مفهوم الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

(دورة التعرّف على المنظومة الفكرية لسماحة الإمام الخامنئي)

الدرس ( 1): مكانة الثورة الإسلامية في منظومة الإمام الخامنئي الفكرية

الأستاذ: سماحة السيد كميل باقر

 

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّی الله علی سیّدنا محمد وعلی آله الطیّبین الطاهرین.

الإخوة والأخوات، السلام علیكم ورحمة الله.

یسرّني ویشرّفني أن أكون بخدمتكم في سلسلة حلقات ضمن دورة التعرّف علی المنظومة الفكریّة لساحة الإمام الخامنئي (دام ظلّه )لنتحدّث حول مفهوم الثورة الإسلامیة في فكر الإمام الخامنئي.

بدایة أرید أن أشیر إلی أهمیّة هذا المحور في الدورة، لأنّ عنوان «الثورة الإسلامیة » في فكر الإمام الخامنئي عنوانٌ عام وكلمة مفتاحیة أساسية تشتمل علی شبكة واسعة من المصطلحات والمفاهیم المهمة وكثیرة الاستعمال في خطابات ساحته، ونحن إذا أردنا أن نتعرّف علی هذه الشبكة الجامعة وهذه المنظومة الفكریّة لا بد أن نتعرّف أولاً علی ذلك العنوان العام والشامل وهو عنوان الثورة الإسلامیة.

مثلاً عندما ندرس مفهوم «سیادة الشعب الدینية » فإننا في الحقیقة نتحدّث عن نظریة الثورة الإسلامیة في السیاسة، أو عندما نناقش مفهوم «الاقتصاد المقاوم » فإننا في الواقع نحكي حول نظریة الثورة الإسلامیة في الاقتصاد، أو عندما نتحدّث عن «الحضارة الإسلامیة الحدیثة » فإننا في الحقیقة نتحدث عن مرحلة من مراحل الثورة الإسلامیة، أو عندما نبحث عن مفاهیم «الحریة » و «الاستقلال » و «العدالة » و «التقدّم » و «الحیاة الطیبة » في خطابات الإمام الخامنئي نلاحظ أنّ كلّ هذه المفاهیم مرتبطة في فكره بمفهوم الثورة الإسلامیة ونجد أنهّا تمثلّ أهداف الثورة أو قیمها، أو مثلاً عندما یطرح ساحة القائد مسألة «جهاد التبیین » فهو یقصد تبیین حقائق الثورة الإسلامیة ومعارفها للجمهور في وجه محاولات الأعداء لقلب الحقائق وتضلیل الناس.

 

وهذا الأمر لا يبقى في مستوى الطرح النظري والفكري فحسب، وإنما نجد أنّ تصرّفات ساحته وسلوكه العملي أیضاً مرتبط بهذا المفهوم الأساسي، أي مفهوم الثورة الإسلامیة.

وبتعبیر آخر، عندما یقوم ساحة الإمام الخامنئي بعمل مع نّ أو یتخّذ موقفاً معیّناً أو یأخذ قراراً أو یلتقي بمجموعات وشرائح مختلفة، یقوم بكلّ هذه الأعمال من منطلق الثورة الإسلامیة. كمثال بسیط ولكن ملفت جداً، أشیر إلی جملة من خطاب ساحته بعد غرس شجرة بمناسبة الیوم الوطني للتشجیر قبل بضعة أشهر. تعرفون أنّ ساحته یقوم بغرس شجرة كل سنة في هذا الیوم. ربّا البعض لیس عنده تصوّر دقیق عن مدی أهمیة هذا العمل لدی ساحته، لكن بناءً علی فهم الإمام الخامنئي الدقیق لمفهوم الثورة الإسلامیة هذا العمل البسیط في ظاهره، في الحقیقة مرتبط بالثورة وبالإسلام! ی رّح ساحته: «إنّ زراعة الأشجار حركة دينية وثورية بامتیاز ». وهنا یجب أن نسأل أنفسنا إلی أيّ درجة یتطابق فهمنا للثورة مع فهم القائد؟! هذا من جهة، أما من جهة أخری، نحن نعتقد أن ساحة الإمام الخامنئي هو قائد الثورة الإسلامیة، وهذه الصفة یعني صفة «قیادة الثورة الإسلامیة » هي أهم مسؤولية یتحمّلها ساحة الإمام الخامنئي. وأصلاً عندما نعرّ عن ساحته بكلمة «القائد » فإننا نقصد بأنّه قائدٌ للثورة الإسلامية. فلذلك من الضروري والمهم جداً أن نعرف كیف ینظر ساحته إلی مفهوم الثورة الإسلامیة، وكیف یعرّف هذا القائد هذه الثورة التي یقودها هو. وإلا سنقع في كثیر من الأخطاء والإشكالات في تحلیلنا للثورة وأبعادها وأهدافها وإنجازاتها أو إخفاقاتها وآفاقها ومستقبلها.

