رحل لنعانقه بعد حين..

 

يا عاشقاً فلسطين حتى الشهادة... هذا هو الخيار، فما كان انتظاراً غدا قيد المنال.. انه الحلم باتجاه القدس أو باتجاه الحسين (ع)... ولكليهما سبيل واحد.. جهاد وصلاة..

 

يا غرّيد الحزن والوجع... ما كنت لتحيا في لحظة انقلاب الحقائق... وفي  لحظة العري من الاحلام... وفي لحظة غدت فيه المنافي أوطاناً والأوطان مساحيق للغزاة والمحتلين.. يا باكياً على دمك قبل أوان انفجاره.. ليس عند الجهاد زفرة أخيرة.. فزمان الأندلس أورثناه الكتب العتيقة... وهذا الزمان زمان حزب الله..  

 

الشهيد الدكتور الشقاقي في سطور

 

* ولد الشهيد الدكتور فتحي إبراهيم الشقاقي (أبو إبراهيم) عام 1951 في مخيم رفح للاجئين في فلسطين المحتلة، وكانت عائلته قد هاجرت في العام 1948 من قرية زرنوقة في قضاء الرملة إلى قطاع غزة حيث سكنت مخيم رفح، وهو من منشأ اجتماعي فقير.

 

* والده كان الابن الوحيد لجده الذي كان إماماً للمسجد في القرية التي نشأ فيها، وقد اهتم بتربيته تربية دينية، وكان والده يحضهم كثيراً على الصلاة، كما كان يرتل القرآن أمامهم.

 

يقول الشهيد الشقاقي:

 

“ الأجواء التي سيطرت على العالم العربي في الخمسينات والستينات جعلت جميع الشبان في مثل سني يتأثرون بالأجواء القومية والناصرية، ولكن بعد هزيمة 1967 وسقوط الاطروحات العلمانية ورموزها، بدأ الترامي بالإسلام يأخذ منحيً جديداً تميّز بالتزام الإسلام فكراً وسلوكاً وعلى جميع المستويات”.

 

* حاز الثانوية العامة في العام 1968.

 

* درس العلوم والرياضيات في جامعة بيرزيت وعمل مدرساً في القدس.

 

* في العام 1974 التحق بجامعة الزقازيق في مصر لدراسة الطب، وتقول مصادر إنه بدأ في أيام دراسته في جامعة الزقازيق تنظيم ما سيصبح لاحقاً “الجهاد الإسلامي”.

 

* اعتقل في مصر مرتين، الاُولى في العام 1979، في العام الذي ألّف فيه كتاباً عن الثورة الإسلامية في إيران بعنوان “الخميني: الحل الإسلامي والبديل” وذلك بتهمة معارضة النظام والانتماء إلى جماعات إسلامية، وكان ينشط في الكتابة في مجلة “المختار” الإسلامية باسم مستعار.

 

* اعتقل مرة ثانية في مصر في العام 1981 بعد اغتيال المقبور أنور السادات للاشتباه بأنّ له علاقة بالحركة التي نفذت العملية، واُبعد من مصر فعاد إلى فلسطين المحتلة حيث عمل أوّلاً طبيباً في أحد مستشفيات القدس المحتلة، ثم فتح عيادة خاصة في غزة وأطلق حركة الجهاد الإسلامي.

 

* اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني في غزة في العام 1983 وسجنته لمدة 11 شهراً لإصداره مجلة باسم الحركة، واعتقل مرة ثانية في العام 1986 وحكم عليه بالسجن أربع سنوات فعلياً وخمس سنوات مع وقف التنفيذ بتهمة التحريض على مقاومة الاحتلال ونقل أسلحة والانتماء إلى حركة الجهاد.

 

* يعتبر أحد مفجري الانتفاضة الإسلامية المباركة في فلسطين المحتلة.

 

* في مطلع آب 1988 قامت سلطات الاحتلال بإبعاده إلى لبنان ثم انتقل للإقامة في دمشق.

