ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالة للأستاذة المساعدة في جامعة طهران والخبيرة في دراسات أمريكا الشماليّة السيّدة حكيمة سقاي بي ريا حول الحضور الاجتماعي ذو الماهيّة الجنسيّة للمرأة الغربيّة وأزمة الهويّة التي تُعاني منها النساء في الغرب وتسليع الذات هناك إضافة إلى النموذج الذي تعرضه الرؤية الإسلاميّة للمرأة.

 

الكاتبة: السيّدة حكيمة سقاي بي ريا

 

كيف هي النظرة إلى الحريّة في الغرب؟ يمكن القول في معرض الردّ إنّ ما نراه في الغرب هو الحريّة وفق النمط الليبرالي الديموقراطي. في هذا النمط من الحريّة، تجري التضحية بحريّة المواطنين العاديّين، وينتهي المسار بالإضرار بالمواطنين العاديّين لمصلحة من يجنون الأرباح ممّن يملكون رؤوس الأموال. عادة ما يقولون في الفلسفة السياسيّة بوجود حريّة سلبيّة وحريّة إيجابيّة، بمعنى أنّ الحكومة ينبغي ألا تخوض في الحريّة السلبيّة وتُعيق الحريّات الفرديّة، فتكون الخيارات مفتوحة أمام أصحاب رؤوس الأموال ويجري الإخلال في الحريّة، فلا حلول أمام المواطنين العاديّين المتضررين، وهذا ما نلاحظه في المسائل الثقافيّة أيضاً.

 

المرأة الغربيّة حضورٌ اجتماعي لكنْ ذو ماهيّة جنسيّة

 

منذ قرابة مئة عام والغرب يجرّب نمطاً من حضور النساء في المجتمع اختلط بصناعة الهويّة الجنسيّة. فلو أرادت المرأة الحضور اجتماعيّاً في هذا المجتمع وتحقيق النجاح، يُطلب منها أن يكون حضورها بذاك النمط نفسه، أي الظهور بنمط ينطوي على الهويّة الجنسيّة. تُلاحظ هذه القضيّة بشدة في هذا المجتمع، فهي تحوّلت إلى نوع من الوسواس في المجتمعات الغربيّة، لأنّ النظام الرأسمالي يستغلّ جيّداً نقاط الجذب المتوافرة في الحياة، فتتحوّل نقاط الجذب الجنسيّة والظاهريّة لدى النساء خاصّة إلى رأسمال مجاني وبخس يمتلكه هذا النظام ويستفيد منه باسم الحريّة، لكنّ الضربة الأهم تُوجّه في هذا النظام إلى المرأة والأسرة تبعاً لها.

 

ليست النتائج لهذا النوع من الحريّة الليبراليّة في الغرب طوال مئة عام خافية على أحد. جرى ذالحديث كثيراً عن الإحصاءات والأرقام حول المصاعب التي تواجهها النساء في هذا النوع من المجتمعات انطلاقاً من الأذى والاعتداء الجنسي وصولاً إلى الضغوط التي فُرضت على المرأة تحت مسمّيات المساواة. لكنّ اهتمام المصلحين الاجتماعيّين في الغرب (المراجع العلميّين وعلماء الاجتماع وعلماء النفس والسياسيّين أيضاً) ينصبّ أكثر على معاناة النساء الغربيّات في مثل هذا النظام من أزمة في الهويّة تكوّن لديهنّ رؤية هي أنّ الظاهر أهمّ شيء ويشكّل قيمتهنّ الوجوديّة. يستخدم المصلحون الاجتماعيّون عبارات متنوّعة للتعبير عن هذا الأمر: «صناعة هويّة جنسيّة للذات» و«تسليع الذات» (تشييء الذات). هذه الأمور تؤدّي إلى تشويه العنصر الإنساني لدى النساء وتقليص حضورهنّ الاجتماعي والحدّ من هواجسهنّ. هذه الأمور، أي أهداف «نهضة الحريّة النسائيّة» التي يسعى الغرب لتحقيقها أيضاً، تؤدّي أيضاً إلى التمييز بين النساء والرجال، وهذا ما يجعل حضور النساء بالمعنى الحقيقي للكلمة غير متاح.

 

أزمة الهويّة

 

خلال هذه العمليّة تُصاب النساء والفتيات اللواتي تكوّنت هذه النظرة لديهنّ تجاه أنفسهنّ بأزمة في الهويّة، ويعانين من أضرار فرديّة من قبيل الاكتئاب والاضطراب والمشكلات ومختلف الأضرار النفسيّة. تواجه الفتيات ممّن هنّ في سنّ الدراسة التراجع على المستوى الدراسي، والفتيات العاملات التراجع في أعمالهنّ ووظائفهنّ. لذلك، تلحق الأضرار بالنساء في البعدين الفردي والاجتماعي. وبطبيعة الحال، تتضرّر الأسر أيضاً وتتشتّت حين تتضرّر النساء. هذا المسلك يثبت فشل نظام الرأسماليّة، وقد بات المصلحون الاجتماعيّون يبحثون الآن عن مسار حلّ للخروج من هذه النواقص لكن هذا النظام - لأن رؤيته تجاه الإنسان والحريّة رؤية أداتيّة - لا يستطيع عرض الحلّ بسهولة.

