخاص.

وثانيهما: الاتجاه الذي كان يرى ضرورة فصل الحوزة عن هذا العمل باعتبار وجود المحور الصالح واطروحة المرجع‏الواعي المتمثلة بالشهيد الصدر وحوزته الذي يمكن ان يكون مصدر الهداية والتوعية في هذا المجال، وباعتبار الايمان‏الفعلي للعمل المنظم الخاص بالمرجعية الرشيدة للشهيد الصدر على مستوى الواقع العملي من ناحية، وباعتبار وجودالاجهزة النامية للمرجعية التي يمكنها ان تمارس التوعية في اوساط الحوزة العلمية من ناحية اخرى.

مضافا الى ان ضرورة استقلال الحوزة تنبع من موقعها القيادي في الامة الذي يفرض هذا الاستقلال، لانه هو الذي‏يمكنها من التاثير في الامة من خلال هذا الموقع بعيدا عن الشبهات مع ضرورة ممارسة التوعية في الحوزة وانطلاقا من‏المراكز الحوزوية الاصيلة.

وكان كل من الاتجاهين يؤمن على مستوى المجلس الاستشاري والاحاديث المطروحة فيه على الاقل بصحة الفصل‏والاستقلال نظريا، ولكن المشكلة التي كانت مطروحة للبحث هي النتائج العملية لهذا الفصل التي قد تكون مقرونة‏ببعض المواقف السلبية او الخسائر في مجال التوعية.

وفي النهاية، تم التوصل الى قرار عملي مع التحفظ تجاهه من قبل بعض اعضاء الجلسة ايجابيا وسلبيا وهو يتضمن‏النقاط الاتية:

 

1- ان يتم الفصل كليا، على مستوى اجهزة المرجعية الخاصة، والعناصر الادارية والاستشارية لها، وبين العمل المنظم‏الخاص لتحقيق الاستقلال على هذا المستوى.

2- ان يتم الفصل بين الحوزة، بشكل عام، والعمل المنظم على مستوى دراسة السطح والخارج ((44))، بحيث يتم ابلاغ‏الطلبة المنظمين على هذا المستوى بشكل خاص بفك الارتباط العضوي مع التنظيم الخاص.

 

3- يسمح للطلبة ذوي الدراسات الاولية (المقدمات) بان يرتبطوا بالتنظيم الخاص مؤقتا من اجل تحقيق التوعية‏السياسية في هذا القطاع مؤقتا.

4- يستثنى من البند الثاني الاشخاص المرتبطون بالتنظيم الخاص الذين يكون لوجودهم دور مهم في ادارته وتثقيفه،بحيث يؤدي فك ارتباطهم منه الى ايجاد الاختلال في الوضع التنظيمي الخاص على المستوى العملي‏والثقافي.

الحوزة العلمية.. وموقفها من مرجعية الشهيد الصدر(رض) وكانت هناك تساؤلات وشبهات حادة ومهمة مطروحة، على مستوى الحوزة العلمية والامة، حول الشهيد الصدروعلاقته بالتنظيم الخاص خصوصا بعد تصديه للمرجعية وبروزه في صدر الاحداث، وذلك باعتبار عدة عوامل‏واسباب، منها وجود العلاقة التاريخية ابتداء بينه وبين التنظيم الخاص، ومنها وجود الرعاية للتنظيم الخاص بقاءواستمرارا من قبله، ومنها ارتباط عناصر التنظيم الخاص به روحيا ومعنويا.

وكانت وراء هذه التساؤلات دوافع عديدة، منها دوافع «مخلصة‏»، لان قدسية المرجعية ودورها المهم في الامة وموقعهامن العمل الاسلامي وسعة دائرتها وعمق نفوذها لم يكن يسمح لها، في ذهن الحوزة والامة معا، ان تكون في اطار تنظيم‏خاص او حزب محدود. وكان هذا الموضوع يعيش في وجدان الامة ومشاعرها واذهانها بعيدا عن النظريات والمفاهيم.علما ان النظرية والاحساس معا يدعمان هذا التصور في فهم الشهيد الصدر كما ذكرنا، كما ان هذا الامر هو الذي دعاالامام الحكيم لان يطلب من الشهيد الصدر ومن ولده السيد مهدي الحكيم الخروج من التنظيم الخاص.

ومن هنا كان بعض المخلصين من الامة يقفون من مرجعيته موقفا سلبيا او مترددا تشوبه الحيرة والارتياب ويطرحون‏هذا التساؤل: ما هو مدى علاقة الشهيد الصدر بالتنظيم الخاص؟ وما هي طبيعة هذه العلاقة؟ وعندما يجابون بنفي العلاقة يذكرون الشواهد والارقام ذات المداليل الظنية الحدسية او شبه الحسية، ومنها هذه‏الشواهد، وهي ان اكثر المرتبطين به وخاصتهم يرتبطون عضويا بالعمل المنظم الخاص.

ولكن كان الى جانب هذا الدافع المخلص المشوب بالكدر والظن دوافع اخرى تتراوح بين «الحرص‏» على مصلحة‏الشهيد الصدر و«التخلف‏» في الرؤية السياسية و«مرض القلب‏». لان بعض هؤلاء الناس كانوا يتساءلون بدافع آخر ينطلق‏من عدم ايمانهم بالعمل السياسي مطلقا، فكيف اذا كان العمل السياسي بهذا المستوى الصارخ الشامل، ويرون في‏الارتباط بالعمل الحزبي اوضح الوان الممارسة السياسية ذات الاسلوب الغريب عن المجتمع الاسلامي والتي عرفها من‏خلال التاثر بالحضارة الغربية واساليبها في العمل السياسي ((45)).

وبعض آخر كان يعادي مرجعية الشهيد الصدر لاسباب شخصية او اقليمية او سياسية، وكان يستغل هذا السؤال ويعطيه‏ابعادا مختلفة وحجما كبيرا، ويستفيد الى حد كبير من حالة الغموض والسرية في تشويه الصورة العامة لمرجعية الشهيدالصدر، لا سيما ان مرجعيته كانت «ناشئة‏»، وقد طرحت من خلال العمل السياسي والمواجهة مع النظام المجرم. ولعب‏بعض الافراد في حاشية بعض المراجع في هذه الاونة بالذات دورا غير اخلاقي في هذا المجال.

كما ان تصرفات بعض المحبين للشهيد الصدر واساليب التعبير عن حبهم ومودتهم واعتقادهم، التي لا تتصف بالحكمة‏والحنكة، ساعدت هؤلاء على تحقيق اغراضهم الفاسدة، فكانت تثير كوامن الحسد او الحقد او الغيظ، او غير ذلك من‏المشاعر التي يبتلى بها عامة الناس.

والى جانب ذلك، كان يوجد بعض المحبين والعارفين بالشهيد الصدر، ومنهم آية اللّه العظمى السيد الخوئي، كانوا يرون‏ان تصديه للمرجعية في هذا الوقت المبكر، سوف يعرضه للاذى والتحجيم وان من الضروري الانتظار قليلا،وعندئذفسوف تكون المرجعية له بلا شك.

كما ان بعضهم كان يرى، في هذا التصدي، خرقا للقواعد العرفية الحوزوية التي يراعى فيها عادة موقع الطبقة العلمية وان‏وجود استاذه في قيد الحياة وفي موقع المرجعية لا يناسب هذا التصدي.

وقد كان النظام المجرم يضغط باساليبه الخبيثة، والقاسية، باتجاه «اسقاط‏» شخصية الشهيد الصدر وتحجيمها في دائرة‏معينة، ليسهل عليه الانفراد به، حيث كان يطلق الاشاعات ويهدد ويتوعد بهذا الاتجاه. وذلك لان النظام المجرم يدرك‏ان المرجعية الرشيدة الصالحة هي اقوى وجود اسلامي يمكنه تعبئة الامة ضد النظام الفاسد المستبد وقيادتها في‏مسيرتها الاسلامية.

كما كانت الامة، ايضا، تدرك هذه الحقيقة، لا سيما ان مرجعية الامام الحكيم التي حققت الانجازات الكبيرة، في هذاالمجال، على مستوى الامة، كانت قد نبهت الاعداء الى هذه الحقيقة الكبيرة لدور المرجعية والتي نامت عنها عيون‏الاعداء بعد عزلة المرجعية السابقة ((46)).

كل هذه الامور جعلت الشهيد الصدر يفكر بشكل اعمق واكثر جدية بان يتبنى عمليا ونظريا الاتجاه الى بناء المرجعية‏والحوزة العلمية وجهازها واستقلالها، ويعط‏ي ذلك الاولوية في الاهتمام، مع اهتمامه، في الوقت نفسه، برعاية العمل‏المنظم الخاص الذي يمكن ان يكون ذا اهمية في بعض المجالات والاعمال.

وكان من جملة النشاطات لبناء الحوزة الاتجاه الى رعاية الطلبة علميا وماديا، ومحاولة تطوير «نظام طبيعي‏» ((47)) ومشجع للحوزة عن طريق الدراسة المنظمة فيها من جهة، وتعميق الضوابط الموضوعية والاخلاقية التي تحكمهاوتطبيقها تدريجيا من جهة ثانية.

فك الارتباط بين المرجعية والتنظيم الخاص وفي تطور آخر للاحداث، على مستوى العمل المنظم الخاص والحوزة، تم اعتقال احد العناصر المهمة في التنظيم‏الخاص الذي قدم اعترافات واسعة عن التنظيم تشمل مجموعة من خيرة طلبة العلوم الدينية، حيث تم اعتقالهم ايضا((48)).

وتكشفت خطوط العمل لتطول مجموعة من طلاب الشهيد الصدر وطلاب حوزته وبعض خاصته.

وقد كان ذلك «مفاجاة كبيرة‏» للشهيد الصدر بهذه الحقيقة والواقع، وتبين له ان مجموعة من طلابه ومقربيه قد انتموا الى‏التنظيم الخاص، معتقدين ان ذلك برايه ونظره وموافقته وبسعي من احد طلابه المقربين اليه جدا، الذي لم يتم ابلاغهم‏بالقرار السابق المذكور بشكل مناسب على الاقل، وكانت صدمة نفسية وسياسية قاسية وكبيرة لخطته وتصوراته‏السياسية عن العمل حتى اصيب على اثر ذلك بالمرض عندما قام هذا الاخ (الطالب الفاضل) المقرب اليه باعتراف‏للشهيد الصدر بالحقيقة كاملة مع اخباره بعزمه على الهجرة من النجف خوفا من الاعتقال لانه كان يحتمل قويا ان يعترف‏عليه بعض المعتقلين، ويكون ذلك كارثة للشهيد الصدر وللحوزة العلمية فاحتاط بالخروج. وقد كان ظنه صحيحا،وتوالت عليه الاعترافات الصحيحة وغير الصحيحة خصوصا بعد ان خرج من العراق.

وقد استفاد هذا الاخ في الخروج من الاختلاف بين اللقب الرسمي له المثبت في الجواز ووثيقة الاقامة، وبين اللقب‏المعروف عنه في الاوساط العلمية والاجتماعية، وتمكن من الخروج من النجف الى ايران ((49)).

