قائد المقرّ المركزي لخاتم الأنبياء (ص) اللواء غلام علي رشيد

 

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي نصّ الحوار الذي أجراه مع قائد مقرّ «خاتم الأنبياء» المركزي اللواء غلام علي رشيد حول الأسباب والدوافع لتأسيس «قوّة القدس» إضافة إلى دور الفريق سليماني في تدعيم مهمّاتها وتطويرها وكيف استطاع الشهيد إرساء قواعد القوّة الإقليميّة في الجمهوريّة الإسلاميّة.

 

يُعدّ اللواء غلام علي رشيد من كبار القادة في القوّات المسلّحة، وهو قائد المقرّ المركزي لخاتم الأنبياء (ص)، ومن الذين رافقوا الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني خلال أعوام «الدفاع المقدّس». في أجواء الذكرى السنويّة لاستشهاد الشهيد الحاج قاسم سليماني، ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي الحوار الذي أجراه مع هذا القائد العسكري الكبير. وفي ما يلي، نضع بين أيديكم خلاصة هذا الحوار:

 

نظراً إلى الأحداث التي شهدها العقدان الأخيران وطرح مهمّة «قوّة القدس»، نرجو أن تقدّموا إلينا شرحاً عن الأسباب والدوافع والضرورة لتأسيس هذه القوّة إضافة إلى الحديث عن النجاحات التي حقّقتها.

 

جرى تعيين الفريق سليماني في أواخر التسعينيات قائداً لـ«قوّة القدس»، ونظراً إلى التجارب التي اكتسبها من الحرب مع جيش النظام البعثي، وبعدها خلال مكافحة الأشرار في شرق البلاد، استطاع إحداث تحوّل مهمّ في قضيّة دعم قوى المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين واليمن وسوريا.

 

في بدايات العقد الأوّل من القرن الجاري، احتلّت أمريكا بداية أفغانستان ثمّ العراق، ففُرضت ظروفٌ جديدة على المنطقة، وبات التصدّي لاعتداءات الجيشين الأمريكي والصهيوني ضرورة ملحّة بين الشعوب. لقد كانت فرصة مهمّة لشخص مثل الفريق سليماني حتى يُبرز قدراته ويعرضها.

 

ماذا كان دور الفريق سليماني في تدعيم مهمّات «قوّة القدس» وتطويرها؟

 

شكّل الحضور الواسع للجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق تهديداً كبيراً للشعب الإيراني وشعوب المنطقة منذ البداية، وبفضل جهود الإخوة في «قوّة القدس»» وفي ظلّ قيادة الفريق سليماني، استطاعت القوى الثائرة في المنطقة تحويل هذا التهديد إلى فرصة، ففي أفغانستان حيث أدّى الاحتلال إلى إسقاط حكم «طالبان»، أدّى دعم «قوّة القدس» للإخوة الأفغان المجاهدين إلى منع أمريكا من فرض الحكومة التي ترغب فيها على كابول، وقد أسّست القوى الشعبيّة والمجاهدة المكوّنة من أهل السنّة والشيعة والمتحدّثين الفارسيّة – هم جميعاً من أصدقاء إيران – القسم الأساسي من نظام الحكم، ولم تبرز مشكلة لإيران في حدودها الشرقيّة طوال عقدين. في العراق، كانت الانتصارات أكبر بكثير وهي تحتاج إلى كلام تفصيلي لا يتّسع في هذا الحوار.

 

حبّذا أن توضحوا لنا دور الشهيد سليماني في التصدّي لجماعة «داعش» الإرهابيّة وإلحاق الهزيمة بها.

