أكد قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي بأنه لا يمكن تصور حل أي مشكلة مع أميركا وان التفاوض معها لن يعود سوى بالضرر المادي والمعنوي.

وفي بيان أصدره اليوم الأربعاء وجّه قائد الثورة الإسلامية الشكر والتقدير للمشاركة الشعبية الشامخة والقاصمة للعدو في مسيرات ذكرى انتصار الثورة الإسلامية يوم 11 شباط /فبراير، وشرح خصائص المسار الزاخر بالفخر الذي تم المضي فيه خلال الأعوام الأربعين الماضية والبركات الباهرة للثورة الإسلامية في إيصال إيران العزيزة إلى المكانة اللائقة بها.

وأكد قائد الثورة في هذا البيان الاستراتيجي على الأمل الحقيقي بالمستقبل ودور الشباب منقطع النظير في اتخاذ الخطوة الكبرى الثانية نحو الأهداف وخاطب الشباب وصناع المستقبل لإيران المقتدرة، مبينا ضرورات هذا الجهاد الكبير في 7 فصول أساسية.

 

وفيما يلي نص بيان قائد الثورة الإسلامية:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علی سيدنا محمد وآله الطاهرین وصحبه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلی يوم الدين.

من بين الشعوب الرازحة تحت الظلم، قلما بادر شعب إلى القيام بالثورة، ومن بين الشعوب الناهضة والثورية قلما رئي شعب تمكن من الوصول إلى النهاية وحافظ على أهدافه الثورية، ماعدا تغيير الحكومات، إلا أن ثورة الشعب الإيراني المجيدة التي تعد اكبر ثورات العصر الجديد وأكثرها شعبية، هي الثورة الوحيدة التي أمضت ربيعها الأربعين الزاخر بالمفاخر دون خيانة أهدافها وقد صانت شعاراتها وأصالة شعاراتها أمام جميع الوساوس التي كانت لا تقاوم على الظاهر، والآن دخلت المرحلة الثانية لبناء الذات والمجتمع وصنع الحضارة. تحية من الأعماق لهذا الشعب، ولجيل بدا وواصل ولجيل دخل الآن العملية الكبرى والعالمية في الأربعين عاما الثانية.

يوم كان العالم مقسماً بين الشرق والغرب الماديين ولم يكن أحد يتصور حدوث نهضة دينية كبری، نزلت الثورة الإسلامية الإيرانية إلی الساحة باقتدار وعظمة وحطمت الأطر التقليدية وأثبتت للعالم تهرؤ الكليشات، وطرحت الدين والدنيا إلی جانب بعضهما وأعلنت عن بداية عصر جديد. كان من الطبيعي أن يبدي زعماء الضلال والجور ردود أفعالهم غير أن ردود الأفعال هذه أخفقت. كل ما قام به اليسار واليمين الحداثوي؛ من التظاهر بعدم سماع هذا الصوت الجديد والمميز، إلی السعی الواسع والمتنوع لإخماده، قد قربهما إلى أجلهما المحتوم أكثر فأكثر. والآن بعد مضی أربعين حفلاً سنوياً للثورة وأربعين "عشرة الفجر"، زال أحد قطبی العداء المذكورين وراح الآخر يتخبط فی مشكلات تنم عن قرب احتضاره، أما الثورة الإسلامية فلا تزال تواصل تقدمها إلی الأمام محافظةً علی شعاراتها والالتزام بها.

يمكن افتراض عمر مفيد وتاريخ صلاحية لكل شيء إلا أن الشعارات العالمية لهذه الثورة الدينية استثناء لهذه القاعدة، فهي لن تبقی عديمة الفائدة وعديمة الاستخدام أبداً لأن فطرة الإنسان ممتزجة بها فی جميع العصور. فالحرية والأخلاق والقيم المعنوية والعدالة والاستقلال والعزة والعقلانية والأخوة لا تختص أي منها بأي جيل أو مجتمع دون غيره حتى تتألق وتزدهر في حقبة وتأفل في حقبة أخری. لا يمكن أبداً تصور شعب يعرض عن هذه الآفاق المباركة. ومتى ما حصلت حالة إعراض أو تبرم كان السبب إعراض المسؤولين عن هذه القيم الدينية وليس الالتزام بها والسعي لتحقيقها وتطبيقها.

الثورة الإسلامية بوصفها ظاهرة حية وذات إرادة كانت دوماً مرنة ومستعدة لتصحيح أخطائها لكنها لا تتقبل إعادة النظر ولا الانفعال. إنها تبدي الحساسية الإيجابية حيال النقد وتعتبره نعمة من الله وتحذيراً لأصحاب الكلام من دون عمل، لكنها لا تبتعد إطلاقاً وبأية ذريعة عن قيمها الممتزجة والحمد لله بالإيمان الديني للناس. لم تمنی الثورة الإسلامية بعد بنائها للنظام بالركود والخمول والانطفاء ولن تمنی، ولا تری تناقضا أو عدم انسجام بین الغليان الثوري والنظام السياسي والاجتماعي، بل تبقی تدافع إلی الأبد عن نظرية النظام الثوري.

ليست الجمهورية الإسلامية متحجرة وعديمة الإحساس والإدراك مقابل الظواهر والظروف المتجددة، لكنها ملتزمة أشد الالتزام بأصولها ومبادئها، وتتحسس بشدة لحدودها الفاصلة بينها وبين منافسيها وأعدائها. ليست عديمة الاكتراث إطلاقاً لخطوطها الأصلية، ومن المهم بالنسبة لها لماذا تبقی وكيف تبقی. ولا شك في أن البون بين ما ينبغي وما هو واقع آلم ويؤلم الضمائر المبدئية الحرة دوماً، بيد أن هذا البون ممكن الردم والطي وقد تم طيه في بعض الحالات طوال الأعوام الأربعين الماضية، ولا شك أنه سيطوی ويردم باقتدار أكبر بفضل تواجد ومشاركة جيل الشباب المؤمن المتدين العالم الزاخر بالحوافز.

