مفهوم الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

(دورة التعرّف على المنظومة الفكرية لسماحة الإمام الخامنئي)

 

الدرس ( 2): المبادئ الفكريّة للثورة الإسلامية

 

الأستاذ: سماحة السيد كميل باقر

 

بسم الله الرحمن الرحیم

 

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّی الله علی سیدنا محمّد وعلی آله الطیّبین الطاهرین.

الإخوة الأعزاء، الأخوات الكریمات، السلام علیكم جمیعاً ورحمة الله.

نستمرّ وإياكم في سلسلة حلقات نناقش فیها مفهوم الثورة الإسلامیة في فكر الإمام السیّد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامیة. في الجلسة الأولی تحدّثنا قلیلاً حول مكانة هذا المفهوم المهمّ في المنظومة الفكریة للإمام الخامنئي، وفي هذه الجلسة سنتحدّث إن شاء الله حول «المبادئ الفكریة والأسس العقائدیة للثورة الإسلامیة » بناءً علی آراء وأفكار سماحة القائد.

العلاقة بین الإسلام وهذه الثورة علاقة وثیقة ومستحكمة. الإسلام هو المنشأ الرئیسي لهذه الثورة، وهو الدافع الأساسي لدی الشعب للقیام والنهوض، وهو الجوهر الأصيل والعنصر المحوري في كل الأحداث في هذه الثورة، والاعتقاد الجازم بالإسلام هو الذي یدعو هذا الشعب إلی عدم الرضا بالعیش تحت حكم الطواغیت، وإیمانه الراسخ بالمبادئ الإسلامیة هو الذي یطالبه بالحركة نحو التغییر والتحوّل والسعي لإسقاط الأنظمة غیر الإلهية في حیاة الإنسان وبناء نظام جدید للحكم؛ نظام إلهي، وإیجاد مجتمع إسلامي للحیاة الطیّبة والعیش الكریم.

إذاً، قصة هذه الثورة ورحلتنا معها تبدأ مع «الإسلام ». لكن أيُّ إسلامٍ؟! ما نفهمه من كلمات الإمام الخمیني والإمام الخامنئي أنّنا الیوم أمام نوعین من الإسلامیة؛ إسلامٌ محمّديٌ أصیل، وإسلامٌ أمريكي. الثورة الإسلامية مبنیّةٌ علی أساس الفهم الصحیح للإسلام، ونابعةٌ من المعارف والمصادر الأصیلة لمعرفة حقیقة الدین الإلهي. هذه القراءة الصحیحة للإسلام هي التي تنتج الثورات. الإسلام المحمّدي الأصیل هو الذي یصنع الثوّار ویحرّك الجماهیر ویرفع الرایات ویرفض الاستسلام. أمّا الإسلام الآخر الذي یساوم الطاغوت ویقبل الذلّ ویعایش الكفر ویصبح أداةً بید المستكبرین فهو لیس إسلاماً حقیقیاً إلهیاً أصیلاً، وإنما هو صنيعة أعداء الإسلام لرب الإسلام ولتشویه صورة الإسلام ولمنع فاعلیة الإسلام، وبتعبیر الإمام الخمیني هو الإسلام الأمریكي.

ولكي ندرك ما هي علاقة الثورة بالإسلام علینا أن نلقي نظرةً ولو إجمالیة على أهمّ المبادئ الفكریة والأسس العقائدیة في الإسلام المحمّدي الأصیل، والتي بدورها تؤثّر علی أداءنا الفردي وسلوكنا الاجتماعي. طبعاً الإمام الخامنئي في كثیر من محاضراته یرح لنا الأصول الثورية للإسلام، لكن ربّا من أفضل المصادر للاطلاع علی آراء سماحته حول هذا الموضوع هو كتاب «مشروع الفكر الإسلامي في القرآن ». أنتم في هذه الدورة قرأتم هذا الكتاب القیّم المشتمل على سلسلة محاضرات ألقاها الإمام الخامنئي قبل سنوات من انتصار الثورة، وعرفتم أنّ سماحة السید علي الخامنئي الشاب الثلاثیني الذي كان إمام مسجد صغیر في مدینة مشهد آنذاك، كان یهدف من إلقاء تلك المحاضرات إلی تبیین الأسس الفكریة للثورة الإسلامیة أوّلاً، وتربیة الشباب المؤمن الثوري ثانیاً.