وعلى اثر ذلك، قام الشهيد الصدر(رض) باتخاذ اجراء عاجل، وهو ابلاغ جميع هؤلاء الطلاب والمقربين بضرورة‏الخروج من العمل المنظم الخاص.

كما قام بابلاغ بعض المسؤولين الكبار في التنظيم بضرورة اصدار بلاغ من القيادة الى التنظيم الخاص يطلب منهم‏فك‏الارتباط مع جميع طلاب الحوزة ومدرسيها والوكلاء في البلدان. ومن دون ذلك فسوف يقوم الشهيد الصدر باصدارحكم، باعتباره الفقيه الولي ، بحرمة الانتماء الى التنظيم الخاص بالنسبة الى طلاب الحوزة العلمية وغيرهم من الاجهزة((50)). وبعد ذلك، اعتقل عدد كبير من طلاب الشهيد الصدر ووكلائه واصدقائه من العلماء وغيرهم، وكانت هناك قوائم معدة‏للمزيد من الاعتقالات كان الشهيد الصدر ضمنها وكذلك «كاتب هذه السطور» وغيرهما. وكان ضمن المعتقلين طلاب لم‏يكن لهم انتماء الى التنظيم الخاص مطلقا، وآخرون كان لهم انتماء الى التنظيم الخاص، ولكنهم كانوا قد خرجوا منه‏بطلب الشهيد الصدر، وآخرون كانوا منتمين اليه بالفعل.

ثم بعد مداخلات كثيرة من الحوزة، ومنها مداخلة آية اللّه السيد الخوئي، ومن خارجها، ومنها مداخلة السيد موسى‏الصدر، تم اطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين مع الاحتفاظ ببعضهم. وتبين بعد الافراج عنهم عدة قضايا:

1- ان معظم المعتقلين قد انتزعت منهم اعترافات بالانتماء الى التنظيم الخاص، وبعضهم تم ترتيب هذا الاعتراف له‏في المعتقل، تفاديا للتعذيب مع عدم كونه منتميا حقيقيا او له ارتباط باشخاص غير الذين تم الاعتراف عليهم.

2- ان التفكير العام الذي كان يسود افراد التنظيم الخاص هو صحة الاعتراف بالانتساب اليه والتكتم مهما امكن على‏اكبر قدر ممكن من المعلومات، وان هذا هو افضل طريق لمواجهة حملة القمع والاعتقالات باعتبار وجود تجربة سابقة‏مشابهة في السنين الماضية.

3- ان هناك ضغطا شديدا تمت ممارسته من قبل السلطة لانتزاع اعتراف ضد الشهيد الصدر، في هذا المجال، من بعض‏المقربين اليه وبتشجيع بعض المعتقلين انسياقا مع الجو العام، ولكن صمود بعض الاخوة، كالسيد «محمود الهاشمي‏»،وتشجيع الشهيدين: الشيخ عارف البصري والسيد عماد الدين الطباطبائي على الصمود، منع وقوع هذه الكارثة للشعوربخطورة هذا الاعتراف بشكل خاص.

4- ان الفكرة العامة التي تم استنتاجها، لدى النظام، وكذلك لدى الاوساط العلمية في النجف، هو: ان الشهيد الصدرمرتبط بالتنظيم، باعتبار ان جميع هؤلاء الاخوة كان لهم ارتباط وثيق وقريب جدا به، بالرغم من ان اكثرهم حاول ان يدفع‏هذه الشبهة في داخل المعتقل من طريق الجواب عن سؤال: لمن ترجع بالتقليد؟ بان مرجعهم هو آية اللّه السيدالخوئي.

وكان الشهيد الصدر يقول: ان هذا الاستنتاج طبيعي بعد ان كانت الاعترافات سهلة وعامة تقريبا من قبل الاخوة‏وان‏هؤلاء يشك لون القاعدة الظاهرية لحوزته.

5- ان هناك مجموعة من افراد التنظيم الخاص كانت تعتقد فعلا ان الشهيد الصدر هو راس التنظيم او المنظر له او الفقيه‏الذي يرجع اليه التنظيم، وكانت هذه الفكرة تلقى بشكل او ب‏آخر الى افراد التنظيم من قبل بعض المسؤولين في‏الحلقات.

ومن هنا نجد الشهيد الصدر يتخذ عدة اجراءات احترازية:

1- اصدار جواب لاستفتاء مكتوب ((51)) ينص على انه كان قد اصدر حكما بعدم جواز انتساب طلاب العلوم الدينية‏الى التنظيمات الخاصة.

2- منع بعض الوجوه المعروفة بانتمائها الى التنظيم الخاص، لا سيما من صدر منه الاعتراف بذلك، عن التردد الى منزله‏من اجل تغيير الصورة الشكلية لحوزته واعطائها البعد الديني العام.

3- المنع من الحديث عن علاقته بالتنظيم الخاص، سواء على مستوى التاريخ او التاييد او الرعاية، وكان يظهر انفعالاشديدا من سماع ذلك.

4- التوجه بشكل اشمل واوضح الى الاعمال الحوزوية بالصيغ المعروفة والانفتاح الواسع عمليا على القطاعات العامة‏للامة والحوزة، كمجلس التعزية الاسبوعي والمقابلة العامة مع الناس والاهتمام ببعض الوجوه الحوزوية التقليدية‏النظيفة والمعروفة، بل وغيرهم وادخالهم في بعض نشاطاته.

5- تشكيل لجان عمل في داخل جهاز مرجعيته تقوم بالنشاطات الحوزوية من رعاية الطلبة الى ارسال الوكلاء والاتصال‏بهم، الى تاليف بعض الكتب الدينية والثقافية لاعداد منهج ثقافي للحوزة.

6- التصدي العام للقضايا التي تهم الامة وفتح الحوار نيابة عن الامة مع السلطة حول هذه القضايا، وقد تجلى ذلك‏بشكل واضح في قضية الدفاع عن الحوزة العلمية وتسفيرات سنة 1392ه 1972م، التي مر ذكرها.

وقضية المواكب والشعائر الحسينية وقضايا اخرى.

ومنها قضية (17) صفر 1977م 1397ه التي قام الشهيد الصدر بارسال وفد فيها عندما طلبت منه الحكومة ذلك‏بوساطة «السيد مصطفى جمال الدين‏» بعد اعلان موافقتها على التراجع عن موقفها تجاه قضية منع المواكب، وكنت‏ممثلا له في هذا الشان بعد الحاحه علي بالقيام بهذه الخطوة، وانتهى الامر، بعد ذلك، بالموقف الخياني للحكومة‏والموقف البطولي للجماهير والرعاية الواعية للمرجعية، حيث كانت الجهة الاسلامية الوحيدة التي تبنت الجماهيروانتفاضتها وتحملت نتائج ذلك.

وقد تم اعتقالي بعد ذلك والحكم بالسجن المؤبد علي، والتهمة التي كانت موجهة هي تحريض الجماهير على‏الانتفاضة والتخطيط لها، وكان مستند الحكومة في هذه التهمة مضمون الحديث الذي تحدثت به مع مجموعة من قادة‏الانتفاضة في ليلة (18) صفر في خان النخيلة ((52)).

واستمر هذا المنهج للشهيد الصدر حتى انتصار الثورة الاسلامية وبعدها.

7- ايجاد صلة محدودة مع اجهزة السلطة المحلية لانجاز المعاملات الروتينية ذات العلاقة بالطلبة وغيرهم كما هو شان‏المراجع، والانفتاح في استقبالهم في الديوان في بعض المناسبات.

خطوط عامة جديدة في تصور الشهيد الصدر (رض) وقد توضحت للشهيد الصدر(رض)، في هذه الاونة، مجموعة من القضايا الاستراتيجية في العمل السياسي، اضافة الى‏النقاط السابقة منها:

1- ان منهج العمل السياسي القائم على فكرة «المرحلية‏»، وبمعنى ان يقوم التحرك السياسي على اساس الفصل الكامل‏بين طبيعة مرحلة، ومرحلة اخرى.. غير سليم، وان التدرج في الدعوة والعمل الى اللّه لا يعني بالضرورة هذا التصورللمرحلية. وان الصحيح في منهج العمل الميداني الفعلي هو الدمج بين العمل الثقافي والعمل السياسي والتصدي‏للمواجهة، ولكن مع مراعاة التدرج في الطرح، والظروف الموضوعية القائمة فعلا، سواء على صعيد الامة او الحكم اواجهزة المرجعية وامكاناتها. وبذلك اعط‏ى الشهيد الصدر «المرحلية‏» معناها القرآني الاصيل.

2- ان المرجعية الدينية يجب ان تعتمد بصورة «اساسية‏» على تشكيلاتها الخاصة، التي يجب العناية بها وتطويرهاكماوكيفا ، وهذه التشكيلات هي مؤسسات: الحوزة، والوكلاء، والمساجد، والمؤسسات المرتبطة مباشرة بها، والصفوة‏المؤمنون الذين يلتفون حول هؤلاء العلماء ويشكلون القاعدة العامة لهم.

3- ان التنظيمات الخاصة يمكن ان يكون لها دور «مهم‏» في العمل السياسي وفي اطار المرجعية ونشاطها العام، لا سيمافي بعض الاوساط او بعض الاعمال والنشاطات، ولكن من خلال تحولها الى مؤسسات تعبوية للمرجعية وتحركهاالسياسي ومواقفها المتحركة، والا فقد تصبح اجهزة معوقة للتحرك في بعض المقاطع او المواقف، وان هذه التنظيمات‏يجب ان تخضع لاشراف المرجعية ورقابتها، وبهذا الصدد نجد الشهيد الصدر يقوم بتعيين بعض طلابه مشرفين على‏بعض هذه التنظيمات الاسلامية ((53))، ويطالب بعضها الاخر بالالتزام بقراراته والانسجام معها.

وكانت معاناة الشهيد الصدر اللاحقة تؤكد هذه الحقيقة، حيث عاش حالة الاحباط التي شهدتها مرجعية الامام الحكيم‏تجاه هذا الموضوع في الازمات، لا سيما عند سفره الى لبنان لتعبئة الامة سياسيا واعلاميا لاسناد المرجعية في محنتها.حيث كانت النتائج والملابسات توضح هذه المقولة بجانبيها: الايجابي والسلبي ((54)). 4- ان قدرة المرجعية بصورها عامة باجهزتها الصالحة على التعبئة السياسية والجهادية في مواجهة القمع والانظمة‏الفاسدة، اكبر من قدرة التنظيم الخاص. كما ان قدرتها على حماية نفسها وعلى المناورة افضل، لان المنهج الذي تتبعه‏المرجعية هو منهج اللامركزية الاكثر قدرة على التعبئة والاكثر مرونة في المواجهة والمناورة مع وجود الحماية الواسعة‏لها على مستوى التاريخ والامة.

5- الفصل بين اجهزة المرجعية واجهزة التنظيم الخاص حتى على مستوى الوكلاء، حتى انه امتنع ان يمنح احد كبارطلابه وكالة عنه بعد ان اصر هذا الاخ على البقاء في الحزب لمصلحة كان يعتقد بوجودها، بالرغم من طلب الشهيدالصدر منه الخروج من التنظيم الخاص، علما بان الشهيد كان يثق بتدينه وفضله. كما انه لم يرشحه للقيادة النائبة لهذاالسبب على ما اعتقد.