 

«داعش» جماعة صنعتها أجهزة الاستخبارات مثل «سي آي إي» وأجهزة الاستخبارات البريطانيّة والسعوديّة ومعهم «الموساد» أيضاً، ولا تزال تحظى بالدعم حتى الآن. إنّ «داعش» الذي تأسس بمساعدات ودعم من الحكومة الأمريكيّة وبعض الحكومات الإقليميّة والعربيّة استغلّ الاضطرابات في سوريا وضعف الجيش والقوى الأمنيّة في العراق فاستطاع احتلال أجزاء كبيرة من الأراضي السوريّة والعراقيّة.

 

ضخّ الشهيد سليماني بالخطوات التي أقدم عليها الأمل في حكومتي سوريا والعراق، وتحديداً في ما يرتبط بإمكانيّة إلحاق الهزيمة بـ«داعش»، وكان هذا الأمر مهمّاً للغاية في الخطوة الأولى للصراع. أيضاً كان من الضروري التنوّر من تجارب إيران في الاستفادة من الناس ضمن إطار التعبئة الشعبيّة العامّة، وهذا ما أنجزه الفريق سليماني في سوريا والعراق.

 

كذلك، انطلقت موجة إرسال الشباب إلى جبهات الحرب ضدّ «داعش» مع صدور فتوى آية الله العظمى السيّد السيستاني، وكانت هناك حاجة إلى تدريب هذه القوّات وتنظيمها لتدخل ميادين المواجهة مع التنظيم.

 

نظّم الفريق سليماني وسائر القادة الإيرانيّين والعراقيّين هذه القوّات العظيمة ووجّههم في حربهم ضدّ «داعش»، فالحشد الشعبي اليوم تحوّل إلى جيش يملك الخبرات، وهو من ثمار هذه الحركة.

 

ما السبب الذي يجعل سيرة قائد عسكري وشخصيّته تُقدّم كـ«مدرسة مُلهمة للدروس» من القائد الأعلى للقوّات المسلّحة والولي الفقيه؟ سماحته قال في موضع آخر عن الشهيد سليماني: «لم يكن الشهيد سليماني مجرّد بطل قومي بل كان بطلاً إقليميّاً. لقد كان دور الشهيد سليماني في حلّ مشكلات دول عدّة في المنطقة دوراً عظيماً واستثنائيّاً». وقال سماحته أيضاً: «الشهيد سليماني أخطر على أعدائه من الفريق سليماني». ما تحليلكم في هذا الصّدد؟

 

كان الفريق سليماني واحداً من تلامذة مدرسة الإمام الخميني (قده)، واستطاع إبراز خصائص هذه المدرسة في ميدان الجهاد والكفاح المسلّح في غربي آسيا، وحيّر العقول والأذهان. المهمّ والضروريّ في هذه المدرسة هو الاعتماد على الله، واختيار الهدف بصورة صحيحة، والتدبير المناسب والشجاعة.

 

تكوّنت شخصيّة [الشهيد سليماني] خلال «الدفاع المقدّس» ضمن إطار مدرسة الإمام الخميني (قده) وارتقت شيئاً فشيئاً. من معاجز الثورة الإسلاميّة صناعتها بطلاً قوميّاً من شابّ قرويّ موهوب.

 

سنحت الفرصة في الثورة الإسلاميّة لكثير من الشباب في المدن والقرى أن يُبرزوا قدراتهم ويعرضوا مواهبهم، واستُشهد بعضهم ولا يزال آخرون يقدّمون الخدمات إلى النّاس في كلّ مكان من البلاد. لذلك، لو وصفنا الفريق سليماني بأنه بطل المنطقة كما قال الإمام الخامنئي، فلن نكون قد بالغنا، لأنّ الله - جلّ وعلا - منّ عليه بهذا التوفيق وجعله يبرز على مستوى المنطقة بصفته قائداً إيرانياً عظيماً.

 

إنّ إعلان الرئيس الأمريكي مسؤوليّته عن اغتياله ما هو إلا دليلٌ على أهميّة مكانته وشأنه، فذلك أراد أن يُصوّر نفسه كبطل استطاع قتل سليماني لكنّه لم يلتفت إلى أنّه عاجزٌ عن استغلال شعبيّة الشهيد سليماني لمصلحته، بل أثبتت ردود فعل الشعب الإيراني وشعوب المنطقة إلى أيّ حدّ بات الرئيس الأمريكي الذي تلطّخت يداه بهذه الدماء الطاهرة منبوذاً في أعين الشعوب.