الثورة الإسلامية للشعب الإيراني مقتدرة لكنها عطوفة ومتسامحة بل حتى مظلومة. ولم ترتكب ممارسات متطرفة وراديكالية سببت العار لكثير من النهضات والحركات. ولم تطلق الرصاصة الأولی في أیة معركة حتى مع أمريكا وصدام، وعملت في كل الحالات علی الدفاع عن نفسها بعد هجوم العدو عليها، وبالطبع فقد سددت الضربات في ردودها بقوة. لم تكن هذه الثورة منذ بداياتها وإلی اليوم عديمة الرحمة ولا سفاكة ولم تكن في الوقت ذاته منفعلة ولا مترددة. وقفت بصراحة وشجاعة مقابل العتاة والمردة ودافعت عن المظلومين والمستضعفين. هذه المروءة والفتوة الثورية وهذا الصدق والصراحة والاقتدار وهذه المديات من الفعل العالمي والإقليمي إلی جانب مظلومي العالم لهو مبعث شموخ وفخر لإيران والإيرانيين، وسيبقی كذلك إلی الأبد.

الآن ونحن في مطلع فصل جديد من حياة الجمهورية الإسلامية أرغب أن أتحدث مع الشباب الأعزاء الجیل الفاعل في ساحة العمل من أجل أن يبدأ جانباً آخر من الجهاد الكبير لبناء إيران الإسلامية الكبرى. كلامي الأول حول الماضي.

أعزائي، لا يمكن معرفة المجهول إلا عن طريق التجربة أو الإصغاء لتجارب الآخرين. الكثير مما شهدناه وجربناه لم يجربه جيلكم بعد ولم يشهده. لقد شهدنا وسوف تشهدون. عقود المستقبل هي عقودكم وأنتم من يجب أن تحموا ثورتكم بخبراتكم وتحفزكم وتقربوها أكثر ما يمكن من مبدئها الكبير ألا وهو بناء حضارة إسلامية حديثة والاستعداد لبزوغ شمس الولاية العظمی (أرواحنا فداه). من أجل قطع خطوات راسخة في المستقبل، ينبغي معرفة الماضي بشكل صحيح واستلهام الدروس والعبر من التجارب. وإذا حصلت غفلة عن هذه الاستراتيجية فستحل الأكاذيب محل الحقيقة، وسيتعرض المستقبل لتهديدات مجهولة. یعمل أعداء الثورة بدوافع قوية علی تحريف الماضی وحتى الحاضر ونشر الأكاذيب، ويستخدمون لأجل ذلك الأموال وكل الأدوات والوسائل. لصوص الفكر والعقيدة والوعي كثيرون ولا يمكن سماع الحقيقة من العدو وجنوده.

لقد انطلقت الثورة الإسلامية والنظام المنبثق منها من نقطة الصفر. أولاً: كان كل شيء ضدنا؛ سواء نظام الطاغوت الفاسد الذي كان بالإضافة إلی تبعيته وفساده واستبداده وانقلابيته أول نظام ملكي في إيران يتولی الحكم علی يد الأجانب - وليس بقوة سيفه - أو الحكومة الأمريكية وبعض الحكومات الغربية الأخرى، أو الوضع الداخلي شديد الاضطراب وحالات التخلف المخجلة فی مجالات العلم والتقنية والسياسة والقيم المعنوية وكل الفضائل الأخرى.

ثانياً: لم يكن أمامنا أية تجربة سابقة وطريق تم سلوكه، ومن البديهي أن الانتفاضات الماركسية وأمثالها لا يمكنها أن تعد نموذجاً لثورة نبعت من صميم الإيمان والمعرفة الإسلامية. لقد بدأ الثوار الإسلاميون مشروعهم من دون نماذج وتجارب، ولم تتأتی التركيبة بين الجمهورية والإسلام وأدوات تشكيلها وتقدمها إلا بالهداية الإلهية وبفضل القلب النير والأفكار الكبيرة للإمام الخميني. وقد كان هذا أول تألق للثورة.

وعندها بدلت ثورة الشعب الإيراني عالم القطبين آنذاك إلی عالم ثلاثي الأقطاب، ثم بسقوط الاتحاد السوفيتي وأقماره وغيابهم وظهور أقطاب قوة جديدة أضحی التقابل الثنائي الجديد بين الإسلام والاستكبار الظاهرة البارزة في العالم المعاصر ومحط اهتمام شعوب العالم. فقد تسمرت عليه من ناحية الأنظار الآملة للشعوب الرازحة تحت نير الجور والتيارات المطالبة بالتحرر في العالم وبعض الحكومات التواقة للاستقلال، ومن ناحية أخری تسمرت عليه الأنظار الحاقدة والسيئة الطوية للأنظمة التعسفية والعتاة المبتزين فی العالم. وهكذا تغير مسار العالم وأيقظ زلزال الثورة الفراعنة النائمين بارتياح علی أسرّتهم، فانطلقت حالات العداء بكل قوة ولولا قوة الإيمان العظيمة ودوافع هذا الشعب والقيادة السماوية المؤيدة للإمام الخميني العظيم لما أمكن المقاومة حيال كل هذه الأمواج من العداء والتعاسة والتآمر والخبث.

وقال قائد الثورة الإسلامية: رغم كل هذه المشكلات الصعبة، فإن الجمهورية الإسلامية قامت بخطوات أكبر وأكثر رسوخا يوما بعد يوم. فهذه السنوات الأربعين، شهدت جهادا كبيرا ومفاخر مشرقة وتقدما لافتا في إيران الإسلامية. وتتضح عظمة التقدم الذي حققه الشعب الإيراني خلال أربعين سنة، بشكل صحيح عندما نقارن هذه الفترة مع الفترات المشابهة في الثورات الكبرى كالثورة الفرنسية وثورة أكتوبر في الاتحاد السوفييتي وثورة الهند. فلقد حققت الإدارة الجهادية المستلهمة من الإيمان الإسلامي والاعتقاد بمبدأ "نحن قادرون" والذي علمه الإمام الخميني (ره) لنا جميعا، العزة والتقدم لإيران في جميع الميادين.

لقد أنهت الثورة فترة طويلة من الانحطاط التاريخي في البلاد، فلقد أهينت إيران خلال عهد بهلوي البائد والعهد القاجاري، وبقيت متخلفة بشدة، إلا أن الثورة وضعت البلاد على سكة التقدم السريع؛ ففي الخطوة الأولى؛ حولت النظام الملكي المستبد إلى نظام شعبي، وأدخلت عنصر الإرادة الشعبية التي تعتبر الأساس للتقدم الشامل والحقيقي، إلى مركز إدارة البلاد، وعند ذاك أشركت الشباب في ميدان إدارة البلاد، ونقلت روح الثقة بالذات إلى الجميع، وعلمت الجميع الاعتماد على القدرات الداخلية، وذلك ببركة الحظر الذي فرضه الأعداء، والذي أصبح منشأ لبركات عديدة:

أولا: أنها ضمنت استقرار البلاد وأمنها ووحدة ترابها وصيانة حدودها والتي كان الأعداء يستهدفونها بشكل جاد، وأوجدت معجزة النصر في حرب السنوات الثماني (الحرب التي فرضها نظام صدام بدعم أميركي غربي على إيران من 1980 إلى 1988)، وهزيمة النظام البعثي وداعميه الاميركان والأوروبيين والمعسكر الشرقي.

