كان للثورة الإسلامية في إيران التي انتصرت يوم الثاني والعشرين من بهمن عام سبعة وخمسين وثلاثمئة وألف الهجري الشمسي –الحادي عشر من فبراير –شباط من العام الميلادي ألف وتسعمئة وتسعة وسبعين والمتطلعة لأهداف سياسية واجتماعية، بصفة خاصة عين على حضارة الإسلام ورؤيته العالمية. فبالرغم من كل محاولات المتغطرسين وخاصة متغطرسي الغرب التي كانت ترمي أبداً لتشويه صورة هذه الثورة وتوحي بأنها عدائية وضد الثقافة إلا أن زعامتها الحكيمة والمحنكة ما انفكت تؤكد ما لهذه الثورة الإسلامية من مفاهيم فذة وقواسم مشتركة مع العالم وما تنفرد به أيضاً في ما في الدنيا من مدارس وتيارات فكرية وأديان شتى.

إن مفهوم تصدير الثورة من وجهة نظر الإمام الخميني قدس سره الشريف؛ نقل قيمها ومثلها المعنوية والربانية لسكان المعمورة بما تيسر من الإمكانات ووسائل الإعلام مثل:الدعوة وتبيين المفاهيم والمعارف الإسلامية في العالم وكذا الثقافة والحضارة الإيرانية –الإسلامية، والإعداد لما يناسب حوار الحضارات والثقافات، وتعزيز وحدة الأمة الإسلامية وإحياء ثقافة أهل البيت عليهم السلام، وإشاعة اللغة الفارسية وآدابها.

 

الثورة الإسلامية وتصدير القيم الثقافية

أعقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران في بهمن عام سبعة وخمسين تطورات كبيرة في المنطقة والعالم والمزيد من التأثيرات العالمية المذهلة.

الثورة وقد أطاحت بإيمانها ومعتقداتها الإسلامية وشعار لا شرقية لا غربية نظام الاستبداد الشاهنشاهي لتقيم بدلاً عنه الحكم الجمهوري الإسلامي في هذا البلد.

كان للثورة الإسلامية باعتبارها أحد أهم وأعظم أحداث القرن العشرين، الكثير من البركات والنتائج الباهرة في إيران والعالم.

 

المفكر الفرنسي المسلم روجية جارودي يصفها في أحد مقالاته:

 "إن الثورة الإسلامية التي تزعمها الإمام الخميني (ره) لا تشبه حقا أياً من الثورات السابقة التي قامت لتغيير النظم السياسية، وكذلك الثورات الاجتماعية التي شهدها العالم تعبيراً عن نقمة الفقراء وسخطهم على الأغنياء وأفرغت جام غضبها على رؤوس المستعمرين والغاصبين. لكن الثورة الإسلامية الإيرانية هي الأخرى كانت تحظى بكل هذه الدوافع والمسببات.

كان لهذه الثورة إلى جانب ما تقدم معان جديدة ... فإنها لم تطح بحكومة سياسية واجتماعية واستعمارية فحسب وإنما أطاحت كذلك بحضارة ورؤية عالمية مميزة كانت قد تحدّت الدين".

وقد كان للثورة الإسلامية هذه بالغ الأثر في توعية مسلمي العالم وإحياء المعتقدات الدينية.

ففي العصر الذي كاد يشهد طمس عزة الإسلام وسحقها من قبل المستعمرين وأعداء الإسلام وكارت تنسى فيه القيم ومثل هذا الدين المبين ويعفو عليها الزمن، قامت الثورة الإسلامية بزعامة الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه في إيران لتهدي ملايين مسلمي العالم ثقافة الإسلام وحضارته الأصيلة وتعيد إلى نفوسهم بارقة أمل إيذاناً بولادة جديدة للإسلام وإعادة ما للعالم الإسلامي من مجد تليد وعظمة عريقة.

عن خصوصيات هذه الثورة وضرورة الإبلاغ والإعلان عن قيمها، يقول قائد الثورة الإسلامية:"كان للثورة اتجاهان: الأول، محاربة الاستبداد الداخلي والحكومة الفاسدة العميلة التي دمرت الشعب والوطن، إنقاذ الوطن والشعب، وتربية الشعب تربية إسلامية. الاتجاه الثاني، مخاطبة الدنيا والبشرية. وهذا ما جذب الدنيا إليه.

وإلا فإن المفكر الفلاني الأوروبي أو الغربي أو الإفريقي أو الأمريكي اللاتيني الذي يطري الإمام والثورة والنظام الإسلامي والحركة الجماهيرية لم يعرف شيئاً عن الحكومة لأنه ليس داخل بلادنا.

