من وحي الشهادة ان الحديث عن أمثال هؤلاء المجاهدين الشهداء العظماء له أبعاد ودلالات ومعان متعددة الجوانب والأطراف، ومن تلك الأبعاد وأبرزها ان الحديث عنهم يأتي في اطار تكريمهم واجلالهم واحترامهم وتخليد ذكرهم، والاقرار بفضلهم وتفضيلهم على الكثير من عباد الله المؤمنين الصالحين. وهناك بعد أهم وهو جانب الاستفادة من حياتهم وشخصياتهم وتلقي الدروس والعبر من خلال الاطلالة على مسيرتهم ومراحل حياتهم، ومعرفة الطرق التي سلكوها للوصول الى الغاية وتحقيق أسمى الأهداف والفوز بنيل أشرف الحسنيين. فهم معلمون ومرشدون في المدرسة المحمدية العلوية الحسينية الخمينية، مدرسة الإيمان والصمود، مدرسة الجهاد والشهادة، مدرسة العشق وسعادة الدارين. وما يُهدف من كل ذلك إلا تأديةً لجزء من الواجب الملقى على عاتقنا تجاه هؤلاء العظماء وأداءاً لبعض حقوقهم التي أقلها هذا التكريم والتقريب الى الله لكسب رضاه ونيل جزيل ثوابه. وللأخذ من معينهم الذي لا ينضب والاستضاءة بنورهم والاهتداء بهداهم. فبالتالي يكون الحديث عن الشهداء المجاهدين العظماء الخالدين، يصب في مصالحنا ونحن المستفيدين منه على صعيد الدنيا والآخرة. فمن جهة أنهم لم يطلبوا منا القيام بكل ذلك لا في حياتهم ولا بعد عروج أرواحهم الى الله واستشهادهم لأنهم لم يجاهدوا في سبيل الله ويسطرون ملاحم البطولة والفداء من اجل ان نكرمهم أو نجلهم ولم يقدموا أنفسهم وأرواحهم ويستشهدوا في سبيل الله من اجل ان نحيي ذكرهم ونخلد آثارهم. وانما قاموا وجاهدوا وقتلوا في سبيل الله وحده، وهدفهم الوحيد هو الفوز برضوانه سبحانه وتعالى. هذا من جهة، أخرى فانهم في غنى عن هذا التكريم والتمجيد والاحياء فهم ليسوا بحاجة الى كل ذلك، لأنهم تعاملوا مع الله وأدركوا يقيناً ان الله وحده هو المتكفل بكل ذلك. فهم احبوا الله وعشقوه فعشقهم وتاقوا الى لقاءه وطلبوا القرب منه بنيات خالصة وقلوب طاهرة ونفوس مطمئنة، فاطلع الله على سرائرهم وعلم ما تخفي وتكن افئدتهم من حرارة العشق وتوق اللقاء. فاستجاب الله دعاءهم وبلغهم مناهم، فأعطاهم وزاد في عطاءهم ولم يبخل عليهم فجعل لهم منازل يمتازون بها عمن سواهم، ورفعهم درجات في الدنيا والآخرة، وفضلهم وارد لهم التفضيل. {فضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما} وأكرمهم وفرض علينا اكرامهم وتكريمهم. فجلعهم أحياء عنده يرزقون {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون}. في رحاب الشهيد وفي هذا الاطار نفسه يأتي الحديث عن شهيدنا الغالي الشاب المؤمن المجاهد البطل الشهيد عبداللطيف علي القطان (رضوان الله عليه) تكريماً واجلالاً لمقامه الشامخ وتخليداً لذكراه مع ما يحمل من خصائص وما يتملك من مميزات قل اجتماعها في شخص واحد، نلخص أهمها بالايجاز الآتي: ان شهيدنا العزيز وهو شاب في عنفوان شبابه وفي ربيع عمره جمع بين شرف الهجرة في سبيل الله والجهاد في سبيل الله وتوج حياته بالاستشهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى. فهو مصداق لقوله تعالى: {والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله … } الى قوله تعالى {اولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفر ورزق كريم}. وينطبق عليه قول الله تعالى : {ومن يخرج من بيته مهاجراً الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله}. حيث خرج من بيته وهاجر من بلاده تاركاً وراءه الأهل والأصدقاء وتغرب عن وطنه وابتعد عن اخوانه من