ثانيا: أنها تحولت إلى المحرك الدافع للبلاد في الميادين العلمية والتقنية وإيجاد البنى التحتية الحياتية والاقتصادية والعمرانية، والتي تبرز ثمارها يوما بعد آخر بشكل أكثر شمولا. إذ أن آلاف الشركات المعرفية، وآلاف المشاريع البنيوية والضرورية للبلاد في المجالات العمرانية والنقل والصناعة والطاقة والمناجم والصحة والزراعة والمياه و..، وملايين الخريجين أو الطلبة الجامعيين، وآلاف الوحدات الجامعية في أنحاء البلاد، وعشرات المشاريع الكبرى من قبيل دورة الوقود النووي، والخلايا الجذعية، وتقنية النانو، والتقنية الحياتية وغيرها والتي تبوأت إيران المراكز الأولى في العالم، وازدياد صادرات السلع غير النفطية 60 مرة، وقرابة 10 مرات عدد الوحدات الصناعية، وتحسن الصناعات عشرات المرات من حيث الجودة، وتبديل صناعة المونتاج الى تقنية محلية، والتطور اللافت في مختلف الفروع الهندسية بما فيها في الصناعات الدفاعية، والتألق في الفروع الطبية الهامة والحساسة وتبوئ مكانة مرجعية فيها، وعشرات النماذج الأخرى من التقدم، إنما هي نتيجة تلك الروح وذلك التواجد وذلك الشعور الجماعي الذي قدمته الثورة للبلاد. فإيران ما قبل الثورة، كانت صفرا في إنتاج العلم والتقنية، وفي الصناعة لم يكن لديها إلا المونتاج، وفي العلم كانت مهارتها الوحيدة في الترجمة.

ثالثا: أنها رقت بالمشاركة الشعبية في القضايا السياسية كالانتخابات، ومواجهة الفتن الداخلية، والمشاركة في الميادين الوطنية ومقارعة الاستكبار إلى الذروة، وفي المواضيع الاجتماعية من قبيل بذل المساعدات والنشاطات الاحسانية التي بدأت قبل الثورة، ساهمت الثورة في مضاعفتها بشكل لافت. فبعد الثورة أصبح المواطنون يتنافسون في تقديم الخدمات وتقديم المساعدات لمواجهة الكوارث الطبيعية والنواقص الاجتماعية.

رابعا: رفعت مستوى البصيرة والوعي السياسي لأفراد الشعب ونظرتهم تجاه القضايا الدولية بشكل باهر، وأخرجت التحليل السياسي وإدراك القضايا الدولية في مواضيع من قبيل جرائم الغرب وخاصة أميركا، والقضية الفلسطينية والظلم التاريخي للشعب الفلسطيني، وقضية إثارة الحروب وتدخلات القوى الكبرى في شؤون الشعوب وأمثالها من حكر طبقة محددة ومنعزلة تسمي نفسها طبقة المثقفين؛ لتجري التنوير الفكري بين عامة الشعب وفي أنحاء البلاد وعلى كل ميادين الحياة، حتى أصبحت هكذا قضايا واضحة وقابلة للفهم حتى بالنسبة لليافعين.

خامسا: أثقلت كفة العدالة في تقسيم الإمكانات العامة بالبلاد. وأن استيائي من أداء العدالة في البلاد هو بسبب أن هذه القيمة السامية يجب أن تكون جوهرة على جبين الجمهورية الإسلامية، وهذا لم يتحقق بعد، ولا يعني هذا انه لم يتم انجاز شيء لإرساء العدالة. وفي الحقيقة أن انجازات مكافحة الظلم في هذه العقود الأربعة، لا يمكن مقارنتها مع أي فترة سابقة أخرى. ففي النظام البائد كانت أكثر الخدمات وعائدات البلاد تحت تصرف مجموعة صغيرة من ساكني العاصمة أو أمثالهم في بعض النقاط الأخرى بالبلاد. في حين كان اغلب أهالي المدن وخاصة المناطق النائية والقرى في قعر القائمة ومحرومين على الأغلب من الاحتياجات الأولية البنيوية ومن الخدمات.

إن الجمهورية الإسلامية تعد من بين أنجح الأنظمة السائدة في العالم في إعادة توزيع الخدمات والثروات من المركز إلى جميع أنحاء البلاد، ومن المناطق المرفهة في المدن إلى المناطق المحرومة. وإن الإحصاءات والأرقام الكبرى في شق الطرق وبناء المساكن وإنشاء المراكز الصناعية وإصلاح شؤون الزراعة وإيصال الطاقة الكهربائية والمياه وبناء المراكز الصحية والوحدات الجامعية والسدود ومحطات الطاقة وأمثالها في المناطق النائية بالبلاد، يبعث حقا على الفخر؛ ولا شك أن هذا كله لم ينعكس في الإعلام الناقص للمسؤولين، ولم يعترف به المناوئون في الخارج والداخل على ألسنتهم، ولكنه موجود ويعتبر حسنة للمدراء الجهاديين المخلصين، مسجلة عند الله وعند الناس. وبالطبع فإن العدالة التي نتوقعها في الجمهورية الإسلامية التي ترغب بأن تعرف أنها تتبع الحكومة العلوية، هي أعلى من ذلك بكثير، والأمل معول عليكم أنتم الشباب في تنفيذها، وسأتناول ذلك في تتمة البيان.

