علامات العالم الجديد وانهيار أحاديّة القطب الأمريكيّة

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالة للمفكّر الإسلامي والفلسطيني منير شفيق حول الحرب الروسيّة الأوكرانيّة التي تمثّل إحدى العلامات والمؤشّرات على ضعف وانهيار الولايات المتحدة وتعالي الأصوات من طهران إلى بكين المطالبة بانهيار النظام الدولي الأحادي القطبيّة الذي تمثّله أمريكا.

 

إنّ موضوع بحثنا، في الحقيقة، هو موضوعٌ راهنٌ على المستوى العالمي، وإنّ قراءته قراءةً جيدة وصحيحة تجعلنا نرى إلى أين يسير هذا العالم في المستقبل القريب والمتوسط، ولا سيّما أن السيد الخامنئي وضع الصورة الدقيقة والتوجه الأساسي لهذا التطور. خلاصة القول: إن عالماً قديماً كان سائداً في هذا الكوكب، وقد سبّب كثيراً من الويلات والكوارث والمشكلات لكل شعوب الأرض، هو الآن آخذٌ بالانهيار والتراجع والنزول، ولهذا من المهم أن ندقّق لنعرفَ في أي مرحلةٍ نحن الآن، وفي أي لحظة؟

 

حديثنا عن نقطة واحدة تشيرُ إشارةً دقيقةً إلى الوضع الذي وصلت إليه الولايات المتحدة، وعلامة من علامات انهيارها وضعفها. هذه النقطة تتعلق بالحرب الأوكرانية التي نشهدها اليوم.

 

في الظاهر، يبدو أنّ هذه الحرب حربٌ روسية ضد أوكرانيا بغض النظر عن الأسباب التي يُصرَح بها. لكن كان الموقف الروسي من هذه الحرب في الجوهر موقفاً دفاعياً، كما أعلنت روسيا، لأن أمريكا أدّت دوراً أساسياً في إيصال الأمور إلى نقطة يتدخّل فيها الروس في أوكرانيا، وذلك بتوسيع «الناتو» ليشمل معظم الدول الأوروبية الشرقية التي كانت تشكل «حلف وارسو» في السابق، ثم بدأت تدخل في الحلف جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً واحدةً بعد أخرى حتى وصلت إلى أوكرانيا، وهناك بدأت تسليح أوكرانيا بما يُهدد الأمن القومي الروسي الذي لا يمكن لدولة قادرة تحترم نفسها أن تقبله. لا يمكن لروسيا أن تقبلَ أن يتهدّد أمنها القومي ولا تتحرك فوراً للردّ. لذلك، نعتقد أن المُسبّب لهذه الحرب بأساسها أمريكا، وهي التي تريدها. والسؤال هنا: لماذا؟

 

النقطة الرئيسية، كما أرى، أن الخلفية التي جعلت أمريكا تذهب إلى أن تدفع إلى حرب مع أوكرانيا هي علمُها ويقينُها بأن عالمها بدأ ينهار، وأن كثيراً من الأصوات بدأت تخرج مطالِبةً بإنهاء النظام الدولي الأُحادي القطبية الذي كانت تمثله أمريكا. هذه الأصوات من طهران إلى بكين مروراً بمعظم العواصم ذات الشأن أخذت تطالب بتعدد القطبية وبإنهاء النظام الظالم الذي تمثله الولايات المتحدة.

 

هنا شعرت أمريكا - بلا تردد - أن الصين بالذات من الناحية الاقتصادية‌ والتكنولوجية بدأت تتقدم بخطى سريعة لتحلَّ مكانها كدولة كبرى «رقم واحد»، أي بدأت أمريكا تشعر أن عالماً أخذ يثور ضدها وفي الوقت نفسه هنالك دولة بدأت تتقدم بسرعة هائلة لتحتل موقع الدولة الكبرى ومرتبة الصدارة في العالم، ألا وهي الصين، وتأكدت أن النظام الدولي الذي سبق الحرب في أوكرانيا ليس فيه من مجال لأمريكا أن تسابق الصين وتمنعها من أن تحتل هذا الموقع.

 

هذا الموقع الذي تحتله أمريكا هو موقع الهيمنة ونهب العالم. نرى مثلاً أنّ كل برميل بترول يخرج من العالم يجب أن يلجأ إلى الدولار حتى يدخل السوق. أين هذا الدولار؟ عند أمريكا. من أين تأتي أمريكا بالدولارات؟ هي ليست بحاجة‌ أن يكون عندها غطاء للدولار بالذهب أو بغيره، وإنما يكفي أن تطبع ورقاً وتوزعه على العالم مقابل إنتاج عالمي. انظروا أي نهب للعالم تتمتع به أمريكا بالإضافة إلى قوتها. الآن، إذا جاءت كل هذه الأصوات لتتحرك على المستوى العالمي وهنالك دولة أخذت ببطء تتحرك لتحلّ مكانها وتأخذ هذا الموقع، فماذا تفعل، هل تسلّم، أو تلجأ إلى إستراتيجية جديدة؟ أعتقد هنا أنّ ثمة قراراً أمريكياً الآن يريد أن يوقف هذا الزحف العالمي لإنزالها من موقع الدولة الكبرى «رقم واحد» في العالم. لذلك، فتحت حرب أوكرانيا لتبدأ بروسيا وعينها على الصين وإيران، وأن تمتدّ هذه الحرب لتمنع هذا المصير الذي أخذ يسحب بقوتها، لتمنعه بالقوة ولا تتركه كما حدث مع الاتحاد السوفياتي للمنافسة في الحرب الباردة، لأن الاتحاد السوفياتي كان غير قادر على منافسة أمريكا في الحرب الباردة عملياً من الناحية الاقتصادية‌ والتكنولوجية ومستوى‌ المعاش والرأي العام، وإنما كان يستطيع أن ينافسها عسكرياً ويخوض سباقاً عسكريّاً معها. لكنها استطاعت أن تنتصر عليه بالإمكانات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية والسيطرة‌ التي تتمتّع بها. هذه الخصوصية مفقودة الآن. إذا أبقت العالم في وضع شبيه بالحرب الباردة، أي المنافسة السلمية والمواجهة، كما كان الوضع قبل حرب أوكرانيا، فهذا معناه أن أمريكا سوف تفقد خلال عشر سنوات موقع الدولة الكبرى‌ الوحيدة مقابل العالم، فلجأت إلى هذه الحرب وبدأ التوتر أيضاً مع الصين في موضوع تايوان. توتّرٌ يرشح كذلك لحرب محلية. وفي المدة الأخيرة، ارتفع منسوب الكلام عن حرب ضدّ إيران.

 

إذن، نحن الآن في هذا المناخ، ولكن أعتقد كل ذلك يدلّ على‌ حقيقة‌ واحدة هي أن العالم القديم ينهار، وأن أمريكا بدأت تتراجع وتضعف.