ویشهد التاریخ ویعرف العدوّ أيضاً أنّه كان موفّقاً وناجحاً جدّاً في تحقیقه لكلا الهدفین. في الوثائق الرسمية لنظام الشاه التي تمّ العثور علیها بعد انتصار الثورة هناك تقریر للسافاك (أي جهاز الاستخبارات في نظام الطاغوت) حول محاضرات مشروع الفكر الإسلامي في القرآن.

ضابط الاستخبارات یقول في هذا التقریر: «یقوم السید عي الخامنئي في هذه المحاضرات بتبیین المبادئ الثورية للإسلام، والهدف غیر المباشر لهذه الجلسات هو إيجاد تنظيم من نوع آخر یحوّل الشباب إلی طلقات ناریة لا یقف بوجهها أيّ شيء. » في هذه الجلسة سنشیر إلی أهمّ هذه الأصول الثورية والمبادئ الفكریة للإسلام بناءً علی رؤية سماحة القائد: 

الأصل الأول في الإسلام المحمّدي الأصیل هو الاعتقاد بالتوحید. تعلّمنا في كتاب مروع الفكر الإسلامي أنّ التوحید لا یعني أنّ الله واحدٌ ولیس اثنین فحسب، وإنّما یعني أنّ العبادة والطاعة منحصرة بالله، وأنّ روح التوحید رفض عبودیّة الطواغیت.

 

في نفس السیاق، یرح سماحة الإمام الخامنئي في «بیان العهد المشرك » مفهوم التوحید ویقول: «الإسلام هو دين التوحيد، والتوحيد يعني تحرّر الإنسان من العبوديّة والطاعة والتسليم لأيّ شيء ولأيّ أحدٍ سوى الله، وفكّ قيود أنظمة الهيمنة البشريّة، وكسر تعويذة الخوف من القِوى الشيطانيّة والماديّة، والاتكاء على الإمكانات اللامتناهية التي استودعها الله في ذات الإنسان وطلب منه استخدامها كفريضة لا مناص منها، والثّقة بالوعد الإلهي بانتصار المُستضعفين على الظالم ن والمستكبرين شريطة القيام والكفاح والاستقامة، وتقبّل المشَقّات والمخاطر التي تهدّد الإنسان في سبيل تحقيق الوعد الإلهي، وأن يرى الصِعاب ]التي تعترضه[ أنّها بِعَ ن الله، وخلاصة القول يعني أن يرى نفسه مُتعلّقًا ومتّصلاً بالمحيط الأزلي للقدرة والحكمة الإلهيتان، وأن يُسارع نحو الهدف الأسمى بأملٍ ودون تشويشٍ. في ظلّ هكذا إيمان وإدراك بينٍّ وعميقٍ للتوحيد تتحقّق العزّة والرفعة الذي وُعد به المسلمون، ودون فهمٍ صحيح والتزام عقائديّ وعميّ بالتوحيد فإنّ أيًّا من وعود الله للمسلمين لن يتحقق عمليًّا. » هذا هو التوحید من منظار الإسلام الثوريّ الحركيّ.

الأصل الثاني في الإسلام المحمّدي الأصیل هو الاعتقاد بالنُبوّة. في كتاب «مشروع الفكر الإسلامي في القرآن » تعلّمنا أنّ النُبوّة مرتبطة بالتوحید، وأنّ هدف الأنبیاء صناعة الإنسان الموحّد. لكنّهم یسعون نحو هذا الهدف عبر إیجاد مجتمع توحیدي ولیس عبر التربیة الفردیة للإنسان. لذا فإن بعثة الأنبیاء في الحقیقة هي ثورةٌ اجتماعیة ضدّ الطاغوت لبسط التوحید في كلّ العالم، ل «یكونَ الدینُ كلُّه لله » و «لِیُظهرَه علی الدینِ كلِّه .» 

