تعيش إيران في هذه الأيام ذكرى انتصار الثورة الإسلامية ضمن أيام عشرة الفجر (الأول من فبراير إلى 11 فبراير) وهي الأيام الحاسمة بين عودة الإمام الخميني طاب ثراه إلى إيران من منفاه وبين يوم انتصار الثورة الإسلامية في 11 فبراير 1979.

في ذكرى الثورة الاسلامية... كيف حيّد الامام الخميني (ره) الجيش، وأغضب الأميركيين ؟

 

يقول الجنرال الأميركي روبرت هايزر (الذي كلفته الولايات المتحدة بقمع الثورة الإسلامية والحفاظ على حكم الشاه في إيران) في كتاب مذكراته عن الأيام الأخيرة ما قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران (( بأمر من (الإمام) الخميني، تم شن هجوم جديد على الجيش، وكان السلاح المستخدم فيه هو المحبة والرفق، لقد حمل المتظاهرون معهم الزهور وكانوا يضعونها في فوهات بنادق الجنود، وكانوا يضعون حلقات الزهور على فوهات المدافع ومدافع الدبابات، ان أسلوب الصداقة والمحبة هذا، شكل خطرا بالغا، والخطر كان أكبر فيما يتعلق بالجنود الشباب)).

 

لقد شكل انتشار صور قيام المتظاهرين من ابناء الشعب الايراني بتقديم الزهور الى عناصر الجيش الذين كان يتم ارسالهم الى الشوارع لقمع المتظاهرين، نقطة عطف في الصراع والمواجهة وتسبب بانضمام معظم كوادر الجيش الى الجماهير وسرع سقوط نظام الشاه.

 

عندما تصاعدت حدة الاحداث في ايران في السنة الاخيرة قبل انتصار الثورة الاسلامية بادر نظام الشاه الى استخدام قوة الجيش في وجه المتظاهرين وكان الهدف احداث الوقيعة بين الجيش والشعب وكانت دعاية نظام الشاه عند افراد الجيش بأن الشعب متعطش لدماء الجيش ، اما دعاية النظام بين افراد الشعب كان بان الجيش خائن للشعب ،  وخطة نظام الشاه كانت جر الجيش والشعب نحو مواجهة حتمية بينهما تؤدي لاغراق البلاد في أبحر من الدماء من اجل افشال الثورة الاسلامية، وكان الامام الخميني طاب ثراه اول من انتبه لهذه المؤامرة المشؤومة والخطيرة وبادر الى افشالها عبر توجيه نداءات للشعب وللجيش وسعى بشكل جاد لابطال مفعول تلك المؤامرة.

 

ظاهرة الاعلان عن منع التجول ونزول الجيش الى الشوارع (خاصة في السنة الاخيرة ما قبل انتصار الثورة الاسلامية) ولدت الكراهية بين ابناء الشعب الايراني تجاه الجيش خاصة مع حدوث صدامات أدت لاراقة الدماء ، ووصلت الامر بأن تمتنع حتى المستشفيات والاطباء عن معالجة العناصر العسكريين، وكان الامام الخميني (ره) يعلم بحالة نفور الشعب من الجيش لكن سماحته كان يؤكد بأن سبب هذا النفور هو الشاه ، ورغم ذلك سعى الامام (ره) الى ان يحافظ الجيش على حياديته.

 

قبل هروب الشاه من ايران ( 16 يناير 1979) وعندما كان الامام الخميني (ره) لا يزال في نوفل لو شاتو في ضاحية باريس وصلت اخبار مقلقة من ايران تفيد بأن بعض التيارات والجماعات في داخل ايران يخططون لمهاجمة افراد الجيش ، وهذا كان سيؤدي الى مواجهات مسلحة داخلية لا نهاية لها ، وتم ايصال هذه الانباء الى الامام الخميني (ره) في باريس  ، وفي يوم 13 يناير اصدر الامام (ره) بيانا حذر فيه من مؤامرة مهاجمة العسكريين وأوصى الطرفين بضبط النفس وقال انه يجب على ابناء الشعب التعامل بأخوة ورفق مع الشرطة والجيش وحماية أخوتهم من التعرض لهجوم من قبل الاشرار، وفي المقابل دعا الامام (ص) عناصر الجيش الى التعامل بأخوة مع الشعب. وكأن الجميع كانوا ينتظرون صدور هذا الامر للوئام . وكان نداء الامام الخميني (ره) بمثابة الماء الذي أطفأت نيران الحقد والبغضاء بين الشعب والجيش وأدى الى وأد المؤامرة.