هنا لا بأس أن أقرأ لكم مقاطع من خطاب الإمام الخامنئي حول هذا الموضوع حتى تعرفوا كیف ینظر ساحته إلی مسؤولية قیادة الثورة الإسلامیة، ورغم أنّه لیس لدیه أيُّ تعلّق دنیوي ومادي بهذا المنصب، لكن كیف یری نفسه مسؤولاً عن أداء هذا الدور القيادي.

 

یقول ساحة القائد: «مسؤوليّة إدارة الثّورة تختلف عن الإدارة التنفيذيّة للبلاد. القائد لا يتحمّل مسؤوليّة تنفيذيّة، لكنّه يتحمّل مسؤولية إدارة الثّورة - التي هي نفسها القيادة - ومسؤوليّة الحفاظ على اتّجاه الثّورة الإسلاميّة والنّظام، ولا بدّ أن يكون مهتماًّ بأن لا تنحرف الثّورة عن الأهداف ولا تتخلىّ عنها، وأن لا تُخدع بحِيَل العدوّ ولا تسلك المسار الخاطئ. هذه هي مسؤوليّات القيادة. »

وفي خطاب آخر یقول: «الهدف والهويّة والمسؤوليّة الأساسيّة للقيادة، هي الدّفاع عن النّظام ككلّ وصونه. وأنا -العبد- لا أملك شيئاً أيضاً، فالرّوح وماء الوجه متاعٌ قليل ليُبذلا في هذا المسار، وأنا لديّ الجهوزيّة التامّة لأن أبذُل هذين العنصرين اللذين أملكها. أنا لستُ متعلّقاً أيضاً بهذه المسؤوليّة الحاليّة على الإطلاق، إلا تحت عنوان أداء التكليف. والآن حيث أنّني منشغلٌ بها، فذلك حصراً من أجل أداء التّكليف، وهذا ما كان عليه الحال منذ اليوم الأوّل. منذ ذلك اليوم حين صوّت السادة في مجلس خبراء القيادة، واجهوا اعتراضي وامتناعي ومعارضتي الجديّة والمتواصلة، لكن حين أُلقيت المسؤوليّة على عاتقي، قلت: «خُذها بقوّة .»

طبعاً هناك موضوع مهم آخر، وهو كیفیة قیادة ساحته للثورة الإسلامیة والأسالیب والآليات التي يعتمدها في القيادة. لكن هذا الموضوع سیكون عنوان المحور الخامس في الدورة. ولذلك نحن في هذا المحور وفي هذه الجلسات سنركز فقط علی مفهوم الثورة الإسلامیة من منظار قائد الثورة الإسلامیة، وسنترك عنوان «البعد القیادي » لدى ساحة الإمام الخامنئي إلی المحور الخامس والأخیر من هذه الدورة إن شاء الله.

النقطة الثانیة في هذه الجلسة هي إشارة سریعة إلی علاقة مبحث الثورة الإسلامیة بالمباحث الأخرى التي تمّ طرحها سابقاً في هذه الدورة. في الحقیقة، یأتي هذا المحور من الدورة كامتداد للمحاور السابقة، لأنّ الثورة الإسلامیة مبنیّة تماماً علی نفس الأسس الفكرية والعقائدية والقرآنیة التي تعرّفنا علیها في كتاب «م روع الفكر الإسلامي في القرآن » ضمن

 

المحور الأول من الدورة، وكما أشار ساحة القائد، تلك المحاضرات التي ألقاها ساحته في مسجد الإمام الحسن علیه السلام في مدینة مشهد المقدسة قبل حوالي ۵ سنوات من انتصار الثورة الإسلامیة، كانت في الحقیقة تهدف إلی تبیین وتوضیح المبادئ الفكریة والعقائدية للثورة.