اجل الجهاد والالتحاق بركب المجاهدين وعشاق الشهادة، فهاجر كما هاجر مولاه الحسين (ع) فنال شرف الالتحاق بركب سيد الشهداء (عليه السلام) ومضى على ما مضى عليه الحسينيون رضوان الله عليهم أجمعين. وتجدر الاشارة الى ان من الطاف الله وتوفيقاته على عبده اللطيف ــ الشهيد ــ انه دخل عليه شهر رمضان المبارك وهو اثناء الدورة التدريبية التي كان يتلقي فيها فنون القتال، فصام صيام العشاق مما جعله يعيش التعبئة الروحية والنفسية الى جانب التعبئة العسكرية وذلك ما انعكس على سلوكياته، فلم يودع شهر رمضان الا وكان على أعلى درجات الاستعداد والتهيئ للقاء المعشوق، فكانت بشرى العيد عنده انه سيلتحق بالركب، فكانت فرحة الشعور بالقبول واستجابة الدعاء بادية على محياه، فكم كان يردد خلال ليالي شهر رمضان وخصوصاً في دعاء الافتتاح هذه العبارات ".. اللهم وقتلاً في سبيلك فوفق لنا .. ومن النار فاعتقنا .. اللهم اجعلني من عتقاءك من النار.. " فأيقن انه دُوّن في سجل الفائزين برضوانه الغفور الرحيم. ومن توفيقات الله له انه وقبل استشهاده بيومين فقط جدد العهد والولاء مع سيده ومولاه أميرالمؤمنين علي (ع) في ذكرى يوم الغدير وجدد البيعة والولاء لإمامه وقائده الولي الفقيه القائد الخامنئي (حفظه الله) في يوم الولاء والبيعة وعاهد الله على الاستمرار والثبات على نهج الولاية فصدق ما عاهد الله عليه وقضى نحبه في هذا الطريق واستشهد على هذا الخط المقدس. فكما هاجر الشهيد هجرة الامام الحسين (ع) وجاهد جهاد الامام الحسين (ع) وأصحاب الحسين (ع) فقد حج كما حج الإمام الحسين (ع). فكان حج الإمام الحسين(ع) في ارض كربلاء وكان حج شهيدنا على ارض جبل عامل الأشم في جنوب لبنان. فبدل الاحرام لبس الحرب والجهاد فاحرم بلباسه العسكري ولبى نداء ربه، تلبية ليست كتلبية الحجيج وانما تلبية المجاهدين التائقين لقاء الله العاشقين للشهادة وبهتافات الله اكبر، وطاف طواف الأبطال، وطاف في ساحة المعركة، وسعى ليس بين الصفا والمروة وانما كان سعيه بين ثغور المجاهدين وخنادقهم، ووقف يوم عرفة، ولكن ليس على جبل عرفة، وانما كان وقوفه مع اخوته على تلال جبل صافي، واما الرمي فقد رمى شياطين الأنس الذين هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، رمى اليهود الصهاينة المجرمين قتلة الأنبياء والأولياء. قد رمى الشياطين ولكن ليس بحصي الجمار وانما رماهم برصاصات الحق التي أرهبتهم ودمرتهم تدميراً. وأما أضحيته فليست كأضحية الحجاج في منى وانما ضحى بنفسه في سبيل الله وقدمها قرباناً لله سبحانه وتعالى، مسطراً ملحمة بطولية نال بها شرف السبق وكان أول شهيد في بلاد الحجاز يسقط على أرض الجنوب مع المقاومة الإسلامية، في مواجهة الأعداء الصهاينة المحتلين الغاصبين، وهذه ميزة وخاصية من خصائص الشهيد القطان (رضوان الله عليه) ولشهادته دلالات ورسائل، فقد وجه رسالة للعالم وللاستكبار العالمي معلناً ان المواجهة والجهاد ومقاومة الصهيونية لا تختص بالمسلمين في لبنان وانما جميع المسلمين في العالم يشاركونهم هذا الهدف ويشاطرونهم هذا الجهاد، لأن العدو الصهيوني ليس عدواً للمسلمين في لبنان فحسب بل عدواً للاسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، ووجه رسالة لأبطال المقاومة الاسلامية في لبنان.. ليعلمهم ويثبت لهم ان المسلمين المجاهدين الغيارى في جميع أنحاء العالم معهم ويحملون همومهم وليسوا وحيدين في المواجهة والمقاومة ضد هذا العدو، كما وجه رسالة