«دروس في الحكومة الإسلامية»؛ الدرس الحادي عشر: تتمة مستدركة للطائفة الخامسة من الأخبار (الاستدلال لولاية النبي والأئمة)

آية الله الشيخ محمد مؤمن

 

تتمة مستدركة للطائفة الخامسة من الأخبار:

قد مر عند عدّ هذه الطائفة من الأخبار روايات عشر قد دلت على ثبوت الولاية بالمعنى المطلوب المبحوث عنه لعلي أمير المؤمنين عليه السلام ونلحق بها ها هنا أحاديث أخر:

11. فمنها مرسل ابن أبي عمير ـ الذي رواه الصدوق في علل الشرائع ـ عن بعض أصحابنا أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام: ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتلهم؟ قال: الذي سبق في علم الله أن يكون، وما كان له أن يقاتلهم وليس معه إلا ثلاثة رهط من المؤمنين[1].

12. ومنها ما رواه فيه أيضاً بإسناده عن الهيثم بن عبد الله الرماني قال: سألت علي بن موسى الرضا عليه السلام فقلت له: يا بن رسول الله أخبرني عن علي بن أبي طالب لِمَ لم يجاهد أعداءه خمساً وعشرين سنة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم جاهد في أيام ولايته؟ فقال: لأنه اقتدى برسول الله صلى الله عليه وآله في تركه جهاد المشركين بمكة ثلاثة عشرة سنة بعد النبوة، وبالمدينة تسعة عشر شهراً، وذلك لقلة أعوانه عليهم وكذلك علي عليه السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلة أعوانه عليهم، فلما لم تبطل نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله مع تركه الجهاد ثلاثة عشر سنة وتسعة عشر شهراً كذلك لم تبطل إمامة علي عليه السلام مع تركه الجهاد خمساً وعشرين سنة، إذ كانت العلة المانعة لهما من الجهاد واحدة[2].

ومرسل ابن أبي عمير معتبر السند إلا أن الهيثم لم يوثق كما أن الحسن بن علي العدوي الذي روى عن الهيثم لم يُذكر.

ومنها ما رواه فيه أيضاً بإسناده عن ابن مسعود قال: احتجوا في مسجد الكوفة فقالوا: ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم ينازع الثلاثة كما نازع طلحة والزبير وعائشة ومعاوية؟ فبلغ ذلك علياً عليه السلام فأمر إنه ينادي بالصلاة جامعة، فلما اجتمعوا صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: معاشر الناس إن بلغني عنكم كذا وكذا، قالوا: صدق أمير المؤمنين عليه السلام قد قلنا ذلك، قال: فإن لي بسنّة الأنبياء أسوة فيما فعلت، قال الله عز وجل في كتابه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾. قالوا: ومن هم يا أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ قال: أوّلهم إبراهيم (على نبينا وآله وعليه السلام)، إذ قال لقومه: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ فإن قلتم: إن إبراهيم اعتزل قومه لغير مكروه أصابه منهم فقد كفرتم، وإن قلتم: اعتزلهم لمكروه أصابه منهم فالوصي أعذر.

ولي بابن خالته لوط أسوة: إذ قال لقومه: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ فإن قلتم: إن لوطاً كانت له بهم قوة فقد كفرتم، وإن قلتم: لم يكن له قوة فالوصي أعذر.

ولي بيوسف (على نبينا وآله وعليه السلام) أسوة إذ قال: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ فإن قلتم: إن يوسف دعا ربه وسأله السجن لسخط ربه فقد كفرتم، وإن قلتم: إنه أراد بذلك لئلا يسخط ربه عليه فاختار السجن فالوصي أعذر.

ولي بموسى (على نبينا وآله وعليه السلام) أسوة، إذ قال: (ففررت منكم لما خفتكم) فإن قلتم: إن موسى فر من قومه بلا خوف كان له منهم فقد كفرتم، وإن قلتم: إن موسى خاف منهم فالوصي أعذر.

ولي بأخي هارون (على نبينا وآله وعليه السلام) أسوة: إذ قال لأخيه: ﴿ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي﴾ فإن قلتم: لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم، وإن قلتم: استضعفوه وأشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم فالوصي أعذر.

ولي بمحمد (صلى الله عليه وآله) أسوة، حين فر من قومه ولحق بالغار من خوفهم وأنامني على فراشه، فإن قلتم: فرّ من قومه لغير خوف منهم فقد كفرتم، وإن قلتم: خافهم وأنامني على فراشه ولحق هو بالغار من خوفهم فالوصي أعذر[3].