للمطالعة أكثر حول مفهوم النُبوّة في الإسلام الثوريّ المحمّدي الأصیل من منظار الإمام الخامنئي یمكنكم مراجعة خطابات سماحته بمناسبة عید المبعث النبويّ الشریف خلال السنوات الماضیة، كما وأنصحكم بقراءة كتاب «ثورة الأنبیاء في نهج البلاغة » من إصدارات «دار الثورة الإسلامیة ». في هذا الكتاب یبیّن لنا سماحة القائد أنّ الثورة الإسلامیة هي تكرارٌ لتجربة النُبوّات وامتدادٌ لثورة الأنبیاء علیهم الصلاة والسلام.

 

أمّا الأصل الثالث من الأسس الفكریة في الإسلام المحمّدي الأصیل هو الاعتقاد بالولاية. وقد عرفنا في كتاب «مشروع الفكر الإسلامي في القرآن » أنّ الولایة لیست منفصلةً عن النُبوّة، ولو لم تكن الولایة كانت ستبقی النُبوّة ناقصة. لأنّ الأنبیاء - كما ذكرنا - هدفهم صناعة الإنسان، لكن أسلوبهم وطريقتهم لصناعة الإنسان عبارة عن إیجاد المجتمع الإسلامي. والمجتمع الإسلامي هو مجتمع تسود فیه حاكمیة الله والقوانین الإلهیة، ونظام العلاقات الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة والحقوقیة یقف الدین الإلهي وراءها كلّها. وإیجاد مجتمع بهذه المواصفات لا یمكن إلا بالولاية بالمعنی الدقیق الذي یقدّمه الإمام الخامنئي في تلك المحاضرات. 

في الحقیقة، المجتمع الإسلامي هو المجتمع الولائي، والولایة علی صعید المجتمع تتحقّق عندما یكون وليّ الله بالحقّ أو ما نسمّیه بالإمام هو ملهم كلّ الطاقات والنشاطات في ذلك المجتمع، وأن یكون الإمام هو الحاكم والقطب الذي یوجّه المجتمع قانونیاً وتنفیذیاً. والإمام هو الحاكم والقائد الذي یعيّنه الله سبحانه وتعالی، وهذا التعیین إمّا أن یكون تعییناً بالإسم كما في حالة أئمة أهل البیت علیهم السلام، أو تعییناً من قبل الله بواسطة بیان الخصائص والمواصفات ك ا هو الحال في الوليّ الفقیه الجامع للشرائط في زمن الغیبة. 

 

أیضاً من المبادئ الاعتقادية المهمّة في الإسلام الثوري هو تفسیره المتمایز والمختلف لمفهوم الإیمان. بناءً علی ما تعلّمناه في كتاب «مشروع الفكر الإسلامي فی القرآن » الإیمان بالمعنی الصحیح لیس مجرّد أمر قلبي، وإنّما هو ذلك الإيمان المقرون بالمسؤولیة والالتزام العملي. الإیمان هو الاعتقاد القلبي النابع من المعرفة الصحیحة والباعث للحركة العملیّة والالتزام بالمسؤولیة. 

 

المطلوب منّا أن نكون مؤمنین بالتوحید والنبوّة والولاية، وهذا یعني أن نكون ملتزمین بهذه العقیدة في سلوكنا الفردي والاجتماعي. أن تكون مؤمناً موحّداً یعني أن لا تعبد أحداً إلا الله وأن لا تطیع أحداً إلا الله والولي المنصوب من قبله، وأن تكافح كل أنواع الطواغیت في حیاة الإنسان. وأن تكون مؤمناً بالنبوّة یعني أن تسعی وتبذل كلّ الجهد لتحقیق هدف الأنبیاء وإیجاد المجتمع الإسلامي التوحیدي. وأن تكون مؤمناً بالولایة یعني أن تعزّز ارتباطاتك الفكرية والعملیة مع الوليّ وأن تسعى وتعمل لكي تجعل وليّ الله مقتدراً في أداء مهامّه. هذا الإیمان وهذه العقیدة وهذا الالتزام العملي هو الذي یصنع الثورة.

