عنصر الجهاد في حياة الأئمة (عليهم السلام)

بحث لسماحة ولي أمر المسلمين الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله)

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمد الله وأشكره، ففي هذا الجمع المبارك تتحقق إحدى الأمنيات القديمة المنسية وهي ذكر أهل البيت (عليهم السلام).

إن غربة الأئمة (عليهم السلام) لم تقتصر على الفترة الزمنية التي عاشوها في حياتهم، وإنّها استمرت ولعصور متمادية من بعدهم، والسبب في ذلك يرجع إلى إهمال الجوانب المهمة، بل والأساسية من حياتهم.

من المؤكد أن هناك كتباً ومؤلفات كثيرة قد حَظِيت بمكانة رفيعة وقديرة، وذلك لما حملته بين طياتها من روايات تصف حال الأئمة (عليهم السلام)، ولما نقلته للأجيال المتعاقبة من أخبار تصف سيرتهم، ولكن عنصر المواجهة والجهاد المرير والذي يمثل الخط الممتد للأئمة (عليهم السلام) طوال 250 سنة من حياتهم كان قليل الذكر في هذه الروايات التي تضمنت فقط عناوين أخرى كالجوانب العلمية أو المعنوية من سيرتهم.

يجب علينا أن ننظر إلى حياة الأئمة (عليهم السلام) كأسوة وقدوة نقتدي بها في حياتنا لا كمجرد ذكريات قيمة وعظيمة حدثت في التاريخ. وهذا لا يتحقق إلا بالاهتمام والتركيز على المنهج والأسلوب السياسي من سيرة هؤلاء العظماء (عليهم السلام).

أنا شخصياً عندي رغبة شديدة للاطلاع على هذا الجانب المهم من حياتهم، وأول مرة شعرت بأهمية هذه المسألة كان عام 1350هـ.ش (1971م) وهي مراحل المحنة التي سبقت الثورة. ومع أنني قبل تلك الفترة كنت أنظر إلى الأئمة (عليهم السلام) بعنوان أنهم شخصيات مجاهدة ومكافحة لإعلاء كلمة التوحيد وإقامة الحكومة الإلهية، إلا أنّ النقطة المهمة التي وصلت إليها في تلك الفترة هي أنه وعلى الرغم من الاختلاف الظاهري بين سيرهم (عليهم السلام) (حتى إن البعض ليشعر بالاختلاف الشاسع والتناقض فيها)، إلا أنها عبارة عن مسيرة واحدة وحياة واحدة استمرت 250 سنة ابتداءً من سنة 11هـ إلى 260هـ؛ أي انتهت عام الغيبة الصغرى للإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف).

إذن فالأئمة عليهم السلام جميعهم عبارة عن شخصية واحدة لها هدف واحد، ولذلك فإننا وبدل أن ندرس حياة كل من الإمام الحسن (عليه السلام) والحسين (عليه السلام) والسجاد (عليه السلام) بصورة منفصلة عن الأخرى، أو حتى لا نقع في خطأ ما اعتقده الآخرون بوجود عنصر التناقض بين حياتهم (عليهم السلام)، فلندرس ذلك بصورة شمولية. فمن هذا المنظار تصبح كل حركات هذا الإنسان العظيم المعصوم قابلة للفهم والإدراك.

إن أي إنسان يملك نوعاً من العقل والحكمة، ولا نقول يملك نوعاً من العصمة، تكون له خطط واختيارات موضوعية خاصة خلال حركته الطويلة المتتابعة. وقد يجد هذا الإنسان أنه من الضروري أن يُسرع في حركته مثلاً وأحياناً أخرى يُبطئ فيها، وحتى من الممكن أن يتراجع تراجعاً حكيماً في مواضع أخرى. والإنسان العاقل والحكيم والعارف سيرى ـ بالنظر لهدف هذا الإنسان ـ في هذا التراجع، حركة نحو الأمام وتقدماً.

من هذا المنظار تعتبر حركة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) والإمام والمجتبى (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام) والأئمة الثمانية المعصومين (عليهم السلام) من ولدهم حركة واحدة ومستمرة. فأنا ومن تلك السنة توصلت الى هذه الحقيقة التي ذكرتها، وبهذه النظرة نظرت إلى حياتهم (عليهم السلام)، وكلما تقدمت في مسيرتي هذه تأكدت عندي هذه النظرة والعقيدة.

وطبعاً لا يمكن أن نوسع الكلام في هذا الباب خلال هذا اللقاء القصير، ولكن يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن حياة هؤلاء المعصومين من عظماء آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي حياة ذات طابع سياسي، ويجب أن يُخصص لهذا الجانب دراسة خاصة. وأنا اليوم سأتطرق إلى هذا الجانب من خلال بحثنا هذا.

لقد تحدثت السنة الماضية عن نضال الإمام الرضا (عليه السلام)، وأود اليوم أن أبين هذا الموضوع بالتفصيل؛ أولاً ماذا نقصد عندما ننسب المواجهة السياسية أو النضال السياسي للأئمة (عليهم السلام)؟ إن المقصود من هذا الكلام أن جهاد الأئمة (عليهم السلام) لم يكن جهاداً علمياً من قبيل النزاعات التي تدور بين الكلاميين والتي نشاهدها عبر التاريخ، مثل النزاع بين المعتزلة والأشاعرة وغيرهم. فلم يكن هدف الأئمة (عليهم السلام) من اجتماعاتهم العلمية وحلقات دروسهم والأحاديث نقل المعارف الإسلامية والأحكام فقط حتى يثبتوا مدرستهم الكلامية الفقهية، بل كان هدفهم يفوق هذا. وأيضاً لم تكن مواجهتهم مواجهة مسلحة كما كان في عهد زيد والذين جاؤوا من بعده أو كما كان في عهد بني الحسن وبعض آل جعفر وغيرهم من الذين عاصروا الأئمة (عليهم السلام). وأريد أن أشير إلى هذا موضوع الذي سأتطرق إليه بصورة مفصلة فيما بعد وهو أن الأئمة (عليهم السلام) لم يستنكروا مواقف هؤلاء أو يحكموا على مثل هذه الحركات بالخطأ بصورة مطلقة، وحكمهم على البعض منها بالخطأ لم يكن بداعي كونها حركات مسلحة، بل لأسباب أخرى مختلفة. فنجد مواقف الأئمة (عليهم السلام) أحياناً أخرى مؤيدة لهذه الحركات، بل وحتى قد اشتركوا في بعضها بصورة غير مباشرة عن طريق المساعدات التي كانوا يقدمونها للثورة. ومن الجدير الالتفات إلى حديث الإمام الصادق (عليه السلام) الذي يقول «لوددت أن الخارجي يخرج من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليَّ نفقة عياله».. إلا أن الأئمة (عليهم السلام) لم يخوضوا مثل هذا الثورات المسلحة ولم يشتركوا فيها بشكل مباشر.

إن مواجهة الأئمة (عليهم السلام) كانت مواجهة ذات هدف سياسي؛ فما هو هذا الهدف إذن؟ الهدف هو عبارة عن تشكيل حكومة إسلامية، وبحسب تعبيرنا حكومة علوية. فكان سعي الأئمة (عليهم السلام) ومنذ وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحتى عام 260هـ هو إيجاد وتأسيس حكومة إلهية في المجتمع. ولا نستطيع أن نقول إن كل إمام كان بصدد تأسيس حكومة في زمانه وعصره، ولكن هدف كل إمام كان يتضمن تأسيس حكومة إسلامية مستقبلية، وقد يكون المستقبل البعيد أو القريب؛ فمثلاً كان هدف الإمام المجتبى (عليه السلام) تأسيس حكومة إسلامية لمستقبل قريب، فقوله (عليه السلام): «ما ندري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين» في جوابه للمسيب ابن نجيه ولآخرين عندما سألوه عن سبب سكوته هو خير دليل وإشارة إلى هذا المستقبل. وأما الإمام السجاد (عليه السلام)، وحسب اعتقادي، كان يهدف لتأسيس الحكومة الإسلامية في المستقبل الآتي من بعده؛ وفي هذا المجال لدينا شواهد سنذكرها فيما بعد. أما الإمام الباقر (عليه السلام) فقد سعى من أجل تأسيس حكومة إسلامية لمستقبل قريب منه، وفيما بعد الإمام الثامن (عليه السلام) كان كل إمام يهدف من تحركاته تأسيس الحكومة على المدى البعيد.

إذن هدف تأسيس الحكومة كان دائماً نصب أعين الأئمة (عليهم السلام)، لكن الزمن المنشود لتأسيسها وقيامها يختلف من إمام إلى آخر. إن كل الأعمال التي كان يقوم بها الأئمة (عليهم السلام)، بغض النظر عن الأمور المعنوية والروحية التي تهدف إلى تكامل ورقي النفس الإنسانية وقربها الى الله تعالى، كانت أعمالاً تهدف إلى تأسيس هذه الحكومة الإسلامية، فنشاطاتهم في نشر العلم والمناظرات التي كانوا يقومون بها ضد خصومهم في العلم والسياسة ومواقفهم إلى جانب جماعة ووقوفهم في وجه أخرى كلها تصب في هذا المجال، وهو تأسيس الحكومة الإسلامية.

إذن فنحن ندعي أن كل هذه الأمور كانت تأخذ منحى واحداً وتهدف إلى تأسيس الحكومة الإسلامية. وأقول ندعي لأنه، وكما قال السيد الطبسي، قد اختلف العلماء وسيختلفون في تفسيرهم لمواقف الأئمة (عليهم السلام). وأنا شخصياً لا أصر على صحة اعتقادي واستنباطي للأمور، ولكن أصر على أن هذه المواقف هي محطة يجب أن نتوقف عندها ونبدأ منها لنستطيع أن نراجع تاريخ حياة الأئمة (عليهم السلام).

خلال السنين الأخيرة سعينا للوصول إلى إدراك مدى علاقة هذا الموضوع (تأسيس الحكومة الإسلامية) بالأئمة (عليهم السلام) ومدى ارتباطه بكل إمام منهم، محاولين الاعتماد في ذلك على أدلة منسدة، إضافة إلى أن هناك أدلة تعتبر أدلة كلية وعامة. فمثلاً إن إمامة الأمة هي النبوة، وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إماماً للأمة… ألخ كما جاء في حديث الإمام الصادق (عليه السلام).

إذن فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نهض من أجل تأسيس حكومة حقة حيث بُني النظام الإسلامي وتأسس آنذاك نتيجة نضال وجهاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). ومن بعدها جاهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً من أجل الحفاظ على هذا النظام واستمراره، ولا يُعقل أن يغفل الإمام الذي يأتي من أجل متابعة مسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مثل هذا الموضوع المهم. إذن فهذا دليل عام. وبالطبع فإن البحث الواسع والالتفات إلى النواحي المختلفة لهذا الدليل يجعلنا نفهمه أكثر، كذلك لدينا أدلة صادرة ونابعة من كلامهم (عليهم السلام) أو مستنبطة من حياتهم العملية، إضافة إلى الظروف والأوضاع التي كانت حينها والتي تستطيع أن تبين لنا مواقف الأئمة، كأن نفهم ما تقصده هذه العبارات «السلام على المعذب في قعر السجون وظلم المطامير ذي الساق المرضوض بحلق القيود».

