«دروس في الحكومة الإسلامية»؛ الدرس التاسع: الطائفة الرابعة من الروايات (الاستدلال لولاية النبي والأئمة)

سماحة آية الله الشيخ محمد المؤمن القمي

الطائفة الرابعة

أخبار متعددة أمرت بالتولي لعلي عليه السلام والأئمة الأوصياء من بعده وهي دالة على ولايتهم عليهم السلام وبناءاً على ظهور الولاية في معناها المطلوب لنا هنا تكون دلالتها تامة، مضافاً إلى أن في كثير منها قرينة أخرى تدلّ على أن التسليم لهم في ما يرونه ويأمرون به لازم وهو عبارة أخرى عن المطلوب وبعناية هذه القرينة ربما يمكن جعل هذه الأخبار في عداد الأخبار الدالة على وجوب طاعتهم التي قد مرت تحت عنون الطائفة الثانية.

 

1. فمن هذه الأخبار ما رواه في الكافي بإسناده عن سعد بن طريف عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحب أن يحيا حياة تشبه حياة الأنبياء ويموت ميتة تشبه ميتة الشهداء ويسكن الجنان التي غرسها الرحمن فليتول علياً عليه السلام وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعده فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، اللهم ارزقهم فهمي وعلمي، وويل للمخالفين لهم من أمتي، اللهم لا تنالهم شفاعتي .

 

وسند الرواية معتبر إن كان محمد بن عبد الحميد الواقع فيه هو العطار كما ليس ببعيد، والقرينة الموجودة فيها هي قوله صلى الله عليه وآله: (وليقتد بالأئمة من بعده) فإن الاقتداء يقتضي بإطلاقه اتبعاهم في جميع ما يأمرون به، فحاصل مفاده وجوب طاعتهم.

 

2. ومنها ما رواه فيه عن أبي حمزة الثمالي: قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالى يقول: استكمال حجتي على الأشقياء من أمتك من ترك ولاية علي عليه السلام ووالى أعداءه وأنكر فضله وفضل الأوصياء من بعده، فإن فضلك فضلهم، وطاعتك طاعتهم، وحقك حقهم، ومعصيتك معصيتهم، وهم الأئمة الهداة من بعدك، جرى فيهم روحك وروحك ما جرى فيك من ربك، وهم عترتك من طينتك ولحمك ودمك، وقد أجرى الله عز وجل فيهم سنتك وسنة الأنبياء من قبلك، وهم خزاني على علمي من بعدك، حق عليَّ لقد اصطفيتهم وانتجبتهم وأخلصتهم وارتضيتهم، ونجا من أحبهم ووالاهم وسلم لفضلهم، ولقد أتاني جبرائيل بأسمائهم وأسماء آبائهم وأحبائهم والمسلمين لفضلهم.

 

وسند هذه الرواية أيضاً معتبر إذا كان محمد بن الفضيل الواقع فيها هو محمد بن القاسم بن الفضيل كما ليس ببعيد، والقرينة الموجودة فيها هي أنه جعل طاعة الأئمة طاعة للنبي ومعصيتهم بمنزلة معصيته صلوات الله عليه وعليهم، ومعلوم أن طاعة النبي صلى الله عليه وآله واجبة ومعصيته محرمة فتكون إطاعتهم وعصيانهم عليه السلام مثله.

 

3. ومنها ما رواه بإسناده عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أراد أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن التي غرسها الله ربي بيده فليتول علي بن أبي طالب عليه السلام وليتول وليه، وليعاد عدوه، وليسلم للأوصياء من بعده، فإنهم عترتي من لحمي ودمي، أعطاهم الله فهمي وعلمي، إلى الله أشكو (أمر) أمتي المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، وأيم الله ليقتلُنّ ابني، لا أنالهم الله شفاعتي .

 

وفي سند الرواية محمد بن سالم الذي لا يثبت توثيقه. والقرينة الموجودة في هذه الرواية هو قوله صلى الله عليه وآله: (وليسلم للأوصياء من بعده) الذي هو مساوق لإيجاب طاعتهم عليهم السلام.

 

4. ومنها ما رواه بإسناده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله: مَن سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدنيها ربي ويتمسك بقضيب غرسه ربي بيده فليتول علي بن أبي طالب عليه السلام وأوصياءه من بعده، فإنهم لا يدخلونكم في باب ضلال ولا يخرجونكم من باب هدى، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، وإني سألت ربي أن لا يفرق بينهم وبين الكتاب حتى يردا علي الحوض هكذا ـ وضم بين إصبعيه ـ وعرضه ما بين صنعاء إلى أيلة، فيه قدحان فضة وذهب عدد النجوم .

 

وعن المحدث الفيض في شرحها: (أن صنعاء بلد باليمن كثيرة الأشجار والمياه تشبه دمشق، وقرية بدمشق، وأيلة ـ بالفتح والمثناة التحتانية ـ جبل بين مكة والمدينة، وبلد بين ينبع ومصر، وقدحان ـ بضم القاف وسكون الدال ـ جمع قدح، وعدد النجوم: أي كل من نوعي القدحان بعدد النجوم، أو كلاهما، أو كناية عن الكثرة).