 

إذا أردنا أن نرى هل هذا النموذج من العمل على تقوية النساء ومنحهنّ الحريّة ناجح ويحقّق الغاية، فلا بدّ أن ننظر إلى القضايا التي يطرحها المصلحون الاجتماعيّون في الدول الغربيّة. هم يقولون إنّ المجتمع يبدو سائراً على حافة الانهيار ولا بدّ من فعل ما يمنع سقوطه كلياً. لا يستطيع النظام الرأسمالي عرض حلول مناسبة لأنّ الكلمة الفصل هي للثروات والأرباح. يجري الحديث عن المساواة والحريّة لكن من المسلّم أنّ حريّة هذه الشركات الرأسماليّة أكبر بكثير من الأفراد العاديّين في هذه المجتمعات.

 

ثلاث مراحل حتّى الانهيار

 

قُطع في المجتمعات الغربيّة ثلاث مراحل إلى أن وصلت إلى هنا. بداية أُشبع المجتمع كلّه بالنظرة ذات الهويّة الجنسيّة تجاه المرأة، أي أينما جُلت بنظرك، فستجد مثل هذه النظرة تجاه المرأة: في الإعلام، والإنتاجات الهوليووديّة، والأفلام. أينما جرى عرض المرأة، رافق ذلك عادة هذه النظرة ذات الهويّة الجنسيّة. قال الإمام الخامنئي مرّة إنّ الثقافة كالهواء الذي تتنفّسونه. هذه الحالة التي يشهدها الغرب وقد ساده هذا الاستعراض للمرأة ولم يعد أمامه مفرٌّ ومهرب هي أشبه بالهواء الذي يتنفّسونه. ثمّ إنّها تُظهر نفسها بالصورة ذات الهويّة الجنسيّة في نمط العيش والمعاشرة وتوقّعات الأفراد من بعضهم بعضاً، فالمرأة حين تقرّر الذهاب إلى العمل أو تكون بين أصدقائها وأقاربها تُقبل بشرط أن يكون حضورها ذا صبغة جنسيّة.

 

في نهاية المطاف، تصل إلى جعل الذات هويّة جنسيّة، أي هي نفسها تكتسب مثل هذه الهويّة وتصرف وقتها وطاقتها كلّها على الحضور في المجتمع من أجل التوصّل إلى معايير الجمال التي لا يُمكن تحقيقها كي يكون لها مظهرها الخاص. يسعى الأعداء إلى تطبيق هذه الرؤية اصطناعياً في سائر المجتمعات خاصّة المسلمة وإيران على نحو أخصّ.

 

عرضت الثورة الإسلاميّة نموذجاً ثالثاً للمرأة المسلمة، ولهذا، لا يستطيع الأعداء إشباع الأجواء العامّة برؤيتهم ذات الهويّة الجنسيّة تجاه المرأة. عليه هم يحاولون في خطوة أولى عبر وسائل الإعلام التي يملكونها والقنوات الفضائية لديهم إضافة إلى الساحة الافتراضيّة لجعل مثل هذه الثقافة في متناول عامّة الناس حتى يتسمّم هذا الهواء الذي يتنفّسه الناس. في المرحلة الثانية، يسعون إلى جعل هذا الأمر يسري على نمط عيش الناس، ونحن نلاحظ أحياناً أنّ هذه الأضرار في العلاقات بين الناس. في المرحلة الثالثة، يسعون إلى جعل النساء أنفسهنّ يرغبن في مثل هذا النمط من العيش ويشعرن بأنّ هويّاتهنّ مرتبطة بالمزيد من إضفاء الصبغة الجنسيّة على أنفسهنّ.

 

 

المواجهة بين النموذجين

 

إنّ السبب وراء نشوب مواجهة بين هذين النموذجين في المجتمع أنّ جبهة الاستكبار تحاول إبقاء النموذج الاستعماري المهزوم حيّاً في الجمهوريّة الإسلاميّة. تسعى الشركات الدعائيّة والشركات ذات الصّلة بمختلف الصناعات التي تجني الأرباح من إضفاء الصبغة الجنسيّة على النساء أن تستغلّ وسائل الضغط لديها لكي لا يتحقّق التغيير لمصلحة النساء. لقد اتّخذت مختلف الحكومات الغربيّة سياسات تدفع المسلمين نحو التوصّل إلى هذه النتيجة وهي أنّ كونهم مسلمين إنّما يشكّل جزءاً من هويّاتهم فقط وهم مجبرون على تقبّل نمط العيش الغربي كأهمّ جزء من هويّتهم. هم يعملون على تحقيق هذه الرؤية في الدول المسلمة كلها والجمهوريّة الإسلاميّة خاصّة، لأنّ الغرب تلقّى أقسى الضربات من المرأة الإيرانيّة المسلمة. سبب عدائهم الشديد للمرأة الإيرانيّة المسلمة ملاحظتهم أنّ الثورة لم تكن لتبدأ من الأساس لولا الحضور البارز للنساء فيها. فلو أنّ المقاومة التي أنشأها النموذج الثالث للثورة الإسلاميّة لدى المرأة المسلمة لم تكن، ما كان النصر تحقّق في مرحلة «الدفاع المقدّس». إنّ استمرار الثورة الإسلاميّة مشروطٌ أيضاً بمحافظة النساء الإيرانيّات المسلمات على هويّاتهنّ الإسلاميّة المأخوذة من نمط العيش العفيف.