حول هذا الاتجاه سنتكلم اليوم، كما أريد أن أطرح بعض الاستنتاجات وما أفهمه في خصوص هذا الموضوع خلال اجتماعنا هذا.

إن المطلع على تاريخ الحركة العباسية في الفترة الزمنية من 100هـ إلى 132هـ ش بداية الحكم العباسي لربما يشبّه الحركة الجهادية والسياسية للأئمة (عليهم السلام) بمثل الحركة التي قام بها بنو العباس، ولكننا نقول إن هذا التشبيه غير دقيق، لأنه ربما تشابه شكل الجهاد وخطته، لكن توجد فوارق جوهرية بين الحركتين: مثلاً هدف ومنهج بني العباس يختلف جوهرياً عن هدف ومنهج الأئمة (عليهم السلام)، وكذلك الاختلاف الجوهري يُلاحظ في الشخصيات المجاهدة، فنجد بني العباس تقارب دعوتهم وإعلامهم وأعمالهم دعوة وإعلام آل علي (عليه السلام)، فنجدهم يوحون في أعمالهم في بعض المناطق كالعراق والحجاز أنهم على خط آل علي (عليه السلام) فمثلاً نسبوا سبب ارتدائهم السواد الذي اتخذوه شعاراً في بداية دعوتهم في خراسان إلى الحزن على آل علي (عليه السلام) وما جرى في كربلاء وعلى زيد ويحيى، حيث كانوا يقولون «هذا السواد حداد آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وشهداء كربلاء وزيد ويحيى». وحيث كان يخيل للبعض وحتى لرؤسائهم أنهم يعملون لآل علي (عليه السلام)، إلا أن الواقع لم يكن كذلك. إذن هناك ثلاثة فروق رئيسية بين الحركتين وهي: اختلاف الهدف واختلاف الوسيلة واختلاف الأشخاص.

الآن سوف أتطرق إلى الشكل العام لجهاد ونضال الأئمة (عليهم السلام)، ومن ثم أشير إلى أبرز الجوانب الجهادية في حياتهم (عليهم السلام)، إلا أن هذه الجوانب سأطوي الحديث عنها عند كل من الإمام علي (عليه السلام) والإمام الحسن (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام)، لأنه جرت بحوث عديدة ووافية في هذا المجال ولا أعتقد بأن هناك أية شبهة تحيط هذا المجال في حياتهم.

سوف نبدأ حديثنا من زمن الإمام السجاد (عليه السلام) إلى عصر غيبة الإمام المهدي (عج) وهي الفترة التي تمتد من (61) هـ إلى (260هـ)، يعني خلال مئتي سنة. هذه الفترة الزمنية تتضمن ثلاثة مراحل:

1 ـ المرحلة الأولى: من سنة 61هـ إلى سنة 135هـ (بداية حكم المنصور العباسي): مع بداية هذه الفترة الزمنية تبدأ الحركة الجهادية من نقطة ثم تأخذ عمقاً وشمولاً لتصل إلى أوجها في سنة 135هـ، وهي السنة التي مات فيها السفاح واستلم الخلافة المنصور العباسي، حيث تغير الوضع وظهرت بعض المشاكل التي أدت إلى الحد من التطورات التي كانت آخذة في مسيرتها آنذاك. وقد شاهدنا مثل هذه الأمور والظروف خلال قيامنا وثورتنا وجهادنا.

2 ـ المرحلة الثانية: تبدأ من سنة 135هـ إلى سنة 203هـ أو إلى 202هـ أي سنة شهادة الإمام الرضا (عليه السلام)؛ ففي هذه المرحلة وصلت المواجهة الجهادية إلى مرحلة أعمق وأوسع مما كانت عليه في سنة 61هـ. ولكنها تبدأ بمشكلات جديدة وتتوسع حتى تصل إلى أوجها متقدمة خطوات تجاه مرحلة النصر، حتى سنة شهادة الإمام الرضا (عليه السلام) حيث عادت لتتوقف عندها.

3 ـ المرحلة الثالثة: تبدأ من سنة 204هـ  إلى سنة 260هـ السنة التي استشهد فيها الإمام العسكري (عليه السلام) وبدأت الغيبة الصغرى.. تبدأ المرحلة الثالثة بذهاب المأمون إلى بغداد سنة 204هـ،وفي بداية خلافته يبدأ فصل جديد في حياة الأئمة (عليهم السلام)، ويبدأ عصر المحنة للأئمة (عليهم السلام). ومع أن التشيع كان في وضع أفضل مما كان عليه في السابق، فقد أخذت مشكلات الأئمة تتفاقم وتتسع. وبرأيي أن هذه الفترة هي الفترة التي كان الجهاد والمواجهة فيها من أجل تأسيس حكومة إسلامية على المدى البعيد؛ يعني أن الأئمة (عليهم السلام) لم يكن جهادهم من أجل عصر ما قبل الغيبة وإنما إلى ما بعد الغيبة.

إن لكل مرحلة من هذه المراحل الثلاثة مميزاتها الخاصة وأذكرها بصورة مختصرة:

1 ـ المرحلة الأولى وهي مرحلة الإمام السجاد (عليه السلام) والإمام الباقر (عليه السلام) وقسم من عصر الإمام الصادق (عليه السلام)؛ فبداية هذه المرحلة كانت مؤلمة جداً حيث جرت حادثة كربلاء، التي لم تهز كيان الشيعة فقط وإنما هزت الأمة الإسلامية بأجمعها. ومع أن القتل والأسر والتعذيب كان شائعاً آنذاك ولكن قتل أولاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسر العائلة النبوية ووضع رؤوس آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرماح والاستهانة بمن كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقبل ثناياه، كل هذا قد زلزل العالم الإسلامي وأدهشه. فلم يكن أحد يتوقع أن الأمر سوف يصل إلى هذه المرحلة. ولا أدري مدى صحة الشعر المنسوب للسيدة زينب (عليها السلام):

ما توهمت يا شقيق فؤادي    كان هذا مقدراً مكتوباً

فهذا البيت يشير بلا شك إلى أن هذا الحدث كان غير متوقع آنذاك. فلهذا أخذ الهول والفزع ينتاب الأمة الإسلامية حيث شاهدت ورأت ما لم تكن تتوقعه وتظنه من التنكيل والتعذيب.. لذا انتشر الخوف في كافة المناطق الإسلامية إلا الكوفة (وهذا بفضل التوابين والمختار وثورتهم). أما المدينة وحتى مكة المكرمة فعاشت حالة الخوف هذه بسبب حادثة كربلاء المفجعة، وعلى الرغم من قيام ثورة عبد الله بن الزبير في مكة، فقد ظل الخوف يهدد هذه المدينة.

وأيضاً في الكوفة، وبالرغم من قيام التوابين في سنة 64و 65هـ (حيث كانت شهادة التوابين سنة 65هـ) وما أوجدته من جو «جديد» في البلاد، فإن ذلك لم يدم طويلاً حتى عاد الخوف ثانية بعدما استشهد كل التوابين حتى آخر شخص منهم.

بعد ذلك قاتل أعداء النظام الأموي بعضهم بعضاً؛ فهذا المختار حارب مصعب بن الزبير ولم يستطع عبد الله بن الزبير أن يتحمل المختار الموالي لأهل البيت (عليهم السلام) في الكوفة ولذلك قُتِل المختار على يد مصعب! ومرة أخرى عم الرعب والفزع وخابت الآمال عند الناس. وعندها جاء عبد الملك بن مروان وتسلم سدة الحكم وبعد مدة قصيرة أصبح تمام العالم الإسلامي تحت سيطرة بني أمية وبقي عبد الملك بن مروان متسلطاً وفارضاً سلطته لمدة 21سنة. وهنا من الضروري الإشارة إلى واقعة (الحرة) التي جرت في سنة 64هـ وهي السنة التي هجم فيها مسلم بن عقبة على المدينة، مما أدى إلى زيادة الخوف والرعب في المدينة. واشتدت الغربة على أهل البيت (عليهم السلام) آنذاك والحادثة هي كما يلي:

في سنة 62هـ عين يزيد أحد قواد الجيش الشباب حاكماً على المدينة، وكان شاباً فاقداً للتجربة، وقد دعا بعضاً من أهل المدينة لزيارة يزيد لعله يستطيع أن يحسن علاقتهم به (يزيد). وهيأ يزيد جوائز تناهز الـ 50  ألف و 100 ألف درهم وأعطاها لهم. ولكن هؤلاء، وحيث كان من بينهم الصحابة، وأبناء الصحابة عندما شاهدوا جاه ومقام يزيد اشتد استياؤهم وغضبهم، وعندما رجعوا إلى المدينة أعلن ابن عبد الله بن حنظلة (غسيل الملائكة) فصل المدينة عن الحكومة المركزية آنذاك. فأرسل يزيد مسلم بن عقبة لمعالجة الوضع، فحصلت الكارثة العظيمة، والتي تحدثت عنها كتب التاريخ وخصصت لها فصول تحكي الحوادث الدامية والكوارث المؤلمة التي حدثت آنذاك. هذه الحادثة أدت إلى زيادة الرعب والفزع بين الناس.

والعامل الثاني الذي زاد الرعب والفزع المنتشرين هو الانحطاط الفكري الذي كان يعم الناس في العالم الإسلامي، وهذا كان نتيجة للابتعاد عن التعاليم الدينية خلال عشرين سنة. ولشدة ضعف التعالم الدينية والإيمان والابتعاد عن الحقائق وتفسير القرآن عن لسان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خلال العشرين سنة التي تلت عام 40 هـ ضعُف أساس الإيمان عند الناس وعم الخواء العقائدي في نفوسهم. فإذا وضع الإنسان حياة الناس في تلك الفترة تحت المجهر يجد ما ذكرناه واضحاً ويجده أيضاً من خلال قراءة التاريخ والروايات العديدة.

طبعاً كان للمجتمع آنذاك علماء وقرّاء ومحدثون، وسنذكر ما يتعلق بهم فيما بعد، ولكن عامة الناس كانوا يعانون من الاختلال العقائدي والضعف الإيماني، وقد وصل الوضع إلى أن بعض وجوه الخلافة قد ضعفوا من منزلة النبوة. وقد ذكر في الكتب أن خالد بن عبد الله القسري أحد علماء بني أمية كان يفضل الخلافة على النبوة حيث كان يقول: إن الخلافة أرفع من النبوة! وكان يستدل بقوله: «أيهما أفضل خليفة الرجل في أهله أو رسوله الى أصحابه؟ وهل خليفتكم بين أهلكم أقرب إليكم أو رسولكم إليهم؟ طبعاً إن خليفتكم أقرب إليكم من الرسول. إذن خليفة الله أرفع من الرسول»! حيث كان يقول خليفة الله ولم يقل خليفة رسول الله. وأيضاً إذا لاحظنا شعر شعراء الفترة الأموية وبني العباس نجد أنه ومن عهد خلافة عبد الملك استُعملت كلمة خليفة الله، حيث كُرِرَت في الأشعار آنذاك، بحيث قد ينسى الإنسان أن هناك خليفة لرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). واستمر استعمال وذكر هذا اللفظ إلى زمان بني العباس، وقد هجا الشاعر بن برد يعقوب بن داود والمنصور بهذا التعبير:

ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا        خـلـيـفة الله بـين الـــرق والعبد

فنلاحظ أنهم عندما يريدون هجاء الخليفة يقولون خليفة الله. وقد تكرر هذا اللفظ في أشعار عدد من الشعراء المعروفين مثل الجرير والفرزدق ونصيب، والمئات من عظماء شعراء ذاك الزمان، حيث كانوا يذكرون كلمة خليفة الله في مدائحهم للخلفاء آنذاك.

