نهضة المقاومة وأفول المحتلّين

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلاميّ مقالاً يُسلّط الضوء على وضع الكيان الصهيوني في المنطقة وانحداره تدريجيّاً نحو السقوط والانهيار والدّلالات على هذا الأمر، كما يتحدّث حول حربة الصهاينة ضد المراسلين والصحفيّين المتمثّلة بالقتل والاغتيال الذي طال مؤخّراً المراسلة «شيرين أبوعاقلة»، ثمّ يتطرّق للحديث عن بروز الضّلع الشرقي للمقاومة في فلسطين المحتلّة، وتحديداً في الأراضي المحتلّة والضفّة الغربيّة، ويختم بتحليل مكانة المقاومة في المنطقة اليوم التي باتت تملك اليد العليا فيها.

 

جنين، شماليّ الضفّة المحتلة. وتيرة الصّراع بين الكيان الصّهيوني والمناضلين الفلسطينيّين قد تصاعدت. ارتدتِ المراسلة الفلسطينيّة التي لها من العمر 51 عاماً سترة الصحافة الزرقاء وانطلقت نحو منطقة المواجهات لكي تقدّم – كما جرت عادتها خلال العقدين الماضيين – شرحاً كاملاً حول أحداث الصّراع. لكنّ الزّمان قدّر أمراً آخر. فقد أقدم الجنود الصهاينة الغاضبون منذ أسابيع من الغضب الفلسطينيّ المتجدّد على خطوة أخرى. امتدّت خلايا المقاومة خلال الأشهر الأخيرة إلى قلب الأراضي المحتلّة والضفّة، الأمر الذي لم يكن يخطر حتّى على بال الصّهاينة. وسط هذا النّزاع، تُجنّ آلة الحرب الصهيونيّة وتستهدف المراسلة الفلسطينيّة المسيحيّة شيرين أبو عاقلة، وهي مرتدية سترة الصّحافة الخاصّة بها.

 

الكيان الصّهيوني على منحدر السّقوط

 

الكيان الذي كان في يوم من الأيام ينسج أحلام الحكم وأوهام السيطرة على الحزام الذهبي لمنطقة غربي آسيا (من النّيل إلى الفرات)، أُجبر منذ عقدين حتّى اليوم على بناء المزيد من الجدران وإحاطة نفسه بها حتّى يوفّر الأمن لآليّاته العسكريّة وأبنيته على الحدود وداخل الأراضي المحتلّة. أولئك الذين يدّعون [قدرة السيطرة] على النيل إلى الفرات جعلوا أنفسهم اليوم مُحاصرين من مصر والأردن وغزّة والضفّة والحدود اللبنانيّة، وإلى جانب هذه الجدران وهذا الحصار، يتمادون ويندفعون في ممارساتهم العسكريّة. إنّ مقارنة الأوضاع اليوم مع ما كانت عليه قبل بضعة عقود، حين كان جيش الكيان الصهيوني يحارب وحده جيوش دول عربيّة عدّة ويخرج منتصراً، تُثبت كم أنّ المعادلات السياسيّة والدوليّة تبدّلت لمصلحة المقاومة، وتقدّم إلى المحلّلين دلالات على تفسيرات جديدة لأوضاع مستقبل هذا الكيان، دلالاتٍ لم تبقَ محصورةً طبعاً في اغتيال مراسلة، بل تكرّرت على الهامش، وعقب خروج جثمان المراسلة الفلسطينيّة المسيحيّة من المستشفى ونقله من أجل أداء المراسم الدينيّة الخاصّة بالمسيحيّين.

 

أظهر هجوم قوى الأمن المسلّحين الصهاينة على المشيّعين لجثمان أبو عاقلة أنّ تيّار المقاومة كشف خلال العقدين الأخيرين للجميع ما لم تقدر على فعله جيوش الدّول العربيّة كلّها. لقد كشف ذلك ما صرّح به منذ سنوات الأمين العام لحزب الله في لبنان، حينما وصف سماحته إسرائيل بأنّها «أوهن من بيت العنكبوت». واتّضحت دلالات زوال الكيان الصّهيوني لدرجة أنّه بعيداً عن الأسس الإسلاميّة والقيم الاجتماعيّة للعالم العربيّ إزاء دعم فلسطين – طبعاً تُشير بعض سلوكات الدول العربيّة إلى قلة وفائهم لها – فإنّ الواقع والوضع الخارجيّ للكيان الصهيوني لم يعودا يشجّعان حتّى الحكّام المقامرين لهذه البلدان. هذا التّحليل كان ملموساً إلى حدّ كبير في كلام الإمام الخامنئي خلال لقاء مع أمير قطر، عندما أدان سماحته تطبيع بعض الدول العربيّة العلاقات مع الكيان الصّهيوني بقوله: «إذا كان نهج الدول العربية تجاه الكيان الصهيوني نابعاً من الخوف منه أو بسبب الطمع فيه، فعليهم أن يعلموا أن كيان الاحتلال اليوم ليس في وضع يمكن أن يُطمع فيه أو يُخشى منه». 12/5/2022

 

 القتل والاغتيال حِربةُ الصّهاينة ضدّ المراسلين والصحافيّين

 

