قد أوصى أمير المؤمنين عليه السلام بعدة وصايا ربانية عظيمة، بقي شعاعها وتوجيهاتها تنير دروب المؤمنين في حياتهم... وأبرز تلك الوصايا.

 

الوصية العامة للإمام علي عليه السلام:

 

يقول عليه السلام في وصيّته:

"بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنّه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون، صلّى الله عليه وآله، ثمّ إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.

ثمّ إنّي أوصيك يا حسن وجميع أهل بيتي وولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربّكم ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: "صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام"، و"أن المبيرة الحالقة للدّين فساد ذات البين"، ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهوّن الله عليكم الحساب.

الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: "من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عزّ وجل له بذلك الجنّة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار".

الله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به أحدٌ غيركم.

الله الله في جيرانكم فإنّ النبي صلّى الله عليه وآله أوصى بهم، وما زال رسول الله صلّى الله عليه وآله يوصي بهم حتى ظننّا أنّه سيورّثهم.

الله الله في بيت ربّكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم، فإنّه إن ترك لم تناظروا، وأدنى ما يرجع به من أَمَّهُ أن يغفر له ما سلف.

الله الله في الصلاة، فإنّها خير العمل، إنّها عمود دينكم.

الله الله في الزكاة، فإنّها تطفئ غضب ربّكم.

الله الله في شهر رمضان، فإنّ صيامه جنّة من النار.

الله الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في معايشكم.

الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، فإنّما يجاهد رجلان: إمام هدى، أو مطيع له مقتدٍ بهُداه.

الله الله في ذرية نبيّكم، فلا يُظلمنّ بحضرتكم وبين ظهرانيكم، وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.

الله الله في أصحاب نبيّكم الذين لم يُحدِثوا حَدثاً ولم يُؤووا مُحدِث، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أوصى بهم، ولعن المُحدِثَ منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدِث.

الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم، فإنّ آخر ما تكلّم به نبيكم عليه السلام أن قال: أوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم.

الصلاة الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفكم الله مَن آذاكم وبغى عليكم، قولوا للناس حُسناً كما أمركم الله عزّ وجل، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّي الله أمركم شراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم عليهم، وعليكم يا بنيّ بالتواصل والتباذل والتبار، وإيّاكم والتقاطع والتدابر والتفرّق، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثمّ والعدوان، واتّقوا الله إنّ الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيّكم، أستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته1.

 

وصايا أمير المؤمنين عليه السلام لزوّاره

وحفَّ به العوّاد، وقيل له: يا أمير المؤمنين أوصِ، فقال: أثنوا لي وسادة، ثمّ قال: الحمد لله حقّ قدره متَّبعين أمره، أحمده كما أحب، ولا إله إلّا الله الواحد الأحد الصمد كما انتسب، أيّها الناس كل امرىءٍ لاقٍ في فراره ما منه يفر، والأجل مساق النفس إليه، والهرب منه موافاته، كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله عزّ ذكره إلّا إخفاءه، هيهات علم مكنون.

أمّا وصيّتي فأن لا تشركوا بالله جلّ ثناؤه شيئاً، ومحمّد صلّى الله عليه وآله فلا تضيعوا سنّته، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذمّ ما لم تشردوا، حمل كلّ امرىء منكم مجهوده، وخفف عن الجهلة، ربّ رحيم وإمام عليم ودين قويم.

أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغداً مفارقكم، إن تثبت الوطأة في هذه المزلّة فذاك المراد، وإن تدحض القدم فإنّا كنّا في أفياء أغصان، وذرى رياح، وتحت ظل غمامة، اضمحلّ في الجو متلفّقه، وعفا في الأرض مخطّها، وإنّما كنت جاراً جاوركم بدني أياماً، وستعقبون منّي جثة خلاء ساكنة بعد حركة، وكاظمة بعد نطق، ليعظكم هدوي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي، فإنّه أوعظ لكم من الناطق البليغ.

ودَّعتكم وداع مرصد للتلاقي، غداً ترون أيّامي، ويكشف الله عزّ وجلّ عن سرائري، وتعرفوني بعد خلوّ مكاني وقيام غيري مقامي.

إن أبقَ فأنا وليّ دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة ولكم حسنة، فاعفوا واصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة، أو يؤديه أيّامه إلى شقوة.

جعلنا الله وإيّاكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة، أو تحلّ به بعد الموت نقمة، فإنّما نحن له وبه.

ثمّ أقبل على الحسن عليه السلام فقال: يا بنيّ ضربة مكان ضربة ولا تأَثّم2.

 * راجع: شهيد المحراب-مقتل أمير المؤمنين ع، معهد سيد الشهداء ع للمنبر الحسيني، ط1، ص 31-37.

 ــــــــــــــ

 1- راجع حول هذه الوصية: الكليني: الكافي، ج7، ص49 / الحراني ابن شعبة: تحف العقول، ص197-199 / الطوسي: تهذيب الأحكام، ج9، ص176-178 وغيرهم مما هو كثير.

2- الكليني: الكافي، ج1، ص299.