وقد اهتم الشهيد الصدر بتدوين بعض افكاره ونظرياته هذه الى حد بعيد، وذلك من خلال كتابته لكراس:

«المرجعية‏الموضوعية‏» بعد مناقشته له في المجلس الاستشاري وارساله الى المناطق المختلفة والطلب من بعض ((55))القيام بشرحه الى القواعد المؤمنة، كما ان طلابه رؤيته لذلك اصبحت اكثر وضوحا من بعد في مرحلة التطبيق.

كما كان يتحدث ببعض هذه الافكار في جلساته الخاصة الى طلابه ويناقش بعضها في جلسة الشورى.

المرحلة الجهادية وبعد انتصار الثورة الاسلامية، اصبحت الحقائق والمفاهيم في العمل السياسي التي كان قد توصل اليها الشهيدالصدر(رض) اكثر وضوحا وواقعية، وبدات بذلك مرحلة جديدة من العمل السياسي تؤكد المفاهيم والتصورات‏السياسية السابقة نفسها، اذ من الواضح ان الثورة الاسلامية في ايران اعتمدت في تحركها السياسي بالاصل على‏نظرية «المرجعية الدينية‏» بالمعالم السابقة التي اشرنا اليها.

وكان للحوزة العلمية والوكلاء والمبلغين والمساجد. وكان التحرك الجماهيري العام مع تحرك «الحواريين‏» المؤمنين من وراء هذه المساجد، وحلقات التدريس العام للفقه‏والقرآن والمعرفة الاسلامية.

وكان تبني مصالح الامة الفعلية والمرحلية وطرحها سياسيا الى جانب الطرح المفاهيمي والثقافي العام.

وكان الدخول في الصراع مع السلطة والاستكبار العالمي الى جانب البناء الروحي والاخلاقي والثقافي...

كان لجميع هذه المفردات المساهمة الفعالة في تحقيق التعبئة السياسية والروحية، ومن ثم الوصول الى النصر باذن اللّه((56)). ومن هنا كان تقييم الشهيد الصدر لهذه الثورة انها حققت الاهداف التي عمل من اجلها الانبياء، ومن هنا كان هذا الذوبان‏منه في الثورة وقيادتها الحكيمة.

واصبح من الواضح، لدى الشهيد الصدر، ضرورة الانتقال من حالة «الانتظار للفرصة المواتية‏» لبدء المواجهة، الى حالة‏«المواجهة الفعلية‏». وقد عبر عن ذلك في بعض الاجتماعات الخاصة للتداول والتشاور بما مضمونه: انه من قال انه‏سوف يبقى لنا شي‏ء اذا انتظرنا الفرصة المناسبة، بعد ان كان العفالقة المجرمون جادين في مسخ شخصية الانسان‏المسلم في العراق وتغيير كل المعالم الاسلامية وسحق المثل والقيم الربانية، واستخدموا جميع الاساليب الفاسدة‏والخبيثة والوحشية لتحقيق اهدافهم! ؟ كما اصبح واضحا للشهيد الصدر ان الجهود التي كانت تبذل في سبيل بناء التنظيم الخاص لو بذلت ووظفت في سبيل‏بناء الحوزة العلمية وتشكيلاتها الخاصة، لكانت النتائج اكبر بكثير من النتائج التي توصلنا اليها طوال المدة السابقة كماصرح بذلك.

كما اصبح من الواضح لديه انه لا بد من مضاعفة الجهد لمل‏ء جميع الفراغات الموجودة في ساحة العمل التبليغي،وعلى صعيد المساجد ومراكز الهداية والتوجيه، وباسرع وقت انطلاقا بالعمل الجماهيري باتجاه الاهداف‏الاسلامية.

خطة العمل في المرحلة الجهادية وقد بدا الشهيد الصدر (رض) عملية فحص واحصاء وتقييم للمرحلة ومستلزماتها ومتطلباتها لتحقيق الاهداف الانفة،فقام بالخطوات الاتية:

1- ارسال الوكلاء والمبلغين الى مختلف المناطق الخالية، وقد تم ارسال عدد كبير من الطلبة لمل‏ء الفراغ.

2- مطالبة الامة بطرد علماء السوء او الادعياء منهم وكشفهم وملاحقتهم، وقد وقعت حوادث حاصرت فيها الامة هؤلاءالادعياء واخرجتهم من مواقعهم.

3- ضرورة طرح «المرجعية الرشيدة‏» بشكل عام، حيث اصبح ذلك مطلبا ضروريا واضحا، وتوسعت بذلك قاعدة‏مرجعيته في التقليد والولاء بدرجة كبيرة، ولا سيما في صفوف الشباب.

4- القيام بعمل ثقافي وروحي شامل في اوساط الحوزة العلمية.

5- التلاحم مع الثورة الاسلامية في ايران. وكان من الاجراءات التي اتخذها في هذا المجال التصدي لاصدار بيان في‏تاييد الثورة الاسلامية، وتعطيل درسه ايام انتصارها، وتشجيع طلابه على الاعداد لتظاهرة تاييد للثورة في النجف‏الاشرف. وقد خرجت بالفعل هذه التظاهرة، ولاول مرة، وواجهت عملية مطاردة من السلطة العفلقية.

6- قام، ايضا، بتاسيس درس التفسير الموضوعي في الايام الاساسية للتدريس في النجف وعلى حساب بعض حصص‏درس الفقه المهم ((57)) حيث كان درس التفسير هذا من الدروس المهمة التي لاقت اقبالا عظيما في اوساط الحوزة،وتناول فيه موضوعا حساسا يرتبط بالتحليل التاريخي والاجتماعي النظري للقضايا المعاصرة والملحة.

وعندما استشهد آية اللّه المطهري، وهو في الوقت نفسه رئيس مجلس قيادة الثورة، اقام مجلس الفاتحة على روحه‏الطاهرة انسجاما مع الثورة الاسلامية، حيث فسرت السلطة هذا الموقف بهذا التفسير، لانه لم يقدم على هذا العمل غيرالشهيد الصدر.

7- قام، في الوقت نفسه، بالتنسيق مع بعض قيادات العمل المنظم الخاص في التحرك للمواجهة الجهادية من خلال‏وجهة نظره لموقع المرجعية والعمل المنظم الخاص، حيث تمت الموافقة على ان يسلم العمل المنظم الخاص على‏مستوى العراق على الاقل بقيادة المرجعية، ويرتبط بقرارها السياسي العام ((58)).

8- قام، في الوقت نفسه، بالتخطيط للتحرك الاعلامي والسياسي في الخارج، وكتب رسالة في هذا المجال ((59)) تمثل رؤيته لهذا التحرك السياسي والاعلامي.

9- وعلى اساس هذا التخطيط، ايضا، قام بارسال ممثل له الى ايران لينطلق بالعمل الخارجي من هناك، وينسق مع قيادة الثورة الاسلامية، وهو سماحة السيد محمود الهاشمي.

10- اصدر توجيهه بتاسيس حركة التحرر الاسلامي في لندن، وهي تضم مجموعة من عناصر منظمة لاكثر من جهة اسلامية وعناصر مستقلة ايضا، وبدات تعمل وتمارس النشاط السياسي العام لاول مرة في الخارج وبشكل علني من اجل طرح القضية على صعيد المجتمع الدولي ((60)).

11- وكان قمة التحرك السياسي العام في الداخل هو اسبوع البيعة الذي قامت به جماهير ووفود وهيئات، بقيادة العلما، من مناطق مختلفة من العراق، تتوافد فيه على النجف الاشرف لتعلن البيعة للشهيد الصدر والاستعدادللتضحية، واشترك في هذه الوفود علما وشباب وعناصر منظمة وجماهير مؤمنة عامة، وتجاوب مع هذا الاسبوع تنظيم حزب الدعوة الاسلامية مع بقية المؤمنين الواعين، حيث كان يعبر ذلك عن مظهر من مظاهر التنسيق وتطبيق الاتفاق آنف الذكر.

رد فعل النظام تجاه خطة الشهيد الصدر (ض) وازا هذا التحرك فقد النظام اعصابه بالرغم من ان تحرك الشهيد الصدر كان سياسيا وسلميا الا ان النظام كان يرى امامه التجربة الاسلامية في ايران ونتائجها، لا سيما انه ادرك الترابط العقدي والعناصر الثابتة بين هذا التحرك وتحرك الثورة الاسلامية في ايران مضافا الى الطبيعة العدوانية والغرور الذي يتصف به حزب العفالقة ومجموعة صدام.

واقترن اسبوع البيعة مع برقية الامام الخميني (قدس سره) الى الشهيد الصدر (رض) التي يطلب فيها منه البقا في النجف، حيث بلغت مسامعه انبا عزمه على الهجرة الى الخارج . ((61)) وعلى اثر ذلك، قام النظام باعتقال بعض افراد الوفود ومطاردة بعضها الاخر، او وضعهم تحت الرقابة، وطلب الشهيدالصدر لامتصاص رد الفعل من الوفود التوقف واغلق بابه احتجاجا على موقف السلطة. ولكن السلطة قامت على الفور باعتقال الشهيد الصدر في 16 رجب 1399ه.

وانفجر الوضع بتظاهرة في النجف بعد ان خرجت الشهيدة بنت الهدى تعلن عن اعتقال الشهيد الصدر وتستنهض الامة واخرى في مدينة الثورة وثالثة في الكاظمية واماكن اخرى من العراق، ووقعت مصادمات مع رجال الامن، فاطلق سراح الشهيد الصدر في اليوم الثاني، ثم وضع رهن المراقبة وتم احتجازه في بيته ((62)). وفي التحقيق، عند اعتقاله، طلب منه التخلي عن تاييده للثورة الاسلامية، وتعرض للتهديد الشديد اذا استمر في هذاالطريق.

وفي الوقت نفسه، تم القا القبض على عدة آلاف من الاشخاص، وتعرضوا للتعذيب الوحشي اثنا التحقيق.

وفي هذه الاثنا، وبسبب هذه التطورات والاحداث ولمواجهة الثورة الاسلامية والنهضة المحمدية في العراق وايران وتطبيق سياسة التصفية الشاملة والقبضة الحديدية والارض المحروقة، حدثت تغييرات مهمة واساسية سياسية في اوساط النظام الحاكم، حيث ازيح احمد حسن البكر، وذلك من خلال الضغط عليه لتقديم الاستقالة من رئاسة الجمهورية، وتم تنصيب صدام مكانه، فاستهل حكمه باراقة الدما بصورة وحشية، ثم تمت تصفية العناصر المعتدلة المحسوبة على البكر او غير الموالية لصدام بتهمة التعاون مع الحكم في سوريا للاطاحة بنظام صدام، حيث قتل عددكبير من قادة حزب البعث وسجن عدد آخر، وذلك ضمن سياسة القبضة الحديدية الجديدة والسيطرة الكاملة لصدام ومجموعته.