 

* في مقابلة مع (العهد) نشرت في 28/4/1989 بعد إبعاده من فلسطين المحتلة بفترة وجيزة، تحدّث الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي عن ظروف إبعاده عن فلسطين المحتلة وعن دور حركة الجهاد الإسلامي في انطلاقة الانتفاضة المباركة..

 

يقول الشهيد الشقاقي: إنّ الانعطاف البارز في خطوة إبعاده كان في 17 آيار 1987 عندما استطاع 6 من أعضاء الجهاد الإسلامي الفرار من سجن غزة المركزي حيث اعتبرت سلطات الاحتلال أنّ ثمّة دوراً له في هذه الحادثة فتمّ ترحيله إلى سجن آخر.

 

يضيف الشهيد: وكان نتيجة فرار الاخوة المجاهدين من السجن أن تكثفت العمليات العسكرية ضد العدو وكانت ذروة هذه العمليات في 6 تشرين الأول 1987 عندما استشهد أربعة مجاهدين من الجهاد الإسلامي إثر عملية نوعية، فأخضعتني قوات الاحتلال للتحقيق داخل السجن بعد أن اكتشفت خيوط اتصال لي مع المجاهدين في الخارج، ومع ذلك استمرت اتصالاتي مع الاخوة في الخارج بطرق مختلفة حتى شهر تموز 1988 حين اكتشف العدو طبيعة تلك الاتصالات، فقرّر أن لا معنى ولا فائدة من وجودي حتى داخل السجن بفلسطين وأصدر أمر الإبعاد بعد قطع محكوميتي داخل السجن.

 

وحول دور حركة الجهاد الإسلامي في انطلاقة الانتفاضة يعتبر الشهيد الشقاقي أنّ العامل الاساس لانطلاقة الانتفاضة هو الإسلام، خاصة بعد أن اقترب الشعب الفلسطيني من الإسلام وبعد أن أدرك أنّ الطروحات العلمانية أخفقت في تحقيق أحلامه.

 

ويشير إلى أن يوم 6 تشرين الأول 1987 هو بداية الشرارة للانتفاضة، ففي هذا اليوم دارت المعركة البطولية التي خاضها أربعة من أبطال الجهاد الإسلامي ضد استخبارات وجنود العدو على أبواب مدينة غزة (الشجاعية).

 

ويقول الشهيد الشقاقي: إن هذه المعركة حملت من الرموز والدلالات ما كان كافياً لإزالة الطلاء عن وعي وحس الشعب المسلم في فلسطين فتفجّر هذا الوعي وهذا الغضب إلى تلك الانتفاضة الشعبية العارمة.

 

* متزوج من فتحية الخياط وهي من القدس وأنجب منها ثلاثة أبناء، هم: خولة (6 أعوام) وإبراهيم (4 أعوام) واُسامة (عامان ونصف العام).

 

* قضى شهيداً برصاص الموساد الصهيوني بتاريخ 26 تشرين الأول 1995 في مالطا أثناء عودته من ليبيا، حيث كان يسعى لإيجاد حل لمعاناة المبعدين الفلسطينيين.  

 

زوجة الشهيد الشقاقي تتحدث عن زوجها:

 

زوجة الشهيد ليست كباقي الزوجات، واُم ليست كالاُخريات، تميّزت بالشجاعة إلى حدّ الصلابة، وبالإباء المرفق بالإيمان إلى حد السكينة الملتهبة اعتزازاً وافتخاراً.

 

بكى الجميع إلاّ هي، كانت تنظر بصمت، تارة إلى نعش زوجها المسجّى وطوراً إلى أبنائها والجماهير المستضعفة من الفلسطينيين الذين احتضنوا جثمان الشهيد، كبتت عاطفتها حتى تحوّلت زلزالاً تفجّر مواقف وبطولة أظهرتها في شخصيتها القوية وصبرها العظيم، لم تضعف لحظة، فمنذ سماعها نبأ الشهادة وإبّان تسلّمها الجثمان ورؤيتها الشهيد وحتى تشييعه إلى المثوى الأخير، بقيت شامخة كالجبل، لا تنطق إلاّ بالقرآن والجهاد وكربلاء، لأنّها مقتنعة بأن هذا الخط هو خط حسيني يبدأ بالتضحية وينتهي بالشهادة. كانت تحرص على أن يعرف أبناؤها الثلاثة، ولا سيما ولدها إبراهيم الذي لا يتجاوز السادسة من عمره، سرّ استشهاد أبيهم، خصوصاً عند لحظة لقائهم جثمانه الطاهر، وكأنها أرادت أن تُبقي دماء الشهيد محفورة في ذاكرتهم إلى حين الشباب ليثمر جيلاً آخر مجاهداً معطاءً.

