سماحة الشيخ دّري النجف آبادي

إنّ من أكثر مقاطع حياة الإمام أمير المؤمنين (ع) حساسية هو الزمن القصير لخلافته التي استمرت خمس سنين تقريباً والذي كان مثمراً غاية الاثمار، فهو على كل ما كان فيه من القلق والاضطراب، يعكس لنا أقوال الإمام وسيرته العملية في: القيادة والزعامة السياسية، واتخاذ القرارات، والمواقف مع الصديق والعدو، وكيفية مواجهته للاتجاهات الأموية المنحرفة والسطحية.

إن المواجهة الصحيحة واتخاذ المواقف الدقيقة على الأصعدة الاجتماعية المعقّدة اليوم من دون المعرفة التامة بأصول السياسة الإسلامية أمر مشكل جداً، وتقتضي هذه الضرورة لمجتمعنا الإسلامي أن يسعى بجدّ للتعرّف بالنظام السياسي الإسلامي وتَبيُّن أصوله السياسية في كل أبعادها، وأن يوظف في هذا الجهاد العلمي والعملي كل جده وجهده.

أضف إلى ذلك أن عالمنا المظلم اليوم المليء بالظم والجور، والغريق في لجّة الماديات، عطش إلى القيم الإسلامية السامية، وإن عرض هذه القيم بواقعها الصحيح يفتح نافذة أمل للبشرية، ويقدم للعالم أطروحة جديدةً تبدي بنفسها خواء المادية الغربية والشرقية معاً.

ونستعرض هنا عدة نماذج من "نهج البلاغة" تبين ضرورة الاعتناء بنظام الحكم أو التعرف بأصول السياسة الإسلامية من خلال عناية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بصورة تامة بذلك:

أ ـ "وإن في سلطان الله عصمةً لأمركم، فأعطوه طاعتكم غير ملومة ولا مستكره بها. والله لتَفعلُنّ أو ليَنقلَن الله عنكم سلطان الإسلام، ثم لا ينقله إليكم أبداً حتى يأرز(*) الأمر إلى غيركم"(1).

وقد أورد هذا البيان لدى خروجه إلى حرب الجمل، وعلى أثر اندلاع فتنة "الناكثين" وشغبهم في الحكومة الشرعية الحقة له (ع) ، وهو يشير فيه إلى ما يلي:

1 ـ أن الحكومة الإسلامية هي سلطان الإسلام وسلطان الله، لا حكومة الحاكم الفرد أو الجماعة أو الحزب أو الطبقة، وأن تنفيذ الأحكام الإلهية وقوانين الإسلام إنما يتم من خلال زعامة الإمام وقيادته.

2 ـ أن بقاء الحكومة الإسلامية ودوامها بحاجة إلى قبول الناس ومواكبتهم ومعونتهم، وان لتواجد الناس في الساحة دوراً مصيرياً في استمرار حكومة الإسلام، وان على الناس أن لا يبخلوا على الإسلام بذلك.

3 ـ أن الحكومة الإسلامية ليست حكومة السيف والسنان والسوط والعصا والقبضة الحديدية، أو الحديد والنار، أو حكومة بوليسية، وأن الدور الأساس إنما هو لقبول الناس وتعاونهم جميعاً. والأهم من ذلك أنه لابد أن تكون هذه الطاعة عن شوق ورغبة؛ فإن الحكومة الإسلامية تحكم على الأفئدة والقلوب، وإن الروح هي التي تجر الجسد معها حيثما شاءت، ولا قيمة للمواكبة عن خوف وفي ظل القوة والقدرة والجبروت.

4 ـ كما أن استمرار الحكومة الإسلامية هو ثمرة طاعة الأمة الحرة وعن رغبتها، وأن ذلك يؤدي إلى المحافظة على النظام الاجتماعي السعيد والسليم، كذلك فإن عدم انسجام الشعب مع القائد يؤدي إلى تحول قيادة المجتمع إلى من لا أهلية له، وذلك يستتبع الضلال والانحراف طبعاً.

ب ـ "سُئل (ع) : أيهما أفضل: العدل أو الجود؟ فقال (ع): العدل يضع الأمور مواضعها، والجود يخرجها من جهتها. والعدل سائس عام، والجود عارض خاص؛ فالعدل أشرفهما وأفضلُهما"(2).