كما اتخذ قرار التعامل الوحشي ضد الاسلاميين في العراق، وكانت النتائج الحكم بالاعدام بعد ايام قليلة وتنفيذه على اكثر من سبعين شخصا، فيهم مجموعة كبيرة من العلما البارزين في ليلة النصف من شعبان 1399ه، والحكم بالسجن المؤبد على اكثر من مئتي شخص فيهم العلما والمثقفون من مختلف اوساط الشعب العراقي.

وقد حاول النظام عدة مرات، في مدة الاحتجاز، من خلال الحوار والوسطا، ان يثني الشهيد الصدر عن موقفه المؤيدللجمهورية الاسلامية، او الكف عن مواصلة تنفيذ هذه الخطة.

ومارس، من اجل ذلك، مجموعة من الضغوط النفسية والبدنية والتهديد، بالاضافة الى محاولات الاغرا والاستمالة،ولكنه بقي صامدا على موقفه، بل اذن بتصعيد الموقف السياسي والجهادي ضد النظام في الداخل والخارج، بعد ان منع النظام الجمهور من الممارسة العادية للعمل السياسي وقام بعمليات القمع والاعدام.

وعلى اثر ذلك، قام بعض المؤمنين في التنظيمات الخاصة وفي غيرها بتشكيل مجموعات جهادية في الداخل، واخذجهاز الشهيد الصدر المرجعي يخطط لهذا العمل الجهادي بشكل واسع.

كما قام بعض طلاب الشهيد الصدر وانصاره بتاسيس حركة المجاهدين العراقيين في لبنان للقيام باعمال جهادية ضدالنظام.

وبذلك، دخل الشهيد الصدر المواجهة الجهادية المسلحة بعد ان بداها النظام بقسوة وتصفيات بدنية، واصبحت الشهادة ماثلة امام عينيه بسبب ظروف هذه المواجهة.

التخطيط لما بعد الشهادة واخذ الشهيد الصدر (رض) يخطط لما بعد شهادته، وكانت هناك قضايا اساسية امامه:

1- قضية القيادة النائبة التي يمكنها ان تنوب عنه، وهو في الاحتجاز وتقوم بدورها بعده في قيادة التحرك الاساسي.وقد رش ح اربعة اشخاص غير مرتبطين بالعمل المنظم الخاص، وكتب بذلك رسالة مغلفة للامام الخميني بهذاالترشيح، وكلفني بالاحتفاظ بها للوقت المناسب، ولكنه سحب ترشيحه بعد ذلك ((63)) وطلب اتلاف الرسالة بعد ان وصلته اخبار عن الوضع الخاص له في ايران غير مشجعة، وكذلك عن الموقف العام تجاه حركته وتقييمها ((64)) ولاسيما من قبل بعض العناصر المتنفذة في الاجهزة المسؤولة عن اسناد الحركات الاسلامية مثل مهدي هاشمي وغيره.

2- قضية تطوير خط الجهاد في بنا الخط العسكري الجهادي، وقد طلب مني الخروج من العراق للقيام بهذا العمل،وكانت لدي ملاحظات عرضتها عليه فتوقف عن الطلب في حينه . ((65)) 3- قضية تعبئة الشعب العراقي، بجميع فئاته وقطاعاته، سياسيا، ضد البعث العفلقي، وقد وجه ندااته الثلاثة الى الشعب والتي سجلها بصوته، وطلب ان تبث وتنشر بعد شهادته مباشرة، ووضعها امانة لدي حيث ارسلتها مع اول رسول بعد شهادته ((66)). 4- قضية الوقوف الى جانب الثورة الاسلامية وقيادتها الحكيمة والدولة المباركة التي كان يعدها تجسيدا لحركة الانبيا،وقد اكد ذلك في رسائله الخاصة قبل تطور الاحداث وكتبه، بعد ذلك، بدمه الزكي عندما اصر على الاستمرار في موقفه المساند لها حتى لو كان على حساب حياته الشريفة التي قدمها غالية في سبيل الاسلام ((67)).

5- قضية الاهتمام بالشباب المؤمن المخلص المجاهد الذي كان ينتمي الى التنظيمات الاسلامية كحزب الدعوة، اوغيرهم من ابنا الاسلام والذين اثبتوا فناهم في الاسلام وتعاليهم على جميع الانتماات الاخرى غير الاسلام، وقدمواالتضحيات في سبيل القضية الاسلامية، حيث اوصى بهم خيرا لانهم يمثلون القاعدة الاسلامية التي يمكن ان تستنداليها الثورة، وقد كان يدرك بوضوح الفرق بين موقفهم واستعدادهم للتضحية وموقف بعض العناصر القيادية المترددة.

وقد اثبتت تجربة السنين الماضية في الحرب العدوانية ضد الجمهورية الاسلامية كيف تحول هؤلا الشباب، ومن سارفي خطهم، الى قوة جهادية ارتبطت بالولاية الشرعية وبالقيادة السياسية الدينية، ووظفت قدراتها من اجل القضية،واكدت انتماها المطلق للاسلام قبل كل شيء.

6- الاهتمام بدور المراة في العمل الاسلامي واهمية دورها المساند والمكمل لدور الرجل في العملية التغييرية، حيث جسدت اخته الشهيدة بنت الهدى هذا الدور عمليا في مدة الاعتقال والاحتجاز وفي التحرك السياسي قبل ذلك، ثم في شهادتها العظيمة مع اخيها الشهيد.

وانتهت هذه المرحلة بشهادته، رضوان اللّه عليه، مع اخته الفاضلة العلوية بنت الهدى (رض) التي وقفت الى جانبه في جميع مسيرته، وانتهت حياتهما الطاهرة بالشهادة بعد ابلاغهما الرسالة. وكانت هذه النهاية العظيمة والمفخرة بعدحوالى سنة من الاحتجاز ومحاولات الاحتوا والتفاوض وعروض الحرية المشروطة. وبعد ان قام النظام باعدام كوكبات من الشباب المؤمن الذين قاموا بالعمليات الجهادية او خططوا لها او تعاطفوا معها، بعد ان اصدر القانون المشؤوم الذي لا يعرف التاريخ الاسلامي له نظيرا، وذلك بقتل كل من ينتمي الى حزب الدعوة او يروج افكاره وجعل له اثرا رجعيا وطبقه على عشرات الالاف من الناس، وفيهم الكثير ممن لم ينتم الى حزب الدعوة، كما طبقه على الشهيدالصدر نفسه.

خاتمة المطاف ويمكن ان نستنتج، من هذا الاستعراض السريع للاحداث والمواقف والنشاطات، في هذه المرحلة، الابعاد النظرية التي كان يؤمن بها الشهيد الصدر في العمل الاسلامي، وهي:

1- ان المرجعية الدينية السياسية المتصدية والرشيدة هي القيادة السياسية الشرعية والفعلية لمجمل العمل السياسي والجهادي في الساحة الاسلامية.

2-ان المرجعية، وبتشكيلاتها ونشاطاتها العامة، هي الاطار العام الصالح للعمل السياسي والجهادي، كما هي محورالولا فيه.

3- ان المجتهد العادل الجامع لشرائط الدراية والخبرة السياسية والاجتماعية والتصدي يمكن ان يتولى «القيادة السياسية النائبة» عن المرجعية الدينية السياسية العامة عندما لا تتمكن القيام بدورها المباشر ((68))، وذلك من خلال التكامل مع العمل المرجعي التقليدي.

4- ان العمل المنظم الخاص (حزب او حركة او منظمة او جمعية) هو مؤسسة يمكن ان يكون لها دور هام ((69))ومتفاوت المستوى ضمن الاطار العام للمرجعية السياسية وتحت قيادتها واشرافها.

5- اللامركزية في العمل السياسي على مستوى التنفيذ والتعددية على مستوى التشكيلات المرجعية والمؤسسات وغيرها مع المركزية في القيادة السياسية للمرجعية، اي في تشخيص الخطوط السياسية العامة، والمواقف الاساسية في التغيير والمواجهة، والاشراف على عموم التحرك الاسلامي والاموال والحقوق الشرعية، والتخطيط العام.

6- القيادة المرجعية السياسية لا بد من ان تتوافر فيها الشروط الاساسية، وهي: «الاجتهاد» و«العدالة» و«الكفاة السياسية»و«الكفاة الشخصية» و«التصدي» لقيادة الامة ولقضاياها.

7- تجاوز فكرة «المرحلية» في العمل الثقافي والسياسي والجهادي، والايمان بفكرة التدرج في العمل، مع الايمان بالتداخل بين العمل الثقافي والمواقف السياسية.

ونلاحظ ان الشهيد الصدر انتقل في مدة قصيرة من العمل الثقافي الى المواجهة السياسية ثم الى المواجهة الجهادية.

 

8- ان انتصار الثورة الاسلامية يمثل منعطفا اساسيا ومهما في المسيرة الاسلامية، فقد قلبت الثورة الكثير من الموازين والتصورات تجاه العمل الاسلامي، ووضعت المسلمين امام مسؤوليات جديدة تهون ازاها التضحية الكبيرة والفدا العظيم ((70))، وتفرض المزيد من التصدي والالتحام معها في موقف واحد امام قوى الاستكبار العالمي.

9- اهمية الوحدة بين المسلمين وتجاوز الخلافات المذهبية والقومية والفئوية في مثل هذه المواجهات الشاملة.

10- ضرورة التركيز في الطرح على القضايا الاساسية والمصيرية للامة وحقوقها الشرعية والتعامل مع القضايا التي تعيشها الامة او تعانيها فعلا بشكل واقعي وميداني.

11- الانفتاح على قطاعات الامة وجمهورها في القضايا المختلفة والتخاطب معها بشكل مباشر والاعتماد على اللّهتعالى وعلى قدرة الشعب في التغيير، ولا سيما قطاع الشباب والمراة.

12- اهمية العناية البالغة بالقاعدة الايمانية العامة، وخصوصا الطاقات (الشابة) المستعدة دائما للتضحية والفدا،وكذلك اهمية دور «المراة» و«النخبة» الاسلامية في العمل التعبوي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

1- كتب الشهيد الصدر(رض) هذه الاسس في بداية تاسيس حزب الدعوة الاسلامية في اوائل سنة 1378ه، اواخرسنة 1958م، ثم شرحها، واصبحت مادة ثقافية تدرس في حلقات الحزب، ولم تنشر هذه المادة عن الشهيد الصدر،لانه عدل عن الفكرة الاساسية التي تقوم عليها اسس الدولة الاسلامية، وهي فكرة تعيين الولاية من خلال الشورى في‏الحكم الاسلامي، كما سوف نشير الى ذلك.

2- يذكر مصدر الحديث مع الاشارة الى موضع بحثه في الكراسين.

3- إن هذه الدراسة الاجمالية يمكن ان تكون اساسا لبحث واسع حول افكار الشهيد الصدر في هذا المجال،ولعل‏بعض الاخوة الاعزاء، من طلاب الشهيد الصدر(رض) ، او مريديه، تتوافر لهم الفرصة الكافية لتناول هذاالبحث.

4- لقد طلب مني الشهيد الصدر(رض)، قبل وفاته وشهادته، ان اكتب عن حياته، ولم اوفق الى ذلك حتى الان بالرغم‏ من اني وظفت «بعض الطاقات‏» لذلك، وتحدثت عن الشهيد الصدر في كثير من المجالات، وهذه الكتابة وغيرها مثل‏التفسير عند الشهيد الصدر، او بعض رؤاه السياسية والفكرية حول المرجعية والقيادة تاتي اسهاما جزئيا في هذاالمجال.

