سؤال: لماذا الادّعاء بتناقض الديمقراطية مع الدين؟

جوابه: بغية الدخول في أي بحث لابد أولا أن تتضح مفرداته جيداً.

إن لفظ الديمقراطية ـ التي يُعبّر عنها بحكم الشعب أيضاً ـ شأنها شأن ألفاظ: الحرية، التنمية، المجتمع المدني... الخ ليس لها تعريف واضح ويتبادر إلى الذهن منها مفهوم عائمٌ ومرتبك.

علينا أن نحدد مرادنا من الديمقراطية، لنعثر من خلال ذلك على تعريف مشترك لها، ومن ثم نبادر إلى مقارنتها مع الدين؛ كي نصل إلى النتيجة المرجوة؛ فإن كان المراد من الديمقراطية أن كل قانون يسنّه الشعب يحظى بالاعتبار، ويصبح واجب التنفيذ ولابد من احترامه؛ فمن المسلَّم به أن مثل هذا المعنى لا ينسجم مع الدين، لأن حق الحاكمية في نظر الدين ينحصر في الباري تعالى «إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ»(1).

إن الله وحده عالم بمصالح ومفاسد الإنسان والمجتمع وله الحق في التشريع، واتخاذ القرار بشأن الإنسان، وما على بني آدم إلاّ الانصياع لأوامره ونواهيه، واتباع الأحكام الإلهية اتباعاً مطلقاً؛ إذ أن عبودية الله تمثل أرقى مراتب الكمال، وإطاعة الأحكام الإلهية هي التي تضمن السعادة للإنسان؛ وبناءً على ذلك إذا كانت الديمقراطية أو حكم الشعب تعني رجحان رأي الشعب في مقابل حكم الله؛ فإنها والحالة هذه تفقد اعتبارها، لأن ما يتوجب علينا إطاعته والانصياع له هو حكم الله، وليس رأي الشعب.

وعليه فإذا ما أجمع شعب في بلد ما، وفي ظل ظرف خاص، وأقرّوا أمراً غير مشروع ـ كما هو الحال في البلدان الغربية ـ فإن حكم الدين مقدَّم في مثل هذه الحالة لأرجحية حكم الله على تشخيص الناس، وإذا ما فضّلنا رأي الشعب على حكم الله نكون قد تخلينا عن عبادة الله عملياً، وتجاوزنا ربوبيته التشريعية! وهذا ما يتنافى مع التوحيد.

إن ديمقراطية الغرب تعني الاستغناء عن تعاليم الدين، والاكتفاء بالرأي العام للناس؛ وهذا بعينه يعدُّ تمرّداً على الباري عز وجل، وترجيح رأي الشعب في قبال الحكم الإلهي يمثل صدوداً عن التوحيد، وقبولا للشرك الجديد الشائع في عالمنا المعاصر، وبهذا يتعين مقارعة هذه الوثنية الجديدة.

 

المعنى المقبول للديمقراطية

إذا كان المراد من الديمقراطية أن يكون للناس تأثير في مصائرهم في ظل الأحكام الإلهية والقوانين الشرعية؛ فإن مثل هذا المعنى لا يتنافى مع الإسلام، ولا شك في أن مراد إمام الأمة الراحل(قدس سره) من قوله «المعيار هو رأي الشعب» هو ذلك، وليس أن كل ما يريد الشعب وإن كان معارضاً للحكم الإلهي يحظى بالاعتبار والقيمة.

إن رأي الشعب هو المعيار ما لم يتخطَّ التعاليم الإلهية، ولم يخالف قواعد الشرع؛ وإلاّ فلا قيمة لرأي الشعب، وليس معنى الآية الكريمة «وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ»(2)قدرة الناس على إبداء وجهات نظرهم في كل شيء، وتغيير حلال الله وحرامه من خلال المشورة، بل واستناداً للآية الكريمة «وَما كانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إِذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ»(3) لا خيار للمؤمنين وليس لهم حقُّ دخل أو تصرف في الأحكام الصادرة عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله(صلى الله عليه وآله).

 

--------------------------------------------------------------------------------

1. يوسف: 67.

2. الشورى: 38.

3. الأحزاب: 36.