هذا نموذج من بعض العقائد التي كانت لدى الناس ومستوى إيمانهم، ولم يضعف أساس الإيمان في نفوسهم وحسب، بل انهارت عندهم القيم الأخلاقية. ومن خلال مطالعتي لكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وجدت أنه وفي حدود سنة 80 ـ 90هـ وإلى ما بعد 50 ـ 60سنة كان أعظم المطربين والعازفين والمترفين وعبيد الدنيا يتواجدون في مكة والمدينة، وكلما رغب الخليفة في الشام بسماع الغناء والعزف أو طلب مغنياً أو عازفاً يبعثون له بهم من مكة والمدينة، حيث كان مركز الغناء والطرب! فأسوأ أنواع الشعر وأكثره مجوناً كان في هاتين المدينتين اللتين كانتا مهبط الوحي ومسقط رأس الإسلام، واللتان تحولتا إلى مركز للفساد والمجون!

ومن المفيد أن نعرف هذه الحقائق المؤلمة والمرة لأن التاريخ والكتب التاريخية المتوفرة بين أيدينا فاقدة لمثل هذه الأخبار والحقائق.

لقد كان في مكة شاعر معروف بعمر بن أبي ربيعة، حيث كان يعتبر من شعراء الشعر الخلاعي الفارغ، حيث شهد التاريخ وشهدت المشاهد المقدسة كالطواف ورمي الجمرات وغيرها من المشاهد الأخرى عبثه ودناءته في الشعر حيث قال مرة:

بدا لي منها معصم حيث جمّرت           وكفّ خضيب زُينت ببنان

فو الله ما أدري وإن كنت دارياً            بسبع رمين الجمر أم بثمان

فالمعنى يبين تلك الأوضاع. وعندما مات عمر بن أبي ربيعة يُروى أنه عم العزاء في المدينة وكان الناس يبكون في أزقة المدينة وشوارعها، وأينما ذهبت تجد مجموعة من الشباب يبكون تأسفاً عليه. ويقول الراوي رأيت جارية ماضية في طلب حاجة وفي طريقها كانت تسكب الدموع من عينيها، حتى وصلت إلى مجموعة من الشباب سألوها عن سبب بكائها وذرفها للدموع، أجابت أبكي لأننا فقدنا عمر بن أبي ربيعة. فقال أحد الشباب اهدأي ولا تحزني، يُقال إن هناك شاعر آخر في مكة وهو الحارث بن خالد المخزومي يقول الشعر ويرويه مثل عمر بن أبي ربيعة وقرأ لها أحد أشعاره، وعندما سمعت الجارية بهذا الخبر مسحت دموعها وقالت «الحمد لله الذي لم يخل حرمه»! فهذا كان الوضع الأخلاقي في المدينة، حيث تسمعون الكثير من هذه القصص. سهرات مكة والمدينة لم تقتصر على الطبقة الفاسدة في المجتمع، بل كانت تعم كل الناس كالجائع والفقير والمسكين مثل «أشعب» هذا الشاعر والمهرج المعروف وغيره من عامة الناس وساداتهم من قريش، وهذه الظاهرة عمت أيضاً بني هاشم ولا أحب أن أذكر أسماءهم.. إذن وجهاء قريش من الرجال والنساء غرقوا في الفحشاء الذي عم آنذاك.

يروى أن الحارث بن خالد كان يعشق عائشة بنت طلحة، ففي زمن إمارة الحارث كانت عائشة بنت طلحة في حالة طواف بيت الله الحرام وحان وقت الأذان فأمرت هذه المرأة أن لا يؤذن المؤذن إلا بعد انتهائها من الطواف، فأمر الحارث بتأخير وقت الأذان، فاعترض الناس وانتقدوا الحارث لتأخيره وقت الصلاة لأجل شخص واحد فقال مجيباً: «فو الله لو طال طوافها إلى صباح الغد لأمرت بتأخير الأذان حتى الصباح»! هكذا كان وضع الفساد الفكري والأخلاقي السائد بين الناس.

العامل الآخر هو الفساد السياسي. فما ذكرنا كان وضع كبار الشخصيات الذين تشبثوا بفضلات الحياة المادية لرجال الحكومة آنذاك، وأمثال هؤلاء محمد بن شهاب الزهري؛ فهذه الشخصية كانت تعتبر من العظماء ومن تلامذة الإمام السجاد (عليه السلام) فالإمام (عليه السلام)، استطاع أن يفضح حقيقة هؤلاء من خلال رسالة كتبها لتكون حجة للتاريخ وتبين العلائق المادية التي كانوا يتمسكون بها.

وهناك الكثير من أمثال محمد بن شهاب، حيث نقل العلامة المجلسي عن بن أبي الحديد ما يثير ويهز المشاعر؛ فقد نقل في البحار عن جابر أن الإمام السجاد (عليه السلام) قال: «ما تدري كيف نثق بالناس، إن حدثناهم بما سمعنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضحكوا (فإنهم لا يكتفون بالرفض وإنما يضحكون استهزاءً) وإن سكتنا لا يسعنا». ومن ثم يذكر ابن أبي الحديد أسماء عدد من الشخصيات ورجال ذلك الزمان من الذين كانوا من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ثم انحرفوا فيما بعد، وبعدها ينقل رواية عن الإمام السجاد (عليه السلام): «ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبوننا»! هكذا كان الوضع في زمان الإمام السجاد (عليه السلام).

وفي ظل هذه الظروف بدأ الإمام (عليه السلام) بعمله وبتحقيق هدفه العظيم، وهو ذات الوقت الذي أشار فيه الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً: «ارتد الناس بعد الحسين (عليه السلام) إلا ثلاثة، وهم: أبو خالد الكابلي ويحيى ابن أم طويل وجبير بن مطعم».

في ظل ذاك الوضع وعلى هذه الأرض الصحراوية بدأ الإمام السجاد (عليه السلام) بعمله. فماذا يجب على الإمام السجاد (عليه السلام) فعله ليحقق هدفه؟ كانت تقع على عاتق الإمام السجاد ثلاث مسؤوليات:

أولاً: يجب على الإمام (عليه السلام) أن يُعرف الناس على العلوم والمعارف الإسلامية التي لا يمكن بدونها أن نقيم حكومة إسلامية؛ فعندما نعمل على تعريف الناس على المعارف الدينية يصح أن نأمل بإقامة مثل تلك الحكومة.

ثانياً: إن مسألة الإمامة كانت قد ابتعدت عن أذهان الناس، لذا كان من الضروري توضيحها لهم لتقبلها أذهانهم. فماذا تعني الإمامة؟ وما هي شروط الإمامة؟ إن توضيح هذا الأمر ضروري لأن الناس آنذاك كانوا يرون في عبد الملك بن مروان إماماً، حيث كان زعيم المجتمع.

وسأذكر لاحقاً وفي بحث (الإمام) أن استنباطنا وفهمنا لمعنى الإمام خلال القرون الأخيرة يختلف تماماً عن معنى ومفهوم الإمام الذي كان سائداً في صدر الإسلام وكما هو سائد الآن في ظل الجمهورية الإسلامية في إيران؛ ففي ذلك الزمان (صدر الإسلام) كان كلا الموافقين والمخالفين للأئمة (عليهم السلام) يقولون في الإمام أنه قائد الأمة، يعني حاكم الدين والدنيا، بينما لم يُفهم موقع الإمام كذلك خلال القرون الثلاثة الأخيرة، فقد كان حينها للمجتمع وللأمة فرد مسؤول عن جباية الأموال والحروب وتأمين الاستقرار وإدارة أمور الشعب ودوائر ومؤسسات الدولة، وهو الذي يشكل الحكومة ويدعى بالحاكم، وأيضاً لها (أي للأمة) شخص آخر يحل ويفصل في أمور الناس الدينية ويصحح عقائد الشعب ويعلمهم دينهم وصلاتهم وغيرها من قبيل هذه الأمور، وهو ما يسمى بالعالِم، وأصبح الإمام بمثابة العالم في المراحل القريبة. فالخليفة هو الذي يفصل بين الناس، والإمام هو الذي يصلح دينهم وأخلاقهم.. هكذا كان فهم الإمامة خلال القرون الأخيرة. ولكن هذا المعنى كان يختلف عن معناه خلال فترة صدر الإسلام؛ فكان الإمام يعني قائد الأمة وزعيمها الديني والدنيوي، فبنو أمية ادعوا هذا المنصب وكذلك من بعدهم بنو العباس، حيث كانوا يدعون أن الإمامة لهم.

إذن فالأمة وفي زمن الإمام السجاد (عليه السلام) كان لها إمام وهو عبد الملك بن مروان، لذلك كان على الإمام السجاد (عليه السلام) آنذاك أن يُبين للناس معنى الإمامة وشروطها وجهتها، وما هي الأمور المفروض توفرها في الإمام، وما هي الأمور التي بفقدانها لا يمكن أن يكون الشخص إماماً.

ثالثاً: الذي يجب أن يفعله الإمام (عليه السلام) هو أن يعلن نفسه إماماً للأمة؛ وقد انصب جهد الإمام وعمله على الأمر الأول، لأن الظروف لم تكن تسمح لإعلان الإمام السجاد (عليه السلام) إمامته. كان يجب أن يُصلح دين الأمة، ويجب أن تُهذب أخلاق الناس، ويجب أن يُخلص الشعب من الفساد الذي كان سائداً آنذاك، ويجب أن تُوجه الأمة معنوياً ليرجع أساس الدين إلى الأمة والمجتمع.. ولذا ترون أن أكثر الكلام المنقول عن الإمام السجاد (عليه السلام) في الزهد، وحتى في بداية كلامه وخطبه التي تتضمن معنى سياسياً، نجده يبدأها بالكلام حول الزهد، حيث يقول (عليه السلام): «إن علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين عنها في الآخرة…إلخ». وفي كلام آخر يصف الدنيا قائلاً: «أولا حر يدع هذه اللماظة لأهلها، فليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، ألا فلا تبيعوها بغيرها».

كلمات الإمام (عليه السلام) كلها كانت تحمل بين طياتها الزهد والمعارف الإسلامية وكان يطرح المعارف الإسلامية ويبينها من خلال الدعاء، وذلك لأن الظروف الصعبة والاختناق الذي كان مسيطراً على الشعب لم يكن يسمح للإمام السجاد (عليه السلام) أن يتكلم ويطرح آراء بصورة صريحة وواضحة، فليست السلطة وحدها كانت مانعة وإنما الناس أنفسهم كانوا يرفضون هذا؛ المجتمع كان قد أصبح مجتمعاً ضائعاً وكان من الواجب إصلاحه.

من عام 61هـ إلى 95هـ كانت حياة الإمام السجاد (عليه السلام) على ما ذكرنا، وكلما كان يمضي الوقت كان الوضع يتحسن، حتى قال الإمام الصادق (عليه السلام)، كما ذكرناه سابقاً، «ارتد بعد الحسين…» إلى أن قال «ثم أن الناس لحقوا وكثروا».

وفي زمن الإمام الباقر كان الوضع قد تحسن عما كان عليه في زمن السجاد (عليه السلام)، وهذا بفضل سعي الإمام السجاد خلال 35سنة.