 

لقــد تحدّثت وقالت:عــاش الدكتور فتحــي الشقاقي يتيماً، وتحمل أعباء اُسرته بعد أن توفيت والدته لكونه الأكبر بين اخوته، وكافح شظف الحياة بقوة وإيمان وتحدى مع اخوته سنوات الهجرة من فلسطين، فكان أباً حاضناً، وأخاً عطوفاً ومعلماً رائداً، والمسؤولية تجاه اخوته بقيت تلازمه حتى زواجه.

 

حمل الدكتور الشقاقي إلى جانب اهتمامه باُسرته أعباء فلسطين التي هُجّر منها، وأعباء الشعب الفلسطيني اللاجىء في أنحاء البلاد العربية والإسلامية، فهمُّ الجهاد والتحرير لديه بقي هاجساً في قلبه وروحه يلازمه في حلّه وترحاله. فأثناء دراسته الطب في مصر بدأت فكرة الحركة الإسلامية تنضج في عقله وروحه وخاصة بعد اتفاقية (كامب ديفيد) واغتيال العميل السادات الخائن. وتبلورت الفكرة أكثر فأكثر إبّان انتصار الثورة الإسلامية في إيران ومطلع الصحوة الإسلامية في العالم.

 

خرج الدكتور الشقاقي من مصر متوجهاً إلى فلسطين لنشر بذور الثورة الإسلامية فيها، فبدأ بتأطير الحركة الطلابية فيها، طليعة الفكر الثوري الإسلامي الواعي. خرج إلى قطاع غزة.. والقدس.. والضفة الغربية، جاب فلسطين من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها ومن أقصى مشرقها إلى أقصى مغربها، جاب الشوارع ودخل البيوت والجامعات. عمل ليل نهار، وكوّن الطليعة الإسلامية التي تحمل الفكر الثوري، ومنها أسّس طليعة الجهاد الإسلامي في فلسطين. وأخذ الدكتور الشقاقي دوره الريادي في العمل حتى دخل المعتقلات والسجون الصهيوني مرات.

 

ضمن هذه التجرة عرفت الدكتور الشقاقي قائداً.

 

أما على المستوى الزوجي فإن اللافت في زواج الدكتور الشقاقي أنّه لم يكن يقصد الاستقرار كما يشعر الجميع أمام أسرة وأولاد، لكن لتكون الزوجة عوناً له وشريكة درب، وشاء لي الله أن أكون زوجة لهذا المجاهد. وفي السنة الاُولى من زواجنا اعتقل الدكتور فتحي مرة اُخرى، إلاّ أن مدة حكمه هذه المراة كانت 4 سنوات اعتقال، وخمساً اُخرى مع وقف التنفيذ، لكن وبعد مضي سنتين ونصف من اعتقاله اُبعد إلى البقاع الغربي في لبنان بتهمة استخدام السلاح في عمليات عسكرية سقط فيها جنود إسرائيليون. وبعد معركة الشجاعية التي حصلت عام 1986 والتي كان لها الدور في تأجيج حركة الانتفاضة في فلسطين.. هذه الانتفاضة التي استمرت 6 سنوات متواصلة، جعلت من قطاع غزة جحيماً وناراً، إلى أن جاء اتفاق اوسلو الخياني الذي أنقذ موقف العدو بعد ان كادت الانتفاضة تجبره على اخلاء القطاع، لكن ما عجز عنه رابين انجزه عرفات، هكذا هم الخُدّام العملاء.

