ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً يستعرض تاريخ الجمهورية الإسلاميّة في نصرة المستضعفين والأسس الفكرية والعقائدية التي ترتكز عليها في هذا المجال، والتي جعلت هذه النقطة من مبادئ سياستها الخارجيّة. كما يتطرّق إلى نماذج حيّة لنصرة إيران المستضعفين في أرجاء العالم بعيداً عن مصالحها. 

إن فكر الثورة الإسلامية في إيران يقوم على الاستقلال والعدالة، وقد أدانت منذ البداية وجود الظلم على الساحة الدولية باعتباره أهم سمة للنظام الدولي الحالي. أدت الهيمنة والسعي إلى السلطة والهيمنة (كمؤسس للظلم في النظام الدولي) إلى الغزو والاستغلال المنهجي للدول والشعوب المستضعفة، فوجود مثل هذا الظلم المنظّم يؤدي إلى حلقة من العنف والإرهاب، انتهاك حقوق الإنسان، وفي نهاية المطاف تهديد السلم والأمن الدوليين. وعليه، فإن الجمهورية الإسلاميّة في إيران، كنظام ذو ماهيّة إسلامية، وضعت بشكل دائم مبدأ مواجهة الظلم ودعم المستضعفين على جدول الأعمال في سياستها الخارجية. نسعى في هذا المقال لمناقشة الأسس الفكرية وبعض الأمثلة على مبدأ دعم المستضعفين ومكافحة الظلم في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

 

•    المبادئ الدينية لنصرة المُستضعفين في الثورة الإسلامية

لفهم وتحليل السياسة الخارجية للبلدان، وإضافةً إلى الهياكل السياسية والاجتماعية، من الضروري أيضاً الالتفات إلى المعتقدات والمعايير والنظم المعرفية والأفكار. بناءً على ذلك، فإن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية مستوحاة أيضاً من تعاليم الدين الإسلامي، ومن أجل تحليلها بدقة، يجب الالتفات والتنبّه إلى تعاليم ومبادئ الدين الإسلامي فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية للدولة الإسلاميّة.

بادئ ذي بدء، يجب القول إن فلسفة الحكومة والسلطة في الإسلام هي من أجل نشر وتعزيز العدالة. في الواقع، من وجهة النظر الإسلامية، الحكومة ليست هدفاً بل هي وسيلة لضمان العدالة ورفض الظلم ومكافحة عدم المساواة في مختلف المجالات. يَعْتبر القرآن، بصفته الكتاب المقدس للمسلمين، أن طلب العون حقٌّ لكل مُستضعف ومظلوم، وللمضطهدين هذا الحق في طلب المساعدة. من المقابل، وأمام طلب المظلوم للعون والمساعدة، من واجب الآخرين دعمه. بالطبع، يجب أن يُقال إن الدعم هذا مبدأ مشترك في جميع الأديان والمذاهب. لا يعتبر في الإسلام مبدأ لا يمكن إنكاره فحسب، ولكنه أيضاً شرط لتحقيق الإيمان بالله.

وعلى هذا الأساس يجب القول إن دعم المظلومين والمستضعفين والدفاع عن الكرامة الإنسانية يعدّ من المبادئ الأساسية والدائمة للدولة الإسلامية. في الواقع، الدولة الإسلامية ليست مسؤولة فقط عن الدفاع عن الشعب الواقع تحت نطاق حكمها، ولكن أيضاً الدفاع عن المجتمعات الإسلامية الأخرى وجميع الشعوب المستضعفة في العالم. وبحسب نبي الإسلام (ص) أنّه إذا لم يستجب المسلم لنصرة المظلوم فليس مسلماً. كما يجب على الدولة الإسلامية أن تتصرف في علاقاتها الخارجية بطريقة تحافظ فيها على كرامة المسلمين واستقلالهم وتمنع هيمنة أو تأثير الدول الأجنبية في المجتمعات الإسلامية (في المجالات والمستويات المختلفة). يمكن تعريف هذا على المستوى الفردي، وكذلك على المستويين الاجتماعي والدولي.