 

 

الحجاب مقابل تسليع الذات

 

الحجاب هو الزيّ المتوقّع من النساء عند حضورهنّ في المجتمع وبروزهنّ وظهورهنّ فيه. ولو أنّ هذا النظام طُبّق على النحو الصحيح، فسينتفع من فوائده جميع الأفراد، وسيتوفّر لديهم الأمن الاجتماعي، كما ستحظى المرأة بالأمن على المستوى النفسي وتحقّق المزيد من النجاحات. في هذا النظام، تبتعد المرأة عن نظرتها المليئة بالوساوس بشأن ظاهرها ولن تُصاب بإضفاء هويّة جنسيّة على ذاتها أو تسليعها. «التبرّج» كلمة مفتاحيّة إسلاميّة مرتبطة بـ«إضفاء هويّة جنسيّة على الذات»، ولعلّ «التبرّج» يقع في النقطة المقابلة لـ«الحجاب». من تقبل هذه الحياة العفيفة، تدخل ساحة نمط الحياة الاجتماعيّة البعيد عن استعراض الذات والغرق في وساوس الاهتمام بالظاهر، كما تهتمّ بأهداف أكثر أهميّة في ما يرتبط بالقضايا الاجتماعيّة، وتتّسع هواجسها فتكون قادرة على أن تكون أكثر إثماراً وفائدة في المواضيع الاجتماعيّة.

 

 

تأثير نمط العيش هذا سيشمل الرجال أيضاً كما النساء، ونظرة الرجال ستكون مختلفة تجاه الحياة والمرأة والمجتمع، وستكون نابعة من الاحترام وبعيدة عن النظرة ذات الطابع الجنسي. طبعاً هذا هو الوضع المثالي. وهذا النظام ونمط العيش سيُطبّقان في المجتمع على نحو واسع عندما يصل المجتمع حقّاً إلى النضج الذي يدفعه إلى قبول هذه الحياة العفيفة. بلا شكّ، نلاحظ وجود نقاط ضعف في مجتمعنا سببها الرئيسي المواجهة الدائرة منذ بدء الاستعمار بين النموذج الاستعماري للمرأة والنموذج الإسلاميّ. هذه المواجهة مستمرّة حتى اليوم ولم تبلغ الأمور درجة تدفعنا إلى القول إنّها انتهت. بقدر ما يمرّ الوقت، يطوّر الطرف المقابل أساليبه ويوسّع ضغوطه ويزيد البروباغندا الخاصّة به عُمقاً، وهو يسعى إلى أن يُبقي النموذج الاستعماري حيّاً. نلاحظ في بعض الأحيان بين النساء المعتقدات بالحجاب أيضاً خيوطاً من نقاط ضعف صوب إضفاء صبغة جنسيّة على هويّاتهنّ الأنوثيّة. لا بدّ من العمل على التوعية حتى تزول هذه الخيوط وتبرز الهويّة الإسلاميّة للمرأة في أوساط جميع النساء في المجتمع أكثر فأكثر.

 

 

النموذج الثالث للمرأة على خطى الكمال

 

لا نتصوّر أنّ النموذج الثالث للمرأة المسلمة في مجتمعنا تحقّق كلياً، وهذا مسار شأنه شأن الثورة الإسلاميّة، إذ ننظر إليها على أنّها كائنٌ حيّ، ونرى هذا النموذج وجوداً حيّاً في طور النموّ. للثورة الإسلاميّة مرحلة تكون فيها كالجنين ثمّ تحقّق النصر وتولد، وبعدها تنمو وتبلغ النضج، ولا بدّ أن نقطف ثمارها اليوم. يتوجّب أن تكون نظرتنا إلى النموذج الثالث للمرأة – هذا من ثمار الثورة الإسلاميّة – على هذا النحو: نموذجٌ ديناميكي لا بدّ أن يزداد صلابة وارتقاء مع مرور الزمان، وأن يوفّر إمكانات كبرى للنساء كي يتمكنّ من التأثير في مختلف الساحات التي تُشرّع أمام الثورة الإسلاميّة.