بعد 1274 يوماً من الاعتقال في زنازين انفرادية، مصحوباً بالتعذيب والتضييق والإهمال وعدم معالجة آثار الرصاصات الغاشمة التي أطلقها جلاوزة السلطة عليه، عرج الفقيه المجاهد الشيخ نمر باقر النمر إلى ربه شهيداً على يد العتاة المردة، محرفي الكتاب، ومنتهكي السنن، ومفرقي الأمة، بني سعود بعد محاكمة صورية كان حكمها قد صدر مسبقاً من وزير الداخلية.

 

فمَنْ هو شيخ الشهداء الشيخ نمر باقر النمر؟

ولماذا أقدمت عصابة بني سعود على جريمة قتله؟

وما الذي كانت تخشاه منه؟

 

 

* الشيخ النمر وأحداث الربيع العربي

 

في عام 2011م مع سقوط نظامي تونس ومصر ومع بداية الثورة البحرينية كسر المجاهد الشيخ نمر باقر النمر الحظر الرسمي الذي فرضته السلطات السعودية على ممارسته للخطابة والتدريس منذ أغسطس 2008م مستغلاً أحداث ما عرف بالربيع العربي إذ استهل خطاباته بالحديث عن الحرية السياسية ومحوريتها في التغيير السياسي.

وفي ظل المناخ السياسي الذي عايشته المنطقة مع بداية 2011م نظمت مجاميع شبابية في القطيف عدة مسيرات للمطالبة بالإفراج عن تسعة سجناء مضى على اعتقالهم في حينها ستة عشراً عاماً وقد عرفوا (بالسجناء المنسيين).

ومع دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين اتسعت رقعة الحراك والاحتجاجات في القطيف فقابلتها السلطة باعتقال المئات من الشباب بتهمة ارتباطهم بالاحتجاجات وقد تصدى الشيخ المجاهد النمر بكل قوة للدفاع عن حق الشعب القطيفي في الاحتجاج والتعبير عن الرأي.

ومنذ بداية الثورة البحرينية اختار أن يقف في خط الدفاع عن الثورة وعن حق الشعب البحريني في تقرير المصير مطالباً مراراً بانسحاب قوات درع الجزيرة من البحرين الذي كان يمارس القمع والإستكبار في البحرين، وخلافاً لبعض المواقف التي كانت تنظر للشعوب العربية بازدواجية يقف الشيخ النمر على مسافة واحدة من جميع الشعوب العربية التي نظمت احتجاجات، وقد جاهر النمر بمعارضته لجميع الأنظمة المستبدة في العالم العربي فلم تتلون مواقفه بصبغة طائفية ولا انتقائية سياسية، لأنه كان يؤمن بحق جميع الشعوب بالكرامة والحرية والعدالة والتخلص من براثن الظلم والاستبداد.

ومع استمرار الحراك في القطيف، اتجهت السلطة إلى التنويع من وسائل الضغط لإيقاف الحراك:

1. في أكتوبر ٢٠١١م: اعتقلت القوات الأمنية رجلين مسنين من أهالي العوامية من أجل الضغط على ابنيهما المطلوبين للسلطات بتهمة المشاركة في التظاهرات فقوبل ذلك بغضب واستياء شعبي فأغرقت القوات الأمنية البلدة بوابل الرصاص.

وعندما كادت المنطقة على وشك الانزلاق إلى لغة العنف وكانت القوات الأمنية تتهيأ لشن حملة قمعية -معدة سلفاً- على شباب الحراك في العوامية، كانت كلمة الفصل للشيخ النمر الذي دعا فيها شباب الحراك إلى عدم التظاهر في تلك الليلة خاصةً حمايةً لهم ولإفشال مخطط القوات الأمنية مؤكداً في خطابه التاريخي سلمية الحراك إذ دعا شباب الحراك إلى التمسك بزئير الكلمة أمام أزيز الرصاص.

وقد أكدت أحداث أكتوبر ٢٠١١م التي عرفت فيما بعد (بأحداث العوامية) على الموقعية القيادية لسماحته، وبرهنت للسلطة جيداً أن كلمته هي كلمة الفصل وأنه بخطابه السلمي يمثل صمام الأمان الذي يحفظ المنطقة من الانزلاق في أتون العنف.

2. في نوفمبر 2011م: فتحت القوات الأمنية الرصاص الحي على بعض الشبان فسقط أربعة شهداء كان سقوط ثلاثة منهم حال المشاركة في تظاهرات سلمية، وجاء هذا التصعيد الأمني بعد أن عجزت السلطات عن إيقاف حركة الاحتجاجات.

وبعد أن كانت مطالب المحتجين لا تتجاوز إلغاء التمييز والإفراج عن السجناء المنسيين، صعّد الشيخ النمر السقف المطلبي مطالباً بحق الشعب في الحرية السياسية الكاملة غير منقوصة.

ومع إصرار السلطة على المعالجات الأمنية باستخدام السلاح التي نتج عنها سقوط العديد من الشهداء؛ زاد تصعّيد النمر من مواقفه وخطاباته والتي عارض فيها بشكل صريح التمييز السلطوي ومصادرة الحريات والاستئثار بالثروات والمناصب، وفي فترة زمنية قياسية لقيت الخطابات السياسية لسماحته انتشاراً واسعاً داخل الدولة وخارجها لما تتميز به من قوة وجرأة نادرة غير مسبوقة أسقطت العديد من المحرمات السياسية التي خلقتها الدولة السعودية والتي لم يتجرأ أحد على المساس بها منذ عقوداً من الزمن.

3.  في الثامن من يوليو 2012م: أقدمت القوات السعودية على اعتقال الشيخ النمر إذ فتحت عليه الرصاص الحي فأصيب على إثرها بأربع رصاصات في فخذه الأيمن، وقامت باختطافه من موقع الجريمة فاقداً لوعيه لتنقله إلى المستشفى العسكري في الظهران وبعد ذلك إلى مستشفى قوى الأمن بالرياض ثم إلى سجن الحائر.

4. في مارس من عام 2013م: بدأت الحكومة السعودية بأولى جلسات محاكمته وبدون خبر سابق لذويه، وقد طالب فيها المدعي العام على بإقامة حد الحرابة (القتل) على الشيخ النمر وقد ساق تهماً ملفقة على سماحته.

 

* ملامح من النشاط الحقوقي والسياسي للشهيد النمر:

"إلى جانب الدور الديني التقليدي المتمثل في الوعظ والتربية، أهتم الشهيد النمر اهتماماً مكثفاً ومتصاعداً بالمطالبة بالحقوق السياسية، والمطالبة باحترام حقوق الإنسان، وذلك بجرأة لم تألفها الحكومة السعودية.