 

أُبعد الدكتور الشقاقي، فحوّل الانتفاضة من سكين وقنبلة إلى عمليات استشهادية بطولية ألحقت الهزائم العسكرية الكبرى بدولة الكيان الصهيوني، فعمليتا بيت ليد ونتزاريم ذكرتهما المحكمة الصهيونية العليا عندما اخذت قراراً برفض التماس زوجة الدكتور فتحي الشقاقي، فقط لأنّها زوجته، وأُبعدت من فلسطين واُخرجت من القدس التي لم يخرج منها أحد قط قبلها، وبالفعل خرجت من فلسطين أرض الأنبياء والطهر، أرض الإسراء، وتقبّلت قراراً صعباً هو الإبعاد، حتى لا يألم زوجها لتكون بذلك أبد الدهر بعيدة عن أهلها ووطنها ولتكون أمام قرارها.

 

وإنني اُؤكد القول إنّني لم أفقده بل أتشرف واعتز باستشهاده، مع علمي بأن الرجل الذي أشعل ثورة في فلسطين سيشعل الثورة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي انتقاماً للقضية ودماء الشهداء.

 

وقبل سفر الدكتور إلى ليبيا كنت قد ذكّرته بأنه مطلوب وأنّ اسمه على لائحة الارهاب والمستهدفين بعد العلاّمة القائد السيد عباس الموسوي.. كنا نعرف وإيّاه هذا، ولكن القدر هو الذي ساقه والواجب تجاه مصير الفلسطينيين المطرودين والملقى بهم على حدود صحراء السلّوم، خرج الدكتور إلى ليبيا كما خرج الإمام الحسين(ع)، هو نفسه القدر والواجب الذي أخرج الدكتور الشقاقي ليكون شهيداً في مالطا. وأنا زوجة الشهيد لم أثبّط من عزائمه عندما أراد السفر، لم أقل له اجلس في البيت خلف مكتبك حيث السلطة والكهرباء والتدفئة والسجاد، بينما هناك الفلسطينيون المشردون بالعراء في مطلع فصل الشتاء، لم أقل إنّ هناك خطراً يهدد حياتك.. ابقَ هنا من أجل أولادك.. تركته للواجب والقدر الملقى عليه. والحمد لله فقد شرفني الله وقد اختاره اختياراً صحيحاً لأنّه عمل من أجل الواجب وكان حسينياً كما الأبطال..

 

استشهد الدكتور الشقاقي في هذه الكربلاء التي يذبح فيها الفلسطينيون المجاهدون ليل نهار داخل فلسطين، في وقت يُصفّى أعضاء كتائب القسام في مدينة الخليل، وبيوتهم تُهدم وسياراتهم تُحرق، وعلى الرغم من عدة العدو وعديده فإن ارادة الشهداء تبقى هي خيارنا الوحيد.. لنكون في الجنة مع من أحببنا من الشهداء والأنبياء والقادة الإسلاميين، وأنْ نُحشر جميعاً مع الإمام الخميني والسيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب وخالد اسلامبولي وكل أشراف الاُمة من مصر وفلسطين وإيران ولبنان وكل عالمنا الإسلامي، لنرفع راية الثورة والجهاد إلى جنة الخلد.

 

يا أبا إبراهيم، إلى من أحببت، إلى الإمام الخميني والسيد عباس الموسوي، ها أنت تلقاهم مذكراً إياهم بكلمات رددتها “إنّ الحركة التي يُقتل أمناؤها العامون لا يمكن لها أن تنكسر.. لا يمكن لها أن تنكسر أبداً“.  

 

تفاصيل جريمة اغتيال الشقاقي

 

لم يكن الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي لينتظر غير هذه النهاية السعيدة لحياته الحافلة بالجهاد منذ نشأته في بيت ملتزم بالإسلام. كان دائماً يقول لمن يسأله إذا ما كان يخشى القتل “إنّه عاش أكثر مما يتوقّع“ وبقدر عشقه هذا للشهادة كان العدو يتربص به شراً ويطارده ويلاحقه طيلة فترات نشاطه ضد الاحتلال الذي وصل إلى ذروته مع تأسيسه حركة الجهاد الإسلامي التي وجهت ضربات مؤلمة للصهاينة، والتي سيزيدها استشهاد أمينها العام ثباتاً وإصراراً على المضي في هذا النهج الجهادي.