كذلك نجد أن الإمام السجاد (عليه السلام) قد ذكر مسألة بناء الكوادر وتهيئتها خلال كلامه وأحاديثه؛ ففي الكتاب الشريف (تحف العقول) نُقل حديث طويل عن الإمام السجاد (عليه السلام) حول هذا الموضوع؛ أني آسف لأنني لم أستطع أن أبحث في بقية الكتب الأخرى حول الكلام الذي نقل عن الإمام (عليه السلام) وذلك لضيق الوقت، ولكني لا أعتقد أن هناك ذكر لغير هذا الحديث أو بمقدار طوله، نعم توجد كلمات قصار عنه أما أحاديث وخطب طويلة فلا أعتقد بوجودها، إلا التي نقلت في كتاب «تحف العقول».

إن مضمون الأحاديث وطريقة الخطاب (في هذا الكتاب) تبين ما كان يقصده ويفعله الإمام السجاد (عليه السلام)، وسنرى من خلال هذه الأحاديث الثلاثة التي سأذكرها أن الإمام السجاد (عليه السلام) عندما كان يخاطب عامة الناس كان يبدأ بعبارة: «يا أيها الناس» ومن خلال حديثه كان يشير إلى جُملة من العلوم والمعارف الإسلامية (فقد ذكر فيها موت الإنسان والسؤال في القبر وعن الرب والإمام) في هذا الخطاب نوع من الرفق والرقة وهو يناسب عوام الناس المراد تبليغهم آنذاك. هناك حديث آخر يبدأ بنوع آخر من الألفاظ ويُفهم من مضمونه أن الخواص هم المقصودين فيه حيث بدأه (عليه السلام) بـ «كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبارين، لا يفتنكم الطواغيت»، فلا يخاطب الحديث هنا عامة الناس وإنما فئة خاصة من الناس. هناك نوع ثالث يبين أن المقصودين به هم خاصة الخواص من الناس وزبدتهم، ويمكن أن يكون المخاطبون هم الأصحاب المطلعين على أسرار الإمامة وهدف مساعي الإمام (عليه السلام) آنذاك ومن زمرة المحافظين على أسرار الإمامة، حيث يبدأ الخطاب بهذه الألفاظ: «إن علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة تركهم كل خليط وخليل ورفضهم كل صاحب لا يريد ما يريدون».ويمكن أن نحتمل ونقدر أن الإمام السجاد (عليه السلام) وخلال هذه المدة كان له نوعان أو ثلاثة أنواع من الأحاديث التي تتضمن قيماً وتعاليم إسلامية؛ ففي بعضها أشار إلى النظام الحاكم وطواغيت ذلك الزمان، وفي بعضها الآخر اكتفى بالإشارة إلى المسائل والمفاهيم الإسلامية؛ هكذا كانت حياة الإمام السجاد (عليه السلام) حيث استطاع، وخلال 35 سنة، أن يخلص وينُجي الناس الجهلة من براثن شهواتهم من جانب، ومن تسلط النظام الحاكم المتجبر وشباك علماء السوء وعملاء البلاط الحاكم من جانب آخر. واستطاع كذلك أن يوجد ثلة مؤمنة وصالحة تصلح لأن تكون قاعدة وأساساً للعمل في المستقبل. وطبعاً الجزئيات المتعلقة بحياة الإمام السجاد (عليه السلام) تحتاج إلى حديث يطول.

الآن يأتي دور الإمام الباقر (عليه السلام)، حيث نجد في عهد الإمام الباقر (عليه السلام) الاستمرار على هذا الخط والمنهج، ولكن الوضع في زمن الإمام الباقر (عليه السلام) كان قد تحسن، وهنا أيضاً كان التركيز على المعارف الإسلامية وعلومها.

الناس في هذا العصر لم يعودوا متصفين بعدم الاكتراث وعدم الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) كما كانوا عليه؛ فعندما كان يدخل الإمام الباقر (عليه السلام) إلى المسجد كان الناس يجلسون حوله ويحيطون به ليستفيدوا منه. ويروي الراوي قائلاً: «رأيت الإمام الباقر (عليه السلام) في مسجد المدينة وحوله أهل خراسان وغيرهم»؛ يعني يحيط به أناس من أقصى البلاد كخراسان ومناطق أخرى، وهذا يدل على أن أمواج التبليغ كانت قد عمت العالم بأجمعه، وأصبحت قلوب الناس ومن أقصى العالم تقترب من أهل البيت (عليهم السلام). وفي رواية أخرى ذكر «احتوشه أهل خراسان» يعني جلسوا حوله وأحاطوه. وكان الإمام الباقر (عليه السلام) يعلمهم مسائل الحلال والحرام، حيث كان كبار العلماء يأتون إليه ويتلقون علومهم عنده، ومن بينهم عكرمة، الذي يعتبر شخصية معروفة ومن تلامذة ابن عباس؛ فعندما أتى إلى الإمام الباقر (عليه السلام) أصابته رجفة وسقط في حضن الإمام (عليه السلام) وقال: «يا بن رسول الله، أصابني أمامك ما لم يصبني من قبل أمام أحد من الناس». فأجابه الإمام (عليه السلام) قائلاً: «ويحك يا عُبيد أهل الشام! إنك بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه». وأيضاً شخص آخر مثل أبي حنيفة، والذي كان يعتبر من عظماء فقهاء ذاك الزمان، كان يأتي ويتلقى علومه على يد الإمام الباقر (عليه السلام). وغيره من بقية العلماء كانوا يتلقون علومهم على يده (عليه السلام)، حتى وصلت شهرته العلمية إلى كل أرجاء العالم وعُرف بباقر العلوم.

تلاحظون أن الوضع الاجتماعي والعاطفي واحترام الناس للأئمة (عليهم السلام) قد تغير في عهد الإمام الباقر (عليه السلام)، وبهذا نجد أن الحركة السياسية للإمام الباقر (عليه السلام) أصبحت أشد وضوحاً. وإننا لا نجد في خطاب الإمام السجاد (عليه السلام) لعبد الملك بن مروان ما يُشير صراحة وبشكل واضح إلى الاعتراض عليه، فعندما كان عبد الملك بن مروان يكتب الى الإمام السجاد (عليه السلام) عن موضوع معين كان الإمام (عليه السلام) يجيبه (طبعاً جواب ابن رسول الله دائماً قوي ومحكم) بطريقة لا تحتوي على العداء الصريح.

 أما الإمام الباقر (عليه السلام) فقد غير حركته لتغير الوضع آنذاك، بحيث أصبح هشام بن عبد الملك يحس بالرعب والفزع من وجوده (عليه السلام)، وكان هشام يرى أنه من الضروري أن يضع الإمام (عليه السلام) تحت المراقبة، وكان ينوي أن ينقل الإمام (عليه السلام) إلى الشام. طبعاً، الإمام السجاد (عليه السلام) وفي عهد إمامته (بعد المرحلة الأولى التي بدأت من كربلاء) قُيّدَ بالأغلال وحُمِلَ إلى الشام! لذا فالوضع في زمن الإمام الباقر (عليه السلام) قد تغير، ونجد أن أسلوب الكلام أصبح أكثر حدة.

رأيت عدة روايات تصف مباحثات الإمام الباقر مع أصحابه حول مسألة الخلافة والإمامة ويلاحظ فيها الأمل بالمستقبل؛ وإحدى هذه الروايات هي رواية في بحار الأنوار مضمونها «كان منزل أبي جعفر (عليه السلام) مزدحماً بالناس وجاء رجل مسنّ يستند بعصاه وسلم مظهراً محبته وجلس إلى جانب الإمام الباقر (عليه السلام) وقال: «فو الله إني لأحبكم وأحب من يحبكم؛ فو الله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في الدنيا. وأنني لأبغض عدوكم وأبرأ منه، فو الله ما أبغضه وأبرأ منه، لوترٍ كان بيني وبينه. والله إني لأحلّ حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم، فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟». يعني هل تأمل أن يأتي يوم وأرى نصركم. فأنا منتظر أمركم، يعني منتظر وصول عصر حكومتكم وولايتكم؟

وتعبير «أمر، وهذا الأمر أمركم» إشارة إلى الحكومة، فالحكومة آنذاك كان يعبر عنها بالأمر، سواء في تعابير الأئمة (عليهم السلام) وأصحابهم أو عند مخالفيهم؛ فمثلاً في كلام هارون إلى المأمون جاء «والله لو تنازعت معي في هذا الأمر» تعبير هذا الأمر يعني الخلافة والإمامة.

أنتظر أمركم يعني أنتظر خلافتكم. وهنا يسأل هل تأملون أن أدرك ذاك اليوم؟ فأجابه أبو جعفر (عليه السلام) أي أي… حتى أقعده على جنبه ثم قال: «أيها الشيخ، إن علي بن الحسين (عليه السلام) أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه».

يعني سُئِل الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) نفس هذا السؤال، ولكننا لا نجده خلال الروايات التي نقلت عنه، ونفهم من هذا أن الإمام (عليه السلام) لو كان قد قالها في جمع من الناس فهذا يعني أنه قد سمعها الآخرون، وكان لا بد أن تصلنا، لذا فالاحتمال القوي هو قولها سراً. وهنا يقول الإمام الباقر (عليه السلام) علناً: «إن تمُت ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى علي والحسن والحسين وعلى علي بن الحسين يثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل الروح والريحان مع الكرام الكاتبين، وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الأعلى».

إذاً، الإمام (عليه السلام) لا يُدخل اليأس على قلبه بل يقول: إذا مُت فسوف تُحشر مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوليائه وإذا بقيت تكون معنا. فهذا المعنى في كلام الإمام الباقر يعطي للشيعة الأمل بالمستقبل. وفي رواية أخرى بين فيها زمان النهضة، وهذا لشيء عجيب جداً؛ فعن أبي الحمزة الثمالي وبسند قوي ـ كما جاء في الكافي ـ قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «يا ثابت، إن الله تبارك وتعالى قد وقت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين (عليه السلام) اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة، وحدثناكم الحديث فكشفتم قناع الستر، ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتاً عندنا، ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب». بعدها يقول أبو حمزة: فحدثت بذاك أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: قد كان كذلك. وواقعاً لو لم تحدث تلك التحولات بعد سنة 135هـ وقد ذكرت أهميتها، ففي ذلك الوقت أتى المنصور على رأس الحكم، فلو لم تأتِ حادثة بني العباس، كأن التقديرات الإلهية كانت تكشف على أنه ستقام الحكومة الإلهية الإسلامية في سنة 140. وهناك بحث آخر وهو هل كان الأئمة فعلاً متوقعين حدوث هذا الأمر أم أنهم كانوا قد عرفوا أن القضاء الإلهي على خلاف ذلك؟ اللافت أن من خصوصيات زمان الإمام الباقر هي هذه الآمال والوعود.

وللتعرف على حياة الإمام الباقر (عليه السلام) نحتاج إلى ساعات طويلة متمادية لتكوين صورة عن حياته (عليه السلام)، وأنا قد تطرقت إلى هذا الموضوع سابقاً وبصورة عامة.