إن هذه المقارنة بين العدل والجود وعناية الإمام بجوانب العدالة الشاملة، واهتمامه بقيمة العدالة الاجتماعية، تبين لنا النظرة النافذة والشاملة للإمام (ع) في أركان الحكومة الإسلامية وأبعادها الشعبية؛ فالعدالة سياسة عامة شاملة ينتفع بها عامة الناس، بينما الجود عمل خاص ينتفع به فرد أو فئة خاصة، وإن نظام القيادة في الحكومة الإسلامية يجب أن يجعل أساس البرامج على محور العدالة.

ج ـ "استعمل العدل، واحذر العَسْفَ والحَيْف؛ فإن العَسْف يعود بالجلاء، والحيف يدعو إلى السيف"(3).

 

رؤيتان سياسيتان

د ـ "والله، ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كَفْرة، ولكل غادر لواء يُعرف به يوم القيام. والله ما أستغفَلُ بالمكيدة، ولا أستغَمزُ بالشديدة"(4).

لقد بين الإمام (ع) في هذا البيان القصير أساس السياسة الإسلامية وسياسة القادة الإلهيين، وإن الكثير يرى أن السياسة تساوي الغدر ونقض العهود والكذب والتزوير، ولكنها في نظر القادة الإلهيين يجب أن يوازيها الصدق والأمانة وأن تُنفّذ بكل قدرة وشهامة وتدبير؛ إذ هناك من يتوسل بكل وسيلة للوصول إلى هدفه، ويفيد من أنواع الدسائس والمؤامرات الشيطانية من أجل الحفاظ على مقامه ومركزه، وطبيعي أن يكون منفذو السياسة الإلهية بعيدين بل مُعرضين عن الإفادة من هذه الأساليب الرخيصة. ويقول الإمام علي (ع): إن السبب في تمكن معاوية من التأثير بأساليبه في جماعات من الناس والوصول إلى بعض أغراضه وأهدافه، ليس هو علمه وعقله، بل لأنه لا يهمّه أن يكون الوصول إلى الهدف بأي وسيلة وطريق.

إن الفارق الأساس فيما بين هاتين الرؤيتين المتقابلتين في السياسة، إنما هو في أن إحداهما تلتزم بالأصول والقيم الإسلامية والإنسانية، في حين يختلف الأمر بالنسبة إلى الطرف الآخر من حيث الالتزام بالأصول والقيم؛ فالأصل لديه الوسيلة للوصول إلى هدفه، والعدل لديه هو تنفيذ سلطته، والحفاظ على قدرته وتوسيعها بكل الطرق والأساليب. ومن المؤكد أن بُعد الرجال الإلهيين عن الخيانة ونقض العهود ليس بمعنى جهلهم بتلك الأساليب الرخيصة، أو عجزهم عن القيام بها، أو سذاجتهم وغفلتهم، ووقوعهم ضحية لمؤامرات الأعداء ودسائسهم، بل إنهم يتخذون قراراتهم بكل قدرة وتدبير وشجاعة وصرامة في مواجهة أعدائهم ومجابهة المصاعب الناجمة عن تلك المواجهة، ويقومون بالسياسة الإلهية مع رعاية الأصول والقيم، وعلى أساس الحدود والأحكام الشرعية، وبصفتها وظيفة وتكليفاً عليهم أداؤه.

 

الحاكم والوالي في الرؤية الإسلامية

إن الحاكم في النظام الإسلامي يتخذ شرعيته من الله والدين، وتدفعه للعمل الدوافع الإلهية ورضا الله تعالى. وإنما تقيّم هذه المسؤولية بما يدفعها من الاتجاه الإلهي في العمل، ثم لا موضوعية لآراء الناس وانتخابهم، بل إن الأصل هو الحفاظ على القيم والمقاييس الشرعية والقانونية، من دون أن يكون رأي الناس مُشرّعاً ومقرّراً، ولا سائر العوامل الأخرى، ويجب أن يراعي الراعي في ذلك مصالح الإسلام ثم المسلمين، لا المصالح الفردية والجماعية، ويجب أن تكون الميول والأهواء إلهية، وأن تنظم النشاطات ـ لاسيما التبليغية ـ على هذا الأساس.