 

طالب الشهيد النمر بما يلي:

1-  الإفراج عن المعتقلين تعسفياً: يشكل ملف معتقلي الرأي في السعودية أبرز الملفات السياسية التي تؤرق المواطنين، حيث يقبع عدد كبير 43 من المعتقلين وراء السجون لسنوات، يتوزعون على مختلف المناطق والانتماءات الدينية والفكرية، دون أن تبدي الحكومة السعودية إجراء واضحاً يتعلق بحلحلة ملف سجناء الرأي، وما يزيد الأمر سوءاً أنه لا توجد حالة واحد روعي فيها ما تنص عليه الأنظمة المحلية والدولية ذات العلاقة، في تجاهل واضح ومتعمد لما صادقت عليه الحكومة السعودية من مواثيق دولية.

وعلى هذا أولى الشيخ نمر اهتماماً مستمراً ودائماً بالمطالبة بتطبيق الأنظمة والمعايير الدولية، وأنه لا يجوز تجريم وسجن أصحاب الرأي، عبر كثير من الخطب والكلمات التي ألقاها.

 

2-  العدالة لكافة المواطنين: طالب بالعدالة للجميع.

3-  التثقيف والتوعية السياسيين: تحدث كثيراً وتحت عناوين متنوعة في عد جوانب في التثقيف السياسي، من ضمنها مقطع توعوي عن دور الحكومة السعودية السياسي في بث حالة الفرقة والشقاق بين أبناء الشعب الواحد.

4-  ترسيخ أهمية سلمية التغيير والاحتجاج: ففي أكثر من مناسبة تحدث النمر عن أن الكلمة هي سلاح التغيير السياسي الحقيقي، مستبعداً بل ومحرماً استخدام السلاح في أكثر من مناسبة.

5- انتقاد النظام السياسي ودعوته للإصلاح: فعلى الرغم من القيود الصارمة التي تفرضها الحكومة السعودية على حرية التعبير، والتي تتمثل في: (الاعتقال السياسي والتعذيب، توقيع التعهدات، المنع من السفر، الحرمان من الخدمات الحكومية، - الاستدعاءات المتكررة، الاتصالات المتكرر من دوائر المباحث والشرطة للناشطين بهدف الترهيب والحد من النشاط، إيكال وسطاء لإيصال رسائل تحذير أو تهديد).

إلا أن الشهيد النمر استمر في التعبير عن رأيه في الحكومة السعودية في مناسبات مختلفة، في مواضيع تتعلق بسياساتها الداخلية والخارجية، واتخذت مساعيه الإصلاحية خطوة انتقالية حينما أعلن صراحة في 18 يناير/كانون الثاني 2012 ، تشكيل جبهة المعارضة الرشيدة.

6- الالتزام بالمبدئية السياسية: كان يرى أن الجميع يتساوى في الحقوق، بغض النظر عن الدين أو المذهب، وقد كان يطالب في خطاباته التي تتناول الشأن المحلي، بالحقوق لجميع المواطنين دون استثناء، كما أن نظرته للأنظمة السياسية لم تكن تتأثر بالمصالح الفئوية الضيقة، حيث يرى أن العدالة هي المقياس الذي من خلاله يقيم النظام السياسي"(1).

 

* الاعتقالات وبعض المضايقات التي مر بها:

مر على الشيخ الشهيد العديد من المضايقات من قبل رجال الأمن بالدولة لمدد متفاوتة، تناوب فيها رجال الأمن على مراقبة سكن الشيخ على مدار الساعة، والتعرض له عن طريق الاستدعاء المتكرر والاعتقال لفترات قصيرة وبدون إذن مكتوب، ولكن الفقيه الشهيد لم يتجاوب معها، وكانت السلطة تضطر في كل مرة إلى إطلاق سراحه -بعد الاعتقالات الغاشمة- تحت الضغط الجماهيري والمظاهرات الشعبية؛ ومن تلك المضايقات:

 

1.  في عام 1424 هـ (2003م): اعتقل سماحته بعد إقامة صلاة الجمعة في (ساحة كربلاء)، واستمرارها لعدة أسابيع، وقد طلبوا منه -بالإضافة إلى ترك إقامة صلاة الجمعة والبرامج المختلفة- إزالة البناء الذي تقام فيه الصلاة في ساحة كربلاء ليطلق سراحه.

2.  في عام 1425 هـ (2004م): اُستدعي سماحته من قبل السلطات من أجل إلغاء مهرجان: (البقيع.. حدث مغيب) وقد طوقوا منزله بسيارات رجال المباحث بمرافقة رجال الأمن، وقد رفض مصاحبتهم مفضلاً أن يأتي بسيارته، وقد قاموا بالضغط على سماحته لكي يلغيه.

3. في عام 1426 هـ (2005م): أُستدعي سماحته أيضاً من أجل إلغاء مهرجان: (البقيع الخطوة الأولى لبنائه) وقد استمر بقاء الشيخ في المعتقل من الساعة التاسعة والنصف صباحاً حتى الواحدة ظهراً، وقد أخذ منهم وعوداً بأن يعطى حقه في المطالبة بالبناء وغيرها من المطالبات.

4.  في عام 1427 هـ (2006م): اعتقل سماحته غدراً وهو عائداً من البحرين من (مؤتمر القرآن الكريم) التي أقامته ممثلية آية الله العظمى السيد محمد تقي الحسيني المدرسي (دام ظله)، واقتيد من على جسر الملك فهد إلى المعتقل، وذلك بسبب التقارير المكذوبة، وقد أهين في المعتقل جسدياً ومعنوياً بسبب جملة من المطالبات في إطار حقوق الطائفة الشيعية منها تدريس المذهب الشيعي في المدارس، وبناء البقيع، والمحاضرات التي يلقيها، وقد استمر اعتقال الشيخ قرابة الأسبوع، وبطول الاعتقال خرجت مظاهرة في مدينة العوامية عجلت بخروج سماحته.

5.  في عام 1429هـ (2008م): استدعي سماحته إلى محافظة القطيف ولما لم يتجاوب معهم رُحِّلَ إلى أمارة الدمام ومنها إلى المعتقل وأُجبر على أثرها على التوقيع بعدم إلقاء الخطب -وبالذات الجمعة- والدروس، فرفض الشيخ ذلك، مما أدى لسجن الشيخ سجناً انفرادياً بقرار من وزير الداخلية، أو يتوقف عن إلقاء الخطب حتى مدة مؤقتة لم يحدد مقدارها، فسجن "سجناً على الرأي السياسي" ولم يستمر الاعتقال أكثر من يوماً وليلة.

 

* الشيخ النمر من الاعتقال حتى حكم الإعدام: (من 08-07-2012م حتى 15-10-2014م)

في 08-07-2012م اعتقلت حكومة آل السعود الشيخ نمر باقر النمر للمرة السادسة، وقد باشرت الفرقة الأمنية الاعتقال وذلك عند الساعة الرابعة عصراً، حينما كان الشهيد النمر يقود سيارته عائداً من مزرعة عائلته النمر، حينما حاصرته وبشكل مفاجئ سيارات مصفحة وعشرات الجنود المدججين بالسلاح، مع إطلاق نار في الهواء لأجل إرباكه أثناء القيادة، بدؤوا بمضايقته من أجل استيقافه حتى ارتطمت سيارته بأحد المنازل.