إن عنصر الجهاد السياسي في حياة الإمام الباقر (عليه السلام) أكثر وضوحاً، ولا نقصد هنا الجهاد العنيف أو المسلح؛ فعندما جاء زيد بن علي أخو الإمام الباقر (عليه السلام) وسأل الإمام الإذن بالنهوض والقيام، أمره الإمام الباقر (عليه السلام) بعدم القيام فأطاعه زيد بن علي. والبعض اتهموا زيداً ووجهوا له الإهانة لعدم إطاعته الإمام الباقر (عليه السلام) عندما قال له لا تنهض، فهذا اعتقاد وتصور خاطئ، لأن زيد أطاع الإمام (عليه السلام) في عدم نهوضه، ولكنه في عهد الإمام الصادق (عليه السلام) أستأذن زيد ثانية في قيامه ونهضته، ولم يمنعه الإمام الصادق (عليه السلام) آنذاك، بل شجعه عليه. وبعد شهادة زيد تمنى الإمام قائلاً: يا ليتني كنت من زمرة الذين قاموا ونهضوا مع زيد، لذا يجب أن لا يُلام زيد. في هذه الحالة.

نعم الإمام الباقر (عليه السلام) لم يرض بالجهاد المسلح في عهده، ولكن عنصر الجهاد السياسي كان واضحاً في عهده؛ فعنصر الجهاد البارز في حياة الإمام الباقر (عليه السلام) لم نكن نراه في عهد الإمام السجاد (عليه السلام)، وعند انتهاء عهد الإمام السجاد نجد أن الإمام الباقر استمر في جهاده، وذلك في إقامة مجالس العزاء في منى. وحتى إنه أوصى أن يقام له العزاء، ولمدة عشر سنوات في منى (تندبني النوادب بمنى عشر سنين) فهذا استمرار للنضال.

لماذا البكاء على الإمام الباقر في منى، وما هو الهدف منه؟ فمن خلال حياة الأئمة (عليهم السلام) نلاحظ التأكيد والحث على مسألة البكاء، ولقد ظهر هذا التأكيد في الروايات التي ذكرت فضل وأهمية البكاء على ما جرى في حادثة كربلاء.

ولدينا روايات صحيحة ومعتبرة في هذا المجال، ولا أذكر أنه قد أكد على البكاء في حادثة أخرى غيرها، إلا في زمن الإمام الرضا (عليه السلام)، عندما عزم الإمام الرضا (عليه السلام) على الرحيل واقتربت منيته قام بجمع أهله ليبكوا عليه، فهذه الحركة لها دلالة ومعنىً سياسياً يتعلق بالفترة التي سبقت سفره وشهادته (عليه السلام). وفقط زمن الإمام الباقر (عليه السلام) أمَرَ بالبكاء وحتى إنه وصى به بعد شهادته، ووضع 800 درهم من ماله لإنجاز هذه الوصية في "منى". "فمنى" تختلف عن منطقة عرفات والمشعر وحتى مكة؛ ففي مكة الناس متفرقون وكل واحد منهم مشغول بعمله، وعرفات لا يكون المكوث فيها إلا من الصباح حتى وقت (بعد الظهر)، وعندما يأتي الناس إلى عرفات يأتون بعجلة ويسرعون بالرحيل بعد الظهر أيضاً، وذلك ليلتحقوا بأعمالهم. وأما المشعر فلا يدوم المكوث فيه إلا عدة ساعات، فهو ليس إلا ممراً في طريق منى. أما في منى فالمكوث يدوم فيه ثلاث ليالٍ متتالية؛ فقليل من الناس خلال هذه الليالي الثلاث من يذهب إلى مكة ويرجع ثانية، بل أكثر الناس يمكثون الأيام الثلاثة وبصورة مستمرة في منى، وخاصة في ذلك الزمان ومع بساطة الوسائل المتوفرة؛ حيث يجتمع الآلاف من الناس الذين يأتون من جميع أنحاء العالم ويمكثون ثلاث ليال، وكل شخص يعلم أن هذا المكان هو الأنسب لإيصال أي نداء إلى العام، وخاصة في تلك الأيام، حيث تنعدم وسائل الإعلام كالراديو والتلفزيون والجرائد وغيرها من الوسائل الأخرى، فعندما يبكى جماعة على آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن المؤكد أن يسأل الجميع عن سبب البكاء؛ فلا أحد (عادة) يبكي على ميت عادي وبعد مرور سنين طويلة. إذن فهل ظُلِمَ؟ أو قُتِلَ؟ ومَن الذي ظلمه؟ ولماذا ظُلِمَ؟ تُطرَح أسئلة كثيرة من هذا القبيل؛ إذن فهذه حركة جهادية دقيقة ومخطط لها.

ولقد لفتت نظري نقطة في الحياة السياسية للإمام الباقر (عليه السلام) هي أن الأدلة والحجج التي جاءت على لسان أهل البيت (عليهم السلام) في النصف الأول من القرن الهجري حول باب الخلافة هي نفسها التي كررها الإمام الباقر (عليه السلام) وهي إن العرب قد تفاخروا على العجم لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم، وتفاخرت قريش على غيرها لأن النبي منها، وإذا كان هذا صحيحاً، فأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بالتفاخر من الآخرين. ولكن هؤلاء يضعون كل ذلك جانباً ويرون أنفسهم ورثة الحكومة. فإذا كان النبي هو أساس التفاخر في قريش على غيرها وتفاخر العرب على العجم، فالأولى أن نتفاخر نحن آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على غيرنا.

فهذا الاستدلال ذُكر مراراً في الفترة الأولى من القرن الهجري من قبل أهل البيت (عليهم السلام)، فنجد أن الإمام الباقر (عليه السلام) وبين عام 95إلى 114هـ ـ فترة إمامته ـ يُبين هذه الكلمات، واحتجاج الإمام (عليه السلام) في ذلك العصر بشأن الخلافة شيء له دلالة كبيرة.

فعندما ينتهي عصر الإمام الباقر (عليه السلام) يبدأ عصر الإمام الصادق (عليه السلام) من عام 114 إلى عام 148هـ، والإمام الصادق عاصر مرحلتين في هذه الفترة: الأولى تمتد من عام 114هـ إلى 132 أو 135هـ ـ يعني إلى سنة انتصار بني العباس واستلام المنصور للخلافة ـ وكانت تعتبر مرحلة هدوء وسعة، وذلك بسبب النزاع الذي كان دائراً بين بني أمية وبني العباس، فوجد الإمام (عليه السلام) في تلك فرصة لنشر العلوم الإسلامية، ولم يمرّ الإمام الباقر (عليه السلام) بمثل هذه الظروف لأنها كانت خاصة بعصر الإمام الصادق (عليه السلام)؛ ففي عهد الإمام الباقر (عليه السلام) كانت الفترة فترة غطرسة بني أمية، وكان حكم هشام بن عبد الملك الذي قيل فيه: "كان هشام رجلهم"، حيث كان أكبر شخصية بعد عبد الملك، وكانت فترة حكمه في عهد الإمام الباقر (عليه السلام)، ولم يكن في عهده اختلاف أو قوى ليستطيع الاستفادة منها؛ فالحروب الداخلية والاختلافات السياسية كانت في عهد الإمام الصادق (عليه السلام) وفي المرحلة الأولى من عهده (عليه السلام)، ولكن بالتدريج اتسعت دعوة بني العباس، وفي نفس الوقت كانت الدعوة الشيعية في العالم الإسلامي قد وصلت إلى أوجها، وهذا مما لا نقف عنده الآن. وعندما بدأت مرحلة إمامة الإمام الصادق (عليه السلام) كانت الصدامات والحروب منتشرة في العالم الإسلامي كإفريقيا وخراسان وفارس وبلاد ما وراء النهر ونقاط أخرى من العالم الإسلامي، مما سبب مشكلات كثيرة لبني أمية. وهكذا استطاع الإمام الصادق (عليه السلام) في هذه المرحلة أن يستفيد من هذه الفرصة وقام بالتركيز على نفس النقاط الثلاث التي أشرنا إليها في حياة الإمام السجاد (عليه السلام)، وهي: مسألة نشر العلوم الإسلامية، ومسألة الإمامة، وخاصة التأكيد على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)؛ وعلى سبيل المثال: يروي عمر بن المقدام قائلاً: "رأيت أبا عبد الله يوم عرفة بالموقف وهو ينادي بأعلى صوته"، فكان يقول جملة ثم يلتفت إلى الطرف الآخر ويكررها ومن ثم إلى الطرف الآخر.. وهكذا إلى أربعة أطراف، وكل مرة يكررها ثلاثاً، والجملة هي" أيها الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان هو الإمام".

التفتوا إلى نفس استعمال كلمة إمام، كان هذا لأجل لفت أنظار الناس إلى حقيقة الإمامة ولإشاعة هذه الفكرة حتى يُصار إلى التساؤل: هل هؤلاء الحكام المتسلطين على الحكم لائقون بالإمامة أم لا؟

فينادي ثلاث مرات لمن بين يديه ولمن خلفه وعن يساره... اثنا عشر صوتاً: "أيها الناس، رسول الله كان هو الإمام، ومن بعده علي بن أبي طالب، وبعده الحسن، وبعده الحسين، ومن ثم علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وبعدها هاه".. ويكرر الكلمات اثنا عشر مرة.

يقول الراوي سألت ما معنى هاه. قال معناها في لغة (لهجة) بني فلان (أنا) كناية للإشارة عن نفسه (عليه السلام)؛ يعني بعد محمد بن علي (عليه السلام) أنا الإمام.

ونشير إلى نموذج آخر، قال: قدم رجل من أهل الكوفة إلى خراسان فدعا الناس إلى ولاية جعفر بن محمد (عليه السلام) يعني إلى حكومته.

ونحن، حتى استطعنا أن ندعو لقيام "الجمهورية الإسلامية" خلال فترة جهادنا، فطوال سنوات الجهاد والكفاح لم نستطع أن نقول أكثر من رأي الإسلام في الحكومة وحدودها؛ يعني استطعنا أن نحدد القواعد الأولى التي حددها الإسلام للحكومة والشروط التي وضعها للحكام. فهذه حدود ما استطعنا أن نبينه آنذاك، حيث لم يكن الوقت مناسباً أبداً للدعوة إلى الحكومة الإسلامية أو الإعلان عن شخص معين ليكون الولي؛ ففي سنة 1357هـ.ش (1979م) أو في سنة 1356هـ.ش، وفي اجتماعاتنا الخاصة، استطعنا أن ندعو إلى الحكومة الإسلامية وطبعاً من دون أن نذكر اسم قائدها.

بينما ترون أن رجلاً وفي زمن الإمام الصادق (عليه السلام) يذهب إلى أقصى نقاط العالم ويدعو الناس لحكومة الإمام الصادق (عليه السلام)، ماذا يعني هذا؟ هل له معنى سوى حلول الزمان الموعود؟ فهذا هو عام 140هـ وهذا هو نفس الشيء الذي كان يتحرك لأجله الأئمة بشكل طبيعي، وهو الذي أدى إلى أن يقوم هذا الرجل بما فعل. فالنهوض الطبيعي للأئمة (عليهم السلام) هو الذي أدى إلى هذا، كما أنه أعطى الأمل في تشكيل الحكومة الإسلامية في ذلك الزمان.