وهذا الحديث أيضاً ليس بمعتبر السند.

فهذه الأحاديث الثلاثة تدل بوضوح على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقاتل الطواغيت الثلاثة الأول لعدم عدة لازمة له ولقلة أعوانه عليهم ولكونه عليه السلام على خوف وعذر في ذلك كما ذكره في عدد من الأنبياء ونبي الإسلام عليهم السلام، فقد دلت على أن الإمامة على المسلمين بمعنى ما تصدوه هؤلاء الثلاثة كانت حقاً له عليه السلام وإنما لم يقاتلهم للعذر المذكور، ومن الواضح أن ما تصدوه كانت ولاية لأمور المسلمين، فتدل الأحاديث على أن هذه الولاية كانت حقاً خاصاً له عليه السلام.

14. ومنها ما رواه فيه أيضاً بسند صحيح عن ابن أبي عمير عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتل فلاناً وفلاناً وفلاناً؟ قال: لآية في كتاب الله عز وجل: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ قال: قلت: وما يعني بتزايلهم؟ فقال: ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين، وكذلك القائم عليه السلام لن يظهر أبداً حتى تخرج ودائع الله تعالى، فإذا خرجت ظهر على مَن ظهر من أعداء الله فقتلهم[4].

15. ومنها ما رواه فيه أيضاً عن إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام، أو قال له رجل: أصلحك الله ألم يكن علي عليه السلام قوياً في دين الله عز وجل؟ قال: بلى، قال: فكيف ظهر عليه القوم وكيف لم يدفعهم وما منعه من ذلك؟ قال: آية في كتاب الله عز وجل منعته، قال: قلت: وأي آية؟ قال: قوله تعالى: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ إنه كان لله عز وجل ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن علي عليه السلام ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع، فلما خرج الودائع ظهر علي عليه السلام على من ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتى تظهر ودائع الله عز وجل، فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فقتله[5].

فهذان الحديثان قد ذكرا سراً آخر لعقوده عن قتال الطواغيت الثلاثة الأول، ويدلان أيضاً على أن الولاية على أمور المسلمين كانت حقاً له وإنما منعه القتال معهم مثل هذا السر.

16. ومنها ما رواه فيه أيضاً بسنده عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما منع أمير المؤمنين عليه السلام أن يدعو الناس إلى نفسه؟ قال: خوفاً أن يرتدوا.

قال علي بن حاتم (شيخ الصدوق في هذه الرواية): وأحسب في الحديث: ولا يشهدوا أن محمداً صلى الله عليه وآله رسول الله[6].

17. ومنها ما رواه فيه أيضاً بسند صحيح عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن علياً عليه السلام لم يمنعه من أن يدعو الناس إلى نفسه إلا أنهم أن يكونوا ضلاّلاً لا يرجعون عن الإسلام أحب إليه من أن يدعوهم فيأبوا عليه فيصيرون كفاراً كلهم[7].

18. ومنها ما رواه الكافي في كتاب الروضة بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الناس لما صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر لم يمنع أمير المؤمنين (عليه السلام) من أن يدعو إلى نفسه إلا نظراً للناس وخوفاً عليهم أن يرتدوا عن الإسلام فيعبدوا الأوثان ولا يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وكان الأحب إليه أن يقرّهم على ما صنعوا من أن يرتدوا عن جميع الإسلام... الحديث[8]. فهذا الحديث أيضاً مثل الخبرين السابقين.

فهذه الأخبار الثلاثة أيضاً قد ذكرت سراً آخر لعدم دعوته (عليه السلام) للناس إلى نفسه وهو أنه لو كان يدعوهم لما أجابوه فيوجب كفرهم وارتدادهم، وكيف كان فيدل على أن تصدي أمر الأمة كان له (عليه السلام) وإنما ترك دعوة الناس إلى نفسه لمثل هذا السر.

فهذه الأخبار الثمانية أيضاً وإن اشتملت أسراراً ثلاثة لعدم قيامه (عليه السلام) قبالهم وعدم قتاله لهم إلا أنها متفقة الدلالة على المطلوب، أعني أن أمر تصدي ولاية أمور المسلمين كان له وقد غصبوه الطواغيت منه. ومن المعلوم أن لا منافاة بين أن يكون لأمر واحد أسرار متعددة واكتفى بعض الأحاديث بذكر بعض وبعضها بذكر بعض آخر، بل ولعل لهذا الأمر الذي بحثت الأحاديث عنه سراً وأسراراً أخر لم يذكر، والله العالم.