 

إنّ تشييع الفريق سليماني في العراق وإيران كشف عن عظمته ومحبوبيّته وأبرز الكره والاشمئزاز من ترامب أمام الملأ. هناك نقطة مهمّة في كلام الإمام الخامنئي ينبغي تأكيدها، وهي وجوب ألا تُقدّم صورة للشهيد سليماني تنطوي على جانب غيبي وغير ملموس.

 

بداية لأنّ هذا الأمر يجعل الشباب والأجيال المقبلة في حالة من اليأس فلا يتشجّعون على مواصلة هذا الطريق، وثانياً يجعل هذا الأمر العدوّ يغترّ بأنّه استطاع إنهاء قدرات إيران في المنطقة، وثالثاً إن الواقع أنّ الثورة الإسلاميّة ربّت أشخاصاً كثيرين من قبيل سليماني، وكما سبق أن قلت: استُشهد بعضهم من قبيل الشهيد همّت، والشهيدين باكري، والشهيدين زين الدين، وخرازي، وأحمد كاظمي، وبروجردي، وصياد شيرازي... هناك بعضهم لا يزالون على قيد الأحياء، ولذلك ليس هؤلاء الأبطال قلّة في أوساط الشعب الإيراني، وهو لا يفتقر إليهم.

 

النقطة التي ينبغي الإشارة إليها أيضاً أنّه لا يمكن شرح دور الفريق سليماني في المنطقة بعيداً عن العلاقات والتسلسل الهرمي في قيادة القوّات المسلّحة التابعة لجمهوريّة إيران الإسلاميّة. لقد كان الفريق سليماني يتباهى ويعتقد بكونه تابعاً كلياً للوليّ الفقيه والقائد الأعلى للقوات المسلّحة، فحين نتحدّث عن مكانة الشهيد سليماني ودوره الإقليمي في التقوية الماديّة والروحانيّة والروحيّة لهذه الظاهرة الخالدة يعني هذا أنّنا نتحدّث عن «جبهة المقاومة» أو دور الشهيد سليماني في صون القوّة الإقليميّة وتجهيزها والارتقاء بها، ولا يمكننا التحدّث عن هذه الإستراتيجيّة الدفاعيّة–الأمنيّة والسياسة الخارجيّة (الإستراتيجيّة الأساسيّة للمكانة والقدرة الإقليميّة) دون الإشارة إلى قائد هذه الإستراتيجيّة الدفاعيّة–الأمنيّة، أي القائد الأعلى للقوّات المسلّحة؛ إنّ الباني الرئيسي لهذه الإستراتيجيّة هو الإمام الخامنئي، وكان الفريق سليماني القائد الميداني لهذه الساحة في جغرافيا المنطقة.

 

إذا ما أردنا ذكر إنجازين وثِقلين عظيمين في المجالين الدفاعي–الأمني بعيداً عن مختلف شؤون قائد الثورة الإسلاميّة، يمكن القول بجرأة إنّ قيادة الإمام الخامنئي وتوجيهاته للقوات المسلّحة خلال العقود الثلاثة الماضية آلت إلى تحقيق هذين الإنجازين العظيمين:

 

أوّلاً صون إيران من الحرب (الهجوم الخارجي) والتقسيم، فقد مُنع شنّ ست حروب على الأقل كانت ترمي إلى استهداف سيادة أراضي الشعب الإيراني.

 

ثانياً القوّة والمكانة الإقليميّة وإيجاد قوّة الرّدع.