إذن، فقد كانت الدعوة للناس إلى حكومة وولاية الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام).. ونحن اليوم نفهم الولاية بمعناها الحقيقي والواقعي، ولكن سابقاً كانوا يفسرون الولاية بالمحبة؛ وهذا يعني أنهم كانوا يدعون الناس إلى الولاية، أي إلى محبة الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام)، فهل يصح هذا؟! فهذا ليس من شؤون الدعوة، فالمحبة لفرد ليست هي بالشيء الذي يُدعى إليه المجتمع، إضافة إلى أنه إذا فسرنا الولاية بالمحبة لا يكون لبقية الحديث معنى، حيث قال (عليه السلام): "ففرقة أطاعت وأجابت، وفرقة جحدت وأنكرت ـ ومن الذي ينكر ويرد محبة أهل البيت في العالم الإسلامي ـ "وفرقة ورعت ووقفت". وإذا فسرت الولاية بالمحبة فلا تتناسب هنا مع مسألة التورع والتوقف. وهذا قرينة إلى أن الولاية لها معنى آخر غير المحبة، بل هي الحكومة. وبقية الحديث، يقول: "فخرج من كل فرقة رجل فدخلوا على أبي عبد الله (عليه السلام)" فكانوا يأتون إلى الإمام ويتكلمون معه، حيث يرد على واحد من الذين تورعوا وتوقفوا كما يلي: "تورعت في هذا العمل، فلماذا لم تتورع عند النهر الفلاني في اليوم الفلاني حيث ارتكبت العمل المخالف الفلاني"؟ فهذا الكلام يبين بوضوح أن الشخص الذي ذهب إلى خراسان ودعا الناس لولاية الإمام قد قام بهذا برضا الإمام، ولعل الإمام (عليه السلام) هو الذي أرسله.

فهذا كله يتعلق بالمرحلة الأولى من حياة وعصر الإمام الصادق (عليه السلام)، وتوجد حوادث أخرى من هذا القبيل في حياته (عليه السلام)، وعلى الأكثر تتعلق هذه الحوادث بالمرحلة الأولى من حياته (عليه السلام) حتى وصول المنصور إلى سدة الحكم والخلافة، فتتبدل الأوضاع وتبدأ المشاكل والمصاعب في حياة الإمام الصادق (عليه السلام). ولربما هذه الفترة من حياة الإمام الصادق (عليه السلام) تشبه الفترة التي مرت على الإمام الباقر (عليه السلام)، حيث ساد جو القمع وممارسة الضغوط على الإمام حتى إنه (عليه السلام) أُحضر ونُفي لعدة مرات إلى الحيرة وواسط والرميلة ومناطق أخرى. وكان الخليفة يخاطب الإمام الصادق (عليه السلام) بقساوة وغضب حيث قال له مرة: "قتلني الله إن لم أقتلك"! ومرة من المرات خاطب الخليفة والي المدينة قائلاً له: "أن أحرق على جعفر بن محمد داره"! وحينما أُحرق داره أظهر الأمام الغربة والوحدة التي ألمّت به آنذاك وذلك خلال حركاته وسكناته وهو يعبر النار المضرمة، حيث قال: "أنا ابن أعراق الثرى، أنا ابن محمد المصطفى". وهذا مما أدى إلى زيادة سخط أعدائه أكثر.

إن معاملة المنصور للإمام الصادق (عليه السلام) كانت معاملة صعبة جداً وقاسية للغاية، ولطالما هدد المنصور الإمام (عليه السلام). وهناك روايات تنقل أن الإمام (عليه السلام) كان يتذلل ويظهر الخضوع للمنصور! وبالتأكيد أن هذه الروايات لا أساس لها من الصحة؛ فأنا بحثت حول هذه الروايات ولم يكن لأي منها أساس وسند صحيح ومعتبر، وغالباً من تنتهي في سندها إلى ربيع الحاجب هذا المقطوع بفسقه، الذي كان من المقربين للمنصور. ومن العجب أن البعض نقل أن الربيع كان يعتبر من الشيعة المحبين لأهل البيت (عليهم السلام)، فأين التشيع من ربيع؟!

إن الربيع كان يعتبر الخادم المطيع والمخلص لأوامر المنصور، ومنذ طفولته استطاع أن يجد طريقاً ومكاناً في الحكومة العباسية، وخدم بني العباس حتى أصبح حاجب المنصور، وقدم له الخدمات الكثيرة حتى استطاع أن يتسنّم الوزارة، ولو لم يكن الربيع موجوداً لخرجت الحكومة والخلافة من آل المنصور بعد موته، ولربما كان قد تسنّمها أعمامه من بعده، فعند احتضار المنصور لم يكن عنده سوى الربيع، تسنّم ولهذا كتب الوصية بنفسه عن المنصور زوراً وجعل الخلافة باسم المهدي بن المنصور.

والفضل بن ربيع الذي تسنّم الوزارة في عهد هارون والأمين هو ابن هذا الشخص، فهذه العائلة عرفت بوفائها لبني العباس، ولم يكن لهم أي ولاء لأهل البيت (عليهم السلام).. وما نُقل عن الربيع حول الإمام فهو كذب وبهتان، ولم يرد من كذبه هذا إلا أن يُظهر الإمام (عليه السلام) للمسلمين آنذاك الإنسان المتذلل والخاضع أمام الخليفة! حتى يعتبر الآخرون أن تكليفهم هو أيضاً مثل تكليف الإمام، أي التذلل والخضوع للخليفة!

وكما قلنا، فقد كانت معاملة المنصور للإمام الصادق (عليه السلام) معاملة قاسية جداً حتى انتهت بشهادة الإمام (عليه السلام) وذلك في عام 148هـ.

وبدأ عصر الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) فكانت حياته مليئة بالأحداث المهمة والمثيرة وأعتقد أن الجهاد والمواجهة قد بلغا أوجهما في عهد هذا الإمام (عليه السلام). ومع الأسف لا يوجد بين أيدينا تقرير ونص واضح وصريح حول حياة الإمام الكاظم (عليه السلام)؛ مثلاً جاء في بعض الروايات أن الإمام بقي ولفترة مخفياً عن أنظار الحكومة آنذاك وكان هارون وأزلامه يبحثون عنه ولم يستطيعوا أن يجدوه، وكان الخليفة يقبض على بعض الأفراد ويعذبهم ليعترفوا ويخبروه عن مكان الإمام (عليه السلام)! ولأول مرة يحدث مثل هذا الأمر في حياة الأئمة (عليهم السلام).

ونقل ابن شهر أشوب في المناقب ما يفيد ما ذكرناه حيث قال: "دخل موسى بن جعفر (عليه السلام) بعض قرى الشام متنكراً هارباً"! ولم يُنقل عن أي من الأئمة هذا الوضع.

وهذه الأحداث تعبير عن الشرارة والالتهاب الذي ميز حياة الإمام.. وسجن الإمام المؤبد هو خير دليل على الوضع الذي كان قائماً، مع أن هارون كان يعامل الإمام الكاظم (عليه السلام) معاملة جيدة وحسنة وذلك خلال المرحلة الأولى من تصديه الحكم.

والقصة التي ينقلها المأمون حول الإمام الكاظم (عليه السلام) معروفة؛ وملخصها أن الإمام (عليه السلام) كان يمتطي دابة وجاء إلى المكان الذي كان يجلس في هارون، وأراد الإمام (عليه السلام) أن يترجل ولكن هارون لم يرضَ بذلك وأقسم عليه أن يبقى راكباً ويأتي بدابته إلى بساطه، وعندما جاء الإمام (عليه السلام) راكباً إلى بساط الخليفة احترمه هارون وبقيا مدة يتبادلان الحديث. فعندما عزم الإمام (عليه السلام) الرحيل طلب هارون مني (أي من المأمون) ومن الأمين أن نأخذ بركاب أبي الحسن، إلى آخر القصة. والشيء اللافت في هذه القصة هو ما نقله المأمون عن أن أبيه هارون أنه أعطى لجميع الذين كانوا حاضرين في المجلس 5 آلاف دينار و 10 آلاف دينار (أو درهم) كهدية وجائزة ولكن أعطى لموسى بن جعفر 200 دينار، علماً بأنه عندما كان الخليفة يسأل عن وضع الإمام (عليه السلام) كان الإمام (عليه السلام) يجيبه مبيناً له المشكلات والأوضاع المعيشية السيئة وكثرة العيال. فهذا الكلام من الإمام يحمل بين طياته معنى دقيقاً؛ فأنا وبقية الذين عاشوا تجربة التقية في زمان مواجهة الشاه نستطيع أن نفهم وندرك لماذا ذكر الإمام (عليه السلام) ولمثل هارون وضعه المعيشة، فهذا الكلام لا يحتوي على التذلل، لأن الكثير منكم وفي عهد القمع والظلم قد فعلتم مثل ما فعل الإمام (عليه السلام) لأن الإنسان ومن خلال هذا الكلام يستطيع أن يبعد نظر العدو عن أعماله ونشاطاته.

وطبيعي أن هارون وبعد استماعه إلى مثل هذا الكلام كان ينبغي أن يعطي للإمام مبالغ طائلة مثلاً 50 ألف دينار (أو درهم)، ولكنه رغم هذا كله لم يعطه أكثر من 200 دينار!

يقول المأمون سألت أبي عن سبب إعطائه القليل فأجابني إذا أعطيته ما في ذمتي من المبلغ لخرج، وبعد فترة وجيزة، مئة ألف فارس من الشيعة يقومون ضدي، فهذا كان استنتاج وفهم هارون، وحسب رأيي أن هارون كان صائباً في فهمه. والبعض يعتقد أن تصور هارون هذا كان نتيجة لما بُلغ به من سوء عن الإمام (عليه السلام)، ولكنه واقع الأمر وحقيقته، لأنه لو كان الإمام (عليه السلام) يملك من الأموال الكافية في زمان جهاده ونضاله ضد هارون لاستطاع استقطاب الكثير ليحاربوا إلى جانبه. وهذا الوضع لاحظناه في زمان أبناء الأئمة (عليهم السلام). وبالتأكيد أن الأئمة لو كانوا يملكون المال الكافي لاستطاعوا جمع عدد أكبر من الناس حولهم. وعلى هذا نجد أن عهد الإمام الكاظم (عليه السلام) كان عهداً وصل فيه الجهاد والكفاح إلى أوجه حتى انتهى باعتقال الإمام (عليه السلام) وسجنه. وعندما جاء عهد الإمام الثامن (عليه السلام) بدأ الوضع يتحسن بالنسبة للأئمة (عليهم السلام) وانتشر الشيعة في كل البقاع وتوفرت لهم الإمكانيات اللازمة حتى انتهى الأمر إلى ولاية العهد للإمام الرضا (عليه السلام). وعاش الإمام الرضا في عهد هارون الرشيد مراعياً للتقية في حياته، يعني كان يسعى في حركته ونشاطاته بسرية وتقية؛ فمثلاً دعبل الخزاعي الذي كان يتكلم بحق الإمام الرضا (عليه السلام) بهذا الشكل المعروف في زمن ولاية عهده (عليه السلام) لم يظهر إلى الوجود فجأة، فالمجتمع الذي يُربي مثل دعبل الخزاعي أو إبراهيم بن العباس الذي كان يعتبر من المادحين لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) أو غيره من الموالين، هذا المجتمع لا يُخرج مثل هؤلاء من لا شيء؛ فهذا الولاء يجب أن يكون قد بدأ من سنين وله سابقة في ثقافة المجتمع، فليس من الممكن أن يحتفل الناس في خراسان وري ومناطق أخرى بمناسبة تعيين الإمام الرضا (عليه السلام) ولياً للعهد من دون أن يكون لهم في ولايتهم هذه سابقة وتاريخ.