سادسا: أنها رفعت من مستوى المعنويات والأخلاق في الأجواء العامة للمجتمع بشكل لافت. وقد روج هذه الظاهرة المباركة بشكل أكبر سلوك الإمام الخميني (ره) وشخصيته طيلة فترة الكفاح وبعد انتصار الثورة؛ لقد تولى ذلك الإنسان المعنوي العارف المتعفف عن الكماليات المادية، قيادة بلد يتحلى شعبه بجذور إيمانية عميقة وراسخة. ورغم أن الماكنة الإعلامية المروجة للفساد والإباحية وجهت له (هذا الشعب الإيماني) ضربات شديدة طيلة عهد البهلوي البائد، لتوجد بين ظهراني الطبقة المتوسطة وخاصة الشباب مستنقعا من قذارات الأخلاق الغربية، إلا أن التوجه الديني والأخلاقي في الجمهورية الإسلامية، استقطبت القلوب النورانية المستعدة وخاصة لدى الشباب، وقلبت الأجواء لصالح الدين والأخلاق. وقد ترافق جهاد الشباب في الميادين الصعبة بما فيها الدفاع المقدس، مع الذكر والدعاء ومعنويات الإخوة والتضحية، لتحيي قصص صدر الإسلام وتجسدها أمام أعين الجميع. وقد تخلى الآباء والأمهات والأزواج انطلاقا من شعورهم بالمسؤولية الدينية، عن أحبابهم الذين كانوا يسارعون إلى مختلف جبهات الجهاد، وعندما كانوا يعودون بجثامينهم الدامية أو أجسامهم المعاقة، كان أولئك (الآباء والأمهات والأزواج) يرفقون المصيبة بالشكر. ولقد ازدهرت المساجد والأماكن الدينية بشكل غير مسبوق. وامتلأت الطوابير بآلاف الشباب والأساتذة والنساء والرجال للمشاركة في الاعتكاف كما امتلأت طوابير المخيمات الجهادية وجهاد البناء وتعبئة البناء بآلاف المتطوعين من الشباب المضحي. وازدهرت الصلاة والحج والصيام والمشي للزيارة ومختلف المراسم الدينية والإنفاق والصدقات الواجبة والمستحبة في كل مكان وخاصة بين الشباب، وهي في ازدياد كما ونوعا يوما بعد آخر حتى يومنا هذا. وهذا كله حصل في فترة كان السقوط الأخلاقي الغربي المتزايد وأنصاره ودعاياتهم المكثفة تحاول جر النساء والرجال إلى مستنقعات الفساد، وفرض العزلة على الأخلاق والمعنويات في العالم، وهذه معجزة أخرى للثورة والنظام الإسلامي الفاعل الرائد.

سابعا: برز رمز عظمة الصمود بشكل أكبر يوما بعد آخر، أمام المتغطرسين والمستكبرين في العالم وفي مقدمتهم أميركا المجرمة. ففي طيلة هذه الأربعين عاما، كان الإباء وصيانة الثورة وحراستها وعظمتها وهيبتها الإلهية وشموخها أمام الدول المتكبرة والمستكبرة، الميزة التي عرفت بها إيران والإيرانيين وخاصة شباب هذا الوطن. إن القوى الاحتكارية في العالم التي ترى حياتها دوما في سلب استقلال سائر الدول ونهب ثرواتها الحياتية، من اجل تحقيق مآربها المشؤومة، اعترفت بعجزها أمام إيران الإسلامية الثورية. وقد تمكن الشعب الإيراني في أجواء الثورة، في البداية من طرد عميل أميركا العنصر الخائن للشعب، وبعد ذلك وحتى اليوم حال بكل قوة وبشدة دون عودة هيمنة متغطرسي العالم على البلاد.

أيها الشباب الأعزاء؛ كان ذلك جانبا محدودا من رؤوس النقاط الأساسية من عمر أربعين عاما للثورة الإسلامية، الثورة العظيمة والراسخة والمتألقة التي عليكم أن تتخذوا الخطوة الكبرى الثانية من أجل مضيها قدما.

إن ثمار جهود أربعين عاما ماثلة الآن أمام أعينكم: بلد وشعب مستقل وحر مقتدر وذو عزة ومتدين ومتقدم في العلم ومليء بالتجارب الثمينة وواثق ومتفائل وله تأثير أساسي في المنطقة وذو منطق قوي في القضايا العالمية وصاحب أرقام قياسية في سرعة التطور العلمي وذو أرقام قياسية في تبوئ المراكز العليا في العلوم والتقنيات الهامة كالنووي والخلايا الجذعية وتقنية النانو والعلوم الجوفضائية وأمثالها، ومتميز في تطوير الخدمات الاجتماعية ومتميز في الدوافع الجهادية بين الشباب ومتميز في شريحة الشباب النشط والكثير من الخصائص الأخرى التي تبعث على الفخر، وكلها حصيلة الثورة وثمرة للتوجهات الثورية والجهادية. واعلموا لو لم تكن الغفلة تجاه شعارات الثورة والغفلة عن التيار الثوري في بعض فترات تاريخ الأربعين عاما – وهو ما حصل للأسف وأدى إلى بعض الأضرار – لا شك كانت انجازات الثورة أكثر من هذا بكثير، ولكانت البلاد متقدمة كثيرا في مسار تحقيق المبادئ الكبرى، ولما كانت المشكلات الراهنة موجودة.

 

إن إيران المقتدرة اليوم وكما في بداية الثورة، تواجه تحديات المستكبرين، ولكن باختلاف ذي معنى. فإذا كان التحدي مع أميركا ذلك اليوم حول قطع يد عملاء الأجانب أو إغلاق سفارة الكيان الصهيوني في طهران أو كشف وكر التجسس، فاليوم التحدي هو حول تواجد إيران المقتدرة قرب حدود الكيان الصهيوني وإنهاء النفوذ الأميركي اللامشروع في منطقة غرب آسيا ودعم الجمهورية الإسلامية لنضال المجاهدين الفلسطيني في الأراضي المحتلة والدفاع عن الراية الخفاقة لحزب الله والمقاومة في هذه المنطقة بأسرها. وإذا كانت مشكلة الغرب ذلك اليوم منع إيران من شراء الأسلحة البدائية، فاليوم مشكلته تتمثل في منع نقل الأسلحة الإيرانية المتطورة إلى قوات المقاومة. وإذا كانت أميركا تتصور ذلك اليوم أنها يمكن من خلال عدة إيرانيين باعوا أنفسهم أو باستخدام بضعة طائرات ومروحيات، أن تتفوق على النظام الإسلامي والشعب الإيراني، فاليوم هي بحاجة إلى تحالف كبير من عشرات الدولة المناوئة أو المتخوفة من إيران لمواجهة الجمهورية الإسلامية سياسيا وامنيا، وبالطبع تتكبد الهزيمة أيضا في هذه المواجهة. إن إيران وببركة الثورة، تتبوأ الآن مكانة راقية ولائقة بالشعب الإيراني في أعين العالم، وقد تجاوزت العديد من العقبات الصعبة في قضاياها الرئيسية.