وليس الحاكم في النظام الإسلامي، مختاراً مطلقاً ومستبداً، بل إنها أمانة ومسؤولية حفظ الكلام الإلهي وصيانته، وهو الحافظ لحقوق الله والناس. في حين أن الاستبداد الفردي أو الجماعي أو التنظيمي الحزبي، والأهواء والميول ـ لا التكليف والتقوى ـ هي التي تقرر المصير في غير النظام الإلهي. والحاكم في الأنظمة البشرية يحكم وفق أهوائه وآرائه. وليست الديمقراطية فيها على أساس أن تكون الأمة سواء وعلى أساس قيادة الإنسان الإلهي، وإنما هي خداع وتضليل. والفقيه الولي في النظام الإسلامي عندما يعمل بولايته وينفذها إنما يكون على أساس الإسلام ومصالح الأمة الإسلامية، لا الميول البشرية الشخصية؛ فالحاكم حينئذ في الحقيقة هو الله والعدل والإسلام، وفقهه وفهمه العلمي يكشف عما يريده الله سبحانه ويراه عدلاً وقسطاً.

 

لفت نظر

وهنا تلزم الإشارة إلى نقطة وهي أن كلمة "العلم" ـ وإن كانت اليوم توسعت من حيث المعاني والمصاديق، فقد تطلق على العلوم المادية والتجريبية فقط، وقد تطلق أحياناً وعلى سبيل الاشتراك اللفظي على العلوم المادية والفلسفية أيضاً، وقد تشمل العلوم والمعارف الدينية، وأحياناً تُستعمل فيما يقابل العلوم والمعارف الدينية ـ في القرآن ونهج البلاغة والمعارف الإسلامية غالباً ما تشمل العلوم والمعارف الدينية، وبمعنى مطلق المعرفة، والكشف، وكثيراً ما تدل قرائن الكلام على المعنى المراد.

وعليه، فبالنسبة إلى صفة الفقه في الدين لا ضرورة إلى أن نفيد من كلمة الفقه خاصة، بل إن هناك كثيراً من الكلمات تدل على مفهوم الفقه بالنظر إلى الشواهد والقرائن الموجودة والأوصاف المذكورة للعلماء. وبالجملة، فإن كلمة العلم وكلمات أخرى مثل الفقه والحكمة والبصيرة تشمل علم الدين والفقه يقيناً.

وللفقه معنيان: فالفقه بالمعنى الأعم يطلق على درك الدين، والعلم بجميع جوانب معارفة. والفقه بالمعنى الخاص يطلق على العلم بالأحكام الشرعية والاجتهاد فيها واستنباطها حسب الأسلوب الخاص في علم الفقه.

إن الذي يؤهل الفرد للقيادة الإسلامية في نظر الإمام علي (ع) هو الفهم العميق للإسلام والقدرة على تطبيقه. انظر قوله (ع):

1 ـ "أيها الناس، إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله… ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر، والصبر، والعلم بمواضع الحق… واستتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه"(5).

ذكر (ع) في هذا البيان العميق ثلاثة مواضيع أساسية بالنسبة إلى الحكومة وقيادة المجتمع:

1 ـ "إن أحق لناس بهذا الأمر ـ أي القيادة وزعامة المجتمع الإسلامي ـ أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله". فالشرطان الأساسيان المؤهلان للقيادة هما: العلم، والقدرة.

2 ـ "ولا يحمل هذا العلم إلاّ أهل البصر، والصبر، والعلم بمواضع الحق" فالخصال الثلاث هي:

أ ـ البصيرة في الدين.

ب ـ العلم بمواضع الحق.

ج ـ الصبر على طريق الحق.

ثم يوصي الناس فيقول:

3 ـ "واستتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه".

 

تعليم الناس وتأديبهم من وظائف القادة الإلهيين

"وتعليمكم كي لا تجهلوا، وتأديبكم كيما ما تعملوا"(6).