لاخوانه وأصدقاءه وأبناء شعبه وأبناء بلاده وألقى الحجة البالغة على الجميع ليعلن لهم ان باب الجهاد مفتوحاً أمام الجميع وان أرض الله واسعة للمهاجرين الى الله ورسوله. وانه هاجر وجاهد وقاتل وقتل على يد أشر خلق الله وأشدهم عداوة لعباده المؤمنين. فسلام عليه يوم ولد ويوم هاجر الى الله ورسوله ويوم جاهد في سبيل الله ويوم استشهد ولقي ربه مضرجاً بدماءه ويوم يبعث حياً. وحشره الله مع الشهداء والصالحين، مع محمد وآله الطاهرين وحسن أولئك رفيقا. اطلالة النور في مدينة القطيف المعطاء التي عرفت منذ الفجر الإسلامي الأول بأصالتها وانقيادها للحق وحبها للاسلام وولائها لأهل بيت الرسول الأعظم (ص) والتي أصبحت فيما بعد ومنذ مئات السنين مركزاً ومهداً مهماً للعلم والعلماء حيث أنجبت العشرات من المجتهدين والمئات من الأفاضل والمفكرين والأدباء والأبطال والمجاهدين والشهداء الذين خدموا الإسلام ودافعوا عن المبادئ والقيم والأهداف الحقة وتصدى الكثير منهم لمواجهة من أراد النيل والاساءة والاستغلال لهذا البلد وأهله المؤمنين، وتحملوا جراء ذلك الكثير من الآلام والصعوبات والسجن والتعذيب والقتل والتبعيد خاصة في ظل الحكم السعودي الجائر في هذه المدينة التي دفعت ضريبة تمسكها بإيمانها ودينها ودفاعها عن حقوقها ورفضها للباطل من عيشها ودماء أبناءها الشرفاء وآهات وأنات أطفالها ونسائها، في هذه المدينة. ولد الشهيد السعيد عبداللطيف علي ابراهيم القطان في منطقة من مناطقها المستضعفة (القلعة) حي الوارش وذلك عام 1388 هــ في ظل اسرة مستضعفة ملتزمة ربته في كنفها على الدين والأخلاق وحب أهل البيت (ع) ففتح شهيدنا السعيد عينيه على الحياة كما الآلاف من أبناء هذا البلد ليرى ما هي عليه بلاده من الاهمال والاستضعاف والحصار الذي انشب مخالبه ليطال كل ما للانسان فيه من حق. صورة مشرقة من حياة الشهيد الثورة الإسلامية المباركة في إيران التي غيرت مسار العالم برمته والتي كانت تعتبر حقيقة الانعطافة المهمة في مسيرة العالم الإسلامي كان لها الدور الكبير في اعادة صورة الإسلام حية ناصعة في قلب الأمة وانقاذ الأمة من الضياع والشتات والتخلف التي كانت عليه وايقاظها الى الخطر الكبير المحدق بها وتنبيهها الى المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقها، وإبراز العدو لها وتمييز الإسلام المحمدي الأصيل من الإسلام الأمريكي المزيف، بلادنا كغيرها من البلدان الإسلامية التي تأثرت بهذه الثورة المباركة وشهيدنا كغيره من الشبان المؤمنين الغيارى على دينهم وإسلامهم الذين أيقظتهم هذه الثورة وعلمتهم ان الإسلام حركة تبني الإنسان في جميع جوانب الحياة وثورة تضرب بيد من حديد كل ظالم مستهتر بقيم وكرامة الأمة، فعاش شهيدنا البطل منذ ذلك اليوم رجلاً محباً للنشاط الإسلامي والعمل في سبيل الله عاشقاً للنهج الذي قاده الإمام الراحل الخميني العظيم (سلام الله عليه). كانت للشهيد نشاطات عدة على صعيد هداية الشباب المسلم وجلبهم الى الطريق السوي وكان من الحملة للواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث كان يدرك ما لهذه الفرصة العظيمة من أثر في الحفاظ على كيان المجتمع من الانحراف والسقوط في مستنقعات الرذيلة، وانها مسؤولية كبيرة يستوي فيها تحملها الجميع، لذا كان له دور كبير مع جمع من الشباب المؤمن في اقامة هذا الواجب المقدس. وكان شهيدنا البطل من الحسينيين الذين عشقوا الحسين (ع) فاستلهموا من مدرسته الكبرى الدروس