 

والقرينة الموجودة فيها هي قوله صلى الله عليه وآله: (فإنهم لا يدخلوكم في باب ضلال) فإنه مطلق يشمل كل ما يبينونه أو يأمرون به وإن كان من الموارد الجزئية التي بناؤها على أعمال تشخيصهم، فيساوق الأمر بطاعتهم عليهم السلام، إلا أن سند الرواية ضعيف بعبد الله بن القاسم وعبد القهار.

 

5. ومنها ما رواه بإسناده عن الفضيل بن يسار قال: قال أبو جعفر عليه السلام: وإن الروح والراحة والفلج (الفلح، الفلاح ـ خ ل) والعون والنجاح والبركة والكرامة والمغفر والمعافات واليسر والبشرى والرضوان والقرب والنصر والتمكن والرجاء والمحبة من الله عز وجل لمن تولى علياً عليه السلام وائتمّ به، وبرئ من عدوه، وسلم لفضله وللأوصياء من بعده، حقاً عليَّ أن أدخلهم في شفاعتي، وحق علي ربي بتارك وتعالى أن يستجيب لي فيهم فإنهم أتباعي، ومن تبعني فإنه مني .

 

والقرية الموجود فيها هي قوله عليه السلام: (وسلم لفضله وللأوصياء من بعده) فإنه عبارة أخرى من إطاعتهم، وهي مطلقة شاملة لجميع الموارد، لكنه لعله لا دليل فيها على أكثر من الرجحان. هذا، إلا أن في سند الرواية من لم يحرز وثاقته.

 

6. ومنها ما رواه بإسناده الصحيح عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال: إن الله عز وجل بعث محمداً صلى الله عليه وآله إلى الناس أجمعين رسولاً وحجة الله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله واتّبعه وصدّقه فإن معرفة الإمام منا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما  فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويصدق رسوله في جميع ما أنزل الله يجب على أولئك حق معرفتكم؟ قال: نعم أليس هؤلاء يعرفون فلاناً وفلاناً؟ قلت: بلى، قال: أترى أن الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلا الشيطان، لا والله ما ألهم المؤمنين حقنا إلا الله عز وجل .

 

بيان الدلالة: أنه عليه السلام قد جعل إمامتهم قبال ما يعرف به فلان وفلان من الطواغيت الغاصبين لحقهم وحيث إنه لا ريب في أن ما عرفوا به إنما كان تصدي أمور المسلمين والبلاد الإسلامية فلا محالة يكون إمامتهم عليهم السلام متضمنة لهذا المعنى.

 

7. ومنها ما رواه بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: دخل أبو عبد الله الجدلي على أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أبا عبد الله ألا أخبرك بقول الله عز وجل: ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ89 وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين جعلت فداك، فقال: الحسنة معرفة الولاية وحبنا أهل البيت، والسيئة إنكار الولاية وبغضنا أهل البيت، ثم قرأ عليه هذه الآية .

 

بيان دلالته: أنه عليه السلام فسر الحسنة بمعرفة الولاية، والولاية التي يتعلق بها العرفان إنما هي بمعنى إدارة أمور الأمة الإسلامية وبلادها وليست بمعنى المحبة، كيف وحبهم قد عطف عليها وظاهر العطف أيضاً التغاير، وحيث إنها قد جعل الله عليها لمن جاء به خيراً منها وجعل لمن جاء بالسيئة كب الوجوه في نار جهنم فهي واجبة وإنكارها حرام موجب للدخول في النار، فدلالة الحديث على المطلوب تامة، إلا أن سنده ضعيف جداً.

 

هذه أنموذج من أخبار هذه الطائفة ولعل المتتبع يظفر بأكثر منها، والله يهدي إلى سواء السبيل.

 

8. ومن أخبار الطائفة الثالثة ما رواه في الكافي بإسناده الصحيح عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كل من دان الله عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير، والله شانئ لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلما جنها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها، فحنت إليها واغترت بها، فباتت معها في مربضها، فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها، فصاح بها الراعي: الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة متحيرة تائهة، لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل ظاهر عادل أصبح ضالاً تائهاً، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق، واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد .

 

فصدر الصحيحة وإن كان متعرضاً لمنصب علم الأئمة وتعليم شيعتهم لأحكام الله تعالى ـ على إشكال في الاختصاص به ـ إلا أن ذيلها قد جعلهم عليهم السلام قبال أئمة الجور الذين قد مر مراراً أنهم متصدون لأمر إدارة أمر الأمة والبلاد الإسلامية، فتدل بوضوح على أن هذه الإدارة من شأن الإمامة الإلهية قد غصبها أئمة الجور الطواغيت.