إلا أن الطريق الذي تم طيه حتى الآن، إنما يشكل قطعة من المسار المليء بالمفاخر نحو تحقيق المبادئ السامية لنظام الجمهورية الإسلامية. ولابد من طي تتمة المسار والتي يغلب الظن أنها لن تكون بصعوبة ما مضى، بهمتكم أنتم الشباب ووعيكم وسرعة عملكم وإبداعكم. وعلى المدراء الشباب والمسؤولين الشباب والمفكرين الشباب والناشطين الشباب في كل الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والدولية وكذلك في مجالات الدين والأخلاق والمعنوية والعدالة، أن يتحملوا أعباء المسؤوليات الملقاة علی عواتقهم ويستفيدوا من تجارب الماضي وعبره ودروسه، ويعتمدوا النظرة الثورية والروح الثورية والعمل الجهادي، ويجعلوا من إيران العزيزة نموذجاً تاماً للنظام الإسلامي المتقدم.

والنقطة الهامة التي يجب أن يضعها صانعو المستقبل نصب العين، هي أنهم يعيشون في بلد قل نظيره من حيث الطاقات الطبيعية والإنسانية، وقد بقيت الكثير من هذه الطاقات دون فائدة أو قليلة الانتفاع بسبب غفلة المعنيين. وستتمكن الهمم العالية والدوافع الشابة والثورية أن تفعّل هذه الطاقات لتحقق قفزة في التقدم المادي والمعنوي للبلاد بما للكلمة من معنى.

وأهم طاقة باعثة على الأمل في البلاد، هي الطاقة الإنسانية المستعدة والفاعلة ذات البنية العميقة الإيمانية والدينية الأصيلة. وتمثل شريحة الشباب دون 40 عاما جانبا والتي ولد أغلبها بسبب الموجة السكانية خلال عقد الثمانينيات، فرصة قيمة للبلاد. فهناك 36 مليون شخص في الفئة العمرية من 15 إلى 40 عاما، يحمل قربة 14 مليونا منهم شهادا عليا، ما جعل إيران تتبوأ المركز الثاني في العالم في عدد خريجي العلوم والهندسة. أن الكم الهائل من الشباب الذين ترعرعوا بروح ثورية وهم على أهبة الاستعداد لبذل الجهود من اجل البلاد، والجمع الغفير من الشباب الباحثين والمفكرين المنهمكين على تحقيق الإبداعات والابتكارات العلمية والثقافية والصناعية وغيرها، هؤلاء يشكلون ثروة عظيمة للبلاد لا تضاهيها أي ثروة مادية.

وما سوى ذلك، فإن الفرص المادية في البلاد تشكل قائمة طويلة، وبإمكان المدراء النشطين الأذكياء وذوي الدوافع الكبيرة، ومن خلال تفعيلها والاستفادة منها، ان يحققوا قفزة كبرى ترفع العائدات الوطنية ويعملوا على جعل البلد ثريا ومكتفيا ولديه ثقة كبيرة بذاته بمعنى الكلمة، ويحلوا المشكلات الراهنة. إن إيران وبإيوائها واحد بالمائة من سكان العالم، تمتلك 7 بالمائة من احتياطات المعادن والمناجم في العالم؛ فالموارد الضخمة تحت الأرض، والموقع الجغرافي الاستثنائي بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، والسوق الوطنية الكبرى، والسوق الإقليمية الكبرى، ووجود 15 من دول الجوار بسكان يبلغ عديدهم 600 مليون نسمة، وبسواحلها البحرية الطويلة، وأراضيها الخصبة بمحاصيلها الزراعية وفواكهها المتنوعة، واقتصادها الكبير والمتنوع، تشكل جوانب من طاقات البلاد؛ والكثير من هذه الطاقات بقيت غير مستفادة. وقد قيل إن إيران في المركز الأول عالميا من حيث الطاقات الطبيعية والإنسانية غير المستفادة. ولا شك أنكم الشباب المؤمن النشط، ستتمكنون من إزالة هذا النقص الكبير. وينبغي أن تكون العشرية الثانية من الخطة العشرينية، فترة للتركيز على الاستفادة من انجازات الماضي والطاقات غير المستفادة وتحقيق تقدم البلاد بما في ذلك في قطاع الإنتاج والاقتصاد الوطني.

والآن أوجه لكم أبناء الأعزاء بعض الوصايا الأساسية كرؤوس نقاط. ورؤوس النقاط هذه عبارة عن: العلم والبحث، المعنوية والأخلاق، الاقتصاد، العدالة ومحاربة الفساد، الاستقلال والحرية، العزة الوطنية والعلاقات الخارجية، الالتزام بالحدود في التعامل مع العدو، وأسلوب الحياة.

 

وقبل كل شيء، فأن أولى توصية لي تتمثل في الأمل والنظرة المتفائلة نحو المستقبل. فبدون هذا المفتاح الأساسي لجميع الأقفال، لا يمكن القيام بأي خطوة. إن ما أقوله هو أمل صادق يعتمد على الحقائق الملموسة. إنني شخصيا ابتعدت دوما عن الأمل الكاذب الخدّاع، لكنني حذرت وأحذر نفسي والجميع من اليأس والخوف الكاذب أيضا. ففي طيلة هذه الأربعين عاما – والآن وكما كان دوما – فإن السياسة الإعلامية والدعائية للعدو وأكثر خططه، تتمحور حول زرع اليأس بين الجماهير وحتى مسؤولينا ومدرائنا تجاه المستقبل. إن الأخبار الكاذبة والتحليلات المغرضة وقلب الحقائق وإخفاء مظاهر الأمل وتضخيم العيوب الصغيرة والتقليل من الحسنات الكبرى أو إنكارها تمثل البرنامج الدائمي لآلاف وسائل الإعلام الصوتية والمرئية ومواقع النت لأعداء الشعب الإيراني؛ وبالطبع فإن أذيالهم يمكن مشاهدتهم في الداخل، حيث يتحركون في خدمة العدو مستغلين الحريات المتاحة. وعليكم أنتم الشباب أن تكونوا السباقين في كسر هذا الحصر الإعلامي. ازرعوا بينكم وبين الآخرين براعم الأمل بالمستقبل. وأبعدوا الخوف واليأس عنكم وعن الآخرين. فهذا أول جهاد لكم وأكثره تجذرا. مؤشرات الأمل – والتي تمت الإشارة إلى بعضها منها – ماثلة أمام أعينكم. فالنمو في الثورة أكثر بكثير من التساقط، والأيدي والقلوب الأمينة والخدومة هي أكثر بكثير من المفسدين والخائنين الانتهازيين. والعالم ينظر في كثير من المجالات إلى الشباب الإيراني والاستقامة الإيرانية والإبداعات الإيرانية بعين الاحترام والتكريم. اعرفوا قدر أنفسكم، وتوثبوا نحو المستقبل بالقوة التي منحكم الله، واصنعوا الملحمة.