ومن وظائف الإمام والقائد فيما يخص الأمة والمجتمع: تعليم الكتاب والسنّة والمعارف الإلهية والأحكام والأخلاق الإسلامية. فالإمام في الواقع معلم مسؤول، وأسوة وقدوة، ونموذج في الفضائل والمعارف لمبدأ الحق، وعليه أن يرشد المجتمع قولاً وعملاً إلى تعاليم الإسلام وعلومه ومعارفه، فيسوق قافلة البشرية إلى الله في إطار شريعة الله.

ومن شرائط الحاكم الإسلامي أن يكون فقيهاً عادلاً، فإذا انكشف الخلاف أو علم أنه ليس جامعاً للشرائط أو غير مراعٍ لها فهو منعزل عن الحكم شرعاً؛ فالحكومة الإسلامية ليست حكومة فردية ولا حكومة جماعيّة، بل هي حكومة الله على الناس من خلال حكومة من يطيع أوامر الله وينفذها من الأشراف والنبلاء، ولا جمهورية بمعناها المتداول، سواء كان الأساس رأي الناس أم لا، كما في النظم الشرقية منها والغربية، بل إن الأساس هو قبول هداية الله وولايته وإطاعة أوامره. وهذا هو أكبر ضمان لصيانة حقوق الناس في النظام الإسلامي، أما الآراء والانتخابات والأحزاب والتنظيمات فيجب أن تتشكل على هذا الأساس، وعليهم السعي لتنفيذ أفكار الوليّ الفقيه وأوامره النابعة من الإسلام الأصيل، ولا عذر لأحد عند الله في ذلك.

وقد ذكّر الإمام علي (ع) في كلماته في "نهج البلاغة" بخطر الحكام المستبدين غير المتقين لكي لا يبتلي المجتمع المسلم بأمثالهم من الذئاب البشرية، ولا يستولوا على مصير الإسلام والمسلمين، فيحمّلوا المسلمين الذلة والانحراف والتحريف، ولا يتصدّوا لتحطيم الإسلام باسم الإسلام. وإن خطر هؤلاء ولاسيما حينما يمسكون بأزمّة أمور المسلمين أكبر من أي خطر آخر، وإن تاريخ الإسلام الدامي والمؤلم ليرينا تلك الآثار السيئة لحكم هؤلاء السفهاء المتغطرسين! يقول (ع): "ولكني آسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولاً وعباده خَوَلا، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً"(7).

فهو آسف وحزين أن يقع زمام أمور المسلمين بيد السفهاء والفساق الفاجرين، فيجعلون بيت مال المسلمين إقطاعاً لهم ويتصرفوا فيه كيفما يشاؤون، ويتخذوا عباد الله عبيداً لهم، فيحاربوا الصلحاء بحزب الفسقة، وإنما دخل علي (ع) الساحة السياسية في الإسلام ليحيي دين الله ويقوم بصيانته، ليحيي كلمة التوحيد بتوحيد الكلمة وتحكيم سنة الرسول، ولم يخف في سبيل ذلك من الجهاد حتى الشهادة، ولكنه يتألم أن يبادر إلى زمام أمور المسلمين السفهاء الفسقة والسياسيون الخونة ثم ينقلب كل شيء، فيحكم أعداء الله ويُغلب أولياء الله.

وفي كتابه إلى أهل مصر مع محمد بن أبي بكر، بعد أوامره الأكيدة بشأن تنفيذ العدالة والمساواة، والتواضع والمحبة، وحسن الِبشْر، ورعاية حقوق الناس، يقايس بين نوعين من القيادة والإمامة هما: إمام الهدى والحق، وإمام الضلالة، وولي رسول الله، وعدوّ رسول الله فيقول: "فإنه لا سواء إمام الهدى وإمام الردى وولي النبي وعدو النبي". ثم يحدث بحديث عن النبي (ص) أنه قال له: "إني لا أخاف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً؛ أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأما المشرك فيقمعه الله بشركه، ولكني أخاف عليكم كل منافق الجَنان عالم اللسان، يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون"(8).

وما أُنبئ به رسول الله وأنذر بخطره تحقق، فقد أصاب الإسلام من جانب القادة المنافقين ما لم يصبه من خلال أعداء الأمة الإسلامية.