والعبر، وصنعوا من دموعهم وبكاءهم على مصيبة سيد الشهداء (ع) روحاً جبارة تواجه هوى النفس والشيطان وتزرع في قلوبهم حباً لله وخوفاً منه وتنزع من النفس الخوف والخنوع والشعور بالذلة والمسكنة. فكان في طليعة الشباب الحسيني الذين يشاركون في مواكب العزاء الحسيني ويتمسكون بهذه الشعائر المقدسة ويدافعون عن بقائها لأنها كما قال الإمام الخميني المقدس (كل ما عندنا هو من عاشوراء) وكان يوصي في أكثر من مناسبة على أداء هذه المراسم العظمية بصورتها التقليدية. فشهيدنا السعيد كان ممن ضحى في سبيل استمرارية وبقاء هذه الشعائر التي هي رمز بقاء هذه الأمة، ففي عام 1409 حاولت السلطات السعودية منع الشباب من الخروج في أحد مواكب العزاء إلا ان الشباب الحسيني العاشق أبى إلا أن يخرج وكان في مقدمة هؤلاء الشباب شهيدنا القطان الذي تحمل أثر ذلك السجن لمدة سبعة عشرة يوماً. قصة أخرى أيضاً تنقل عنه (ره) انه بينما كان أحد المواكب الحسينية يسير كانت مجموعة من سيارات الاستخبارات السعودية (البحث) تتعقب الموكب بغية معرفة الشباب المشاركين في هذا الموكب فما كان من الشهيد القطان الا أن يعترض بسيارته فاصلاً بذلك ما بين الموكب ورجال المباحث وعلى أثر هذا الموقف الجريء والشجاع قام رجال المباحث السعودي بمطاردة الشهيد بحثاً عن تلك السيارة التي اعترضت طريقهم لعدة شهور الى ان اكتشفوا الأمر وتم القبض عليه. وهناك الكثير من المواقف التي لا يسع المجال لذكرها، قام بها الشهيد في أصعب الظروف وأكثرها حساسية التي كانت تمر بها مواكب العزاء. هجرته الى الله ورسوله هاجر الشهيد القطان ولأول مرة الى الجمهورية الإسلامية قاصداً الالتحاق بالحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة وكان هدفه التزود من علوم أهل البيت (ع) والرجوع الى بلاده لهداية المجتمع استطاع خلال فترة وجوده القصيرة في عش آل محمد (ع) الاطلاع على الثقافة الاسلامية والاستفادة من الأجواء الروحانية التي عبأت الشهيد معنوياً وأودعت في قلبه حباً وشوقاً للقاء الله ومجاورة الأنبياء والشهداء والصالحين فاقفل عائداً الى بلاده يحدث أصدقاءه عن عدم قدرته على البقاء معهم طويلاً وان هناك دعوة ونداء ربانياً يدق في ضميره وقلبه ويدعوه الى الاستجابة فما لبث طويلاً حتى رحل الى حيث يهوى ويعشق. عروجه الى الملكوت الأعلى لم يبق في قلب الشهيد القطان مجالاً للحدود التي وضعت لتحجز المسلمين عن بعضهم فكانت الحدود في قاموسه هي الاسلام وكانت قضايا المسلمين اينما كانوا هي قضاياه يحيى ويموت من أجلها ومن هذا المنطلق هاجر الشهيد البطل الى لبنان ملتحقاً بمعسكرات المقاومة الإسلامية التي تمثل بقوتها وعزها قوة وعزة كل المسلمين متعلماً فيها فنون القتال وفي فترة وجيزة اجتاز كل المراحل التدريسية التي جعلت منه مقاتلاً شجاعاً قادراً على خوض المعارك. وفي العشرين من ذي الحجة لعام1411 هــ انطلقت مجموعة جهادية من مجاميع المقاومة الإسلامية تضم الشهيد القطان الذي شدّ راحلته متوجهاً الى لقاء المعشوق بمهمة ضد الكيان الصهيوني عدو الأمة والاسلام في منقطة بئر كلاب فاصطدمت بكمين لقوات العدو فأطلق العدو الناي باتجاه المجاهدين كان نتيجة ذلك سقوط أحد المجاهدين جريحاً وكان أمام الشهيد القطان فتقدم الشهيد القطان بخطى ثابتة جريئة مصوباً النار على أعداء الله (نحو الكمين) فأصيب الشهيد بعدة رصاصات في جسده ولكنه رغم جراحه واصابته أخذ يرشقهم بناره حتى أصابته رصاصة كانت هي القاتلة فسقط