وما حدث في عهد ولاية العهد للإمام الرضا (عليه السلام) دليل على مدى ولاء الناس ومحبتهم لأهل البيت (عليهم السلام).

وبعد ذلك ظهر الاختلاف بين الأمين والمأمون واستمر الخلاف والجدل بين خراسان وبغداد لمدة خمس سنوات، وهذا مما ساعد الإمام الرضا (عليه السلام) لأن يوسع من نشاطاته وحركته حتى انتهت إلى تعيينه ولياً للعهد. ولكن ـ ومع الأسف ـ انتهى الوضع بشهادته وبداية عهد جديد حاملاً بين طياته المحن والمشاكل لأهل البيت (عليهم السلام). وحسب رأيي أن المحن والمشكلات التي واجهت أهل البيت (عليهم السلام) بلغت ذروتها في زمن الإمام الجواد (عليه السلام) وشملت عصور الأئمة الذين جاؤوا من بعده.

كان هذا شرحاً مجملاً ونظرة عامة إلى المحن والمشاكل التي واجهت الأئمة (عليهم السلام) وتحليلاً مختصراً لحياتهم السياسة.

وكما ذكرت سابقاً أنني قد قسمت البحث إلى قسمين. القسم الأول هو عرض مجمل، وقد انتهى إلى هنا، والقسم الثاني هو التعرض إلى أبرز التحركات الجهادية في حياة الأئمة (عليهم السلام).

كل ما سأذكره هو بعض العناوين والتي استطعت خلال اليومين الماضيين أن استخرجها من بين ملاحظاتي التي كنت قد سجلتها قديماً، وطبعاً المواضيع التي يمكن البحث فيها لا تقتصر على التي سأذكرها، ولكن أذكر بعضاً منها ليستطيع من يريد البحث والدراسة أن يتخذها محوراً في بحثه.

من المسائل والمواضيع المهمة هي ادعاء الإمامة والدعوة إلى الإمامة.

وتعتبر هذه المسألة حركة جهادية في كل المراحل التي مرت بحياة الأئمة (عليهم السلام)، وذكرت حولها روايات في فصول واسعة، ومن جملتها روايات أن الأئمة "نور الله" التي وردت في الكافي، ورواية الإمام الثامن (عليه السلام) حول الإمامة، وروايات عديدة أيضاً حول حياة الإمام الصادق (عليه السلام) ومحاورات ومناظرات أصحابه في ظروف مختلفة، وأيضاً روايات حول حياة الإمام الحسين (عليه السلام) عند دعوته لأهل العراق وروايات أخرى.

والمسألة الأخرى هي فهم وإدراك لما يقوم به الأئمة من أعمال وتبليغ؛ فأنه ـ وكما تلاحظون ـ أن فهم الخلفاء لأهداف الأئمة (عليهم السلام) متشابه من زمان عبد الملك بن مروان إلى زمان المتوكل؛ أي كان فهمهم وإدراكهم لما يدور حولهم متشابهاً، فمعاملتهم للأئمة (عليهم السلام) كانت تتشابه من حيث القهر والاضطهاد. فهذه مسألة مهمة لا يمكن أن نمر عليها بشكل عابر.

لماذا كانوا يفهمون ويدركون من حياة الأئمة (عليهم السلام) هذا الفهم والإدراك؟!

فمثلاً جملة "خليفتان يجبى إليهما الخراج" حول الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، أو "هذا على ابنه قد تعدوا وادعى الأمر لنفسه" حول الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، أو جملات أخرى مشابهة لهذه الجمل حول الأئمة (عليهم السلام).

والمسألة المهمة الأخرى هي أن الخلفاء كانوا يسعون لينسبوا الإمامة إليهم. توجد أمثلة كثيرة حول ما قلناه، ونذكر منها مثالاً؛ فكُثير هو شاعر بارز عاصر المرحلة الأولى من الخلافة الأموية ويعتبر من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)، وكان على مستوى الفرزدق وجرير والأخطل وجميل ونصيب وغيرهم؛ جاء يوماً من الأيام إلى الإمام الباقر (عليه السلام) حيث قال له الإمام (عليه السلام) معترضاً "امتدحت عبد الملك"! أجاب مضطرباً "يا بن رسول الله، ما قلت يا أمام الهدى، وإنما قلت له أسد والأسد كلب، ويا شمس والشمس جماد، ويا بحر والبحر موات). يعني أراد الشاعر أن يبرر عمله. فتبسم الإمام (عليه السلام)، وحينها قام الكميت الأسدي وأنشد هذه القصيدة:

من لقلبٍ متيم مستهام        غير ما صبوة ولا أحلام

حتى وصل إلى البيت

ساسة لا كمن يرى رعيه        الناس سوا ورعيه الأنعام

فهذا يدل على أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا شديدي الحساسية من جهة مدح عبد الملك وأصحابه، وكانت اهتماماتهم وحساسيتهم في إطلاق كلمة إمام الهدى عليه، حيث قال: لم أقل له إمام الهدى. وهذا يدل على مدى رغبة الخليفة في إطلاق عبارة إمام الهدى عليه. وكانت هذه الرغبة أشد في زمن بني العباس.

ومروان بن أبي حفصة كان شاعراً أموياً وعميلاً للبلاط الأموي والعباسي (والعجب في هذا أنه كان شاعر البلاط الأموي في الخلافة الأموية، وبعد أن جاء بنو العباس إلى سدة الحكم أصبح شاعر البلاط العباسي، حيث كان شاعراً قوياً عذب البيان فاشتروه بالمال)! وعندما كان يمتدح بني العباس لم يكن يكتفي بذكر كرمهم وشجاعتهم وبقية خصالهم، بل كان ينسبهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وينسب إليهم منزلته، حيث قال:

أنى يكون وليس ذاك بكائن    لبني البنات وراثة الأعمام

يعني كيف يمكن أن يرث أبناء البنات ما ترك الأعمام؟ فعم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو العباس وله وارث، فكيف يمكن أن يرث ما ترك العباس أبناء فاطمة (عليها السلام)!

إذن، فالدعوى حول الخلافة والحرب حرب ثقافية وسياسية، وفي مقابل هذا الشعر قال الشاعر الطائي الشيعي المعروف، يعني جعفر بن عفان الطائي:

لم لا يكون وإن ذاك لكائن     لبني البنات وراثة الأعمام

للبنت نصف كامل من ماله    والعم متروك بغير سهام

يعني البنت ترث نصف مال أبيها والعم لا يرث من مال أخيه، إذن فليس لكم إرث لتطالبوا به!

فهذا من موقف أصحاب الأئمة (عليهم السلام) مقابل ما يدعيه الخلفاء في الإمامة.

والمسألة الأخرى هي تأييد الأئمة (عليهم السلام) وحمايتهم للحركات الثورية التي كانت آنذاك، فهذه من البحوث المثيرة من حياة الأئمة (عليهم السلام) وتدل على منهجية الجهاد أيضاً، ككلام الإمام الصادق (عليه السلام) حول المعلى بن خنيس عندما قتل على يد داود بن علي، وكلماته حول زيد وحول الحسين بن علي شهيد فخ وغيرهم.

وقد رأيت رواية عجيبة في نور الثقلين عن علي بن عقبة حيث قال إن أبي قال : دخلت أنا والمعلى على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: "أبشروا، أنتم على إحدى الحسنيين، شفى الله صدوركم واذهب غيظ قلوبكم وأنالكم من عدوكم ـ وهو قول الله تعالى: {ويشف صدور قوم مؤمنين} ـ وإن قضيتم قبل أن تروا ذلك مضيتم على دين الله الذي رضيه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولعلي (عليه السلام)".

هذه الرواية مهمة كونها تتحدث عن الجهاد والنصر "أبشروا، أنتم على إحدى الحسنين" وعن النيل من العدو والشهادة "وأنالكم من عدوكم… وإن قضيتم قبل أن تروا ذلك".

وتزيد الأهمية كون المخاطب في هذه الرواية هو المعلى بن خنيس الذي عرفنا كيف كان  مصيره (التنكيل والقتل)، ونلاحظ أن الإمام المعصوم في هذه الرواية بدأ بمخاطبة الصاحبين مباشرة دون أي مقدمة. ويستدل من خلال سياق الرواية أن الحديث كان يتناول موضوعاً محدداً لكنه لم يُذكر، أما قوله (عليه السلام): "شفى الله صدوركم" فمن الممكن أن يكون دعاءً، ولكن يوجد احتمال آخر، وهو أقوى، وهو إخباره عن أمر ما قد حصل أو أنجز، فهل كان الداخلان على الإمام قد عادا من عمل أو مواجهة ما؟ غير معلوم، أو أنهما مكلفان بمهمة معينة من قبل الإمام؟

لم تفصح الرواية عن شيء كهذا، لكن على كلا الاحتمالين فإن سياق الحديث يفصح عن مساندة وحماية الإمام (عليه السلام) للتحركات الثورية التي تحكي عنها الحياة اليومية لمعلى بن خنيس. ومن المهم في حديثنا عن هذا الصاحب أن نلتفت إلى أنه كان "باب" الإمام الصادق (بتعبير الروايات)، ومن المهم أن نتعرض لهذا المصطلح بالبحث؛ فالذين ذُكروا في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) بعنوان "الباب" من كانوا؟ فإن أغلبهم قد قُتل أو هُدد بالقتل، أمثال يحيى ابن أم الطويل، ومعلى بن خنيس، وجابر بن يزيد الجعفي، وغيرهم..

بحث آخر في حياة الأئمة (عليهم السلام) حول سجنهم ونفيهم وملاحقتهم…

وأرى أنه يجب أن نتتبع هذا البحث بدقة، وهناك الكثير من المسائل التي تحتاج إلى التدقيق والتحليل، منها أيضاً ما يتعلق بخطابات أهل البيت (عليهم السلام) التي تميزت بالصراحة وبمواجهاتهم الحادة لحكام زمانهم. وهي نفطة ينبغي الوقوف عندها ملياً؛ فهؤلاء العظام (عليهم السلام) لو كانوا من الصنف المحافظ والمسالم المهادن لسلكوا نفس منهاج الزهاد والعلماء في ذلك العصر، من الذين لا تزعج خطاباتهم السلطة، ولا تقترب من المعارضة، وهؤلاء كانوا كثر، حتى إن السلاطين والحكام كانوا على علاقة معهم ويحبون بعضهم، لدرجة أن هارون كان يقول بحق أحدهم:

كلكم يمشي رويداً        كلكم يطلب صيداً

وهؤلاء الزهاد كانوا يعظون الحكام حتى إنهم كانوا يبكونهم أحياناً من الموعظة، لكن هؤلاء الزهاد يحرصون على أن لا ينطقوا بأي كلمة فيها تلميح إلى مثل الجبار والطاغية والغاصب والشيطان وأشباه هذه المعاني، بينما نجد أن الأئمة كانوا يصرحون بكل هذا وينشرون هذه الحقائق بين الناس، فلم تكن هيبة وسطوة الحكام لتجبرهم على السكوت.. وهناك بحث آخر متعلق بتحدي الأئمة (عليهم السلام) للسلاطين وقد أشرنا إلى بعضه كالذي جرى بين المنصور والإمام الصادق (عليه السلام) أو بين هارون والإمام الكاظم (عليه السلام).

