"سيأتي اليوم أناس لخطبتي، فأحسني استقبالهم.. هذه آخر كلمة قالتها الشهيدة عندليب خليل طقاطقة" إلى والدتها قبل أن تغادر منزلها لتنفيذ عمليتها الاستشهادية في القدس الغريبة الجمعة 12/4/2002، والتي أسفرت عن مقتل 6 إسرائيليين وإصابة 85.

 

تقول شقيقتها عبير / 23 عاماً: "استيقظت عندليب في الصباح الباكر كعادتها، وصلّت الصبح، ثم ألقت نظرة الوادع، نعم نظرة الوادع على إخوتها وهم نيام، الواحد تلو الآخر، والابتسامة تنير وجهها".

 

وأكملت عبير بعد أن أوقفها البكاء: "صنعت عندليب الشاي لوالدتي، وأخبرتها أن أناساً سيأتون لخطبتها الجمعة، وأوصتها بأن تحسن استقبالهم".

 

وردّت عندليب عندما سألتها والدتها عن عائلة هذا الخطيب قائلة: "عندما سيأتون ستعرفينهم وتفرحين بهم لأنهم سيحققون أمنيتي".

 

وتستطرد عبير قائلة بعد أن أخذت نفساً عميقاً بحجم جراحها: "خرجت عندليب إلى حديقة المنزل قائلة: سأنزل إلى حديقة المنزل لأروّح عن نفسي قليلاً، فلا تقلقي يا أمي".

 

لم تنتظر عندليب حتى يوم الأحد 14/4/2002 لتحتفل بعيد ميلادها العشرين؛ لأنها آثرت أن تحتفل به في مكان آخر، وبشكل آخر، واستعجلت، وأطفأت نار رغبتها في الانتقام من اليهود، بدلاً من إطفاء شمعتها العشرين في منزل والدها المتواضع جداً في قرية "بيت فجار" قضاء مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية.

 

وتكمل شقيقتها عبير: "الزواج حلم كل فتاة في سن عندليب، ولكنها كانت تحلم بأكبر من الزواج والإنجاب.. تحلم بالانتقام من جيش الاحتلال لجرائمه في جنين ونابلس، ولدماء الشهداء التي كانت تسيل".

 

أما والدتها "أم محمد / 48 عاماً" فما زالت تعيش هول الخبر، وترفض أن تصدّق خبر استشهاد ابنتها عندليب، وتذرف دموعها على أمل أن تعود إليها اليوم أو غدا، بعد أن انتظرت ساعات نهار الجمعة 12/4/2002 قدوم من يخطبون ابنتها ولكن دون جدوى، حيث اقتحم منزلهم العشرات من جنود الاحتلال بعد منتصف الليل للتأكيد من هويتها وشخصيتها، مصطحبين معهم شقيقها "علي / 18 عاماً"، وابن عمها "معاذ / 20 عاماً".

 

لا علاقة بالسياسة

 

"لم يسبق لها أن تحدثت عن السياسة أو تنظيمات المقاومة الفلسطينية، ولكنها كانت تكره الاحتلال وجرائمه".. بهذه الجملة الممزوجة بالحزن والأسى بدأ شقيقها "محمد/ 26 عاماً" حديثه: "قضت معظم ساعات الليلة التي سبقت استشهادها معنا، وتبادلنا أطراف الحديث والابتسامة تعلو شفتيها، ولم نشعر للحظة واحدة أنها ستفارقنا".

 

وأكمل أخو الاستشهادية قائلاً: "بل كانت تتحدث عن آمالها وطموحاتها في أن يتحسن وضعنا الاقتصادي، ونبني بيتاً كبيراً يتسع لجميعنا، مؤكداً أن "كثرة مشاهدتها لجرائم الاحتلال والدماء التي كانت تُراق أنبتت فيها روح الانتقام للشهداء والجرحى، وبعثت عبر أشلاء جسدها المتفجر الذي لا يزيد عن 40 كغم رسالة إلى قادة الأمة العربية ليتحركوا لنجدة شعبنا الفلسطيني، وتؤكد لهم أن حجمها النحيل قادر على أن يفعل ما عجزت عنه الجيوش العربية".

 

عون لأسرتها

 

وكانت الاستشهادية عندليب تعمل في مصنع للنسيج في بيت لحم منذ ما يقرب من عامين، بعد أن تركت مقاعد الدراسة وهي في الصف السابع لتشارك في إعالة أسرتها المكونة من 8 إخوة وأخوات، حيث يعاني أكبر الذكور من مرض مزمن في عموده الفقري، بينما تعاني شقيقتها الوسطى من مرض القلب.

 

وتعتبر "عندليب طقاطقة" رابع امرأة فلسطينية تفجّر نفسها في قلب مناطق الاحتلال الصهيوني؛ انتقاماً لأرواح الشهداء والفلسطينيين الذي قُتلوا بيد قوات الاحتلال الإسرائيلي.