 

وكذلك جاءت هذه الثورة كاستكمال لحركة أهل البیت علیهم السلام ونصرةً لمشروعهم الإلهي الذي تعرّفنا عليه أكر في كتاب «الحسین مسیرة متواصلة » ضمن المحور الثاني في الدورة، وكما نعرف، هذه الثورة ترید أن تمهّد لظهور الإمام الحجّة أرواحنا فداه من خلال بناء حضارة إسلامیة حدیثة. إذاً من الأفضل قبل البدء بمتابعة هذه الحلقات التي سوف نتحدّث فیها عن الثورة الإسلامیة في فكر الإمام الخامنئي، أن تراجعوا تلك الأبحاث وأن تستحضروا في ذهنكم ما تعلّمناه هناك، لأنّها مرتبطة تماماً بمباحثنا هذه، بل هي مقدّمة ضروریة لمعرفة مفهوم الثورة الإسلامیة لدی ساحة القائد.

 

النقطة الثالثة هي تأكید الإمام الخامنئي علی ضرورة إلقاء نظرة شاملة واستيعابية لفهم الثورة وتحلیل الثورة. الرؤية الضیّقة والنظرة المستغرقة في الأحداث الصغیرة والمنعطفات المقطعیة لیست معرِّة ودقیقة جدّاً. فائدة النظرة الشاملة والاستيعابية هي أنها تساعدنا علی فهم الأمور بطریقة اسراتیجیة، وتُجَنّبُنا الوقوع في الأخطاء. لأنّ النظرة الجزئية وعدم رؤیة المسار العام من بدایته لنهایته تؤدّي أحیاناً إلی تضلیل الإنسان.

نقصد هنا من هذه النظرة الشاملة والاستيعابية: أوّلا،ً النظر إلی جمیع العناصر والعوامل المتصلة بمفهوم الثورة والمؤثرة فيه من المحفّزات والأرضیات والأهداف والقیم والمراحل والخطوات وأصحاب الدور فیها وأنواع العداء تجاهها والمشاكل التي تعترضها وسرّ انتصاراتها وكلّ شيء آخر من هذا القبیل وفي هذا السیاق، ونحن إن شاء الله سنحاول أن نتطرّق إلی كل هذه العناوین العامة في بحثنا حول الثورة.

4

ثانیاً، نقصد في النظرة الشاملة ملاحظة العوامل المعنویة إلی جانب العوامل المادية في تحلیل الثورة. لأنّه من الأخطاء الرائجة في التحلیل أن یبقی الإنسان محبوساً فی إطار العوامل المادیة والأسباب المحسوسة فقط، بمعنی أن یتجاهل العوامل المعنویة والسنن الإلهیة والأمور التي قد لا تُری بالأعین.

ولذلك نری أنّ أعداء الثورة كثیراً ما یقعون في الخطأ في تحلیلاتهم وتوقّعاتهم حول الثورة. لكن في المقابل، نجد أنّ ساحة الإمام الخامنئي یتمتّع بهذه النظرة الشاملة وبهذه الرؤیة الاسراتیجیة الدقیقة، ولدیه هذا الإیمان العمیق بالعوامل المعنویة والسنن الإلهیة في تحلیله للثورة ولأحداث العالم.

النقطة الرابعة في هذه الجلسة هي أنّه لا بدّ من الأعراف بأنّه ومع انتصار الثورة الإسلامیة في إیران قد بدأ عهدٌ عالميٌ جدید، شاء العالم المادي أم أبی، وشاءت أمریكا أم أبت. یقول الإمام الخامنئي: «یومَ كان العالم مُقسَّاً بین المعسكر الشّرقي والمعسكر الغربي المادیّین، ولم یكن أحد یتصوّر وقوع نهضة دینیّة كری، نزلت الثورة الإسلامیة إلی الساحة باقتدار وعظمة، وحطّمت الأطر التقلیدیة وأثبتت للعالم اهتراء الطروحات والصيغ الفكريّة النمطيّة؛ وطرحت الدین والدّنیا إلی جانب بعضِها البعض، وأعلنت عن بدایة عصر جدید. »