بحث آخر أيضاً مهم جداً ويحتاج للمتابعة، وهو يتعلق بالموارد التي تدل على إستراتيجية الإمامة، فأحياناً كانت كلمات الأئمة تطرح أموراً ليست بالبسيطة والعادية، بل تتعلق بهدف محدد ومشروع خاص كان هو نفسه إستراتيجية الإمامة. ومن جملة هذه الموارد هو الحوار الذي دار بين الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) وهارون الرشيد حول ما يتعلق بمسألة "فدك"؛ ففي أحد الأيام قال هارون للإمام الكاظم (عليه السلام): "حُدّ فدكاً حتى أردّها إليك"، وكان هدفه من وراء هذا العمل أن يسلب تأثير هذا الرمز "فدك" الذي كان أهل البيت (عليهم السلام) يطرحونه دائماً كدليل وشاهد على مظلوميتهم التاريخية، فبإرجاعه "لفدك" يسحب هذا السلاح من أيديهم. ولعله أيضاً يصبح مميزاً، بنظر الشيعة عن أولئك السلاطين الذين استمروا بغصب "فدك". والإمام في البداية امتنع عن تنفيذ هذا الطلب، ولكن بعد إصرار هارون قال له الإمام (عليه السلام):

"لا آخذها إلا بحدودها" فقبل هارون بذلك، فبدأ الإمام بذكر تلك الحدود قائلاً: "أما الحد الأول فعدن". فتغير وجه هارون، وقال" إيه"!!

تابع الإمام (عليه السلام): "والحد الثاني سمرقند"؛ أي الحدود الشرقية لأراضي حكومة هارون، فأربد وجهه.

فتابع الإمام (عليه السلام) وقال: "والحد الثالث إفريقيا" ويعني تونس، أي الحدود الغربية للبلاد.

يقول الراوي: فاسود وجه هارون وقال: "هيه"!!

عندها أنهى الإمام (عليه السلام) كلامه وقال: "والحد الرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينيا" أي الحدود الشمالية.

عندها قال هارون غاضباً مستهزئاً:

"فلم يبق لنا شيء، فتحول إلى المجلس"! (أي قم واستلم الخلافة).

فقال الإمام (عليه السلام): "قد أعلمتك أنني إن حددتها لن تردها". وكما جاء في نهاية هذه الرواية: "فعند ذلك عزم على قتله".

في هذا الحوار يظهر أهم مطلب للإمام موسى الكاظم (عليه السلام) والذي كان كافياً حتى يقرر هارون الرشيد قتله، وكذلك الأمر، فإن مطالب الأئمة (عليهم السلام) واضحة في حياة الإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الرضا بحيث إنها لو جمعت فسترسم إستراتيجية الإمامة.

من المباحث المهمة أيضاً والتي تحتاج إلى التحليل والتحقيق في شرح سيرة الأئمة هي معرفة مدى اطلاع الأئمة على أهدافهم ومشروعهم ومطالبهم (عليهم السلام)؛ طبعاً، فإن هؤلاء الأصحاب كانوا أقرب إليهم منا وكانوا أكثر اطلاعاً على مطالبهم وأهدافهم، لذا فإن معرفة وإدراك هؤلاء الأصحاب لحركة الإمامة أمر مهم، فنحن إذا نظرنا في الروايات، فهل نرى أنهم لم يكونوا منتظرين ومترقبين لقيام الأئمة بالثورة؟!

أنتم تعرفون قصة ذلك الرجل الذي أتى من خراسان للقاء الإمام الصادق (عليه السلام) وأخبره بأن هنالك الآلاف من الفرسان المقاتلين ينتظرون منك الإشارة حتى يثوروا، فأبدى الإمام شكّه وتعجبه، وبالتدريج صار الخراساني يقلل من العدد. وبعدما أكد الإمام له على نوعية هؤلاء الأفراد، قال الإمام (عليه السلام):

"لو كان لديَّ اثنا عشر (أو خمسة عشر) صاحب لخرجت"! (على اختلاف الروايات).

وكان هناك أشخاصاً يقومون بمراجعة الإمام (عليه السلام)، ويطلبون منه الخروج (بحسب الروايات). وبالطبع فإن بعضهم كان من جواسيس بني العباس، وهذا يعرف من خلال أجوبته (عليه السلام). فلماذا كانت تتم مراجعة الإمام؟!

هذا لأنهم يعرفون أن هذا الأمر (أي الثورة) هو هدف أساسي وثابت عند الأئمة (عليهم السلام)؛ فمسألة الخروج والثورة لإقامة دولة الحق كانت مسألة أساسية في ثقافة الشيعة في ذلك الزمان، والأئمة كانوا ينتظرون الفرصة المناسبة للقيام بذلك. ولقد رأيت رواية لافتة في هذا المجال حيث يفهم منها مستوى إدراك وفهم الأصحاب المقربين مثل زرارة بن أعين، وهذه الرواية موجودة في رجال الكشي، وتذكر أن زرارة أتى يوماً إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وقال: أصلحك الله، إن رجلاً من أصحابنا كان مختفياً من غُرّامه؛ فإن كان هذا الأمر قريباً صبر حتى يخرج مع القائم وإن كان فيه تأخير صالح غرّامه! فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): يكون. فقال زرارة: يكون إلى سنة؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يكون إن شاء الله. فقال زرارة: فيكون إلى سنتين؟ فقال أبو عبد الله: يكون إن شاء الله. فخرج زرارة موطّناً نفسه على أن يكون على سنتين، فلم يكن.

وبالطبع فإن زرارة لم يكن بالشخص الساذج والبسيط من الأصحاب المقربين للإمامين الباقر والصادق (عليه السلام)، فكيف يصل إلى هذه النتيجة التي تأكد له معها اقتراب موعد تشكيل الحكومة العلوية؟!

وفي رواية أخرى ينقل هشام بن سالم أن زرارة قال له: "لا ترى على أعوادها غير جعفر"، أي أنك لن ترى على رأس الخلافة إلا جعفر بن محمد (عليه السلام)، وعندما يقول له هشام بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام): تذكر الحديث الذي حدثني به؟ ويذكره، ويقول هشام: كنت أخاف أن يجحدنيه! فقال زرارة إني والله ما كنت قلت ذلك إلا برأيي (منبهاً إياه بأنه لم يكن ينقل عن الإمام).

وهناك روايات كثيرة في هذا المجال حول الخروج أو طلب ذلك من قبل الأصحاب، نفهم منها وبوضوح أن هدف الأئمة كان تشكيل الحكومة العلوية والسعي لأجل تحقيق ذلك، وأن الأمر كان متوقعاً وقريباً، وهذا من المسلّمات في اعتقاد الشيعة وأصحاب الأئمة المقربين. وهذه دلالة أساسية وواضحة على هدف ومشروع الأئمة (عليهم السلام).

يوجد بحث آخر يتعلق ببغض وعداء الحكام المتعاقبين للأئمة (عليهم السلام) وخلفية هذا العداء؛ هل هو الحسد فقط على المقام المعنوي وعلى حب الناس للأئمة؟ أم أن هناك عامل آخر؟ طبعاً ومن دون شك كان الأئمة محسودين من قبل هؤلاء الحكام وغيرهم، ففي تفسير آية {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} ورد في الروايات "نحن المحسودون"، ولكن علينا أن ننظر على ماذا كان هذا الحسد؟! على علمهم وتقواهم؟!

فنحن نعرف أن العلماء والزهاد كانوا كُثراً في ذلك الزمان وكانوا معروفين بين الناس بهذه الصفات وكان لهم الكثير من المحبين والأصحاب من أمثال: وأبو حنيفة، أبو يوسف، والحسن البصري، وسفيان الثوري، ومحمد بن شهاب والعشرات من أمثالهم، ممن كان لهم أتباعاً ومريدين. وفي الوقت نفسه لم يحسدهم الحكام والسلاطين، ولم يبغضوهم، بل ـ وكما ذكرنا ـ إن الحكام كانوا يحبون بعضهم. إذن فخلفية عداء هؤلاء لأهل البيت (عليهم السلام)، والتي انتهت إلى استشهادهم، هي شيء آخر بنظرنا، وهي ليست إلا مطالبة الأئمة بحقهم في الإمامة والخلافة/ وهذا ما لم يدّعه الآخرون. هذا بحث مطلوب.

ومن جملة الأبحاث المطلوبة أيضاً حول التحركات الثورية والمعارضة التي قادها أصحاب الأئمة ضد النظام الحاكم، ونستطيع أن نرى نماذج منها في كل المراحل التي عاشها الأئمة؛ ففي زمان الإمام السجاد (عليه السلام)، أي في ذروة الضغوط والقمع، نرى يحيى ابن أم الطويل وهو أحد حواري الإمام يأتي إلى المسجد مخاطباً الناس الذين رضخوا لرجال السلطة، قارئاً الآية التي خاطب بها النبي إبراهيم (عليه السلام) الكفار: {كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء...}.

وكذلك كان يخطب في الناس في كناسة الكوفة (اسم موضع في الكوفة) معترضاً على الأوضاع السياسية الحاكمة منادياً الناس بصوت عال…

وكذلك فعل معلى بن خنيس حينما خرج لأداء صلاة العيد بمظهر حزين وكئيب وعليه آثار التفجع؛ فصعد إلى المنبر مثل الخطيب وقال رافعاً يديه: "اللهم إن هذا مقام خلفائك وأصفيائك وموضع أمنائك.. ابتزوه" (يعني غصب الخلافة). وللأسف فإن هذا الصحابي الجليل الذي لعن الإمام الصادق قاتليه، وكان (عليه السلام) يثني عليه، يشكك البعض في وثاقته، وليس بعيداً أن يكون منشأ هذا الافتراء هو الأيادي الخبيثة لبني العباس.

والمسألة الأخرى التي لها بحث واسع وعميق، هي مسألة "التقية"؛ ولفهمها يلزم أن ننظر في كل الروايات التي تتحدث عن الكتمان والتستر، إضافة إلى التوجه لهدف الأئمة الذي سبق ذكره وهو إقامة الحكومة العلوية، والأخذ بعين الاعتبار بطش الحكام في مواجهة هذا المطلب. ومع هذه التحركات للأئمة (عليهم السلام) وأصحابهم، وبالالتفات إلى كل هذه الأمور نفهم المعنى الحقيقي للتقية، بحث لا يبقى أي شك في أن التقية لا تعني التوقف عن العمل، بل هي إخفاء هذا العمل؛ ويتوضح هذا بمراجعة الروايات.

هذا قسم من المباحث المهمة المرتبطة بسيرة أهل البيت (عليهم السلام)، وطبعاً هنالك مباحث أخرى كثيرة تتعلق بالحياة السياسية لأولئك العظام. ولا يتسع الوقت حتى لذكر فهرس لهذه المواضيع. ولقد كان لي عمل دؤوب في كل هذه المباحث، ولكن مع الأسف، فلا يوجد عندي اليوم فرصة للاستمرار ولتجميع هذه الملاحظات التي قد قمت بتدوينها سابقاً، فيا ليت من يكون من أصحاب الهمم العالية كي يتابع هذا العمل. فيجمع مباحث الحياة السياسية لأئمة أهل البيت كي يقدمها للناس، حتى نستطيع أن نجعلها درساً وقدوة لنا، وليس فقط كذكرى خالدة.