 

وأما التوصيات:

 

1. العلم والبحث: العلم، هو أوضح وسيلة لعزة أي بلد وقوته. فالوجه الآخر للمعرفة، هو القدرة. فعالم الغرب تمكن ببركة علمه أن يجمع الثروة والنفوذ ويمتلك قوة وسلطة عمرها أكثر من قرنين، ورغم فقره في الأساس الأخلاقية والاعتقادية، إلا انه ومن خلال فرض أسلوب الحياة الغربية على المجتمع المتخلفة عن ركب العلم أصبح يمسك بزمام السياسة والاقتصاد فيها. نحن لا ننصح باستغلال العلم كما يفعل الغرب، ولكن من المؤكد نصرّ على حاجة البلاد الى تفجير ينابيع العلم بينكم. وبحمد الله فإن الاستعداد والمواهب العلمية والبحثية لدى شعبنا هي أعلى من المتوسط العالمي. والآن بدأت نهضة علمية في البلاد منذ قرابة عقدين من الزمان، وقد فاجأت المراقبين العالميين بسرعتها، التي بلغت 11 مرة مقارنة بمتوسط سرعة التقدم العلمي في العالم. لقد ارتقت انجازاتنا العلمية والتقنية بنا إلى المركز السادس عشر من بين أكثر من 200 بلد في العالم، وأذهلت المراقبين العالميين، وفي بعض الفروع الحساسة والحديثة، ارتقت بنا إلى المراكز الأولى، كل ذلك حصل في حين كانت البلاد تواجه حظرا ماليا وعلميا. فنحن وان كنا نسبح عكس تيار العدو، حققنا أرقاما قياسية كبرى، وهذه نعمة كبرى علينا أن نحمد الله عليها ليلا ونهارا.

لكن ما أريد أن أقوله هو أن هذا الطريق الذي تم طيه، ورغم أهميته، إنما كان البداية لا أكثر. فنحن مازلنا متخلفين عن قمم العلم العالمية كثيرا؛ وعلينا أن نصل إلى القمم. وعلينا أن نخترق الحدود الحالية للعلم في أهم الفروع. ونحن مازلنا متخلفين عن هذه المرحلة كثيرا؛ لقد بدأنا من الصفر. فالتخلف العلمي المهين في عهدي البهلوي والقاجاري عندما انطلق السباق العلمي في العالم حديثا، وجه لنا ضربة شديدة، وأبعدنا فراسخ عن هذا الركب المتسارع. والآن بدأنا الحركة، ونمضي بسرعة، ولكن هذه السرعة العالية يجب أن تستمر لسنوات بشدة كبيرة، للتعويض عن ذلك التخلف. إنني وبشكل ودي وقاطع وجاد نبهت وحذرت وأرسلت دعوة إلى الجامعات والجامعيين ومراكز الأبحاث والباحثين، والآن فإنني أطلب منكم عامة أيها الشباب، أن تشعروا بمزيد من المسؤولية في هذا السبيل، وان تمضوا بها كحركة جهادية. ولقد تم وضع الحجر الأساس للثورة العلمية في البلاد، وهذه الثورة قدمت شهداء كشهداء التقنية النووية. انهضوا وأحبطوا محاولات العدو المغرض الحاقد الذي يخشى من جهادكم العلمي بشدة.

 

2. المعنويات والأخلاق: المعنويات بمعنى إبراز القيم المعنوية كالإخلاص والإيثار والتوكل والإيمان بينكم وبين المجتمع، والأخلاق بمعنى مراعاة الفضائل مثل حب الخير والتسامح ومساعدة المحتاجين والصدق والشجاعة والتوضع والثقة بالذات وسائر الأخلاقيات الحسنة. إن المعنويات والأخلاق تعطي هدفا لجميع حركاتكم ونشاطاتكم الفردية والاجتماعية، وتشكل الحاجة الرئيسية للمجتمع؛ فوجودها (المعنويات والأخلاق) تحول بيئة الحياة رغم النقائص المادية، إلى جنة، وانعدامها يحول الحياة إلى جحيم حتى مع توفر الإمكانات المادية.

 

وكلما تنامى الشعور المعنوي والضمير الأخلاقي في المجتمع، فإنه سيثمر عن مزيد من البركات؛ وهذا لا شك بحاجة إلى الجهاد وبذل الجهود، وبدون تعاون الحكومات المتعاقبة لن يحقق كثيرا من النجاح. وبالطبع فإن الأخلاق والمعنويات، لا يمكن ترسيخها بإصدار الأوامر، لذلك لا يمكن للحكومات أن توجدها بالقوة القهرية، ولكن عليها أولا أن تتحلى بالنهج والسلوك الأخلاقي والمعنوي، وثانيا أن توفر الأرضية لترويجها في المجتمع، وان تفسح المجال بهذا الشأن للمؤسسات الاجتماعية وتقدم لها العون، وأن تحارب المراكز المعادية للمعنويات والأخلاق بالأسلوب المعقول، وخلاصة الكلام أن لا تسمح للجهنميين أن يدخلوا الناس إلى جهنم بالقوة والخديعة.

إن وسائل الإعلام المتقدمة والشاملة وضعت إمكانيات خطيرة للغاية بتصرف المؤسسات المناهضة للمعنويات والأخلاق كما يلاحظ استهدافات الأعداء بشكل متزايد لقلوب الشبان واليافعين وكذلك الصبيان باستخدام هذه الوسائل.

إن الأجهزة الرسمية تضطلع بمسؤوليات كبيرة في هذا الموضوع حيث ينبغي التحلي بالوعي والمسؤولية بشكل كامل تماماً ومن البديهي أن ذلك لا يعني دفع المسؤولية عن الأشخاص والمؤسسات غير الحكومية، وينبغي، خلال المرحلة المقبلة إعداد خطط شاملة قصيرة ومتوسطة الأمد وتنفيذها بإذن الله.

