ليس لنا إذا أردنا التحدث عن شخصية إمامنا ـ ?ذلك الإنسان السامي والمسلم الحرّ ـ إلاّ أن نلوذ بالقرآن الكريم، فنتأمل في آياته التي وصفت عباد الله الصالحين.

لقد كان مصداقاً للمجاهدين المهاجرين المؤمنين ﴿الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله﴾، فهبّ يستقبل الأخطار واضعاً روحه على كفه سالكاً سبيل الله، فكان من الذين رضي الله عنهم: ﴿ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله﴾، فنهض نهضته التاريخية الكبرى من أجل إقامة العدل والقسط وإنقاذ المستضعفين من الظلم والتمييز العنصري، فلبّى نداء الله في قوله تعالى ﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ﴾ و﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾، فكان شديداً على الكفار عنيفاً على المشركين رؤوفاً عطوفاً على المسلمين، وكان بذلك مصداقاً لقوله تعالى: ﴿َشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾. كان يذوب تهجّداً وتضرّعاً لله سبحانه: ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾، وكان ينهى عن الفحشاء والمنكر ويجاهد في سبيل الله حتى صار من الذين ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

لقد قضى أيام عمره وساعاته ولحظاته يراقب ويحاسب، وقد تألّقت أمام عينيه مئات الآيات القرآنية التي تصف المخلصين والمتقين والصالحين، إنّه لم يجسّد القرآن في الحياة الاجتماعية ولا بتشكيل المجتمع الإسلامي فحسب بل وفي نفسه وحياته أيضاً.

هو الروح الذي هبّ يحمل عصا موسى ويده البيضاء وفرقان المصطفى من أجل إنقاذ المظلومين، فهزّ عروش الفراعنة وأضاء الأمل في عيون المستضعفين. لقد أعاد للإنسانية كرامتها وللمؤمنين عزّتهم وللمسلمين قوتهم وشوكتهم، ونفخ في عالم المادّة الميتة الروح والمعاني، ووهب عالم الإسلام الحركة، وألهب نفوس المجاهدين في سبيل الله حماساً، فاكتشفوا الطريق طريق الشهامة والشهادة.

هو الذي حطّم الأصنام وبدّد أحلام الشرك، وعلّم الجميع كيف يدرك الإنسان التكامل وكيف يعيش كعلي (ع)، وكيف له أن يصل إلى حدود المثال والعصمة، وأنّ كل هذا ممكن وليس مجرّد أساطير.

هو الذي علّم الشعوب كيف تحطّم قيود الذلّة والأسر ومقارعة المتسلطين، فرأى أصحاب البصيرة في ملامح وجهه المضيء انعكاسات القرب من الحق، وتألّقات رحمة الله وبركاته، فاستجاب الله دعاءه وهو يردد. «إلهي لم يزل برّك على أيام حياتي، فلا تقطع برّك عني في مماتي»?.