حسناً، هذه الظاهرة الجدیدة استطاعت أن تستقطب قلوب الشعوب المستضعفة في العالم، وأصبح المفكرون والباحثون یكتبون عنها ویتحدّثون حول تأثیراتها علی الخارطة السیاسیة في العالم. لكن في المقابل شاهدنا ردود أفعال مختلفة صدرت عن القوی المستكبرة وأصحاب القرار في نظام الهیمنة، من إنكار هذا العهد العالمی الجدید إلی بذل الجهود لمنع توسّع هذه الظاهرة العالمیة. یقول الإمام الخامنئي: «كان من الطبیعي أن یُبدي زعماء الضّلال والجور ردّات فعل، غیر أنّ ردّات الفعل هذه كتب لها الإخفاق. وعلى الرغم من كلّ ما قام

 

به الیسار والیمین الحداثويّان من التظاهر بعدم ساع هذا الصوت الجدید والمختلف، إلی السعي الواسع والمتنوّع لإخماده، إ لّ أنّها اقتربا من أجلها المحتوم. والآن زال أحد قطبي العداء المذكورین، وراح الآخر یتخبّط في مشاكل تنمّ عن قرب احتضاره! أما الثّورة الإسلامیّة فلا تزال تواصل تقدّمها إلی الأمام محافِظةً علی شعاراتها والالتزام بها. »

النقطة الخامسة والأخیرة في هذه الحلقة هي تحديد المصادر الأساسیة التي سنستند إليها في هذه السلسلة من الدروس. في الحقیقة، أنا العبد استفدت في إعداد هذه الدروس من مجموعة متنوعة من خطابات ومحاضرات ساحة الإمام الخامنئي حول مفهوم الثورة الإسلامیة خلال السنوات الماضیة، وفي كثیر من الأحیان سأقرأ لكم نصّ هذه المقاطع والخطابات بعیداً عن قرائتي الشخصیّة. لكن بشكل أساسي ومبدئي، سنستفید في هذه الجلسات من بیانین مفصّلین ومهمّین جداً كتبها ساحة الإمام الخامنئي حول الثورة الإسلامیة وقدّم فیها رؤیته الاسراتیجیة حول الثورة.

البیان الأوّل هو رسالة كتبها ساحة القائد بمناسبة الذكری السنویة الأولی لرحیل الإمام الخمیني رضوان الله تعالی علیه، والتي أصبحت معروفة باسم «بیان العهد المشرك ». یعني بعد سنة من استلام القائد قیادة الثورة جاء وشرح لنا كیف یقرأ الثورة، وقال لنا ما هي هذه الثورة ومن أین بدأت وكیف نشأت وكیف انتصرت وما هي أهدافها وقیمها وآفّاتها وآفاقها ومستقبلها.

أمّا البیان الثاني هو رسالة أخری كتبها ساحة الإمام الخامنئي بعد ثلاثین سنة من الرسالة الأولی بمناسبة الذكری الأربعین لانتصار الثورة الإسلامیة، والتي أصبحت معروفة باسم «بیان الخطوة الثانیة للثورة الإسلامیة ». في هذا البیان المهم والاسراتیجي أوّلاً یقدّم لنا ساحة القائد قرائته الواقعیة والدقیقة عن أربعین سنة مضت علی الثورة كالخطوة الأولی للثورة، ثمّ یشرح لنا الخطوة الثانیة التي ینبغي أن نخطوها في هذا الطریق خلال السنوات الأربعين القادمة لكي نصل إلی أهداف الثورة ونمهّد إن شاء الله لبزوغ شمس الولي الأعظم أرواحنا فداه كما یعبّر ساحة القائد في هذا البیان. أیضاً إلی جانب هذین البیانین من المفید أن تراجعوا كتاب «العهد العالمي الجدید » من إصدارات «دار الثورة الإسلامیة » لتطّلعوا علی أفكار الإمام الخامنئي حول الثورة الإسلامیة وتأثیراتها علی الخارطة السیاسیة في العالم.

نكتفي بهذا القدر من الكلام في هذه الحلقة، ومن الحلقة القادمة سنبدأ بالحدیث حول الأبعاد المختلفة لمفهوم الثورة الإسلامیة من منظار قائد الثورة الإسلامیة ساحة آیة الله العظمی الإمام السیّد عي الخامنئي دام ظلّه. والسلام علیكم ورحمة الله وبركاته.