للكيان الصّهيوني باعٌ طويل في اغتيال غير العسكريّين والعاملين في مجال الإعلام وإنهاء وجودهم، وهناك فهرسٌ طويل يضمّ أسماء هؤلاء الأشخاص، بدءاً من عصام مثقال حمزة التلاوي، مروراً بعماد صبحي أبو زهرة، وأمجد بهجت العلامي، وجميل عبد الله نواورة، وأحمد نعمان ورفائيلي تشربيلو، وصولاً إلى محمّد الدرّة وراشيل آلين كوري. مع ذلك، إنّ قضيّة أبو عاقلة والأجواء التي أحاطت بقضيّتها من نقل للجثمان إلى جانب بعض القرائن والأحداث الأخرى خلال هذه الأعوام تقدّم تحليلاً وتفسيراً من نوعٍ آخر إلى شعوب العالم. العدوّ الصهيوني يواجه خلال الأعوام الأخيرة، خاصّة بعد عرض حلف المقاومة قدراته في غربي آسيا، تحدّيات ومعضلات جديدة. فإذا كانت المعضلة الأمنيّة الرئيسيّة للعدوّ الصهيوني إلى ما قبل ثلاثة عقود هي مواجهة حركة مقاومة في شمال الأراضي المحتلّة، فقد أضيفت بعد عقد من الزّمن حركة مقاومة أخرى في غزّة، لكي تزداد أعمدة المقاومة في شمالي الأراضي المحتلّة وجنوبيها ثباتاً ورسوخاً يوماً بعد يوم. والمواجهات الأخيرة للمقاومة مع العدوّ الصهيونيّ قلّصت قدرة تحمّل جيش الكيان الصّهيوني من 33 يوماً عند الاعتداء على لبنان إلى ثمانية ثمّ أحد عشر يوماً في غزّة.

 

بروز الضّلع الشرقي للمقاومة في فلسطين المحتلّة

 

إنّ سير الأحداث خلال الأشهر الأخيرة في الأراضي المحتلّة والضفّة يُبشّر ببروز ضلع شرقيّ للمقاومة في فلسطين المحتلّة، ويعرض نهضة الشّباب الفلسطينيّين الغيورين وتكوّن الخلايا الجديدة للمقاومة ضدّ الكيان الصهيوني العنصريّ. النقطة المهمّة في هذه القضيّة هي أنّ الضلع الشّرقي للمقاومة في شرقي فلسطين المحتلّة في طور الوقوف على قدميه، فيما كان يُخيّل إلى الكيان الصهيونيّ أنّ تلك الفئة من الفلسطينيّين الذين يقطنون الأراضي المحتلّة ويخضعون لإدارة الصهاينة وتربيتهم، أو سكّان الضفّة الذين كانوا يُحتسبون بعد اتفاقيّة أوسلو الخاصرةَ الرّخوة للتيّارات الفلسطينيّة المُسالِمة، لم يعد لديهم أيّ تعلّق بعد سبعين سنة من احتلال فلسطين بالمقاومة. لكنّ مسار الأحداث خلال الأشهر الأخيرة قلب كلّ هذه الحسابات رأساً على عقب.

 

المقاومة في فلسطين باتت اليوم تراقب تفجّر التيّارات من قلب الشعب الفلسطينيّ في الأراضي المحتلّة، بعدما أمضت مرحلة نُضجها ونموّها إلى جانب سكّان الضفّة، إذ صادرت التيارات الفلسطينيّة المُسالمة قرارَها لمصلحة تيّارها السياسي، ووصلت إلى النقطة التي وصل إليها أهالي مدينة غزّة قبل عقد ونصف، النقطة التي نجمت عنها ولادة المقاومة وقيامها في قطاع غزّة، لتسبّب خلال العقد الأخير على الأقلّ معضلات حقيقيّة للعدوّ الصّهيونيّ. ومعركة «سيف القدس» خلال الأشهر الأخيرة، ومعها ظهور المعضلات الأمنيّة في قلب الأراضي المحتلّة، دقّت ناقوس الخطر لمسؤولي الكيان. هذا الموضوع إلى جانب التبدّل الملحوظ لدى أفكار الرأي العام في الضفّة وترحيب النّاس بالمقاومة أدخلا قضيّة فلسطين ومكافحة العدوّ المحتلّ مرّة أخرى إلى مرحلة جديدة من تاريخ المقاومة.

 

اليد العُليا للمقاومة في المنطقة

 

هذا الحدث المبارك يقع في فلسطين المحتلّة في وقت يزيد مسار الأحداث في غربي آسيا وتعاظم قوّة محور المقاومة في اليمن والعراق وسوريا المآزقَ الإستراتيجيّة لقادة الكيان الصهيونيّ، وهي المآزق التي أدّت بجانب انسحاب القوّات الأمريكيّة من أفغانستان والعراق إلى انقلاب الأمور وجعلها في غير مصلحة الصهاينة. فراغ القوّة في المنطقة بات يملؤه تيّار المقاومة، وهذا لا ينسجم إطلاقاً مع رغبات الكيان الصّهيوني.

 

في مثل هذه الأوضاع، بات اغتيال مراسلة مسيحيّة لها من العمر 51 عاماً في شمالي الضفّة وممارسات قوى الأمن التابعة للكيان الصهيوني أثناء مراسم نقل جثمانها وجرح العشرات في هذه المراسم يحمل الكثير من المعاني، ويكشف عن العنف الذي يعرض اضطراب الصهاينة وغضبهم، وهو يشير إلى زوال ركائز القوّة وتزعزعها، وهشاشة هذا الكيان يوماً بعد يوم. في الختام، نذكر تعبير قائد الثورة الإسلاميّة: «الإرادة التي لا تنكسر» في الساحةِ الفلسطينية وجميعِ منطقةِ غربي آسيا تحلُّ محلَّ ما سُمّيَ «الجيشَ الذي لا يُقهَر» للصهاينة، كما أن «الشعبُ الفلسطيني الآن قد توحّدت كلمتُهُ بشأن مواصلةِ الجهاد» (29/4/2022).