 

3. الاقتصاد: يعد الاقتصاد موضوعاً رئيسياً ومصيرياً. إن الاقتصاد المتين يشكل عنصراً للقوة ودفع الهيمنة والتغلغل في البلاد كما إن الاقتصاد الضعيف يمهد للتقويض وتغلغل الأعداء وتدخلهم وهيمنتهم. إن الفقر والثراء يتركان تأثيراتهما على الشؤون المادية والمعنوية للبشرية. لا يعدّ الاقتصاد هدفاً للمجتمع الإسلامي إلا أنه أداة لا يمكن تحقيق الهدف دونها. ينبغي التأكيد على توطيد اقتصاد مستقل للبلاد يقوم على الإنتاج الممتاز على الصعيدين الكمي والنوعي والتوزيع العادل والاستهلاك بشكل معتدل من غير إسراف والعلاقات الإدارية القائمة على العقلانية والتي حازت على تأكيدي مرات عديدة خلال الأعوام الأخيرة بسبب التأثيرات المذهلة التي يتركها الاقتصاد على شؤون الحياة في المجتمع اليوم وغداً.

إن الثورة الإسلامية عرضت لنا طريق الإنقاذ من الاقتصاد الضعيف والتبعية والفساد في عهد الحكم الملكي السابق إلا أن الإدارة الضعيفة في اقتصاد البلاد جعلت اقتصاد البلاد تواجه تحديات من الداخل والخارج.  إن التحديات الخارجية تتمثل بالحظر ومكائد الأعداء حيث إنه في حال إصلاح المشكلة الداخلية سيضعف تأثيراتها بل ستزول. إن التحديات الداخلية تتمثل بالنقائص الهيكلية والضعف الإداري.

إن النقائص الأهم في اقتصاد البلاد تتمثل بالتبعية للنفط والهيمنة الحكومية على جوانب منه، والنظرة إلى الخارج بعيدا عن الطاقات والقدرات الداخلية، والاستخدام الضعيف للكوادر الإنسانية، والميزانية الناقصة وغير المتزنة وفي النهاية عدم استقرار السياسات الاقتصادية التنفيذية وعدم الاهتمام بالأولويات والنفقات الإضافية والبذخية أحياناً في المؤسسات الحكومية وفي النتيجة أسفرت عن بروز مشاكل معيشية كالبطالة لجيل الشباب وقلة العوائد لدى الشرائح الفقيرة ونظائرها.

إن سبل حلول هذه المشاكل تتمثل بخطة الاقتصاد المقاوم والتي ينبغي إعداد برامجها التنفيذية في جميع المجالات ومتابعتها ومن قبل الحكومات. إن الإنتاجية الداخلية للاقتصاد والمعرفية والشعبية والحد من هيمنة الحكومة والتوجّهات الخارجية باستخدام الطاقات التي أشير إليها سابقا تشكل جوانب مهمة من هذه الحلول. لاشك أن مجموعة من الخبراء المؤمنين الشبان والمطلعين على المعارف الاقتصادية في داخل الحكومة يستطيعون نيل هذه الأهداف. إن المرحلة المقبلة ينبغي أن تكون ساحة لنشاط مثل هذه المجموعة.

على شباننا الأعزاء في جميع أرجاء البلاد أن يعوا أن جميع الحلول تكمن في داخل البلاد. إن التصور الذي يقوم على إن "المشاكل الاقتصادية ناجمة عن الحظر فقط والذي سببه يعود إلى المقاومة المناهضة للاستكبار وعدم الاستسلام في مواجهة الأعداء لذلك فإن الحل يتمثل بالرضوخ أمام الأعداء وتقبيل مخالب الذئب" تعد خطيئة لا تغتفر. إن هذا التحليل الخاطئ كلّه رغم أنه يصدر من أفواه وأقلام بعض المغفلين في الداخل أحيانا إلا أن مصدره يعود إلى مراكز التخطيط والتآمر الأجنبية والتي توحي بها ألسنة صناع القرار والمنفذين في الداخل.

 

4. العدل ومكافحة الفساد: إن هذين الأمرين متلازمان. إن الفساد الاقتصادي والأخلاقي والسياسي، غدّة خبيثة في البلدان والأنظمة وفي حال إصابة هيكل الحكومات بها فان زلزالا مدمراً وصفعة أليمة ستطال شرعيتها وتعد أكثر جدية وعمقاً لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي يتطلب شرعية تفوق الشرعيات التقليدية وأكثر بنيوية من حالة الرضا الاجتماعي. إن وساوس المال والمناصب والرئاسات أصاب البعض بالهزات في أسمى الحكومات طيلة التاريخ أي حكومة أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب عليه السلام)، لذلك فأن مخاطر ظهور مثل هذا التهديد في الجمهورية الإسلامية التي كان مسؤولوها ومدرائها يتسابقون في الاتصاف بالزهد الثوري والبساطة في العيش يوماً ليس أمراً مستبعداً وهو ما يتطلب تواجد جهاز كفوء يتسم بنظرات ثاقبة ونشاطات حازمة في السلطات الثلاث بشكل دائم ويكافح الفساد بشكل حقيقي لاسيما داخل الأجهزة الحكومية.

إن حجم الفساد بين المسؤولين في حكومة الجمهورية الإسلامية مقارنة بالكثير من البلدان الأخرى وكذلك النظام الملكي السابق الذي كان غارقاً فيه ويربّي عليه أقل كثيراً وإن المسؤولين في هذا النظام صانوا أنفسهم في معظم الحالات بفضل الله تعالى، إلا أن ما هو موجود لا يعد مقبولاً. على الجميع أن يعي أن النزاهة الاقتصادية تعد شرطاً لشرعية جميع مسؤولي الحكومات في الجمهورية الإسلامية. على الجميع توخّي الحذر من شيطان الأطماع والابتعاد عن تناول المحرمات وطلب العون من الله تعالى بهذا الشأن وعلى جميع الأجهزة الرقابية والحكومية مكافحة انعقاد نطفة الفساد ونموها بحزم وحساسية بالغة. إن هذا الكفاح يتطلب حضور أشخاص يتسمون بالإيمان والجهاد والإباء يعملون بأيادي طاهرة ويحملون قلوباً نيرة. إن هذا الكفاح يعد الجانب المؤثر من الجهود الشاملة التي ينبغي لنظام الجمهورية الإسلامية القيام بها في سبيل إرساء العدل.