ترجل الجنود، وبطريقة عنيفة تم اقتلاعه من سيارته، ومن ثم بتسديد أربع طلقات عليه من قرب، أصابته في فخذه الأيسر، فهشمت عظامه واستقرت في اللحم، مما أدى إلى فقدانه الوعي؛ ونتج عن طريقة القبض العنيفة أيضاً جروح في الرأس استدعت فيما بعد لإجراء عملية جراحية، كما شوهدت رضوض في أنحاء متفرقة من جسده؛ تم سحله من سيارته وهو مغمى عليه وإركابه إلى إحدى المصفحات حيث تم نقله إلى البرج الطبي بمدينة الدمام، ثم إلى المستشفى العسكري بالظهران؛ وبعدها خرجت بيانات وزارة الداخلية السعودية تدعي أن الشيخ النمر وآخرين قاموا بإطلاق النار على رجال الأمن، وهو الأمر الذي لم يحدث بتاتاً.

يقف وراء أسباب اعتقاله بهذه الطريقة الإرهابية مطالبه وجهوده الإصلاحية، والتي منها: المطالبة بالإفراج عن المعتقلين المظلومين سنة وشيعة، المطالبة بالعدالة والحرية لكافة المواطنين، التثقيف والتوعية السياسية؛ وقد كان ملتزماً بمنهجية سلمية في الاحتجاج والمعارضة، ملتزماً بالمبدئية في مطالبه السياسية لكل المواطنين، دون فرق في استحقاق الجميع لحقوقهم، كما كان متدرجاً في أطروحاته السياسية والمطالبات الحقوقية.

وما زال منذ اعتقاله يتنقل بين زنازين انفرادية، لا يدخلها ضوء الشمس أو الهواء الطبيعي، حيث أحتجز مكبلاً ومقيداً لمدة أسبوعين في سجن المستشفى العسكري بمدينة الظهران شرق السعودية، ثم نقل لزنزانة في سجن مستشفى قوى الأمن بالعاصمة السعودية الرياض، ثم نقل في 03-09-2014م لزنزانة انفرادية في سجن الحائر السياسي سيئ الصيت.

لم يتم علاجه بالسرعة والكيفية المناسبتين، إذ تعمدت الحكومة السعودية تعذيبه بتركه دون علاج لمدة أسابيع وشهور، حيث أهمل علاج جروحه، ما خلف آلاماً شديدة ومضاعفات، وبعد ذلك بدأ متأخراً علاجه بإخراج ثلاث رصاصات، بينما لم يتم إزالة الرابعة من فخذه والتي نبتت عليها الأنسجة، وقد أدت الإصابة والعلاج المتأخر والسيئ إلى إعاقة مزمنة في رجله لا تمكنه من السير بشكل طبيعي، ونقص من طول رجله اليسرى قرابة 2.50 سنتيمتراً، مع انخفاض ملحوظ في الوزن، وضمور في الخدين برزت من تحتهما عظام الوجنتين.

 

* جلسات التحقيق والمحاكمات:

ابتدأت معه جلسات التحقيق بشكل مباشر، في الوقت الذي كان يعاني التعذيب جراء الجروح التي لم تتم المباشرة في علاجها بشكل متعمد، وامتدت التحقيقات على فترات طويلة، وقد استعانت فيها (هيئة التحقيق والإدعاء العام) بشهادات مزورة وإدعاءات كاذبة، ومنها:

اتهامه بإطلاق النار على الفرقة الأمنية التي قامت باعتقاله، وقد وجهت له تهماً كثيرة، منها: (الدفاع عن المطلوبين في قائمة الـ 23 - إلقاء خطب تخلّ بالوحدة الوطنية - التجريح في ولي أمر البلاد من خلال خطب الجمعة - اعتبار أنّ الولاء لآل سعود يتناقض مع الولاء لله ورسوله - الاعتقاد بعدم شرعية نظام الحكم في البلاد - دفاعه عن السجناء التسعة المنسيين - التدخل في شؤون دولة البحرين - رفع خطبه على الإنترنت - تأييد الهتافات التي تُطلق ضد الدولة - الدعوة لعدم نسيان الشهداء - اتهام قوات الطوارئ بأنّهم قتلوا الشهداء ووصفهم بقوات إثارة الشغب - تحريض الناس على الدفاع عن المطلوبين في قائمة الـ 23 - التحريض على الخروج في التظاهرات - وصف حكام الخليج بالظلمة - التحريض على ضرورة إخراج درع الجزيرة من البحرين - إظهار الفرح بعد وفاة وزير الداخلية نايف آل سعود).

بعد مضي أكثر من 8 أشهر على اعتقاله، عقدت أولى جلسات محاكمته في 25-03-2013م واختتمت الجلسات بإصدار حكم القتل تعزيراً بتاريخ 15-10-2014م، واستمرت كل فترة محاكمته مدة 569 يوماً، توزعت على 13 جلسة، وهي كالتالي:

1-  بعد مضي 260 يوماً من اعتقال والتحقيق معه عقدت في 25-03-2013م أولى جلسات محاكمته، وجهت له قرابة 33 تهمة من قبل الإدعاء العام الذي طلب في نهايتها بتنفيذ عقوبة حد الحرابة (أي القتل صلباً).

2-  بعد 35 يوماً من الجلسة الأولى عقدت الجلسة الثانية بتاريخ: 29-04-2013م لم يتمكن الدفاع من تقديم ردهم على التهم؛ بسبب عدم تسلمه نسخة من لائحة الإدعاء العام، وانتهت الجلسة من دون تحديد موعد للجلسة الثالثة.

3-  قبل عقد الجلسة الثالثة بيوم واحد بتاريخ 23-12-2013م أوضح محامي الدفاع أن الشيخ النمر لم يحصل طيلة الفترة السابقة على القلم والأوراق لكتابة الرد على التهم الموجهة له؛ وقد استغرقت الجلسة الثالثة (التي جاءت بعد 238 يوماً من الجلسة الثانية) 5 دقائق فقط! وانتهت من دون تحديد تاريخ الجلسة الرابعة.

4-  لم يكن المتهم أو وكيله أو محاميه يعرف موعد الجلسة الرابعة، وفي يوم الاثنين 14-04-2014م بينما كان المحامي د.صادق الجبران كان يحضر محاكمة لموكله الشيخ توفيق العامر في المحكمة الجزائية المتخصصة، عرف مصادفة أن في الغد ستعقد جلسة محاكمة لموكله الشيخ نمر، فعقدت الجلسة الرابعة بتاريخ 15-04-2014م (بعد 113 يوماً من الجلسة الثالثة) وقد استغرقت قرابة الساعة، وانتهت دون تحديد موعد الجلسة القادمة.

5-  بعد 5 أيام عقدت الجلسة الخامسة بتاريخ 22-04-2014م بحضور الشيخ نمر وحده، إذ لم يُخبَر المحامي أو الشيخ أو عائلته عنها، ولم يمنح الشيخ نمر استيفاء رده بشكل كامل بسبب محدودية الأوراق، ولم يعطى حقه بإطلاع محاميه عليه ومناقشته فيه.

6-  بعد 36 يوماً عقدت الجلسة السادسة بتاريخ 28-05-2014م ولكنها أُجلت دون تحديد موعد للجلسة القادمة.

7-  بعد 19 يوماً نقلت الجلسة السابعة للمحكمة الجزائية بمنطقة جدة وقد عقدت في تاريخ 16-06-2014م وقدم الشيخ النمر رده ودفاعه عن نفسه الذي أكد فيه على مبادئه وآرائه وقد دوّنها في أكثر من 100 صفحة.

8-  بعد 10 أيام وفي نفس المحكمة بجدة، عُقدت الجلسة الثامنة بتاريخ 26-06-2014م إذ قدم فيها الإدعاء العام رداً مختصراً على دفاع الشيخ النمر من دون أدلة، وقد ضم ما ورد في رد الدفاع إلى التهم الموجهة للشيخ النمر، ورفع القضاة الجلسة للتأمل.

9-  بعد 47 يوماً أرجعت جلسات المحاكمة لمنطقة الرياض وعقدت الجلسة التاسعة بتاريخ 12-08-2014م وقد استبدلت الحكومة السعودية القاضي الأساسي (يوسف الغامدي) بقاض آخر (عمر عبد العزيز الحصين) الذي أُشتهر بإصدار أحكام الإعدام على المعتقلين السياسيين، وبناء على طلبات قدمها الشيخ نمر في دفاعه عن نفسه، طلب القاضي من المدعي العام:

 

- أن يُأتى بالفرقة التي ألقت القبض على الشيخ نمر.

-  تفريغ 21 من محاضرات الشيخ نمر بشكل كامل، والتي أستند الإدعاء العام على جزء من مضامينها في التهم الموجهة.

ثم أجل النطق بالحكم على الشيخ النمر إلى 28 من شهر شوال الموافق 24-08-2014م.

10- بعد 12 يوماً عقدت الجلسة العاشرة بتاريخ ٢٤-08-2014م وقد تهربت الفرقة القابضة من الحضور والإدلاء بشهادتها على إدعائهم: استخدام الشيخ نمر السلاح أثناء إلقاء القبض عليه، واكتفت بتقديم شهادتها مكتوبة في وقت سابق للقاضي؛ وما يتعلق بالمحاضرات الـ 21 التي طلب القاضي تفريغها: تم الإكتفاء بعرض بعض المقاطع الصوتية المقتطعة بقصد الإدانة، وسؤال الشيخ نمر إذا ما كان مستمراً في تبني آراءه السياسية، وأجاب بأن ذلك رأيه الشخصي.

11-  بعد 7 أيام عقدت الجلسة الحادية عشر بتاريخ 31-08-2014م وعرضت فقرات مبتورة من خطب الشيخ نمر، وإقفال باب المرافعات في القضية.

وقد كان آخر لقاء جمع الشيخ بمحاميه وبعض أفراد أسرته، وقد منعت الزيارات عن الشيخ حتى 1 سبتمبر 2014م.

12-  بعد 16 يوماً عقدت الجلسة الثانية عشر وكانت بتاريخ 16-11-2014م، إذ لم يتم إحضار الشيخ نمر للمحكمة، فتم تأجيل النطق بالحكم؛ وبعد 18 يوماً في 3 سبتمبر 2014م نُقل الشيخ النمر إلى سجن الحائر، وقد أُخبرت عائلته باتصال هاتفي بخبر نقله، وأن الموعد القادم للجلسة 13 سيكون في 15-10-2014م.

13-  بعد 29 يوماً عقدت الجلسة الثالثة عشرة بتاريخ 15-10-2014م حكم القضاء السعودي -الغير مستقل- ممثلاً في المحكمة الجزائية المتخصصة بحكم الإعدام تعزيراً على الشيخ النمر.

 

* ما بعد حكم الإعدام:

خلف الحكم الصادر على الشيخ النمر ردود فعل دولية واسعة: شجبت الحكم، ونددت به، وطالبت بإطلاق سراحه.

فكانت هناك مواقف واضحة عبرت عنها المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والإعلام الدولي، كما تقدمت حكومات للحكومة السعودية بطلب إسقاط حكم الإعدام الغير قانوني، والمخالف للعدالة والقوانين والدولية.

قدم الشيخ النمر اعتراضاً مكتوباً على الحكم في قرابة 50 صفحة، قام محامي بتسليمه للمحكمة في 16-11-2014م، وما زال الحكم -المسيس- بالإعدام قائماً.

ومع استمرار 3 سنوات و 4 أشهر على اعتقال الشيخ النمر ومع ما صاحبه من التعذيب والتضييق في زنازين انفرادية أو في المستشفى العسكري ومع صدور حكم الإعدام الجائر بحقه عبر المحاكمة الصورية الزائفة وما أعقبه من تنفيذ لهذا الحكم الظالم بسفك دمه الزكي مع بداية مطلع العام الميلادي في يوم السبت 2 من شهر يناير 2016 م والموافق 22 ربيع الأول 1437 هـ، فُجع العالم أجمع ومنه العالم الإسلامي والعربي بهذا الخبر الصاعق بدون أن تُراعى حرمة للدماء الطاهرة والمكانة العلمية ولا شيبته بمجرد أنه مارس حريته في التعبير عن الرأي، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ورفض الاستبداد السياسي والواقع الفاسد، والمطالبة بالحقوق للجميع، والمناداة بالحرية والعدالة والكرامة لكل شعوب المنطقة، مؤكداً على رفضه للظلم أياً كان مصدره.

 

* نشاطاته ومشاريعه:

له العديد من النشاطات والمشاريع التي أثرى بها الساحة المحلية والإقليمية بالذات، وكان لبعضها تأثيراً ملحوظاً على المستوى الديني والفكري والاجتماعي والسياسي؛ حيث أسهم وبشكل فاعل في تنشيط المد الديني والرسالي في المنطقة -وبالذات في مدينة العوامية- فقد عمل على تبني عدة نشاطات ساهمت في خلق الوعي الديني والرشد الفكري، منها:

1-  إحياء دور المساجد: ومن ضمنها جامع الإمام الحسين (عليه السلام) بحي الزارة في العوامية، وبعد أن كان المسجد مهجوراً أصبح متميزاً في نشاطاته وفعالياته، والذي سمي بعد توسعته بجامع الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان ذلك بفضل الجهود التي كان يبذلها سماحته.

2-  صلاة الجماعة: حرص سماحته على إقامتها في جميع الفرائض بما فيها صلاة الفجر التي تثاقل الناس عنها، وخلت بعض المساجد منها تماماً، وساهمت توجيهاته إلى إقبال شريحة من المجتمع على صلاة الجماعة لاسيما من فئة الشباب، وكان يدفع هذا الأمر بقوة من خلال تحركه وكلماته، كما أنه قام بإشراك المرأة في الصلاة بالحضور والتواجد الفاعل، في الوقت الذي لم يكن لها موقعاً في مساجد المنطقة، إلى أن أصبح وجودها أمراً واقعاً بعد أن كان مرفوضاً من عدة شرائح دينية واجتماعية بداوعٍ عرفية.

3-  صلاة الجمعة: بادر الشيخ النمر لإقامة صلاة الجمعة في عام 1424 هـ (2003م) بمدينة العوامية، بعد أن كانت الظروف المحيطة تعوق دون إقامتها سوى من صلاة واحدة تقام في مدينة سيهات من قبل مقلدي آية العظمى الشيخ حسين العصفور (قده)، فكان لسماحته الفضل في تكثيفها في المشهد الديني في مدينة القطيف، حيث أقيمت بعدها في مدن صفوى وتاروت والقطيف.

4- الإثراء الفكري: كان للشيخ النمر في إثراء وتغذية الساحة الإسلامية بالكثير من المحاضرات الرسالية المتنوعة والتي تربو على 2000 محاضرة، بين خطب جمعة وكلمات قصيرة وتأملات في أحديث أهل البيت عليهم السلام والندوات والرؤى العديدة، ولم تكتفي في الطرح الداخلي بل كانت لها انتشار كبير في الداخل وخارج المنطقة وقد تميزت بالطرح المتجدد والجريء في العديد من موضوعاتها.

5-  المقالات والنشرات: للشيخ النمر أطروحات عديدة، توزعت في مقالاته المتنوعة التي نشرت في المجلات والمطويات ومواقع الانترنت وغيرها، وأيضاً أهتم بشكل خاص بالجيل الشاب عبر إصداره قرابة 30 عدداً من نشرة "الشباب والشبائب" والتي كان يكتبها بنفسه كاملة، تناول فيها مختلف القضايا الدينية والثقافية والسلوكية والاجتماعية بصبغة معاصرة مما يحتاجه الجيل الشاب.

6-  مشاركات نشطة: وفاعلة في العديد من الأنشطة الدينية والثقافية التي تقام في المنطقة.

7-  دور المرأة: سعى جاهداً لتفعيل دور المرأة في المنطقة واستثمار طاقاتها في المجالين الديني والاجتماعي، والعمل على صقل كفاءتها وإبرازها في الوسط النسائي، ابتداءً من المشاركة والحضور في صلاة الجماعة في المسجد، مروراً بالمشاركة في البرامج الدينية المختلفة، وانتهاءً بالمشاركة في قيادة المجتمع، وقد تكلل سعيه بالنجاح حيث تخرّجت من مدرسته ثلة من الأخوات العالمات الرساليات القادرات على إدارة العمل الديني والمشاركة في الأنشطة خطابة وكتابة وقيادة، فتشكل للمرأة واقع ديني مختلف يتميز بالنشاط والفاعلية والانطلاق.

8-  محاربة العرف الاجتماعي والديني الجاهلي والتقاليد البالية: قد حمل على عاتقه كسر الآصار والأغلال الاجتماعية السيئة التي تعيق تقدم الإنسان وتحمله أضعاف ما يحتمل، وتحمل في سبيل ذلك مقاطعة بعض الفئات الاجتماعية والدينية له، ومحاولة تشويه الصور التي يرسمها عن البديل الأصيل لتلك الأعراف الخاطئة، ووقف بحزم وصدق مع التجاوزات التي يقوم بها أدعياء الدين باسم الدين من أجل تصحيح المسار ورفع الغبش والضبابية عن عيون المجتمع؛ من تلك الأعراف والتقاليد الخاطئة: تعقيدات الزواج والمهور الباهظة، والتقديس الأعمى للأشخاص لاسيما علماء الدين والنظرة العمياء بالتسليم بكل ما يقولونه ويطرحونه بدون تعقل وتفكر، والنظرة الدونية للمرأة وتهميش الشباب اليافعين وغير ذلك.

9-  تيسير الزواج: دعا سماحته إلى تقليل التكاليف الباهظة للزواج، لتزويج العزاب والعازبات، وسعى إلى الإقناع باعتماد (مهر الزهراء سلام الله عليها) بدلاً من المهور المرتفعة الذي يرمي بعوائق الزواج وتكاليفها الباهضة التي تثقل عاتق الشباب والشبائب، وتحول دون المساهمة في تسهيل أمور الزواج.

10-  التعليم الديني: في عام 1422 هـ (2001م) أنشأ سماحته حوزة دينية إذ كانت بداية انطلاقتها باسم (المعهد الإسلامي)، وقد حوت في صفوفها الدراسية الرجال والنساء في قسمين منفصلين، ومن ثم تم استحداث أقسام أخرى وهي: قسم النشء (بنين) ثم (بنات)، والقسم القرآني النسائي، بإدارة وتدريس من طلبة الحوزة وخارجها.

فكان من بركات هذا الإنشاء أن عمم سماحته مجموعة من خيرة الشباب المؤمنين بالعمامة الدينية، وهم يمارسون أدوارهم الدينية في مجالات شتى فيعطون من أوقاتهم وجهدهم خدمة للدين والمجتمع، وتخريج مجموعة من العلماء والخطباء وأئمة المساجد والمبلغين ومجموعة من الكتاب والكاتبات من أصحاب القلم الرسالي الموجه، وغير ذلك من الآثار الطيبة والحميدة.

11-  الاهتمام بقضية البقيع: نادى وبصوت مدوي بقضية قبب أئمة البقيع التي هدمت في الثامن من شوال لعام 1344هـ (1925م)، بعد أن غابت هذه القضية عن الساحة الشيعية عقوداً من الزمن، إلى أن تعالى الصوت الشيعي تدريجياً بعد ذلك يصدع مطالباً بإعادة البناء، حيث ابتدأ النداء عبر مراحل عدة منها:

-  نادى سماحته في عام 1425 هـ (2004م) بإقامة مهرجان بسيط لإحياء هذا الحدث تحت عنوان: (البقيع حدث مغيب) وقد تعرض هذا المهرجان لتدخل أمني من قبل السلطات السعودية، مما أدى إلى المنع من إقامة المهرجان، بعد أن تعرضت الحكومة لضغوط كبيرة وكثيرة من الوهابية التي ثارت ثائرتها بحجة "إقامة شركيات في بلاد التوحيد"، مما سبب ذلك استدعاء سماحة الشيخ من قبل السلطة.

-  نادى سماحته بإقامة المهرجان في العام الذي تلاه تحت مسمى: (البقيع الخطوة الأولى لبنائه) في عام 1426 هـ (2005م) وقد تعرض أيضاً للمنع من السلطات، مما أنتج عن هذين النداءين مطالبة آخرين في العالم الإسلامي الحكومة السعودية ببناء قبب البقيع، وقد وعدت الحوزة العلمية في العراق بالتكفل بتكاليف البناء، وقد جمعت تواقيع 8 ملايين من الشيعة للمطالبة ببناء البقيع.

-  تلا ذلك وبإصرار من سماحة الشيخ على إقامة المهرجان وإحياء الذكرى في عام 1427 هـ (2006م) فنادى بإقامة مهرجان تحت مسمى: (البقيع قبب ومنائر)، وقد تعرض هذا المهرجان أيضاً للمنع، ولكن الجديد هنا هو في أخذ وعداً من أحد المسئولين بالحكومة بإقامة المهرجان أو مطالبته الشرعية لإقامته، وكان من مطالباته له -أي للمسئول بالدولة- ووعده له، حتى وإن لم يتجاوز كونه حبراً على ورق: "تجويز المطالبة بحقه الشرعي في بناء قبور أئمة البقيع عليهم السلام، إضافة إلى حذف عبارات من الكتب الدراسية والإعلام الرسمي التي تتهم بناة القبور -وما يرتبط بها- بالشرك".

-  في العام الذي تلاه 1428 هـ (2007م) أقام المؤمنين المهرجان وقد كان الإرباك من رجال الأمن من أن يقام، وقد أقيم برغم المنع له في السنوات التي تليها.

-  أنتجت هذه النداءات أن ارتسمت ذكر البقيع في أذهان المسلمين حيث خرجت بتوفيق الله في أوروبا وأمريكا بعض التجمعات المنظمة في مسيرات سلمية منادية بحق المطالبة ببناء مقبرة البقيع المخربة ومنائرها المهدمة، ومنددة بالعمل المشين لهدم تلك القبب، وكذلك في بعض الدول الإسلامية.

12-  توثيق حقوق الطائفة الشيعية: في عام 1428 هـ (2007م) قدم سماحته لنائب أمير المنطقة الشرقية -بعد تجاذبات بينه وبين السلطات- عريضة نموذجية غير مسبوقة تجسد المطالب الشيعية في المملكة، وقد أثنى على هذه المطالب المطلعين والمراقبين وعدها المطلعون نموذجاً شجاعاً وصريحاً وأسلوباً يُحتذى في المطالبة بالحقوق؛ وقد سمّيت هذه العريضة بـ (عريضة العزّة الكرامة).

13-  تشكيل المعارضة الرشيدة: في خطابٍ جماهيري بليلة العاشر من شهر محرم لعام 1429هـ (2008م) نادى الشهيد الشيخ النمر بتشكيل (جبهة المعارضة الرشيدة)، والتي من وظيفتها ومسؤولياتها: "معارضة الفساد الاجتماعي والكهنوت الديني والظلم السياسي" الواقع على المواطنين في شبه الجزيرة العربية.

14-  المطالبة بالحقوق: كان الفقيه الشهيد يحمل لواء المعارضة للظلم والجور الذي تمارسه السلطة ضد الكثير من فئات الشعب في الجزيرة العربية ومن أبرزهم الطائفة الشيعية، إلا أنه كان سلمياً في معارضته، وملتزماً بالأخلاق الرسالية ونهج أهل البيت (عليهم السلام)؛ ولذلك فهو كان يجتهد في أن يحصل على الحقوق المهضومة للطائفة عن طريق الحوار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والكلمة الرسالية الصادقة والمطالبة بالحقوق ورفض الممارسات المخالفة للشريعة الإسلامية؛ ولذلك فهو لم يقطع الحوار حتى مع السلطة الجائرة، إلا أنه كان يحاورها من موقع القوة ومستنداً إلى مبادئه الرسالية ودعم الشعب له ووقوفه معه.

وغيرها من المشاريع والنشاطات والمواقف العديدة التي أثمرت عن تكوين توجهات وتحركات تعود بركاتها على المجتمع.

 

* ميلاده ونسبه:

ولد سماحة الشيخ نمر باقر النمر عام 1379 هـ (1959م)، بمنطقة العوامية - إحدى مدن محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية-.

ينتمي سماحته إلى عائلة رفيعة القدر في المنطقة برز فيها علماء أفذاذ أبرزهم آية الله العظمى الشيخ محمد بن ناصر آل نمر (قده)، و"حجة الإسلام الشيخ حسن بن ناصر آل نمر، والأديب الشاعر محمد حسن آل نمر (رائد القصة القصيرة بالقطيف ورئيس تحرير جريدة البهلول بالعراق)، سماحة الشيخ عبد الحسين آل نمر (أحد تلاميذ الشيخ محمد بن نمر)" (2).

"بالإضافة لمجموعة من خطباء حسينيون كجده من أبيه: الحاج علي بن ناصر آل نمر المدفون إلى جانب أخيه آية الله الشيخ محمد بن نمر بمقبرة العوامية، والملا عبد الله بن حسين آل نمر وغيرهم من الشخصيات المرموقة.

أما نسبه لأمه فيعود للشخصية العوامية البارزة الحاج الوجيه سلمان محمد الفرج المعروف باسم (سلمان الشيوخ) الذي اشتهر بكرمه ووقفه للأرض الزراعية الكبيرة بالعوامية (الرامس) لعموم أهالي العوامية"(3).

 

* الحالة الاجتماعية:

له الأبناء ابن واحد وثلاث بنات، وقد وافت المنية زوجته بعد معاناة مع مرض السرطان والشيخ النمر في معتقله بالرياض عام 1433هـ.

 

* دراسته ورحلته لطلب العلم الديني:

"بدأ دراسته النظامية في مسقط رأسه بمدينة العوامية إلى جانب تردده المستمر -منذ نعومة أظفاره- على المساجد والحسينيات والمجالس والهيئات الدينية، الأمر الذي نمّى فيه روح الإلتزام الديني والتمسك بنهج أهل البيت (عليهم السلام).

كان منذ صغره مولعاً بقراءة الكتب الدينية والثقافية، رغم أنَّ الكتاب كان -ولا يزال إلى يومنا هذا- في مملكة الإضطهاد والقمع والإرهاب يُعدُّ بضاعة خطيرة تُهرَّب عبر الحدود مصحوباً بالمخاطر والمغامرات.

كان الشيخ النمر، الشاب اليافع، شغوفاً بمعرفة أوضاع بلده، وكان يتساءل دائماً عن أسباب التخلف وضياع الحقوق وانتهاك الحرمات؟

ورغم أنَّ الحديث عن السياسة، ونقد السلطات، والخوض في كل ما يرتبط بحقوق الناس والحريات العامة والعدالة والكرامة وما شاكل كان من الأمور الممنوعة قطعياً، وكان المطلوب من الشعب فقط السمع والطاعة للعصابة الحاكمة لا غير، رغم كل ذلك فإنّ الشاب نمر باقر، وهو طالب في المرحلة المتوسطة، كان شديد الاهتمام بأوضاع بلده -كالعديد من الشباب الرسالي- متسائلاً عن العوامل التي تجعل الغالبية العظمى من أبناء المنطقة الشرقية مهدوري الحقوق يعيشون الفقر والضيق والحرمان، رغم أنَّ بلادهم تطفو على بحيرة من الثروة النفطية؟

كان يتساءل: لماذا تذهب كل هذه الثروات الهائلة إلى جيوب العائلة الحاكمة بدون حق، ويظل أبناء المنطقة الغنية بالبترول يعانون الحرمان والفقر والتخلف؟

وفي مرحلة الثانوية تحولت هذه التساؤلات إلى اندفاع شجاع لدى الشاب المتحمِّس نمر باقر لكي يبدأ خطوات عملية لنشر الوعي في المجتمع وتوجيه الشباب -من أمثاله- إلى العمل الديني الاجتماعي للمطالبة بالحقوق، وهكذا أنخرط في العمل الرسالي حاملاً مشعل التوعية والتربية بين مختلف فئات المجتمع".

 

* إنتفاضة محرم 1400 هـ:

في تلك الفترة (أي أواخر الثمانينات من القرن الماضي) كانت المنطقة تشهد بعض التطورات السياسية والاجتماعية لصالح التغيير إلى الأفضل، فمن سقوط الملكية في إيران وانتصار الثورة الإسلامية، وغليان الوضع في العراق باتجاه نمو معارضة إسلامية أشد وأوسع للنظام الصدامي الفاشي، إلى تنامي الحركة الإسلامية في لبنان ومصر والسودان وفلسطين المحتلة وبعض الدول الخليجية وشمال أفريقيا والمغرب العربي، وانتشار مجاميع وفئات العمل الرسالي التغييري في مختلف بلاد المنطقة، كل ذلك ساعد على تنامي الوعي الحركي الرسالي لدى الشباب المؤمن في المنطقة الشرقية حيث تجلّى كل ذلك في انتفاضة محرم عام 1400هـ/ 1980م التي اندلعت مطالبةً بالعدالة والحرية، وكان الشاب الرسالي نمر باقر النمر أحد أبرز قيادات هذه الانتفاضة الشعبية التي طالبت –ولأول مرة– بالحقوق المهضومة، وبإنهاء عهد الحرمان والاضطهاد والتمييز.

وبعنف دموي طائش قمعت السلطات السعودية الانتفاضة الشعبية، وواجهت الاحتجاجات السلمية بالرصاص الحي مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى، وقد أصيب الشاب القيادي نمر باقر النمر برصاصة في رجله في المواجهة بين القبضة والرصاص.

وعلى أثر ذلك قرر الشاب الرسالي نمر باقر أن يتجه لبناء ذاته وإعداد نفسه لمواجهة الظلم والطغيان بكفاءات عالية، فكان قراره بالهجرة لطلب العلوم الدينية، فأتجه إلى حوزة الإمام القائم (عجل الله فرجه الشريف) العلمية في طهران التي أسسها وأشرف عليها سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله، وذلك في عام 1400 هـ / 1980 م.

 

* رحلة العلم والعمل في طهران:

وصل إلى حوزة الإمام القائم (عجل الله فرجه) متألماً من جروح الرصاصة في رجله، ولكن الأثقل من ذلك كانت جراح شعبه وأمته التي كانت تثقل كاهله وتدعوه إلى الجد والاجتهاد في إعداد نفسه لتحمُّل المسؤوليات الرسالية التي كان قد بدأ يشعر بثقلها منذ دراسته في المرحلة المتوسطة.

وخلال عشر سنوات من المثابرة وبذل الجهد المتواصل أستطاع وبجدارة أن يطوي كل مراحل الدراسة الحوزوية المركّزة وبتفوق، ودخل المرحلة الأخيرة وهي دراسة الفقه الاستدلالي (بحث الخارج) التي تقود الطالب المثابر إلى مرحلة الاجتهاد.

تميزت هذه المرحلة من حياة شيخ الشهداء الفقيه الشيخ نمر باقر النمر بالتالي:

1-  الجديّة في الدراسة، حيث لم يكن يترك أيّة لحظة من أوقاته تذهب هدراً، وكان يقتصر على أقل قدر من الاستراحة والنوم لكي يقضي سائر أوقاته في طلب العلم وتزكية النفس.

2 -  اهتمامه بالدراسة وتفرّغه لها لم يبعداه عن ساحة العمل والجهاد في سبيل تحقيق الأهداف الرسالية التي ساقته إلى الهجرة والانتماء لحوزة الإمام القائم؛ فقد كان مثالاً يحتذى في الجمع بين العلم والعمل، وبين الدراسة والجهاد.

والجدير بالذكر أنه عندما انتمى الشيخ الشهيد للحوزة أختار لنفسه - وبدواعٍ أمنية - اسماً مستعاراً هو (جهاد) وأشتهر في الحوزة والأوساط الرسالية باسم (الشيخ جهاد)، وحقاً كانت سيرته منذ انطلاقه في ساحة الدراسة والعمل ثم قيادة مجتمعه في المنطقة الشرقية حتى لقاء ربه بسيف أعتى العتاة في العصر الحاضر، كان تجسيداً حقيقياً للجهاد المتواصل وبكل إخلاص.

3-  إلى جانب اجتهاده في دراسة العلوم الحوزوية التقليدية، كان مثابراً ومجتهداً أيضاً في دراسة وتلقي الأفكار والثقافة الرسالية وتنمية هذا الجانب في إطار التدبر في القرآن ودراسة السنة الشريفة وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) والسيرة المطهَّرة.

4-  وبسبب تمتع سماحة الفقيه الشهيد بكفاءات ومؤهلات كثيرة، فإنه سرعان ما تأهل -وبجدارة- للمشاركة في إدارة حوزة الإمام القائم، حيث كان إلى جانب الدراسة، والتدريس، والتربية الرسالية، يقوم بمهام إدارية وبنجاح في الحوزة المباركة سواء في مقرها الرئيسي في طهران، أو في فرعها في منطقة السيدة زينب عليها السلام في دمشق فيما بعد.

5-  كان الفقيه الشهيد ومنذ أيامه الأولى في الحوزة والعمل الرسالي، رسالياً حقاً، أي لم يكن يرسم لمسؤولياته حدوداً جغرافية كالموجودة على الخرائط السياسية المتداولة.

فقد كان مهتماً بقضايا كل المسلمين في كل مكان بنفس درجة اهتمامه بقضية شعبه ومجتمعه؛ كان ينطلق من قاعدة إيمانية رصينة تقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»(4)، و «من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»(5).

لذلك لم يكن يمتنع عن تحمُّل المسؤوليات الرسالية والجهادية فيما يرتبط بقضايا الأمة الإسلامية، سواء في العراق أو إيران أو أفغانستان أو دول الخليج أو بلاد الشام أو شمال المغرب العربي أو أفريقيا؛ لم يكن يفرق عنده أن يخدم الإسلام والمسلمين هنا أو هناك، كان اهتمامه الأول البحث عن رضا الله تعالى، وذلك بالعمل الإيجابي البنّاء، من غير فرق أن يكون ذلك العمل في بلده الجزيرة العربية، أو في أفريقيا، أو في سائر بلاد الشرق الأوسط، أو غيرها.

  

* رحلة العلم والعمل في سوريا:

بعد عشر سنوات من البناء الذاتي في المجالين العلمي والرسالي قضاها في حوزة الإمام القائم (عليه السلام) في طهران، أنتقل إلى حوزة الإمام القائم في السيدة زينب عليها السلام في ضواحي دمشق، وهناك واصل مشواره العلمي في مرحلة دراسة الفقه الاستدلالي (بحث الخارج) إلى جانب التدريس والإدارة في الحوزة، حتى نال درجة الاجتهاد وأصبح فقيهاً رسالياً قرآنياً مؤهَّلاً للتصدي لقيادة المجتمع في مسيرة التغيير.

فلم يكن الشيخ الشهيد متفوقاً في دراسته العلمية فقط، بل وفي تربيته الرسالية، وتتلمذه على القرآن الكريم، والسنة الشريفة، وسيرة رسول الله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام"(6).

 أبرز دروسه: خلال سنوات الدراسة العلمية أتمّ سماحته فيها دراسة الأصول والفقه، وفي علم الأصول: أصول المظفر، ورسائل الشيخ الأنصاري والكفاية للآخوند الخراساني، وأتمّ في الفقه: اللمعة الدمشقية للشهيد الأول، وجامع المدارك للخوانساري، والمكاسب للشيخ الأنصاري، ومستمسك العروة الوثقى للسيد الحكيم، وغيرها من الكتب الفقهية.

وقد حضر دروس وأبحاث أبرز أساتذة حوزة الإمام القائم (عجل الله فرجه الشريف) وغيرها؛ فمن المدرسين الذين حضر لهم:

1-  بحث الخارج عند آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله).

2-  بحث الخارج عند سماحة آية الله السيد عباس المدرسي (حفظه الله) في سوريا.

3-  بحث الخارج عند سماحة آية الله الخاقاني (حفظه الله) في سوريا.

4-  الدروس العالية عند سماحة العلامة الشيخ صاحب الصادق (حفظه الله) في طهران .

5-  درس اللمعة عند سماحة العلامة الحجة الشيخ وحيد الأفغاني (قدس سره).

وقد بلغ سماحته مرتبة (الاجتهاد)، وإضافة إلى مرتبته العلمية المرموقة فإنه لم ينقطع عن ممارسة مسؤولياته التربوية والتثقيفية والاجتماعية، مازجاً بذلك بين طلب العلوم الدينية والتدريس والعمل الرسالي.

"ويعد سماحته من خيرة المدرسين، حيث قام سماحته بتدريس المقدمات للعديد من الطلبة في الحلقة العلمية، ومن ثم بدأ بتدريس السطوح، والمكاسب، والرسائل، والكفاية، كما قام بتدريس كتاب اللمعة الدمشقية مرات عديدة في الحوزة العلمية في إيران وسوريا"(7)، كما ودَّرَسَ كتاب جامع المدارك، ومستمسك العروة الوثقى، والحلقات للسيد محمد باقر الصدر، وغيرها من الدروس الحوزوية.

تخرجت على يديه ثلة من العلماء الأفاضل الذين مارسوا ويمارسون الأدوار الدينية والاجتماعية والقيادية في مجتمعاتهم.

وتولى سماحته إدارة حوزة الإمام القائم (عجل الله فرجه الشريف) بطهران وسوريا لعدة سنوات، وكان من أعمدتها وإدارييها المتميزين، وساهم مع زملائه العلماء في تطويرها وتقدمها.

 

* العودة إلى الوطن للتصدي لقيادة المجتمع:

"عندما وصل إلى الهدف المنشود من المستوى العلمي الحوزوي ومن التسلّح بالفكر الرسالي الأصيل والتجارب الجهادية الغنية وأصبح مؤهَّلاً لقيادة الساحة، لم يجد مبرراً للبقاء أكثر من ذلك بعيداً عن تحمل المسؤوليات مباشرة؛ فقرر في عام 1416 هـ العودة إلى مسقط رأسه والتصدي لقيادة المجتمع وتحمُّل المسؤوليات التي كان يشعر بثقلها منذ نعومة أظفاره.

عاد فقيهاً رسالياً، وعاد معه تصاعد الوعي والنشاط والحركة إلى العوامية، ومنها إلى كل أرجاء المنطقة الشرقية في الجزيرة العربية.

عاد إلى بلده يحمل مشعل الهداية والتوعية والإحساس بالمسؤولية، ومنذ عودته إلى يوم اعتقاله الأخير كان الفقيه الشهيد كتلة من الحيوية والنشاط والعمل والبناء"(8).

 

* من سماته:

يتمتع سماحته بخلق رفيع وقوة في تمسكه بمبادئ وقيم الدين الحنيف، والتي تبلورت عملياً في مسيرته الفكرية والجهادية.

كما ويتمتع سماحته بنظرة ثاقبة في المستجدات الواقعة، وبرؤية تحليلية دقيقة وموضوعية لمجريات الواقع الاجتماعي والسياسي، والتي كان يستلهمها من بصائر الذكر الحكيم، وهدى السنة المطهرة، وبما لديه من ثقافة غزيرة ومتنوعة.

نفاذ البصيرة والقدرة على التحليل واستشراف المستقبل الذي تميز بها سماحته تعتمد على ركيزتين:

 

الأولى: الوحي: (القرآن والسنة المطهرة).

الثانية: العقل.

فجمع من خلالهما بين (فقه القيم) و(فقه الواقع) مما أكسبت تحليلاته لمجريات الأمور الدقة والموضوعية والواقعية، ومكنه من قراءة متقدمة للواقع، ومنحه براعة في الكشف عما وراء الأحداث، وهذا يعود لما يمتلكه سماحته من مقومات عقلية وعلمية.

كما "وقد عرف عن الشيخ الجد والاجتهاد والنشاط والمثابرة والإيمان العميق وقد شهد له الجميع ممن عرفه ودرس معه بأنه فاق أقرانه، ومع أن الشيخ لا يجامل على حساب الدين والمبدأ إلى جانب شجاعته ودفاعه عن الحق بكل قوة وصراحة وعدم خشيته من الملامة في الله، فهو إلى جانب ذلك لا يحمل في قلبه أي حقد على أحد من الناس على الإطلاق ولذلك يعد الشيخ مضرب المثل في طهارة النفس وسموها ورفعتها" (9).

رحم الله شيخنا الشهيد، فلقد جاهد في الله مخلصاً، وقُتِل صبراً، ودُفِن سراً، مغيب القبر بلا أثرٍ؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1):  دراسة تعريفية باسم: الشهيد الشيخ نمر باقر النمر، من لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان، ص: 6-7.

 

(2): موقع آل نمر الإلكتروني (http://www.alnemer.ws/?act=artc&id=90).

 

(3): "اقتباس بتصرف" من نفس المصدر.

 

(4): شرح البداية في علم الدراية، ج: 6، ص: 1.

 

(5): بحار الأنوار، ج: 71، ص: 337.

 

(6): اقتباس بإضافات من كتاب شهيد الكرامة، إصدار اليمن، ص: 23-27.

 

(7): "اقتباس بتصرف" من كتاب العوامية: ومجد وأعلام، الشيخ عبد العظيم المشيخص، ص: 209.

 

(8): كتاب شهيد الكرامة، إصدار اليمن، ص: 28.

 

(9): "اقتباس بتصرف" من كتاب العوامية: ومجد وأعلام، الشيخ عبد العظيم المشيخص، ص: 209.

 

المصدر: موقع الشيخ النمر الالكتروني مع بعض التغيير