5- دليل الحسبة هو دليل يستند إليه الفقهاء في الحالات والموارد التي لا يثبت فيها دليل خاص على الولاية، سواءكانت في الشؤون العامة للامة كولاية الحكم وادارة شؤون الامة ام في تعيين المواقف العامة لها ام الخاصة كولاية‏الاوقاف والايتام او القاصرين.. وفي حالة لا يمكن ان تترك فيها الامة او المورد من دون ولي، حيث ثبت في الشرع‏اهتمام الشارع بها بشكل يؤدي الى القطع بضرورة وجود الولي لها وعدم جواز اهمالها، مثل حفظ النظام او الدفاع عن‏العقيدة الاسلامية او حفظ اموال القاصرين. وعندئذ يعمد الفقهاء الى انتخاب الولي الذي يجمع افضل المواصفات، وهو المجتهد العادل الجامع للشرائط، وعندفقدانه يتم الانتقال الى الفرد الاقل، الى ان يصل الى عدول المؤمنين او المتصدين للولاية ان لم يتصد لها احد.

6- شرح اسس الدولة الاسلامية الذي كتبه الشهيد الصدر يقوم على قاعدة الشورى وانطلاقا من الاستدلال بها.

وقدتناولنا هذا الموضوع في كتابنا: «الحكم الاسلامي بين النظرية والتطبيق‏».

7- مقالة منشورة في ادبيات حزب الدعوة الاسلامية منسوبة الى الشهيد الصدر يشير فيها الى هذه الفكرة، على انه ‏اعتمدنا بالاصل على ما كان يذكره (قده) في احاديثه حول هذا الموضوع.

8- هناك بحث مستقل لنا حول هذا الموضوع لعلنا نوفق لطبعه، وقد تم نشر بعض فصوله ومعالمه في جريدة «لواءالصدر» تحت عنوان: «النظرية الاسلامية في التحرك السياسي‏». وهنا لابد من ان نشير الى ان المقصود من نظرية‏المرجعية هو نظرية «الولاية‏» او «الامامة‏».

9- الحسبة مصطلح فقهي يراد منه ضرورة ووجوب التصدي للقيام ببعض الاعمال التي يقطع بان الشارع المقدس لايرضى باهمالها وتركها على حالها، مثل ادارة شؤون الايتام والاوقاف التي لا ولي لها، وكذلك اقامة النظام للحياة‏الاجتماعية وتنفيذ الواجبات العامة كما اشرنا سابقا.

10- كان لخروج الشهيد الصدر من التنظيم سبب آخر مضافا الى هذا الطلب سوف نشير اليه. (يذكر هنا النص حول‏طلب الامام الحكيم الموجود في رسائل الشهيد الصدر).

11- لقد كتب الشهيد الصدر رسالة الي، في محرم 1380ه، حيث كنت حينذاك في لبنان، اشار فيها الى هذا الامر لا ازال‏محتفظا بها نذكر مقتطفات منها: «... وقعت منذ اسبوعين، او قريب من ذلك، في مشكلة، وذلك اثناء مراجعتي اسس الاحكام الشرعية وبعدها،وحاصل المشكلة التوقف في آية (وامرهم شورى بينهم) التي هي اهم تلك الاسس وبدونها لا يمكن العمل في سبيل‏تلك الاسس مطلقا، كما كنت اكرر ذلك في النجف مرارا، ومنشا التوقف وجهان او وجوه اهمها اني لم استطع ان اجيب‏على الاعتراض الذي اعترضته انت على الاستدلال بالاية وان كنت اجبت عنه في حينه، ولكن الجواب يبدو لي الان‏خطا...». «... واذا تم الاشكال فان الموقف الشرعي لنا سوف يتغير بصورة اساسية، وان لحظات تمر علي في هذه الاثناء وانا اشعربمدى ضرورة ظهور الفرج وقيام المهدي المنتظر (صلوات اللّه عليه)، ولا زلت اتوسل الى اللّه تعالى ان يعرفني على‏حقيقة الموضوع ويوفقني الى حل الاشكال، ولكني من جهة اخرى اخشى واخاف كل الخوف من ان تكون رغبتي‏النفسية في دفع الاشكال وتصحيح مدعياتنا الاولية هي التي تدفعني الى محاولة ذلك. وعلى كل حال فان‏حالتي‏النفسية لاجل هذا مضطربة وقلقة غاية القلق، وما الاعتصام الا باللّه، واني اكتب هذه المسالة اليك، ايها الحبيب ‏المفدى، لمشاركتي التامل فيها وتعيين موقفنا منها بصورة اساسية...».

12- اقترن هذا الشك في دلالة آية الشورى مع طلب الامام الحكيم (قده) منه الانسحاب من الحزب في الحادثة‏ المعروفة التي اشرت اليها في بعض الكتابات، وكان السبب الشرعي الواقعي للانسحاب هو الشك في صحة العمل‏الحزبي كما اشرنا، بالاضافة الى المصلحة التي كان قد شخصها الامام الحكيم وكان يرى الشهيد الصدر نفسه ملزماروحيا وادبيا بمراعاتها. وقد دون ذلك الشهيد الصدر في رسائله الخاصة التي اشرت اليها في الهامش السابق.

13- يمكن الرجوع، في هذا التصور، الى الكراس المطبوع بهذا الشان، كما انه يوجد تلخيص لافكار الشهيد الصدر حول‏الموضوع كتبه الحجة السيد كاظم الحائري عندما كان يطرح الشهيد الصدر هذا الموضوع للمناقشة، وعلقت عليه ثم‏علق عليه الشهيد الصدر بعد ذلك، وفي هذا التلخيص توضيح وتفصيل لبعض الافكار المطروحة في الكراس‏المطبوع.

14- يمكن التعرف الى معالم هذه النظرية من خلال مراجعة كراس «المرجعية الموضوعية‏» وكراس «خلافة الانسان‏وشهادة الانبياء» وكراس «دستور الجمهورية الاسلامية‏» للشهيد الصدر (رض).

15- بل نعتقد انه لا يصح ذلك، حيث يؤدي ذلك الى ان تاخذ الحركة الاسلامية (التنظيم الخاص) واقعيا او ادعاءموقع‏القيادة الاسلامية واطارها العام في العمل الاسلامي.

16- للاطلاع على معالم هذه الفكرة وخلفياتها، راجع كتاب «الاسلام يقود الحياة‏» وكراس «خلافة الانسان وشهادة‏الانبياء»، ص 167 172، وايضا كراس «العلاقة بين الشورى والولاية‏» للكاتب، ص 10 14.

17- كانت اللجنة المشرفة على جماعة العلماء في النجف الاشرف تتالف من:

1 آية اللّه المرحوم الشيخ مرتضى آل ياسين (خال الشهيد الصدر).

2 آية اللّه المرحوم الشيخ حسين الهمداني من كبار علماء النجف.

3 آية اللّه المرحوم الشيخ خضر الدجيلي من كبار علماء النجف. وهم يشكلون هيئة الاشراف. اما باقي اعضاء الجماعة فهم:

1 آية اللّه المرحوم السيد محمد تقي بحر العلوم.

2 آية اللّه المرحوم السيد موسى بحر العلوم.

3 آية اللّه المرحوم السيد محمد باقر الشخص.

4 آية اللّه المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر.

5 آية اللّه السيد مرتضى الخلخالي.

6 آية اللّه المرحوم الشيخ محمد طاهر آل شيخ راضي.

7 آية اللّه الشيخ محمد جواد آل شيخ راضي.

8 آية اللّه المرحوم السيد محمد صادق الصدر.

9 آية اللّه المرحوم الشيخ محمد حسن الجوهري.

10 آية اللّه المرحوم السيد اسماعيل الصدر.

11 آية اللّه الشيخ محمد تقي الايرواني.

18- لقد كان لهذه التعددية في الاتجاهات والاهداف في اوضاع الجماعة من ناحية، وتمركز المرجعية الدينية في الامام‏ الحكيم من ناحية اخرى، والضغوط السياسية الخارجية والداخلية على الجماعة من ناحية ثالثة، اثر بالغ في توقف‏ الجماعة عن فعاليتها السياسية الجماعية، لكنها بقيت فكرة مقبولة في الوسط الحوزوي.

19- طبعا لا يعني هذا الاستعراض لجماعة العلماء هو ان الشهيد الصدر (رض) كان وراء تاسيسها، بل كان العلماء والمرجعية وراء تاسيسها، وانما نقصد بذلك ان التنظيم «الناشى‏» كان يؤمن بضرورة هذه الواجهة وهذه المفردة في تلك‏المرحلة واهتمام «الشهيد» بها، وكذلك التنظيم كان ينطلق من هذا التصور. والا فان في جماعة العلماء من كان لا يؤمن‏بالتنظيم وكان يحذر ويحتاط من الصاق هذه التهمة بالجماعة ويسعى لايجاد مشاكل في وجهه، كما انها كانت تحظى‏ بدعم وتاييد قطاعات كبيرة جدا في الامة اوسع من التنظيم الذي بدا تاسيسه في اجواء تاسيس جماعة العلماء ومقترنامعه تقريبا. كما ان تاسيس الجماعة كان بمبادرة من الامام الحكيم وبعض العلماء واجهزة المرجعية حينذاك.

20- كان حجة الاسلام السيد محمد مهدي الحكيم واخوه السيد محمد باقر الحكيم (كاتب السطور) يرتبطان بالشهيد الصدر بعدة روابط روحية وعملية قبل الايمان بالعمل التنظيمي الخاص. ولكن كان منها هذا الارتباط، واشرنا الى بعضهافي الهامش الاسبق.

21- لقد كان تاسيس جماعة العلماء في النجف الاشرف قبل تاسيس جماعة العلماء المجاهدين في ايران، ويمكن ان ‏نقول ان هذا الانموذج كان له تاثير على طبيعة التحرك في ايران ايضا، بل يمكن ان نقول ان مجمل التحرك في حوزة‏النجف بقيادة الامام الحكيم كان متقدما على مجمل التحرك في حوزة قم، وكان له تاثير بالغ على الاوضاع هناك‏خصوصا بعد وفاة آية اللّه العظمى السيد البروجردي (رض). ويمكن ان نذكر، في هذا الصدد، عدة قضايا: منها قضية الفتوى المعروفة ضد الحزب الشيوعي والتي كان لها تاثير بالغ ‏في الاوساط الشعبية والرسمية مع ان الحزب الشيوعي في ايران كان نشيطا. وكذلك الموقف من الاعتراف باسرائيل، حيث بادرت المرجعية في النجف لانتقاد موقف الشاه من اسرائيل علنا، ولم‏يتم ذلك من قبل المرجعية في قم. وقضية تصدي المرجعية لطرح الاسلام والمطالبة بتطبيق احكامه، وقضية موقف التاييد للعمل الفدائي الفلسطيني‏وموقف التاييد للحركة الاسلامية المنظمة... الخ.

22- ذكرناها في الكراس الذي تحدثنا فيه عن جماعة العلماء.