إن الحكومة في ثقافة الإمام علي (ع) والإسلام خدمة وعبادة ومسؤولية، وإن قول الحاكم الاسلامي وفعله واحد وفي خدمة عباد الله، ويجب أن يكون الحاكم بعيداً عن قول الزور والاستبداد وعدم الاعتداد بشأن العباد والدكتاتورية والاستعلاء والامتياز عن سائر الناس، وأن ينشأ على التقوى ويصبح مسؤولاً على أساس التقوى. والهدف من الحكم إعداد الأجواء لعبودية الله في الأرض، وليس الهدف الاقتدار والاستعلاء على الآخرين، ولا موضوعية للحكومة بذاتها، بل هي وسيلة لإحياء الحق وإماتة الباطل.

وقد رسم سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) في أحد كتبه إلى أهل الكوفة الخطوط والشرائط العامة للقيادة في الإسلام كما يلي: "فوالله، ما الإمام إلا العامل بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله"(9).

فالشرائط أربعة:

1 ـ أن يكون عاملاً بأحكام الكتاب الإلهي "القرآن الكريم".

2 ـ أن يقيم القسط والعدل.

3 ـ أن يكون متديناً بدين الحق.

4 ـ أن يحبس نفسه على الله ودينه، بعيداً عن أي زلة وانحراف.

أجل، إن أساس الحكومة والإمامة والولاية في الإسلام ذلك فحسب، وواضح أن هذه الخصائص بعيدة عن الانحراف والاستبداد والدكتاتورية والسياسة الخشنة أو المراوغة واتباع الأهواء. والذين يصطبغون بغير صبغة الله ويتأثرون بغيره وينخدعون بالقدرة والمقام لا يصلحون للمسؤولية في الحكومة الإسلامية.

وقال الإمام علي (ع): "يُستدل على إدبار الدول بأربع: تضييع الأصول، والتمسك بالفروع، وتقديم الأراذل، وتأخير الأفاضل"(10).

وفي أي مجتمع تُسحق الأصول فيه وتضيع الموازين، وتقدم الأمور التافهة، فإن الأراذل من الناس سيتقدمون بصورة طبيعية حتى إنهم ليأخذون بزمام الأمور؛ وبالطبع سيتأخر العقلاء والخبراء، وبالتالي سينخر الضعف والقصور في إدارة أمور المجتمع، وبذلك تتوافر عوامل تأخر الشعوب مع انحطاط الدول وإن من العوامل المهمة في تقدم الأمم والشعوب تواجد قادة صالحين مديرين ومدبرين، وما قوام أمور الدين والدنيا إلا بذلك.

وفي ختام هذا الفصل نجعل حسن الختام بكلام الإمام (ع) بشأن السياسة مما جاء في الكتاب القيم "الغرر والدرر" للآمدي(11):

1 ـ "حسن السياسة يستديم الرياسة".

2 ـ "حسن السياسة قوام الرعية".

3 ـ "من حسنت سياسته دامت رياسته".

4 ـ "حسن التدبير وتجنب التبذير من حسن السياسة".

5 ـ "آفة الزعماء ضعف السياسة".

6 ـ "سوء التدبير سبب التدمير".

7 ـ "من ساء تدبيره كان هلاكه في تدبيره".

8 ـ "خير السياسات العدل".

9 ـ "ملاك السياسة العدل".

10 ـ "جمال السياسة العدل في الإمرة والعفو مع القدرة".

11 ـ "من الحق على المَلِك أن يسوس نفسه قبل رعيته".

 

(الهوامش)

(*) يأرز: يرجع.

(1) نهج البلاغة الخطبة: 177.

(2) نهج البلاغة، الحكمة: 420.

(3) نهج البلاغة، الخطبة: 200.

(4) نهج البلاغة، الحكمة: 469.

(5) نهج البلاغة، الخطبة: 173.

(6) نهج البلاغة، الخطبة: 34.

(7) نهج البلاغة، الكتاب: 62.

(8) نهج البلاغة، الكتاب: 27.

(9) ميزان الحكمة 3: 359.

(10) بحار الأنوار 44: 344.

(11) نقلاً عن ميزان الحكمة 4: 583 فما بعدها.