19. ومن قبيل هذه الأخبار الثمانية ما رواه في كتاب تمام نهج البلاغة من أن علياً (عليه السلام) كتب في كتاب طويل أمر أن يُقرأ على الناس كل يوم جمعة ما نصه: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إليَّ عهداً فقال: يا ابن أبي طالب لك ولاء أمتي من بعدي، فإن ولّوك في عافية وأجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه، فإن الله سيجعل لك مخرجاً، فنظرت فإذا ليس لي معين ولا رافد ولا ذاب، ولا معي ناصر ولا مساعد إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت والمنيّة[9].

فإن صدر هذه الفقر المنقولة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله دال بوضوح على ولايته (عليه السلام) على أمة الإسلام بعد نبيه، وذيلها أيضاً دليل على أن عدم قيامه عليه السلام بأخذ هذا الحق إنما هو لعدم ناصر له ومعين إلا أهل بيته، وأنه لو قام به بهم لأوجب قتلهم فضنّ بهم عن الموت، وهو أيضاً دليل على المطلوب.

ثم إن في ما قبل هذه الفقرة أيضاً عبارات تامة الدلالة وواضحتها على المطلوب سيأتي إن شاء الله تعالى ذكرها.

20. ومن قبيلها أيضاً ما في الكتاب المذكور من أنه عليه السلام ذكر ضمن كتاب له عليه السلام إلى معاوية ما لفظه: ولقد كان أبوك أو سفيان أتاني حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وولى الناس أبا بكر، فقال: لأنت أحق بمقام محمد صلى الله عليه وآله وأولى بهذا الأمر من الناس كلهم، وأنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك، ابسط يدك أبايعك؛ فأنت أعز العرب دعوةً، فلم أقبل ذلك، وأنت تعلم أن أباك قد كان قال ذلك وأراده، حتى كنت أنا الذي أبيت عليه، لقرب عهد الناس بالكفر والجاهلية، مخالفة الفرقة بين أهل الإسلام وشق عصا هذه الأمة، فإن تعرف من حقّي ما كان يعرف أبوك تصب رشدك، وإن أبيت استعنت بالله عليك، ونعم المستعان، وعليه توكلت وإليه أنيب[10].

وهذه الرواية أيضاً تامة الدلالة على أنه كان له الولاية على الأمة ولذلك قام مقام القتال لمعاوية إذا أباها، وتدل أيضاً على أن عدم قيامه عليه السلام من أول الأمر لأخذها من الطواغيت الأول إنما هو لئلا تفترق الأمة التي كانت قريبة عهد بالإسلام، فهي أيضاً من قبيل هذه الأخبار السبعة.

ثم إنك بالرجوع إلى نهج البلاغة للشريف الرضي (قدس سره) وإلى تمام نهج البلاغة الذي ألفه بعض الفضلاء وطبع وانتشر أخيراً تظفر بموارد عديدة كثيرة تدل على أنه عليه السلام قد ذكر أن له هذا الحق من الله تعالى وإن كان لم يقم بأخذه المحاذير ذكر بعضها ولعل بعضها الآخر يذكر في بعض هذه الموارد أيضاً.

ونحن بإذن الله تعالى وتوفيقه بعد مطالعة كتاب تمام نهج البلاغة قد وقفنا على موارد جمة لا بد من ذكرها في عداد أخبار الباب فإنها منها كما لا يخفى.

ولعناية خاصة بأخبار نهج البلاغة وتمامه نذكر هذه المذكورات تحت عنوان خاص فنقول:

 

 

[1] علل الشرائع: الباب122 ص148 الحديث6.

[2] علل الشرائع: الباب122 ص148 الحديث5.

[3] علل الشرائع: الباب122 ص148 الحديث7.

[4] علل الشرائع: الباب122 ص 147 الحديث2 و 3، كمال الدين: ص641 و 642، وعنه تفسير البرهان ذيل الآية.

[5] نفس المصدر.

[6] علل الشرائع: الباب122 ص149 و 150 الحديث8 و 10.

[7] نفس المصدر.

[8] الكافي: ج8 ص295 ـ 296 الحديث454.

[9] تمام نهج البلاغ: الكتاب75 و 49 ص881 و 832.

[10] نفس المصدر.