 

كان الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي عائداً من مهمة إنسانية في ليبيا، حيث سعى لدى سلطاتها لإنهاء معاناة المبعدين الفلسطينيين من ليبيا، حين توقّف في جزيرة مالطا في طريق العودة إلى سوريا حيث يقيم. و"اختياره" مالطا كان إلزامياً بسبب تعذّر المرور عبر دول عربية اُخرى لأسباب سياسية وأمنية معروفة، إضافة إلى مشكلة الحصار المضروب على ليبيا الذي يشمل تسيير الرحلات الجوية منها وإليها.

 

ومن المعلومات المتوافرة أنّ الشهيد نزل في فندق في إحدى ضواحي العاصمة المالطية لافاليتا، حيث أقام مؤقتاً باسم مستعار على جواز سفر ليبي، بقصد شراء تذكرة سفر للعودة إلى دمشق. وقبل الظهيرة من يوم الخميس 26 تشرين الأول المنصرم وعلى بعد أمتار من الفندق المسمّى (ديبلومات أوتيل)، اقترب منه رجل وأطلق عليه ثلاث إلى خمس رصاصات من مسدس كاتم للصوت على مرأى من الناظرين. ثم فرّ القاتل على متن دراجة نارية يقودها شريك له في اتجاه ميناء صغير مخصّص لليخوت في العاصمة المالطية. وقريباً منه عُثر في وقت لاحق على الدراجة، مما دفع إلى الاعتقاد بأنّهما غادرا الجزيرة على متن يخت كان في انتظارهما.

 

وتسابقت الصحافة الصهيونية لتقديم معلومات تفصيلية عن جريمة الاغتيال، فأوردت صحيفة (يديعوت احرونوت) أن الدراجة اشتُريت من فرنسا، وكانت تحمل لوحة سُرقت من مواطن مالطي قبل شهور عدّة، الأمر الذي يُظهر أنّ التخطيط بدأ قبل فترة طويلة، حسب الصحيفة، وتردّدت معلومات أنّ فرنسيّاً يهودياً متورّطاً في العملية، وطلبت السلطات المالطية تعاون السلطات الفرنسية لكشف الفاعلين.

 

لكنّ وسائل الإعلام الصهيونية خرجت يوم الأحد الماضي بأخبار وعناوين تفضح مسؤولية جهاز الاستخبارات السري (الموساد) عن الاغتيال، وقالت إذاعة الجيش الصهيوني (إنّ الموساد كان يتابع تحركات الدكتور الشقاقي منذ فترة طويلة)، ولم ينف رئيس وزراء العدو كما لم يؤكد مسؤولية الاستخبارات الصهيونية، محاولاً إلقاء ظلال من الشك على الموضوع. وذهبت مصادر صهيونيّة ـ في مسعى تضليلي عبثي ـ إلى اتهام فلسطينيين مطرودين من ليبيا، مدعية أنّ الدكتور الشقاقي له علاقات طيبة بالحكم الليبي!  

 

بيان ولي أمر المسلمين وقائد الثورة الإسلاميةسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (حفظه الله) بمناسبة استشهاد الدكتور فتحي الشقاقي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 إنا لله وإنا إليه راجعون

 

شهدت ساحة الجهاد الإسلامي الدامية في فلسطين الطاهرة مرة اُخرى سفك دم ابن بار مظلوم اُريق ظلماً، حيث استشهد مجاهد كبير خاض جهاداً مريراً بقلب ملؤه الإيمان والإخلاص في سبيل الدفاع عن أرضه ووطنه السليب على أيدي الغاصبين القتلة سفّاكي الدماء، وقد أثبت الصهاينة عديمو الشرف والأخلاق مرة اُخرى أنهم لا يتورعون عن القتل وارتكاب الجرائم من أجل تحقيق أهدافهم اللامشروعة.