 

وعلى الفور أعلنت منظمة الاطباء الايرانيين في بيان رسمي ان الاطباء سيعالجون عناصر الجيش وعوائلهم وبعد ذلك باتت المظاهرات ترافقها مظاهر ابداء المحبة لعناصر الجيش المنتشرة في الشوارع وكان المتظاهرون ينثرون الورود والازهار على عناصر الجيش ويقبلونهم وخاصة في المظاهرات التي جرت في اليوم التالي بعد صدور نداء الامام الخميني (ره) والصقت صور الامام الخميني (ره) على شاحنات الجيش في الشوارع وتكررت هذه المشاهد في الايام التالية.

 

غضب الجنرال الاميركي من خطة الامام الخميني (ره) ... سلاح الهجوم هو الحب والرفق

 

لقد أبطل ذلك النداء القصير للامام الخميني (ره) خطط الشاه ومستشاريه الاجانب لمواجهة ثورة الشعب ، لقد كان تدبير الامام (ره) بالغ التأثير بحيث أجبر حتى قائد اركان الجيش العماد قره باغي بالاشادة بنداء الامام (ره) للحفاظ على حياة العسكريين. لكن هذا الامر اغضب كثيرا الجنرال الاميركي روبرت هايزر الذي كلفته ادارة جيمي كارتر بالحفاظ على حكم الشاه في ايران، تفاجأ الجنرال هايزر بهذه المبادرة وسماها بـ "الهجوم".

 

يقول الجنرال الاميركي روبرت هايزر في كتاب مذكراته عن الايام الاخيرة ما قبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران (( بأمر من (الامام) الخميني، تم شن هجوم جديد على الجيش، وكان السلاح المستخدم فيه هو الحب والرفق، لقد حمل المتظاهرون معهم الزهور وكانوا يضعونها في فوهات بنادق الجنود، وكانوا يضعون حلقات الزهور على فوهات المدافع ومدافع الدبابات، ان اسلوب الصداقة والمحبة هذا، شكل خطرا بالغا، والخطر كان أكبر فيما يتعلق بالجنود الشباب)).

 

ولم يخفي هايزر في باقي الجمل التي كتبها غيظه من مبادرة الامام الخميني (ره) ويقول " يجب ان اعترف بأنني أصبت في الصميم وانجرحت بسبب انتصار (الامام) الخميني على الجيش ، كان يجب علي التحرك بسرعة، وفي غير هذه الحالة كنا سنخسر الجيش".

 

يروي احد طلاب كلية الضباط العسكريين في تلك الفترة ، انه مع اشتداد الاحتجاجات في الشوارع بدا كبار قادة الجيش وعناصر جهاز السافاك (جهاز الامن) وعناصر جهاز مكافحة التجسس يترددون الى الكلية ويلقون الخطابات فينا ، وكانوا يقولون لنا "ان مستقبل هذا البلد هو ملك يمينكم وانكمستصبحون كبار قادة الجيش في المستقبل فتعالوا وتصدوا لمثري الشغب والعملاء الذين يتظاهرون في الشوارع واوقفوا قطار تحركهم او اخرجوه عن سكته" وكنا نظن بأن هذه الخطابات مجرد تعلميان لمنعنا من التعاطف مع المتظاهرين والانضمام اليهم لكن بعد فترة من الزمن صدرت الاوامر بنزولنا الى الشوارع وتسلم امن السفارات والساحات ومحطات الوقود ومراقبة تحركات الشعب وخاصة علماء الدين في محطات الباصات والمواصلات. لكن كلما مر الوقت ازدادت شكوكنا في كلام قادة السلك العسكري لان افراد عوائلنا وأسرنا كانوا ضمن المتظاهرين وحينها اكتشف كبار قادة الجيش اثناء تفقدهم للوحدات بان عناصر الجيش يخالفون التعليمات، انهم كانوا يرقدون للنوم في اماكن الحراسات ، وفي الاماكن العامة مثل محطات الباصات والمواصلات التي كان يجب علينا مراقبتها والتجسس خلالها للتعرف على المناوئين للحكومة ، كان العسكريون يصادقون الناس ويتبادلون جانب الاحاديث معهم بكل ود ومحبة ، اما الشيء الأشد وقعا على قيادات الجيش كان قيام عناصر الجيش بإلقاء والورود والزهور على المتظاهرين !