بحسب خطاب الثورة الإسلامية، أينما حضر الإسلام، هناك رفض لأركان نظام الهيمنة على العالم، وحيثما يتشكل نظام إسلامي، فإن معارضة الظلم والعدوان والاستعمار والاستغلال وإذلال للشعب، ومعارضة مظاهر الهيمنة أيضاً، تصبح ذات معنى وموضوعية. وعلى العكس من دعاية شبكات الإعلام التابعة لنظام الهیمنة في تسليط الضوء على الجماعات المتطرفة مثل داعش كرمز للإسلام (حسب تعبير بعض المسؤولين الأمريكيين، فقد كان لهم دوراً في ظهور هذه الجماعة)، فإن الإرهاب هو نتاج مباشر للعدوان والهيمنة، في حين أنّ الإسلام دين السلام والتعايش السلمي. خطاب الثورة الإسلامية يؤكد أيضاً على السلام في العلاقات الدولية، ولكن مع هذا الاختلاف أن السلام ممكنٌ فقط في ظل العدالة، ومواجهة الظلم ونفي عدم المساواة. وعليه، فإنه ينتقد القمع وعدم المساواة باعتبارهما أهم تهديد للسلم الدولي.

يجب القول إن مثل هذا الخطاب، لطالما كان جديداً وجذاباً للرأي العام العالمي على مدى العقود القليلة الماضية. وقد أوضح «محجوب الزويري»، الخبير في معهد «بروكينغز» الأمر على هذا النحو: «ينبغي الإشادة بإيران، فعلى الرغم من كافة الأعمال العدائية من قبل أعداء إيران فقد واصلت خطاب الدفاع عن المظلومين وتمكنت من الوقوف على قدميها» .

 

•    نصرة المستضعين، في دستور الجمهورية الإسلاميّة في إيران وآراء قادة الثورة الإسلامية

ولّد انتصار الثورة الإسلامية في إيران أملاً جديداً بين المسلمين والمستضعفين والحركات الإسلامية وحركات التحرير. وبالطبع على مدى العقود الأربعة الماضية، نفّذت القوى المهيمنة التي رأت هذه الثورة وخطابها يتعارض مع مصالحها الخاصة برامج وتدابير مكثفة للقضاء عليها. مما لا شك فيه أن التزام الجمهورية الإسلاميّة في إيران وتمسكها بمبدأ مواجهة الاستبداد ودعم المستضعفين كان له آثاراً مهمة على النظام الدولي وعلاقات الشعوب. كما ذكرنا فإن الدفاع عن المستضعفين والمظلومين هو أحد المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية، وهو مذكور ومحدد في دستور الجمهورية الإسلاميّة في إيران.

وفقاً المادة الثالثة من الدستور، يجب على حكومة الجمهورية الإسلاميّة في إيران أن تُنظم سياستها الخارجية على أساس المعايير الإسلامية، والالتزام الأخوي تجاه جميع المسلمين، ودعم المستضعفين في العالم دون تردد. ووفقاً للمادة 152 من الدستور، تقوم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية على رفض أي هيمنة، والدفاع عن حقوق جميع المسلمين وعدم الانحياز للقوى الهيمنة، وبناء العلاقات السلمية مع الدول غير المعادية. ووفقاً للمادة 154 من الدستور أيضاً، تَعْتبر الجمهورية الإسلاميّة في إيران أن سعادة الإنسان هي الهدف الأعلى للمجتمع البشري ككل، وبينما تمتنع تماماً عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فإنّها تدعم النضال المُطالب بحقوق المظلومين ضد المستكبرين في كل مكان من العالم. لذلك، في دستور الجمهورية الإسلاميّة في إيران، لا يؤخذ في الاعتبار مصير المسلمين وعزّتهم فحسب، بل يؤخذ أيضاً بعزّة البشرية جمعاء، ولاسيّما المظلوم منها، والتي تعدّ أحد الأهداف العليا للجمهورية الإسلامية الإيرانية في علاقاتها الخارجية.

اعتبر الإمام الخميني (قده)، مؤسس الجمهورية الإسلاميّة في إيران، الدفاع عن المظلومين ضد المستعمرين واجباً عامّاً وقال: «واجبٌ علينا إنقاذ المظلومين والمحرومين. من واجبنا دعم المظلوم وأن نكون أعداء الظالمين». (الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية: 37).

ويقول الإمام الخامنئي، قائد الثورة الإسلامية في إيران، في قضية نصرة المستضعفين: «هذه الثورة، لأنها تؤمن بنصرة المستضعفين والمظلومين، فإنّها تشتبك دائماً مع الظالمين والمستكبرين» (27/6/1990). ويقول سماحته أيضاً: «إن دعم المحرومين أحد المبادئ والقيم الرئيسيّة للنظام الإسلامي. ودعم المحرومين في كل مكان في العالم أيضاً» (3/6/2016). و«تقع علينا واجبات ومسؤوليات كثيرة علينا القيام بها تجاه هذا الوطن وهذه المنطقة وكل الشعوب المستضعفة لمواجهة مؤامرات المستكبرين» (9/1/1991).