 

23- كانت جماعة علماء بغداد والكاظمية تتالف من الايات وحجج الاسلام التالية اسماءهم (تم الحصول على هذه‏الاسماء استنادا الى بيانات ومذكرات الجماعة التي صدرت في الستينات ونشرتها مجلة الايمان آنذاك). وقد كانت‏مجموعة منهم تمثل اللجنة التنفيذية او المركزية لهذه الجماعة، وفي مقدمتهم السيد مرتضى العسكري والسيد مهدي‏الحكيم والشيخ علي الصغير والسيد محمد الحيدري الخلاني والسيد هادي الحكيم والشيخ محمد حسن آل‏ياسين. ومجموعة اخرى كان لها دور المساند، ويمثل الجمعية العامة للجماعة:

1 السيد اسماعيل الصدر.

2 السيد مرتضى العسكري.

3 السيد محمد مهدي الحكيم.

4 السيد احمد الموسوي الهندي.

5 الشيخ جعفر الساعدي.

6 السيد جعفر شبر الكرادة الشرقية.

7 السيد حسن الحيدري.

8 السيد حسين العلاق الثورة.

9 السيد صادق السيد جواد الموسوي.

10 السيد صادق الموسوي الهندي.

11 السيد عباس الحيدري الكاظمية.

12 السيد عبد المطلب الحيدري الكرادة.

13 الشيخ عبد الحسين الخالصي الكاظمية.

14 السيد علي الحيدري الشيخ بشار.

15 الشيخ علي الصغير العطيفية.

16 السيد محسن الموسوي.

17 السيد محمد الحيدري (الخلاني) الكرادة وجامع الخلاني.

18 الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمية.

19 الشيخ محمد حيدر بغداد الجديدة.

20 الشيخ محمد الشيخ صادق الخالصي الكاظمية.

21 السيد محمد طاهر الموسوي الكريعات.

22 السيد محمد علي الاعرجي الكريعات.

23 الشيخ موسى السوداني الحرية.

24 السيد مهدي الصدر الكاظمية.

25 الشيخ مهدي النمدي الكاظمية.

26 الشيخ نجم الدين العسكري البياع.

27 السيد هاشم الحيدري الكاظمية.

 

28 السيد هادي الحكيم اسكانر غربي بغداد.

29 السيد صادق الخلخالي.

30 السيد محمد طاهر الحيدري جامع المصلوب.

31 السيد علي نقي الحيدري الكسرة.

32 السيد محمد هادي الصدر الكاظمية.

33 الشيخ هادي الشيخ جعفر الساعدي.

34 الشيخ كاظم العظيمي الثورة.

35 الشيخ جواد الظالمي البياع.

36 السيد عبد الرزاق الموسوي.

37 السيد علي العلوي.

كما ان هناك اسماء اخرى كانت تشترك في مجمل نشاطاتها مثل الشيخ عارف البصري والسيد عبد الرحيم‏الشوكي.

24- اتبع الشيوعيون هذه الطريقة الهمجية في التعامل مع المعارضين السياسيين في الايام الاولى لحكم عبد الكريم  ‏قاسم، وخصوصا في الحوادث التي جرت بعد فشل محاولة «الشواف‏» احد الضباط العراقيين بالتمرد على حكم عبد الكريم قاسم في القاعدة العسكرية في الموصل اوائل سنة 1959م في اواخر شعبان 1378ه، وقد توقف نشاط جماعة‏ العلماء بسبب هذه الحوادث بشكل عام.

25- لقد اصدر الامام الحكيم فتواه المعروفة حول الشيوعيين، حيث هزم الحزب الشيوعي في الشارع العراقي وفي‏ غيره بعد ذلك بسبب هذه الفتوى. وقد كان لها اصداء واسعة في جميع انحاء العالم الاسلامي، وخصوصا في اوساط‏اتباع اهل البيت (ع) واعتبرت حصانة مهمة لهم في هذا المجال، حيث كان يتعرض العالم الاسلامي، ولا سيما المستضعفين منهم، الى تاثير واسع لهذا التيار اليساري الذي كان يعيش في قمة صعوده السياسي وفي اوج قدرته‏ العلمية والسياسية والثقافية، كما كان الاستكبار الغربي يعيش حالة المقت من الاوساط المسلمة بسبب عهود الاستعمار والاستغلال وقضايا العدوان ومنها قضية فلسطين، وقد صدرت في اعقاب هذه الفتوى فتاوى للعلماء والمراجع في ‏النجف الاشرف وكتب ومنشورات تؤيد هذا الموقف البطولي الرائع، وتشرحه وتبين خلفيته الفكرية والثقافية‏والسياسية، ولا يزال هذا الموقف هو احد المواقف المهمة الجهادية الاسلامية الذي تذكره الاوساط العلمية الدينية‏والاسلامية للامام الحكيم بالتقدير والاهتمام.

26- هناك بحث مستقل للكاتب حول موقف الشهيد الصدر من المرجعية لابد من مراجعته لاكمال الصورة حول موقفه‏ من المرجعية ورؤيته لها.

27- هناك رسالة خاصة موجودة لدى الكاتب يذكر فيها الشهيد الصدر هذين المسوغين، وقد اشرت الى جانب من‏نصها في الحديث عن المسار النظري.

28- يوجد حديث مستقل عن هذا الموقف الجليل للشهيد الصدر نذكره في المواقف.

29- كان الوسط الحزبي يعبر عن جميع العلماء غير الحزبيين بانهم غير واعين لان مفهوم الوعي كان يعني الايمان‏بالعمل الحزبي والارتباط به.

30- كانت بعض اوساط العمل الحزبي تعمل في مجال هذه النشاطات باعتبار ذلك فرصة للكسب الحزبي، واحياناوسيلة لنشر الوعي الثقافي في الامة، ولا تؤمن بان هذه النشاطات اساسية ومركزية، وخصوصا ذات الطابع السياسي‏منها. كما انه كانت توجد بعض المبادرات العامة للعمل الحزبي مثل مواكب الطلبة، ولكن الهدف منها لم يكن التعبئة‏السياسية بقدر ما كانت تستهدف ايجاد البديل الثقافي في مجال الشعائر الحسينية، وهو مضمون ثقافي.

31- لقد تجاوبت اوساط الحزب وقواعده مع حركة المرجعية في كثير من الاحيان، لانها كانت تمثل عناصر مؤمنة‏ومرتبطة بالمرجعية في التقليد والمشاعر الروحية وتتفاعل مع الاحداث بشكل طبيعي من خلال حركة المرجعية،وعندما نتحدث عن الحزب هنا نقصد القرار السياسي الذي كان يصدر عن القيادة.

32- راجع المذكرة.

33- حيث طلبت من احد ابرز قادة التنظيم الخاص.. شخصيا اصدار منشور يتضمن على الاقل «دعاء الفرج‏» لاشعارالامة بالمحنة، ووعد بذلك، ولكن لم ينفذ الوعد بسبب هذا الموقف، ولعله كان يرى شخصيا صحة اصدار المنشور،واللّه اعلم.

34- والعجيب ان بعض الحزبيين حاول بعد وفاة الامام الحكيم تسويغ هذا الموقف بان الامام الحكيم طلب منهم عدم ‏القيام بهذا العمل وعدم التحرك للاحتجاج، مع ان الامام الحكيم رحب في تلك الاحداث بتحرك طلاب العلوم الدينية‏ الذين تظاهروا وتعرضوا للقمع، واستمر هذا الموقف تجاه تحرك العشائر حيث استقبل وفدا من عشائر العباسية‏ومندوبا من مدينة السماوة وتحدثت اليهم شخصيا. ومع ان سفر الامام الحكيم الى بغداد والكاظمية له، بحد

ذاته، دلالات واضحة على تصديه المباشر والعلني الا ان الخوف لدى الناس من ناحية، وعدم وجود جهاز منظم لتعبئة الناس‏وتوجيههم من ناحية اخرى، وموقف قيادة الحزب من ناحية ثالثة، والتخلف في الوعي لدى بعض الاوساط من ناحية‏رابعة كانت اسبابا في ظهور الامة بمظهر التخاذل.

35- لقد قامت عشائر بني تميم في الكاظمية، وكذلك العشائر في المشخاب والقادسية والديوانية والصليجية و«ابوصخير» والحيرة وغيرها، بتظاهرات ومسيرات واستعراضات ضخمة لتاييد المرجعية حتى قتل «عبد السلام عارف‏» في‏الحادث المعروف، وهو سقوط الطائرة في منطقة النشوة قرب البصرة.

36- لقد كان لهذا الاختلاط والايهام والايحاء آثار سلبية على الشهيد الصدر ومرجعيته، ولا سيما في اوساط الحوزة‏العلمية، حيث كان يواجه الشهيد الصدر بتحفظ عام في اوساط الحوزة المتدينة والمؤمنة بالموقع المتميز للحوزة‏والمرجعية، وكان يستغل ذلك بعض المنافسين او الحاسدين او الحاقدين على العمل الاسلامي والسياسي، الامر الذي‏ادى الى مضاعفات كبيرة انتبه اليها الشهيد الصدر اخيرا واتخذ عدة احتياطات لتداركها كما سوف اشير قريبا.

37- الولاية المطلقة يراد بها الولاية التي يدل عليها نص خاص له اطلاق ولو نسبي في دلالته عليها في مقابل القول‏الاخر بالولاية بدليل الحسبة، حيث يقتصر فيها على القدر اللازم، والا فان الولاية المطلقة فيها تقييد وتفصيل بين‏المجتهدين انفسهم ايضا.

38- لقد كان «علي رضا» شيعيا وكرديا فيليا يعمل في العلاقات العامة لمجلس قيادة الثورة، وهو اسم لمؤسسة‏ المخابرات العراقية في بداية تاسيسها، وكان المسؤول عنها صدام، ثم تم اعدام «علي رضا» بعد ذلك ضمن الاعدامات‏التي قام بها البعثيون في صفوفهم بعد ما يسمى بمؤامرة «ناظم كزار» مدير الامن العام، وهي تصفيات طالت اكثر العناصرالمتنفذة الشيعية في الحزب، وكذلك الخط السامرائي الذي كان يقوده عبد الخالق السامرائي المنافس لصدام.

39- لعل هذه البرقية هي آخر عمل قامت به الحوزة العلمية في النجف بشكل علني وواضح تجاه حزب البعث حتى‏كتابة هذه السطور.

40- انتهت انتفاضة صفر 97ه التي استمرت اربعة ايام الى اعتقال اكثر من عشرة آلاف شخص من الجماهير المؤمنة ‏وتعذيبهم واعدام اكثر من عشرة اشخاص والحكم بالسجن المؤبد على ستة عشر شخصا، كان من ضمنهم كاتب هذه‏السطور، في مهزلة لم يعرف لها التاريخ الحديث للعراق مثيلا، وذلك بعد ان تدخلت القوات الجوية والبرية، والقوات‏المدرعة في قمع الانتفاضة، وقد كانت لهذه الانتفاضة اصداء سياسية واسعة في العراق وخارجه، وحاول النظام ان‏ يتهم سوريا والكويت بها على عادته في نسبة الاحداث الداخلية الى العامل الخارجي، ولم ينسب الانتفاضة الى ايران‏لانه كان قد دخل في صلح مع حكومة الشاه، وكان يخاف منها خوفا شديدا.