الشهيد مضرجاً بدمائه مستبشراً بلقاء مع الله طالما كان يحدوه الأمل بالوصول إليه ونيل شرفه فتقبل الله دعاء عبده القطان وقبله شهيداً نحتسبه عنده سبحانه وتعالى. زفاف الشهيد الى جنة الرادوف وبعد ان نال شهيدنا شرف الشهادة وعرجت روحه الى عالم الملكوت الاعلى وانطلق موكب التشييع في مسيرة حاشدة من أبناء أمة حزب الله خلف جنازة الشهيد القطان نحو مثواه الأخير في رحاب جنة الرادوف (مقبرة الشهداء). حيث أقيمت الصلاة على جثمانه الطاهر بإمامة العلامة المجاهد السيد حسن نصرالله، وبالمناسبة القى سماحة الأمين العام لحزب الله العلامة نصر الله كلمة جاء فيها: اللهم احشره مع الحسين ومع شهداء كربلاء، اللهم وفقنا ما وفقته وارزقنا ما رزقته وارحم شهدائنا، اللهم تقبله في الشهداء واجعله في الاوفياء واحشره مع الأنبياء انك سميع مجيب. هذا الشهيد من ارض الحجاز جاء ليشارك اخوانه في الجهاد لعله يحصل على فرصة الاستشهاد العزيزة وكان له ما تمنى، غادر أرضه وأهله وشعبه وأحباءه وأعزاءه وجاء الى حيث المقاومة ومجاهديها وعرفائها الكبار .. ليلتحق بهم ويتعلق في مدرستهم فكان تلميذاً، لا كالتلاميذ فاذا به يستبق الخطى الى لقاء أبي عبدالله عليه السلام ويحصل على هذا اللقاء المبارك الكبير وبهذه السرعة المذهلة التي فاتت الكثيرين والكثيرين من مجاهدينا. ايها الاخوة لا أريد ان امجد بالشهيد لأنه غني عن مدحنا وعن تمجيدنا والله يمدحه ويثني عليه وعلى الشهداء أمثاله … أريد ان أتحدث عن هذا الشهيد كأسوة وقدوة … ان هذا الشاب الشهيد ترك الدنيا ومفاسدها وزخارفها ومنكرها وحطامها. وأمام هذه الروحية الزكية الطاهرة والحسينية المشرقة، كان الانتصار للاسلام وكانت الهزيمة لأمريكا، واليوم لسنا بحاجة الى عدد وعددنا كبير ولسنا بحاجة الى مزيد شعارات ولسنا بحاجة الى مزيد كلام وانما نحن بحاجة الى استعادة الروحية التي هزمت أمريكا وتستطيع ان تهزمها والتي هزمت اسرائيل وتستطيع ان تهزمها والتي اعزتنا وتستطيع ان تصنع لنا عزتنا من جديد وهذه مسؤوليتكم جميعاً. وانتم في الأرض التي تحتضن أجساد اعز الشباب والشهداء هؤلاء الشهداء الذين نقف بين أيديهم الآن في هذه الأرض الطيبة وفي قرى الجنوب والبقاع والبقاع الغربي، هؤلاء الشهداء حجة الله علينا يسألوننا في كل يوم ويطلون بأرواحهم علينا يذكروننا ويتأملون فينا هل ما زلنا نفكر كما كنا؟ هل ما زلنا نطمح كما كنا؟ هل ما زلنا نحمل الشجاعة التي غادرونا ونحن نحملها، هل ما زلنا نملك الاخلاص الذي غادرونا ونحن نحمله؟ أم اننا أصبحنا أناساً من عالم آخر ومن نوع آخر، أصبحت روحياتنا وذهنياتنا ونفسياتنا مختلفة، هؤلاء الشهداء هم الحجة الذين يسألوننا والذين سيأخذون بأعناقنا وأيدينا يوم القيامة والعياذ بالله ان كنا قد خنا الأمانة وأخلفنا العهد .. وظلنا الطريق ولكننا ان وفينا وأخلصنا وأكملنا سنجدهم أمامنا في صحراء المحشر، وجوههم من نور وثيابهم من نور وأيديهم مبسوطة إلينا فرحين بمجيئنا مستبشرين بما أعده الله لنا أخوه الآخرة كما كانوا بالنسبة الينا أخوة الدنيا. ايها الاخوة فلنستفد من اجواء هؤلاء الشهداء، ومن أجواء ايام عاشوراء المقبلة … لأننا امام التحديات التي بحاجة الى الكثير الكثير من الجهاد والدماء والشهادة والتضحيات لنصنع النصر والعزة والحرية وهزيمة أعداء الله وناهبي الشعوب وقتلة الانبياء، وإلاّ فاننا سنقبل على دنيا ذليلة، يأبى المؤمن وسيده ابو عبدالله (ع) ان يعيشا فيها لحظة واحدة ..