 

لقد كان المجاهد المؤمن والشجاع والمفكّر الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي احدى الشخصيات اللامعة التي فجّرت ينبوع الجهاد الإسلامي للشعب الفلسطيني خلال العقد الأخير، حيث سخر كل إمكانياته وطاقاته في سبيل هذا الجهاد المقدس، وها هو اليوم يقدّم روحه العزيزة في هذا الطريق.

 

إنّ بزوغ شمس الإسلام من اُفق الجهاد الفلسطيني والتي خلقت روحاً جديدة في حياة الشعب الفلسطيني المظلوم، قد بدأت في وقت كان فيه أدعياء القضية الفلسطينية المزيفون يخافون من ذكر اسم الإسلام في تلك الأرض الإسلامية المحضة، فأوصلوا القضية الفلسطينية بفصلها عن الإسلام ـ سواء عن علم أو عدم علم ـ إلى الضياع.

 

وفي مثل هذه الأجواء والظروف بادر جمع من الشباب المؤمن والمخلص والثوري والمفكر وعلى رأسهم شهيدنا العزيز الدكتور فتحي الشقاقي وبالاستلهام من الثورة الإسلامية في إيران وبقلب مليء بالحب والإخلاص للإمام الراحل العظيم، بادروا إلى رفع راية الجهاد الإسلامي رغماً عن أنف فاقدي البصيرة من العملاء المهزومين والكيان الصهيوني الغاصب وأمريكا وعملائهما في المنطقة العربية، وحركوا الدماء مرة أخرى في عروق الجهاد الفلسطيني ووجهوا ضرباتهم المهلكة لجسد العدو الذي كان يظن بسذاجته الفكرية انّه أنهى الجهاد الفلسطيني المشروع.

 

الآن وقد نال هذا المجاهد المؤمن والمخلص الشهادة التي تمثل أمل جميع المجاهدين المخلصين والصادقين، فإنّي أعلن بكل حزم أن هذا الموت الأحمر الذي يبعث على الفخر والاعتزاز سيؤدي إلى تأجيج جذوة الانتفاضة الإسلامية العظيمة في فلسطين، وأنّ مظلوميته ستُثبّت أقدام مظلومي فلسطين في طريقهم الجهادي الشائك.

 

إنّ الشعب الفلسطيني المجاهد مُحقّ عندما يعتبر خونة القضية الفلسطينية سواء الذين يدّعون بكل دناءة أنّهم فلسطينيون أو العرب غير الفلسطينيين شركاء في هذه الجريمة النكراء وما سبقها من الجرائم الأخرى التي اقترفها زعماء الكيان الصهيوني.

 

ولاشك أن هذه الجريمة لن تكون آخر جريمة يرتكبها هؤلاء الإرهابيون الغاصبون، ولكن المؤكد أنّ النصر النهائي والحاسم سيكون حليف جبهة الحق المتمثلة بالشعب الفلسطيني المسلم والمجاهد والمظلوم.

 

إنّني اُبارك واُعزِّي أبناء الشعب الفلسطيني ولاسيما حركة الجهاد الإسلامي المباركة في فلسطين وزوجة الشهيد وأبناءه ووالديه وجميع أقاربه وأخوته المجاهدين بمناسبة استشهاد هذا المجاهد الفلسطيني العظيم.

 

والسلام على جميع عباد الله الصالحين

 

  السيد علي الخامنئي

 

 5 جمادى الآخرة 1416 هــ

 

رسالة الأمين العام الجديد لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبد الله

 

إلى ولي أمر المسلمين السيد الخامنئي (حفظه الله)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.

 

سماحة قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي ولي أمر المسلمين حفظه الله تعالى...

 

بقلوب مستسلمة للقدر الإلهي نُبارك لكم ونعزيكم بشهادة ابنكم المخلص وفلذة كبد الإسلام العظيم القائد البار الدكتور فتحي الشقاقي أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

 

لقد كان شهيدنا الشقاقي (رض) لوحده اُمة، وكان شهيدنا تجسيداً لصور التضحية والإخلاص وحبه العميق لمبادئ الإسلام والاُمة. لقد عاش الشهيد وهو يحمل أفكاراً ومنهجاً رسالياً ونهضة عملاقة ويتطلع إلى مستقبل مشرق للاُمة الإسلامية ويحمل هموم وآمال وتطلعات الاُمة في تحقيق النصر.