 

وفي بیان الخطوة الثانیة يقول سماحة القائد: «بدّلت ثورة الشعب الإیراني العالم ثنائيّ القطب يومذاك إلی عالمٍ ثُلاثيّ الأقطاب، ثم بسقوط الاتحاد السوفيتي والدول التابعة له، وظهور أقطاب قوّة جدیدة، أضحی التقابل الثنائيّ الجدید بین الإسلام والاستكبار الظاهرة البارزة في العالم المعاصر ومحطّ اهتمام شعوب العالم... وهكذا تغیّر مسار العالم وقضّ زلزال الثورة على الفراعنة مضاجعهم، فابتدأت العداوات الشديدة، ولولا قوة الإیمان العظیمة ودوافع هذا الشعب والقيادة الربّانيّة والمؤیّدة للإمام الخمینيّ العظیم لما أمكن المقاومة حیال كلّ هذه العداوة والظلم والمؤامرات والشرّ. » 

 

إذاً بالمختصر، هذا هو دور الإسلام والإیمان والأسس العقائدية والمبادئ الفكریة القرآنیة في إیجاد الثورة الإسلامية واستمرارها. هذا الفهم العمیق والدقیق للإسلام وهذه القراءة الممیّزة للإیمان تحرّك الشعوب لإیجاد التحوّل في المجتمع نحو الإصلاح ولبناء حیاة طیّبة في الدنیا والآخرة، وهذا هو الفرق بین الإسلام المحمّدي الأصیل والإسلام الأمریكي الذي یفصل بین الدین والحیاة الاجتماعية والسیاسیة. 

 

بتعبیر القائد في بیان العهد المشرك: «طبيعة الإسلام الأصيل هي طبيعة غنية بالجوانب الجذّابة، وتجتذب إليها القلوب النقيّة من الأغراض الفاسدة والأحقاد، وهذا هو نفسُه ما طرحه إمامنا وثورتنا في العالم مرة أخرى، وقدّماه للقلوب والأبصار الباحثة والمُفتقرة إليه. في مدرسة الثورة التي أسّسها إمامنا طُوي بساط الإسلام السفياني والمرواني؛ إسلام الطقوس والمناسك الفارغة، الإسلام المكرّس لخدمة المال والسلطة، إسلام هو أداةٌ في يد القِوى المُهيمنة وآفةُ أرواح الشعوب، وسطع نجم الإسلام القرآني والمحمّدي، إسلام العقيدة والجهاد، إسلام معاداة الظالم ونصرة المظلومين، ومُؤسس حكومة المستضعفين. » 

 

ثمّ یقول سماحته: « جاءت الثورة الإسلامية بإسلام الكتاب والسُّنّة مكان إسلام الخرافة والبِدْعة، وبإسلام الجهاد والشهادة مكان إسلام التقاعس والقيد والذِلّة، وبإسلام التعبّد والتعقّل مكان إسلام الالتقاط والجهل، وبإسلام الدنيا والآخرة مكان إسلام حبّ الدنيا أو الرّهبانية، وبإسلام العلم والمعرفة مكان إسلام التحجّر والغفلة، وبإسلام الدين والسياسة مكان إسلام الانحلال الأخلاقي واللاّمُبالاة، وبإسلام القيام والعمل مكان إسلام الذُبول والكآبة، وبإسلام الفرد والمجتمع مكان إسلام المناسك وانعدام الفائدة، وبالإسلام المُنجي للمُحْرُومين مكان إسلام هو أُلْعُوبة بأيدي أصحاب السُّلطة، وباختصار؛ جاءت بالإسلام المُحمّدي الأصيل مكان الإسلام الأمريكي. » 

أیضاً هناك مبادئ فكریة إسلامیة مهمّة أخری مثل الاعتقاد باستمرار الحیاة بعد الموت والاعتقاد بمحوریّة الإنسان وتكریم الإنسان والاعتقاد بحركة العالم نحو حاكمیة الحقّ، یشرحها الإمام الخامنئي في كتاب «العهد العالمي الجدید » وللتعرّف علی هذه النقاط یمكنكم مراجعة هذا الكتاب القيّم من إصدارات دار الثورة الإسلاميّة.

في الحلقة القادمة من سلسلة الدروس هذه سوف نواصل البحث معكم حول مفهوم الثورة الإسلامیة وسنناقش مراحل الثورة الخمسة وأهداف الثورة وقيمها وشعاراتها بالاستفادة من كلمات قائد الثورة الإسلامیة سماحة الإمام الخامنئي دام ظلّه إن شاء الله. 

والسلام علیكم ورحمة الله وبركاته.