خدمتهم نعمة إلهيّة(*)

إنّ خدمة الناس في حدّ ذاتها نعمةٌ إلهيّة وموهبة، سواء أكانت ضمن الأطر الرسميّة أم كانت في خدمة دين الناس، وثقافتهم، وتقدّمهم العلميّ، وتقسيم الأرزاق وتوزيعها (المحاصيل) بشكلٍ صحيح بينهم، وتأمين حاجاتهم المختلفة بأيّ شكلٍ كان.

 

* خدمة الناس أهمّ العبادات

إنّني -أنا العبد- أقول من أعماق القلب وبضرسٍ قاطع: إنّما هو فخرٌ عندما يكون الإنسان خادماً للنّاس، وليس مجرّد شعار. فعظماء أهل العرفان عندنا، كانوا دائماً يوصون تلامذتهم، ومن يتربّى على أيديهم، بأن يخدموا الناس إلى جانب الذكر، والعبادة، والخشوع، والتوسّل، وكانوا في بعض الأحيان يرجّحون هذه الخدمة على العبادات الفرديّة، وهذا مقرّبٌ إلى الله. فالعمل الصالح الذي تقدّمه لشخصٍ ما يُعدّ حسنة، وهذا ما يقرّبك إلى الله، وله أجرٌ وثوابٌ إلهيّان وأخرويّان، فكيف إذا كانت خدمتكم هذه موجّهة لمجموعة كبيرة من الناس، لأهل منطقة، أو مدينة، أو ناحية؟(1).

 

* فلنشكر الله تعالى

أساس القضيّة، أنّه إذا وُفّقنا للخدمة فلنشكر ربّنا عليها، ولنعدّها نعمةً من الله. والأثر الحاصل من اعتبار هذه الخدمة نعمة، هو أن لا نمنّ بها على أحد، فهذه هي درجتها الأولى. إنّ الله تعالى إذا وفّقنا، فإنّ هذا التوفيق إنّما هو لطفٌ إلهيّ، وهو يستلزم شكراً.

 

* لا تمييز في خدمة الناس

النقطة الثانية هي أنّه في الخدمة لا مكان للتمييز، فالمسؤوليّة في أيّ ناحية من النواحي كانت، هي عبارة عن خدمة أفراد الناس. فأن يكون هذا صديقاً لنا، وذاك غريباً عنّا، وهذا عدوّنا، وآخر ميوله السياسيّة كذا، وذاك ميوله الدينيّة كذا، هو أمر ينبغي أن لا يكون له أيّ تأثير، حيث يجب أن تكون الخدمة عامّة للجميع، ولهذا الأمر تأثير على عمل المنخرطين في خدمة المجموعات الكبيرة المتنوّعة من الناس؛ لهذا يجب أن تكون النظرة إلى الجميع متساوية، وأن نكون أمناء، وأن نجعل ما في أيدينا كلّه لخدمة الجميع.

 

* علوّ الهمّة والعمل المضاعف

يجب الاهتمام بعلوّ الهمّة في تقديم الخدمات. فإذا كان هناك منطقة ما تقع في أسفل السلّم، وتفتقر إلى الخدمات والتقديمات المادّيّة، يجب على مسؤولي هذه المنطقة أن يبذلوا جهدهم من أجل رفع مرتبتها، من ناحية التطوّر، وتنمية الموارد الحياتيّة الضروريّة لها في غضون مدّةٍ معيّنة، وأن يصلوا بها مثلاً إلى مرتبة المناطق أو المدن العشر الأوائل.

 

* التركيز على كيفيّة العمل ونوعيّته

عندما تكون همّتنا مضاعفة، فإنّ ذلك سيتطلّب عملاً مضاعفاً. وليس المقصود بالعمل المضاعف حجم العمل وكمّيّته فحسب، وإنّما كيفيّته ونوعيّته أيضاً. النوعيّة أهمّ بكثير من كميّة العمل وحجمه؛ فينبغي أن يكون العمل دقيقاً ونابعاً من الخبرة، ومقروناً بالاستشارة، ومستمرّاً ومتلاحقاً، ومدوّناً وقائماً على التخطيط، بحيث لو استُبدل المسؤولون، لا يتوقّف ولا يتأثّر. فالمهمّ هو أن تكون خارطة الطريق واضحة لعمارة حياة الناس على نحوٍ أفضل؛ لأنّهم هم من يستحقون هذه الخدمة.

 

* الفعاليّة والعمل الصحيح والاتّحاد

نحن نحتاج إلى السّعي والفعاليّة والتفكير والعمل الصّحيح والاتّحاد فيما بيننا وأن نجعل الأجواء، أجواء سعي وعمل وإخلاص وروحانيّة وبعيدة عن التظاهر. الكلّ يتحمّل مسؤولية، وكلّنا مسؤولون. نسأل الله تعالى أن يعيننا كي نتمكّن من القيام بأعمالنا إن شاء الله.

ــــــــــ

(*) كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء النخب والمسؤولين في محافظة خراسان الشماليّة، تاريخ: 15/10/2012م.

1- التقسيم الإداري المتبع في إيران: محافظة - قضاء أو مقاطعة - منطقة أو ناحية.