 

وظن المجرمون الظلمة انهم سيطفئون جذوة الحق المتّقدة للإسلام والجهاد في فلسطين باغتيالهم رمز العطاء والتضحية الدكتور الشقاقي، إلاّ ان هؤلاء الخاسئين عليهم أن يعلموا أنّ نور الله لن يُطفأ أبداً.

 

وقد فتح دم شهيدنا الغالي باباً جديداً أمامنا للوصول إلى القدس لنحقق وعد الآخرة والوعد الإلهي بنصرة الاُمة الإسلامية.

 

أيّها القائد العظيم.. باسمي وباسم اخواني في حركة الجهاد الإسلامي وباسم الشعب الفلسطيني المظلوم وفي الوقت الذي نزف لكم بشرى عروج ولدكم المخلص إلى الملكوت الأعلى ونعزيكم أيضاً بفقدان هذا الشهيد البطل، نعاهد الله ونعاهدكم بالسير على نهج الشهيد الراحل وأن نكون جنوداً أوفياء مخلصين لدمه الطاهر من أجل تحرير فلسطين والقدس الشريف دون كلل أو ملل.

 

راجين من المولى سبحانه وتعالى ان يرعاكم ويسدد خطاكم ويحفظكم ذخراً للاُمة الإسلامية وفلسطين.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

توجيهات الإمام الخميني (قدّس سرّه) إلى قادة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين حول ضرورة توسيع رقعة الجهاد حتى القضاء التام على إسرائيل الغاصبة قبل خمس سنوات من توقيع عرفات على صك الإستسلام، إلتقى الإمام الخميني الراحل (قدّس سرّه) في ربيع الثاني من عام 1409هــ قادة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

 

وبعد أن نقل المتحدّث الرسمي لحركة الجهاد الإسلامي في بداية اللقاء تحيّات الشعب الفلسطيني المسلم المظلوم والجريح سيما المجاهدين والمناضلين والقابعين في السجون الصهيونية إلى الإمام الراحل (ره)، شرح أبعاد تأثير الثورة الإسلامية المباركة في إيران على الانتفاضة الإسلامية التي تشهدها الأراضي المحتلة، وما حقّقته هذه الانتفاضة المباركة من الانتصارات التي عجز زعماء العرب المتظاهرون بالإسلام عن تحقيقها على مدى أربعين عاماً.

 

وفي نهاية كلمته طلب المتحدث الرسمي من الإمام الراحل (قدّس سرّه) دعم ونصرة الشعب الفلسطيني ليستمر هذا الشعب المناضل في جهاده حتى تحرير القدس.

 

بعدها أصدر الإمام الخميني (ره) توجيهات هامة حول اُسلوب مواجهة الصهاينة واستمرار الجهاد حتى زوال (إسرائيل)، حيث قال سماحته:

 

...في زمن الشاه، وقفت أمريكا والاتحاد السوفيتي وسائر الدول الغربية إلى جانبه [الشاه]، ولكن شعبنا صمد حتى حقق النصر.

 

لقد ابتلتم كما اُبتلينا بأشخاص من بينكم أمثال عرفات.

 

إن عرفات يريد تسليط اليهود على فلسطين والاعتراف بهم رسمياً، وعلى الشعب أن يتّحد ليطرده من بينه ليتمكن من تحقيق النصر.

 

يجب عليكم الصمود وإنهاء القضية مثلما عملنا نحن ما دام يهودي باقٍ هناك، فبالصمود يتحقق النصر.

 

لقد فقد الاسرائيليون صوابهم اليوم، فبدأوا يروّجون لعرفات، لأنّه القائل “[يجب أن] يبقى اليهود ونبقى نحن”، والحال أنّه يجب عدم بقاء اليهود هناك.

 

يجب أن يصمد الشعب ويصّر على [موقفه] ليستقيم الأمر إن شاء الله، وسوف يستقيم إن شاء الله.  

 

أدعو الله أن يحفظكم ويوفقكم جميعاً إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته