نداء الإمام الخميني إلى حجاج بيت الله الحرام

 

7 ذي الحجة 1401 هـ ق

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

 

{جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس…}

 

السلام على حجّاج بيت الله الحرام.

 

السلام على مسلمي العالم.

 

والسلام على المسلمين الملتزمين الذين سارعوا من أصقاع العالم الإسلامي إلى رب العالمين، ووفدوا على جوار بيت الله.

 

فريضة الحج لها بين الفرائض الإلهية خصائص متميزة، ولعل الجوانب السياسية والاجتماعية لهذه الفريضة تفوق جوانبها الأخرى، مع أن جانبها العبادي ذو خصائص متميزة أيضاً.

 

على المسلمين الملتزمين الذين يجتمعون مرة كل عام على صعيد المواقف الشريفة، ويؤدون واجباتهم الإسلامية في هذا التجمع العام والحشد الإلهي بمعزل عن الامتيازات، وبمظهر واحد، ودون اهتمام بما يميز بينهم من لون أو لغة أو بلد أو منطقة، وبأبسط المظاهر المادية، وباندفاع نحو المعنوية ونحو الوفود على الله… عليهم أن لا يغفلوا الجوانب السياسية والاجتماعية لهذه العبادة.

 

على العلماء الأعلام، والخطباء العظام أن ينبّهوا المسلمين على مسائلهم السياسية وواجباتهم الخطيرة… هذه الواجبات التي لو عمل بها المسلمون واهتموا بها لاستعادوا عزّتهم التي قررها الله للمؤمنين، ولنالوا مفاخرهم الإسلامية الإلهية التي هي من حق المسلمين، وتمتعوا بالاستقلال الواقعي والحرية الحقيقية في كنف الإسلام العزيز وتحت بيرق التوحيد وراية لا إله إلا الله، وقطعوا أيدي المستكبرين وعملائهم في البلدان الإسلامية، وأعادوا مجد الإسلام وعظمته.

 

الله سبحانه في الآية المذكورة أعلاه يقرّر أن سرّ الحج وبواعثه والغاية من الكعبة والبيت الحرام هي نهوض المسلمين وقيامهم في سبيل مصالح الناس والجماهير المستضعفة في العالم.

 

في هذا التجمع الإلهي العظيم، الذي لا تستطيع أية قدرة سوى قدرة الله تعالى على أن تعقده، يتوجّب على المسلمين أن يباشروا في دراسة مشاكل المسلمين العامة، ويبذلوا جهودهم على طريق حلها بالتشاور الشامل.

 

إحدى أكبر هذه المشاكل وأكثرها أهمية عدم الوحدة بين المسلمين. وبعض من يسمّون بزعماء العالم الإسلامي هم منشأ هذه المشكلة، ولم يتخذ حتى الآن مع الأسف إجراء ملموس للتغلب عليها؛ بل إن الجناة الطامعين الذين يستغلون الخلافات بين الشعوب والحكومات لصالحهم، يشدّدون هذه الخلافات عن طريق عملائهم الضالّين. وكلما وضع أساس للوحدة بين المسلمين هبّوا لمحاربته بكل قواهم، وعملوا على نثر بذور الخلاف.

 

كل الحكومات وكثير من الشعوب الإسلامية تعلم اليوم أن الشعب الإيراني نهض بعد أن كان متورطاً مئات السنين بيد الملوك الظلمة المتمرسين في الجور، الذين اتخذوا من الإسلام العزيز وسيلة للنهب والسلب لأنفسهم وللقوى الكبرى، وكان آخر هذه القوى أمريكا المجرمة. نهض أبناء هذا الشعب بعد أن رأوا القرآن الكريم والإسلام العظيم معرّضين للخطر، فأقاموا بثورتهم الكبرى دولة الإسلام محل النظام الشاهنشاهي اللاإسلامي وغير المشروع، وأنهوا سيطرة القوى الكبرى، وخاصة أمريكا الطامعة، على أموالهم وأنفسهم؛ ونأمل أن يستلهم الإخوة المسلمون والواقعون في مخالب مصاصي الدماء الظالمين عطاء الثورة الإسلامية، وأن تلتحق الحكومات الإسلامية بثورة إيران الكبرى بمساندة شعوبها.

 

أيدي أمريكا المجرمة والقوى الطامعة الأخرى تخرج اليوم من أكمام بعض عملائهم المأجورين الضالّين، الذين شنّوا هجوماً من الداخل والخارج على هذا الشعب المظلوم بأسلحة نارية، وبأقلام أسوأ وأفتك من الأسلحة النارية، مستهدفين إجهاض الثورة الإسلامية ودحر الإسلام العزيز، ولا يتورّعون عن إلصاق كل تهمة وافتراء بشعب لم يضع نصب عينيه إلاّ أحكام الإسلام والقرآن الكريم، وتصدّوا لضرب الثورة الإسلامية متوسلين بحجج واهية للغاية؛ فالمجهزون منهم بالأسلحة النارية مثل صدام، وجّهوا أسلحتهم لضرب شعبنا المظلوم، وأولئك الذين يفتقدون الأسلحة النارية توسّلوا بأقلام مسمومة أفتك من الأسلحة النارية.

 

إثارة الاختلافات بين المذاهب الإسلامية من الخطط الإجرامية التي تدبرها القوى المستفيدة من الخلافات بين المسلمين، بالتعاون مع عملائها الضالين بمن فيهم وعاض السلاطين المسودّة وجوههم أكثر من سلاطين الجور أنفسهم. وهؤلاء يؤجّجون نيران هذه الاختلافات باستمرار، وكل يوم يرفعون عقيرتهم بنعرة جديدة، وفي كل مرحلة ينفّذون خطة لإثارة الخلافات، آملين بذلك هدم صرح الوحدة بين المسلمين من أساسه.

 

هؤلاء بثّوا من أبواقهم أخيراً تهمة مفضوحة بشأن علاقة إيران بإسرائيل، ومسألة شراء الأسلحة!! راجين بذلك عزل الشعوب العربية عن إيران، وخلق العداء بين المسلمين وتعبيد الطريق أمام القوى الكبرى وزيادة سيطرتها أكثر فأكثر.

 

ترى أي شخص مطّلع يجهل عداء إيران الشديد لإسرائيل، ويجهل أن أحد أسباب اختلافنا مع الشاه المخلوع هو علاقاته الودية بإسرائيل؟!

 

من يجهل أننا ندّدنا منذ أكثر من عشرين سنة في خطبنا وبياناتنا بإسرائيل، واعتبرناها صنو أمريكا في الظلم وربيبتها في الغزو والعدوان؟!

 

من يجهل أن الشعب الإيراني المسلم، خلال فترة الثورة الإسلامية وفي التظاهرات المليونية الصاخبة، أعلن أن إسرائيل عدوة له مثل أمريكا، وقطع عنهما النفط معاً، وصبّ نقمته وغضبه عليهما معاً؟!

 

لا عجب أن تصدر هذه النغمة المشؤومة من حنجرة أمريكا الأم اللامشروعة لإسرائيل ومن صدام شقيق بيغن الأصغر، وأن يوجها أبواقهما الدعائية، وخاصة أبواق الدعاية الأمريكية لنشرها؛ إذ أنّ هذين الاثنين تلقيا من الإسلام الحقيقي ضربة لم يتلقها غيرهما، وقلق هذين الاثنين من وحدة الأخوة المسلمين العرب مع إيران يفوق قلق الآخرين.

 

أمريكا قلقة على مصالحها في المنطقة، وصدام قلق على ما ينتظره من سقوط وعار أبدي.

 

على المسلمين جميعاً، وخاصة إخوتنا العرب، أن يعلموا أن المسألة ليست مسألة إسرائيل وإيران، بل المسألة الأساسية بالنسبة للطامعين الشرقيين والغربيين هي الإسلام، الذي يستطيع أن يجمع مسلمي العالم الإسلامي، وينهي سيطرتهم على مستضعفي العالم، ويطرح العقيدة الإسلامية القيّمة التقدمية الإلهية على الصعيد العالمي.

 

على العالم العربي أن يعلم أن الضربة التي وجهها إليه اليوم صدام والسادات رهيبة إلى درجة لا يمكن تفاديها إلاّ باتحاده.

 

السادات توّج اليوم خدمته لإسرائيل باعتقالاته الواسعة للأخوة المسلمين في مصر واتحاده مع أمريكا وإسرائيل … عار على جميع العرب، لو اتحد مع إسرائيل التي أضافت إلى جرائمها في المنطقة جريمة عظيمة أخرى تتمثل في حفرياتها بالمسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى، هذا المسجد الذي سينهدم لا سمح الله إن وهنت أسسه، وستحقق إسرائيل بذلك آمالها اللئيمة.

 

يا أيها المستضعفون في كل أرجاء العالم!

 

أيها المستضعفون الرازحون تحت سيطرة الظالمين!

 

انهضوا وتعاضدوا متّحدين، ودافعوا عن الإسلام، وعن مقدراتكم، ولا تهابوا ضجيج الطواغيت، فهذا القرن هو ـ بإذن الله القادر ـ قرن غلبة المستضعفين على المستكبرين، وغلبة الحق على الباطل.

 

على الدنيا أن تعلم، أن إيران اختطّت لنفسها طريق الله، وستواصل كفاحها المرير حتى تقضي على مصالح أمريكا الطامعة، العدو اللدود لكل المستضعفين في العالم؛ وكل ما تشهده إيران من أحداث لا تثنينا عن عزمنا لحظة واحدة، بل أنها ستزيد شعبنا عزماً للقضاء على مصالح أمريكا.

 

نحن بدأنا كفاحنا الدامي المرير ضد أمريكا، ونأمل أن يستطيع أبناؤنا، بتحررهم من نير الظالمين، نشر راية التوحيد في العالم.

 

نحن على ثقة من أن أبناءنا سيذوقون طعم حلاوة النصر أن واصلنا بدقة واجبنا المتمثل في النضال ضد أمريكا المجرمة.

 

أليس من العار على كل المسلمين في العالم أن يرضخوا لسيطرة الطواغيت المستكبرين وقراصنة البحر والبرّ في قرننا وهم يتمتعون بهذه الثروة الإنسانية والمادية والمعنوية، ويمتلكون مثل هذه العقيدة التقدمية وهذا السند الإلهي؟!

 

ألم يحن الوقت لابتعاد المسلمين عن الأهواء النفسية واجتماع قلوبهم على صعيد المودّة والأخوة لطرد أعداء البشرية من الساحة، والقضاء على حياتهم الآثمة الظالمة؟!

 

ألم يحن الوقت لأن يرفع الشعب الفلسطيني المكافح الغيور صوته بإدانة ما يرتكبه مدّعو النضال ضد إسرائيل من ألاعيب سياسية، ويمزقوا بأسلحتهم النارية صدر إسرائيل عدوة الإسلام والمسلمين؟!

 

ترى ماذا يقول المسلمون أمام نداء ربّ العالمين الذي دعاهم إلى التمسك بحبل الله، ونهاهم عن التفرقة والنزاع؟!

 

ألا يرون من واجبهم مساندة شعب وحكومة إيران التي نكّست راية الكفر ورفعت راية الإسلام بالجهاد المقدس؟!

 

هل يعتقد وعاظ السلاطين أن محاربة الثورة الإسلامية في إيران ذات ضرورة أكبر من معارضة أمريكا وإسرائيل؟!

 

نطلب من إخوتنا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يوحّدوا أصواتهم وخطاهم مع الجمهورية الإسلامية في إيران، ويدفعوا بعون الله تعالى شرّ الجناة، ويقطعوا أيدي الطامعين عن البلدان الإسلامية وبلدان المستضعفين، ويلبّوا نداء الله تعالى في هذا الأمر المصيري.

 

نطلب من حجاج بيت الله الحرام أن يدعوا الله في المواقف الشريفة لنصرة الإسلام، ويبلغوا نداء الشعب الإيراني، ونداء "يا للمسلمين" الذي يرفعه هذا الشعب المظلوم إلى بلدانهم.

 

نتضرع إلى الله تعالى أن يمنّ علينا جميعاً بوحدة الكلمة وبتفهّم واجباتنا الإسلامية.

 

والسلام على عباد الله الصالحين ورحمة الله وبركاته.

 

روح الله الموسوي الخميني