41- لقد ادخل الشهيد الصدر المستشفى في النجف قبل مجي‏ء رجال الامن الى بيته نتيجة لعارض مفاجى بسبب‏تناوله لبعض الحبوب التي كان يستعملها ضد ارتفاع ضغط الدم وبكمية اكبر من اللزوم، حيث انخفض عنده الضغط ‏بدرجة خطيرة وحاول رجال الامن اعتقاله في المستشفى الا ان بعض الاطباء ومنهم الدكتور موسى الاسدي الذي كان‏مختصا بامراض القلب كان لهم موقف رافض ومشرف في هذا المجال، ولذا تم نقله الى مستشفى الفرات الاوسط في‏الكوفة رهن الاعتقال، وهو في حالة اغماء حتى اليوم التالي، وقد حاول رجال الامن اثناء التحقيق معي ان يفسروا هذاالحادث بانه محاولة للانتحار.

42- لقد قام الشيخ آل ياسين وجماعة من العلماء والطلبة بزيارة الشهيد الصدر في المستشفى صباحا، حيث منع‏  الدخول عليه، الامر الذي ادى الى تجمهر عدد كبير من الطلبة والناس ثم تم اقتحام ابواب المستشفى ووقف رجال ‏الامن في حيرة من امرهم، حيث تمت الزيارة بسلام، ثم ارجع الشهيد الصدر الى مستشفى النجف بعد الظهر عندما رفع ‏الاعتقال عنه.

43- لقد تم نقلي، من بين جميع المعتقلين تلك الليلة، الى بغداد فورا، وتعرضت للتعذيب حتى طلوع الشمس تقريبا وباساليب مختلفة، وكان الاتهام الرئيسي الذي يوجه الي في التعذيب ويتم الضغط باتجاهه هو الانتماء الى تنظيم سري ‏هو حزب الدعوة الاسلامية والطلب بالاعتراف به وان قائده هو الشهيد الصدر، بالاضافة الى مقدار وافر من السب‏والشتم للعلماء والدين والاسلام والقذف بالطائفية على عادة الانظمة التي توالت على حكم العراق باتهام كل من ‏يطالب بحقوقه او المساواة بين المسلمين بالطائفية. وتم بعد الظهر اطلاق سراحي لاسباب لا اعرفها، ولعل اهمهاالخوف من تطور رد الفعل الجماهيري، وان كنت قد توسلت بالامام الكاظم (ع) ليشفع للّه تعالى بالفرج عني، وعندما طلب مني الخروج بعد الظهر والاعتذار عما حدث في الليل بعدما شاهد مدير الشعبة آثار التعذيب والورم في اليدين ‏والرجلين، اصررت على عدم الخروج حتى يتم رفع الاعتقال عن الشهيد الصدر، الذي كان المجرمون في اثناء التعذيب‏ يكيلون له التهم والسباب، ويدعون انه حاول الانتحار للتخلص من نتائج التحقيق، ولم اخرج حتى تم الاتصال تلفونيا بالنجف وابلغت برفع الاعتقال عن الشهيد الصدر (رض).

44- في الحوزة العلمية تقسم الدراسة الى مستويات ثلاثة:

ا. المقدمات، وهي دراسة العلوم المساعدة في الاستنباط، مثل العلوم العربية والمنطق والكلام وغيرها، وكذلك‏المعلومات الاولية الفقهية.

ب. السطح، وهو دراسة النصوص الفقهية والاصولية المعقدة نسبيا وذات الطبيعة الاستدلالية.

ج. الخارج، وهو الدراسة المفتوحة للفقه والاصول ذات الطبيعة الاستدلالية والتي يتولى الاستاذ تهيئة الموضوع ‏وطرحه للاستدلال والمناقشة والتي يتم تخريج المجتهدين على اساس هذا المستوى من الدراسة.

 

45- لقد كان هذا الموقف يشبه موقف بعض الناس من تاسيس المدارس الحديثة او مدارس البنات، ولكنه اكثرشدة.

46- بعد وفاة الامام الحكيم وتعليقا على مرجعيته ودورها في الامة كان الشهيد الصدر يقول على ما اتذكر ان المسؤولية‏اصبحت كبيرة والمعركة اكثر ضراوة بسبب ان الاعداء قد فتحوا عيونهم على «المرجعية‏» وقدرتها والامكانات الكبيرة‏الموجودة بالقوة فيها وما يمكن ان تقوم به من تعبئة للامة في المواجهة مع الاعداء والدفاع عن الاسلام والامة.

47- كانت فكرة الشهيد الصدر، في «النظام الطبيعي‏»، هي الاحتفاظ بنظام الحوزة العام وعدم تغييره، ولكن ادخال ‏اصلاحات اساسية فيه مثل تشخيص الاساتذة الجيدين او الجديرين بلقب الاستاذية في وسط الحوزة العلمية وعلى‏ جميع المستويات، ثم الطلب من طلاب العلوم الدينية الدراسة عند واحد من هؤلاء الاساتذة، مع الطلب من الاساتذة‏ انفسهم بوضع تقييم للطلبة في دراستهم، ويكون ذلك هو الاساس في نظام الحقوق المادية والرواتب وغيرها،والمعنوية من الدرجة العلمية والارساليات والوكالات وغيرها التي يحصل عليها طلاب العلوم الدينية.

48- كان ذلك في بداية سنة 1392ه 1972م.

49- كان اعتذار هذا الاخ عن هذا الموضوع كما حدثني الشهيد الصدر هو انه كان يعتقد انه مشمول بالاستثناء  الذي‏ ذكرناه في الفقرة ((293)) آنفا، وانه لم تتهيا له الفرصة لان يبلغ بالقرار جميع المرتبطين وقد عاجلته الاحداث، ولكن ‏الشهيد الصدر لم يكن مقتنعا بكفاية هذا العذر لارتكاب هذا الخطا الكبير كما صرح بذلك، وكان يرى على الاقل ضرورة‏اخباره بهذا الامر، خصوصا وان الشهيد الصدر لم يكن على علم بانتساب هذا الاخ للتنظيم الخاص، ولم يكن يظهر عليه‏ شي‏ء من ذلك، واستفاد عمليا وواقعيا من موقعه ومن اعتماد الشهيد الصدر عليه وكذلك اعتماد جهاز الشهيد الصدر واصدقائه على هذا الاخ في الامتداد الواسع في اجهزة مرجعيته والحوزة لقد كان الاخ المذكور مشرفا تربويا على‏احدى المدارس التي اسسها الامام الحكيم، وكان يقوم بنشاط حزبي في هذه المدرسة، الامر الذي اثار بعض ابناء الامام ‏الحكيم، حيث لم يكونوا يوافقون على ذلك، ولكن كاتب هذه السطور كان مسؤولا عن المدرسة وكان يدافع عنه اعتقاد ابعدم صحة هذه الاخبار والاتهامات حتى تبين صحتها بعد ذلك ولعل الاخ المذكور له عذر آخر واللّه اعلم.

50- لقد قمت بابلاغ بيان الشهيد الصدر الى المرحوم الشيخ عارف البصري، وذكر في حينه اننا لا نجد فرقا بيننا

وبين‏الشهيد الصدر ولا يمكن ان نختلف معه، ولكن الاحداث تسارعت واعتقل الشهيد الشيخ عارف بعد ذلك بمدة قصيرة،ثم كانت شهادته المباركة.

51- كتابة الفتوى ونشرها وان كانت تمثل موقفا سياسيا، ولكنها، في الوقت نفسه، تعبر عن خلفية فكرية ونظرية

للشهيدالصدر ابلغها شفهيا قبل صدور الفتوى، وقد عارض بعض الطلبة مع الاسف البلاغ الشفهي، ولم يقبلوه بل تحدثوا عن‏ الشهيد الصدر بحديث غير لائق، وصبر عليهم الشهيد الصدر حتى تطورت الاحداث فدونها وابلغها للامة.

52- وخلاصة القصة، في موضوع انتفاضة 17 صفر: ان الدكتور السيد مصطفى جمال الدين الاديب والشاعرالمعروف‏التقى بالشهيد الصدر عصر يوم السابع عشر من صفر بعد الاحداث الاليمة والعودة التي وقعت في «خان‏النص‏» والتي ذهب ضحيتها بعض الشهداء، وفيهم امراة لبنانية، وطلب من الشهيد

الصدر ان يتدخل في تهدئة الاوضاع‏قبل ان تنفجر في صراع دموي واسع يذهب ضحيته عدد كبير من الناس لا يعلمه الا اللّه. وقد كانت خطة الحكومة تعتمد على الخطوات الاتية:

1 استفزاز الناس واصحاب الشعائر ليقوموا باعمال شغب عامة.

2 الطلب من رجال الدين والوجهاء التدخل لتهدئة الاوضاع، وكانت تفترض ان الشعب سوف يرفض ذلك.

3 القيام بتوجيه ضربة عسكرية واعتقال العناصر المؤثرة لمنعهم من الوصول الى كربلاء. وكانت الحكومة تشعر بحرج كبير لهذا التحدي الجماهيري الكبير لها لاول مرة بعد مرجعية الامام الحكيم (ره).

وقد قامت الحكومة بالخطوة الاولى، ونجحت فيها، ثم قامت بالخطوة الثانية فارسلت وفدا من كربلاء واجهته الجماهير بالرفض، وطلبت بعد ذلك ارسال وفد من قبل آية اللّه السيد الخوئي وآية اللّه الشهيد الصدر. وراى الشهيد الصدر الاستجابة لهذا الطلب، وطلب مني ان اقوم بهذه المهمة فذكرت له بعض المخاوف من خطة ‏الحكومة