 

لقد علّمنا قائد الثورة الإسلاميّة - نحن قادةَ القوات المسلّحة - خلال العقود الثلاثة الماضية وقادنا ووجّهنا نحو المسار الأساسي لمنع شنّ الحروب على البلاد، وذكر أمرين أساسيّين هما: مراكمة القوّة والإبقاء على التأهّب للقتال في أوساط القوّات المسلّحة (الجيش و«حرس الثورة الإسلاميّة») باستمرار إضافة إلى أخذ التهديد والاستعداد للحرب على محمل الجدّ، وثانياً امتلاك القوة الإقليميّة خارج الحدود، وهذا يتحقّق عبر التواصل مع شعوب المنطقة التي تعشق أهداف الثورة الإسلاميّة.

 

يُعدّ الفريق سليماني أيضاً واحداً من عشرات القادة في مرحلة «الدفاع المقدّس» الذين اكتسبوا التجارب في الحرب وطبّقوا إرشادات الإمام الخميني (قده) مع انتصار الثورة الإسلاميّة، أي إنشاء قوّة دفاعيّة ترتكز على الناس، وتمسّكوا من بعده بإرشادات الإمام الخامنئي وتوجيهاته على مدى ثلاثة عقود في قضيّة الدفاع عن المنطقة والارتقاء بها. كان الفريق سليماني حامل لواء القوّة الإقليميّة، وكما قال الإمام الخامنئي: ينبغي اجتناب تقديم صورة غيبيّة وغير ملموسة عنه إلى المجتمع وبخاصّة شباب هذا الجيل والأجيال المقبلة.

 

بعد استشهاد الحاج قاسم، لا يزال الناس يطالبون بالانتقام ممّن وجّهوا الأمر لاغتياله وتسبّبوا في استشهاده. ما تحليلكم لقضيّة الانتقام من دماء الحاج قاسم؟

 

بات من المعروف والمؤكّد أنّ كلّ من ألحق ضرراً بالجمهوريّة الإسلاميّة في إيران لم يستطع الهرب من العقاب، فقد يتحقّق هذا الأمر عاجلاً أو آجلاً لكن لن يجري التخلّي عنه. سوف يشهد المتسبّبون في هذه الجريمة جزاء أعمالهم، بفضل عناية الله، عزّ وجل.

 

يمكن النظر إلى المجرمين والمتسبّبين في الجرائم ضدّ الشعب الإيراني خلال العقود الأربعة الماضية، فقد انتُقم منهم جميعاً، وعلى ترامب وبومبيو وسائر المجرمين الذين شاركوا في ارتكاب هذه الجريمة الكبرى أن يتطلّعوا إلى مصير أعداء الشعب الإيراني (في الداخل والخارج) الذين ذهبوا إلى الجحيم.

 

كيف تقيّمون مستقبل «جبهة المقاومة» عموماً في المستقبل؟

 

إنّ مستقبل «جبهة المقاومة» جليّ وواضح من الجهات كلّها، فالأعداء يسعون بيأس، وهم أضعف من السابق، لكن في هذه الجهة نشهد حضور الشباب الذين تجلّت أمامهم ماهيّة العدو، وآمنوا بقدراتهم ويعملون على جعل الظروف في المستقبل أفضل من أيّ زمن.

 

نظراً إلى التهديدات المتكرّرة للكيان الصهيوني وأمريكا كيف سيكون ردّ جمهوريّة إيران الإسلاميّة في حال نشوب حرب ومواجهة، وما تبعات هذا عليهم؟

 

يعلم الكيان الصهيوني أنّ إيران لن تضع كفّاً على كف في حال نفّذ تهديده العسكري، بل ستوجّه إليه ردّاً مدمّراً وحاسماً. طبعاً لن نُفصح عن ماهيّة هذه الردود لكنّنا لن نضع أيّ حدود وقيود على القادة في كيفيّة الردّ وكميّته والمناطق التي سيقرّرون استهدافها في فلسطين المحتلّة ضمن الردّ على هجوم الكيان الصهيوني والتصدّي له.