إن العدل يعد على رأس الأهداف الابتدائية للبعثات النبوية كما إنه يتبوأ في الجمهورية الإسلامية ذات  المكانة والشأن وهو الكلمة المقدسة في جميع الأزمنة والأمصار ولن يتوفر بشكله التام سوى في حكومة الإمام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إلا إنه يعد فريضة على الجميع لاسيما الحكام وأصحاب القوى بشكل نسبي في كل مكان وجميع الأزمان على حد الإمكان.

إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قامت بخطوات جبارة في هذا الطريق والذي أشير إليه بشكل مختصر والذي ينبغي القيام بالمزيد من النشاطات لشرحها وإيضاحها وهو ما يحبط المؤامرات الرامية لقلب الحقائق أو الصمت وإخفاء الحقائق والتي تعد مخططات جادة من قبل الأعداء.

ومع كل هذا فإنني أقول بصراحة لشباننا الأعزاء الذين يعدون أملا لمستقبل واعد للبلاد إنّ ثمة فجوة كبيرة تفصل بين ما تحقق مع ما كان ينبغي أن يتحقق. إن قلوب المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ينبغي أن تنبض باستمرار من أجل العمل على إزالة الفقر إلى جانب الحذر بشدة من وقوع الفوارق الطبقية الكبيرة. إنّ حيازة الثروة في الجمهورية الإسلامية لا تعدّ جريمة فحسب بل يحفز لتحقيقها، إلا أن التمييز في توزيع الثروات العامة ومنح الفرص للانتهازيين والتسامح مع المتلاعبين بالاقتصاد والذي يسفر عن إزاحة العدل ممنوع بتاتاً، كما إنّ تجاهل الشرائح من ذوي الحاجة للدعم غير مقبول مطلقاً. هذا التصريح قد تكرر عدة مرات ضمن أطر السياسات والقوانين إلا أنّ الأمل يحدو بكم أنتم الشباب لتنفيذه وفي حال تحويل زمام أمور البلاد إلى شريحة الشباب المؤمن والثوري المتعلم والكفوء والذين ليسوا قلة بحمد الله فانّ هذا الأمل سيتحقق بإذن الله.

 

5. الاستقلال والحرية: الاستقلال الوطني بمعنى تحرر الشعب والحكومة من املاءات وغطرسة القوى السلطوية في العالم، والحرية الاجتماعية تعني الحق في اتخاذ القرار والتصرف والتفكير لجميع أفراد المجتمع، وكل هذه قيم إسلامية وهدايا إلهية للبشرية، وليست فضلا من الحكومات على الشعوب، والحكومات ملزمة بتوفير هذين الأمرين، وإن مكانة الحرية والاستقلال يعتبرها أولئك الذين ناضلوا من أجلها، والشعب الإيراني بجهاده طيلة أربعين عاما كان من ضمن هذه الشعوب، والاستقلال والحرية الحالية في إيران الإسلامية إنجاز، جاء نتيجة دماء مئات الآلاف من الأشخاص العظماء والشجعان والمضحين، وأغلبيتهم من الشباب، ولكنهم جميعا في المراتب الرفيعة من الإنسانية، وهذه ثمرة الشجرة الطيبة للثورة ليست معرضة للخطر من خلال التفسيرات الساذجة والمغرضة في بعض الأحيان، وعلى الجميع وخاصة حكومة الجمهورية الإسلامية مكلفة بالحفاظ عليها بكل كيانها، ومن البديهي أن "الاستقلال" لا ينبغي أن يعني حبس السياسة واقتصاد البلاد داخل حدودها، ولا ينبغي تعريف "الحرية" بأنها تتعارض مع الأخلاق والقانون والقيم الإلهية والحقوق العامة.

 

6. الكرامة الوطنية والعلاقات الخارجية وتعيين الحدود الفاصلة مع العدو: وهذه الأمور الثلاثة هم فروع لمبدأ "العزة والحكمة والمصلحة" في العلاقات الدولية، والساحة الدولية تشهد اليوم ظواهر تحققت أو على وشك الظهور: التحرك الجديد لحركة الصحوة الإسلامية قائم على أنموذج المقاومة في مواجهة الهيمنة الأميركية والصهيونية، فشل السياسات الأميركية في منطقة غرب آسيا، وعجز الخونة المتعاونين معهم في المنطقة، توسيع التواجد السياسي المقتدر للجمهورية الإسلامية في غرب آسيا وانعكاسها الواسع في جميع أنحاء عالم الهيمنة. هذه هي جزء من مظاهر عزة لجمهورية الإسلامية التي لم تتحقق إلا بشجاعة وحكمة المدراء الجهاديين، وقادة نظام الهيمنة قلقون، مقترحاتهم تتضمن عادة الخداع والأكاذيب، واليوم فان الشعب الإيراني يعتبر إضافة إلى أميركا المجرمة، عددا من الدول الأوروبية مخادعة وغير جديرة بالثقة. ويجب على حكومة الجمهورية الإسلامية أن تصون حدودها مع هذه الدول، وان لا تتراجع خطوة واحدة عن قيمها الثورية والوطنية، ولا تخشى تهديداتهم الفارغة، وفي جميع الأحوال، أن تأخذ بنظر الاعتبار كرامة بلادها وشعبها، وبحكمة وبنظرة ثاقبة، وبالطبع من موقف ثوري، أن تسعى إلى حل مشاكلها القابلة للحل معهم. وبشأن اميركا فانه لا يوجد تصور لحل أي مشكلة، والتفاوض معها لن يسفر إلا عن ضرر مادي ومعنوي.

 

7. أسلوب الحياة: هناك الكثير من الحديث عن هذا الأمر، سأتحدث عنه في فرصة أخرى، واكتفي بهذه الجملة وهي أن محاولة الغرب لترويج أسلوب الحياة الغربية في إيران تسببت في وقوع خسائر لا يمكن تعويضها على الأصعدة المعنوية والاقتصادية والدينية والسياسية لبلادنا وشعبنا. ومواجهة ذلك هو جهاد شامل وذكي يتطلب عقد الآمال عليكم انتم الشباب.

وفي الختام اشكر المشاركة المشرفة والفخورة للشعب العزيز والمحطمة لهيبة الأعداء في 11 شباط/فبراير الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية العظيمة، واسجد لله تعالى شكرا، السلام على بقية الله (أرواحنا فداه)، السلام على الأرواح الطيبة للشهداء الأبرار والروح الطاهرة للإمام الخميني (رض(، والسلام على جميع الشعب الإيراني العزيز وسلام خاص إلى الشباب.

 

 

السيد علي الخامنئي

 11شباط/ فبراير 2019