للخداع وتسويغ ضرب الجماهير، ولكنه(قده) كان يرى صحة هذا العمل واستخرت اللّه مرتين للاصرار على‏الرفض فجاءت الاستخارة نهيا. فتوكلت على اللّه تعالى بعد ان وضعت خطة في ذهني للاحتياط للامة وللقضية وكانت المعركة التي يدور حولها الصراع ‏هي استمرار الشعائر الحسينية كما تريد الجماهير او منعها كما تريد الحكومة، فطلبت من الحكومة ان اتلقى الطلب‏ رسميا وان تتعهد رسميا بالانسحاب عن قرارها بالمنع لا نقل ذلك الى الجمهور واطلب منهم الهدوء بعد ان استجابت ‏الحكومة لمطاليبهم. وعلى اساس ذلك، اجتمعت بالمحافظ، وهي اول مرة اجتمع فيها بالمحافظ، وهو «جاسم الركابي‏»، في داخل مركزالنجف طوال حياتي، واستمعت اليه يعلن رسميا التراجع عن موقف الحكومة، وذهبت الى خال النخيلة في ليلة ظلماءمطيرة وعاصفة. وكان الجمهور متفرقا في زوايا الخان واواوينه والمكان مظلم، ولما عرف بعضهم بورودي اجتمع عدد منهم في حدودعشرين شخصا وكان فيهم بعض المسؤولين عن ادارة المسيرة، وتحدثت اليهم ان موقفنا معهم ونحن نقف الى جانبهم‏في هذه المطاليب والشعائر يجب ان تستمر، فاخذوا يتظلمون من العدوان والاستفزاز والقتل، وكانوا يشعرون بالحرج‏ويرحبون باي حل لهذه المشكلة ويتخوفون من الغدر. فاتفقت معهم على هذه الصيغة، وهي ان يلتزموا بالانضباط بالشعائر وتلتزم الحكومة علنا في خطاب جماهيري‏بالتراجع عن قرار المنع، على ان يتم هذا الخطاب صبيحة اليوم الثاني في «خان النخيلة‏»، ومن هناك تنطلق المسيرة الى‏زيارة الامام الحسين (ع) بصورة منظمة. وبعد هذا الاتفاق، رجعت الى النجف واجتمعت مرة اخرى مع المحافظ، وكان الوقت متاخرا قريبا من منتصف‏الليل. ورايت المحافظ كانه قد فوجى بهذه النتائج والاتفاق، فقال: سوف اتصل بالقيادة البعثية في بغداد ويبلغني بالنتائج‏صباحا لنذهب الى خان النخيلة مرة اخرى. ولكنه لم يتصل الى الساعة التاسعة صباحا، واتصل السيد مصطفى جمال الدين في ذلك الوقت وابلغته ما حدث وعدم‏اتصال المحافظ. ثم ان المحافظ، بعد قليل، اتصل وقال: ان اصحاب الشعائر الحسينية قد قطعوا الشارع العام منتصف الليل (وكان ذلك‏كذبا) فاضطرت (القيادة!) ان تستخدم الجيش والقوات المسلحة لاقرار الامن والنظام. وعرفت، بعد ذلك، ان النظام قد استخدم اللواء المدرع الموجود في معسكر مدينة المسيب، وارسل عدة طائرات‏مقاتلة لتكسر حاجز الصوت وتحلق بشكل منخفض لارعاب الناس وحاولوا ايقاف المسيرة، وقاموا باعتقال ابناءالشعب بالجملة. ولكن ابناء الحسين (ع) استمروا في مسيرتهم وسلكوا طريق البساتين والنخيل حتى وصلوا الى هدفهم في صحن الامام ‏الحسين (ع) والعباس سلام اللّه عليه، وحققوا هدفهم رغما عن انف النظام وبالرغم من جميع هذه الاجراءات. وبدات حملة اعتقالات وتعذيب واضطهاد واسعة بعد ذلك، حيث تم اعتقالي بعد ثلاثة ايام، وكذلك اعتقال الشهيدالصدر واخي الشهيد حجة الاسلام السيد علاء الدين واحد عشر الفا من مختلف طبقات الشعب العراقي، وخصوصا ابناء النجف الاشرف والمناطق المحيطة بها، وفيهم عدد كبير من طلبة الحوزة العلمية.

وللاعتقال والتحقيق والتهمة حديث آخر، ولكن النظام حاول ان يلقي بالتهمة والمسؤولية على الخارج (سوريا) علناوالكويت في مراكز التحقيق، وعندما فشل في ذلك اعترف بالحقيقة واهتز الحزب من الداخل وطرد عضوين قياديين‏كانا من اعضاء المحكمة الثلاثة الذين تولوا مسؤولية المحاكمة لامتناعها عن المشاركة في الجريمة، وهما عزت مصطفى‏وفليح جاسم الحسن، وتحمل المسؤولية في المحاكمة كاملة العضو الثالث حسن العامري. وقتل النظام صبرا اكثر من عشرة، وحكم بالسجن المؤبد من دون محاكمة على ستة عشر شخصا كنت احدهم، والتهمة ‏اني كنت قد شجعت الحسينيين على الاستمرار في المسيرة، وطالبت السلطة بالتراجع عن موقفها علنا، وافشلت خطة ‏الحكومة.

53- لقد كلفت بالقيام بهذه المهمة تجاه بعض هذه التنظيمات، واظن ان الشهيد عين احد طلابه الفضلاء لذلك

تجاه ‏تنظيم آخر.

54- لقد ذكرنا ان الشهيد الصدر ضغط على التنظيم الخاص لتاييد موقف مرجعية الامام الحكيم تجاه حكومة البعث في ‏بداية مجيئها الى السلطة، وعند سفر الامام الحكيم الى بغداد. ولكنه لاحظ الموقف المتردد والمتحفظ من التنظيم ‏الخاص، ثم اصبح هذا الموضوع واضحا لديه عند سفره الى بيروت في تلك السنة لغرض التعبئة، حيث كان موقف ‏التنظيم الخاص هو التردد في التعاون المناسب في هذا المجال، ولولا حماسة بعض عناصر التنظيم كالشيخ علي ‏الكوراني من جهة، والعلاقة الوطيدة بين الشهيد الصدر وبعض افراده من طلابه ومريديه، وكذلك الموقف الايجابي للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى بقيادة آية اللّه السيد موسى الصدر، والقاعدة العريضة للمرجعية في لبنان، لما امكن ‏للشهيد الصدر ان يحقق شيئا في هذا المجال. وتوجد رسالة بخط الشهيد الصدر (ره) يتحدث فيها عن هذا الموضوع ‏يشكو فيها هذا الهم والالم، كما كان حديثه حول (المحنة) يعبر عن هذا التصور.

55- لقد كلفني الشهيد الصدر بذلك في سفر 1395ه الى بيروت، كما كلف آخرين بذلك.

56- لا شك في ان خصوصيات الشعب الايراني المتعددة وقوة جهاز المرجعية الدينية والعلماء وعمق وجودها ومايتمتع به الامام الخميني من مواصفات كان لها اثر مهم ايضا في هذه النتائج.

57- الدروس الاساسية في مرحلة الخارج هي الفقه والاصول، والاول اهم من الثاني، ويدرسان عادة خمسة ايام في‏الاسبوع بخلاف التفسير فانه لم يكن اساسيا، ولم يعرف على مستوى المراجع تدريسه في العصور المتاخرة الا نادرا،حيث قام آية اللّه السيد الخوئي بتدريسه لمدة محدودة ثم انقطع عنه.

58- كما اخبرني (رضوان اللّه عليه) بذلك شخصيا.

59- لقد كلفني الشهيد الصدر بكتابة هذه الرسالة، وقد دونتها ثم عرضتها عليه، وبعد اقرارها من قبله تم ارسالها الى‏ الخارج باسمه بعد ان استنسخها بخط يده. واطلعت على نشرها بعد ذلك في صوت الدعوة، وهي النشرة السرية‏الخاصة لحزب الدعوة الاسلامية.

60- تعطل نشاط هذه الحركة بسبب تحول موقف حزب الدعوة منها من المشاركة الى المعارضة، بعد ان قرر الحزب ان‏ ينتقل الى المرحلة السياسية والتصدي العلني وطرح اسمه في هذه المواجهة، ومن ثم فلم يكن يرى مسوغا لوجود هذه ‏الحركة، بل كان وجودها الى جانب الحزب يعبر عن انشقاق في صف الحركة الاسلامية كما كانوا يفسرون بذلك موقفهم‏السلبي منها بعد ذلك.

61- لم يكن في نية الشهيد الصدر الهجرة الى الخارج في تلك المدة، ولكن جاء في البرقية الاشارة الى ذلك، ولم اعرف‏ حتى الان السبب او المغزى من هذه الاشارة، ومن المحتمل وصول انباء الى الامام الخميني بذلك او انه اراد ان ينبه‏الشهيد الصدر الى عدم صحة ذلك لو كان في نيته هذا الامر بهذه الطريقة، او اراد ان يعبر عن دعمه للشهيد الصدر بهذه‏ الطريقة، حيث لم يكن يتوقع الامام ان يقوم النظام بهذه الجريمة الوحشية ضد الشهيد الصدر، وقد نقل هذا الاحتمال‏بعض الاشخاص لي اخيرا.

62- هذه الاحداث هي المعروفة بانتفاضة صفر.

63- تحدثنا عن هذه الفكرة في مقال مستقل نشر في جريدة لواء الصدر.

64- يمكن ملاحظة هذا التقييم والتصور حول النجف والحركة الإسلامية في العراق في ما كتبه السيد حميد روحاني‏ عنها في كتابه: «نهضة الإمام الخميني‏»، وهو شخص كان إلى آخر أيام الإمام على صلة وثيقة بمكتبه، وقد لمست ذلك ‏أيضا عند الهجرة إلى إيران من بعض هذه الأوساط، ولولا تدخل الإمام شخصيا وتكليف آية اللّه السيد الخامنئي بمتابعة‏ قضية العراق لاستمرت المأساة بحجمها الكبير.

65- ذكرت بشكل مختصر هذه الملاحظات في بحث «القدوة في النظرية الإسلامية‏»، وفي بحث «القيادة النائبة‏».

66- لقد تميزت هذه النداءات بطرح سياسي وحدوي يقوم على أساس وحدة الأمة في العراق بين الشيعة والسنة‏والعرب والأكراد والتركمان والمطالبة بالحقوق الأساسية للإنسان، ومنها: الحرية والعدالة والمساواة وان الشعوب هي ‏اقوى من الطغاة، فلا بد من أن يتحقق النصر على يدها إذا وظفت طاقاتها في المعركة، إلى غير ذلك من المفاهيم‏المهمة.

67- وهنا لابد من أن أسجل للتاريخ أن الشهيد الصدر كان يشعر ببعض الإحباط تجاه بعض الأخبار والمواقف في ايران،حيث كان يسيطر على توجيه حركات التحرر أشخاص لا يثقون بالشهيد الصدر ولا بالحركة السياسية الإسلامية العراقية،كالسيد مهدي هاشمي، ويشجعهم بعض الأوساط السياسية العراقية المحيطة بهم ممن يرتبطون بالسيد محمد الشيرازي في ذلك الوقت، وذلك انطلاقا مما ذكرته في الهامش 64.

 

68- انتهت الجمهورية الإسلامية إلى هذا التصور بعد ذلك عندما تم تصور فصل الولاية السياسية عن المرجعية الدينية ‏وإقرار تصدي المجتهد الجامع للشرائط لقيادة الأمة سياسيا وشرعيا (المرجعية السياسية الدينية) حتى لو لم يكن هذا المرجع الديني مرجعا عاما في الفتوى.

69- تشخيص هذا الدور يرتبط بطبيعة الظروف التي تمر بها الامة والمنافسات السياسية والاوضاع التي تعيشهاالمرجعية الدينية، ولكن مهما كانت هذه الاهمية كبيرة فلا يمكن تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها الاسلام والتصميم‏العام للمرجعية من قبل الائمة، وقد اشير اليها في النقاط الاولى والثانية والثالثة.

70- ولذلك هانت التضحية العظيمة والخسارة الفادحة بفقد هذا العالم الرباني المؤيد، وهو الشهيد الصدر (رض)، لانه‏كان يرى ان هذه الجمهورية تمثل القاعدة القوية والضمانة الحقيقية لمستقبل الاسلام، وفي الوقت نفسه يمكن ان‏تتمركز آثار التضحيات في مسيرتها وحركتها فلا يضيع منها شي‏ء.