 

•    نصرة الجمهورية الإسلاميّة في إيران للمستضعفين عملياً

نرى من خلال مراجعة أداء السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في فترات مختلفة أنها أظهرت منذ بداية تأسيسها التزامها العملي بمبدأ نصرة الشعوب والمجتمعات المستضعفة بشكل واضح وبارز، وبالطبع، فهي لا تزال بعد أكثر من 4 عقود، تأخذ هذا المبدأ بعين الاعتبار في سياستها الخارجية. 

كان الدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم على جدول الأعمال منذ الأيام الأولى لتأسيس الجمهورية الإسلاميّة في إيران، وتم تغيير سفارة نظام الفصل العنصري الصهيوني إلى سفارة فلسطينية. إن الدعم الواسع، السياسي والعسكري... من جانب الجمهورية الإسلامية لنضالات التحرير والاستقلال للشعب الفلسطيني ضد احتلال الكيان الصهيوني كان واضحاً وملموساً للرأي العام العالمي، وعلى الرغم من أن هذا له تكاليف سياسية واقتصادية باهظة على الجمهورية الإسلاميّة في إيران، لكن هذا الدعم سيستمر في المستقبل. يستند الحل المقترح من الجمهورية الإسلاميّة في إيران لحل النزاع المذكور أعلاه إلى إجراء انتخابات حرّة وشاملة وبمشاركة جميع المواطنين من مختلف الأديان في الأراضي المحتلة.

مثال آخر على نصرة الجمهورية الإسلاميّة في إيران للمستضعفين كان دعم شعب جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري. قبل أشهر قليلة من انتصار الثورة، أعلن الإمام الخميني أن النظام الإسلامي ليس لديه قيود في التواصل مع العالم وأنه سيفتح علاقات مع الجميع باستثناء الكيان الصهيوني ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، المفتقدين للشرعية، وحتى أنه منع بيع النفط لهم. وحدث هذا التغيير في النهج بعد الثورة الإسلامية. بينما كان يستورد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، أكثر من 90 في المائة من واردات النفط الخام من إيران ما قبل الثورة ، والنظام الملكي في ذلك الوقت يرفض مقاطعة تلك الحكومة العنصرية حتى تحت الضغط الدولي، بينما توقف تصدير النفط إلى جنوب إفريقيا فور انتصار الثورة الإسلامية .

وفي التسعينيات أيضاً، في قضية الإبادة الجماعية في البوسنة، دعمت الجمهورية الإسلاميّة في إيران بجد الشعب البوسنيّ المظلوم والمضطهد، ولعبت دوراً مهماً وفعّالاً في تحقيق السلام وإنهاء الجرائم، ولحصول الشعب البوسنيّ على الاستقلال في نهاية المطاف.

من ناحية أخرى، في قضية الغزو السوفيتي لأفغانستان، وضعت الجمهورية الإسلاميّة في إيران على الفور حماية الشعب المظلوم في هذا البلد على جدول الأعمال وشددت على ضرورة إنهاء احتلال هذا البلد. بالإضافة إلى ذلك، قامت الجمهورية الإسلاميّة في إيران على وجه الخصوص، بصفتها مضيفة لملايين المهاجرين واللاجئين الأفغان على مدى العقود القليلة الماضية، بدور فعّال في تخفيف معاناة الشعب الأفغاني.

وفي السنوات الأخيرة أيضاً، وبعد العدوان العسكري للسعودية وحلفائها على اليمن (الذي اتهمته دول كثيرة والأمم المتحدة بانتهاك حقوق الإنسان) ومواجهة الثورة الشعبية هناك، قامت الجمهورية الإسلامية بتقديم الدعم المادي والمعنوي للشعب المظلوم في اليمن. في هذا الصدد، اقترحت الجمهورية الإسلاميّة في إيران خطة سلام مؤلفة من أربع نقاط، وتعتقد أنه يجب تشكيل حوار يمني – يمني، وبأن التمتع بالديمقراطية والحرية والأمن هي من الحقوق الأساسية لذلك الشعب، ويجب دعم ذلك بجدية من كافة الدول والمؤسسات الدولية.

 

المصادر:

1- دستور الجمهورية الإسلاميّة في إيران