إنها رسالة الإسلام الإنسانية العالمية التي تحث الشخص الفلاني على هذا الإطراء. الجانب الثاني هو في غاية الأهمية، علينا إمكانية بيانه."

 

تصدير الثورة الإسلامية

 

ترى أنى وكيف السبيل لإسماع المسلمين والعالم هذا النداء الإنساني؟!

هل لنا أن نبلغ الدنيا ونقمها منطقياً ما للثورة من القيم الثقافية وما يجنب المخاطبين وعشاق الثورة هذه هجمات الأعداء وغزوهم الفكري والثقافي؟!

الإجابة عن هذا السؤال؛ هي تصدير الثورة إذ نمت على أسس فكرية وثقافية لتقوم بدافع الإحساس برسالتها وواجبها الشرعي والإنساني بنشر أفكارها وترويجها؛ أي: تصدير الثورة. فتصدير الأفكار وعقائد قامت من أجلها الثورة الإسلامية، إنما يعني نيل الاستقلال والحرية من منطق الإسلام.

فمن المكتسبات القيمة للثورة في المنطقة والعالم تصدير الثورة الإسلامية.

كم من مرة ركز الإمام الخميني (ره) وكبار مسئولي النظام على هذا الموضوع المهم وكانت لهم آراؤهم الكثيرة إزاء تصدير الثورة الإسلامية.

إلى ذلك قال سماحة الإمام (ره): "إننا نصدر تجاربنا للعالم كافة وننقل لمحاربي درب الحق دون أن تكون لنا أي أطماع، نتيجة الصراع ومحاربة الظالمين والصمود أمامهم. المسلم به أن هذه التجارب إنما هي براعم النصر والاستقلال والعمل بأحكام الإسلام بالنسبة للشعوب المستعبدة."

 

مفهوم تصدير الثورة

كان انتصار الثورة الإسلامية في إيران باكورة تحقق وعد الله بإنقاذ المستضعفين. وهي؛ أي: هذه الثورة أضاءت كالشمعة الوهاجة بانتصارها الدرب لإنقاذ الشعوب من قيود العبودية وأغلال الاستكبار العالمي، وكما قال الشهيد محمد جواد باهنر "إن الثورة الإيرانية منحت الإسلام العزيز حيوة جديدة."

وقال العالم الألماني غيز لا كرانت في الملتقى العالمي حوار الثقافات (حافظ، غوتة وبوشكين): أضحى الإسلام في العقود الأخيرة نموذجاً ومدرسة قوية يدور في ضوئها صراع شديد ضد الماتريالية احياءً للمعنويات."

كان إحياء المجتمعات الإسلامية ونمو المعنويات المتزايد وعي الشعوب المضطهدة في ضوء انتصار الثورة الإسلامية وراء تشغيل ماكنة الحرب النفسية الغربية لتشوه بمالها من قدرة وطاقة وسبل ووسائل وإمكانات مختلفة وجه الثورة الإسلامية على أمل التشكيك بالقيم الإسلامية في القرن العشرين. فمن مؤامراتهم الاستعمارية تحريف تصدير الثورة والعمل على قلب مفاهيم هذه الثورة الداعية للإسلام... والإيحاء بأنها تعني الاعتداء ومهاجمة أراضي الغير والدعوة إلى الحرب والاقتتال والعدوان.

عن معنى تصدير الثورة الإسلامية ومفهوم ذلك يقول الإمام الخميني (ره): "عندما نقول نريد تصدير الإسلام ليس بمعنى أننا نستقل الطائرة ولمهاجمة سائر الدول.... لا لم نقل كلاماً كهذا ولا نقدر على ذلك أيضاً. أما ما نقدر عليه تعريف الإسلام كما هو عبر الإذاعة والتليفزيون والصحافة ومن يسافر إلى خارج البلاد. فإذا عرف كما هو لأقره الجميع."

 "إن تصدير الثورة لا يعني الاعتداء والحرب والاستحواذ على أراضي الآخرين... إن تصدير الثورة يعني تصدير الخطاب وتصدير رسالة الثورة وتصدير قيم كالاستقلال وعدم التبعية والاكتفاء الذاتي والخصال الإنسانية النزيهة والإيمان وشرف الفخر بنصرة المستضعفين و..."

 

تصدير القيم الثقافية

في ضوء ما تقدم أعدنا إلى الأذهان أن تصدير الثورة من وجهة نظر الإمام الراحل (ره) وقائد الثورة الإسلامية، تصدير الخطاب ورسالة الثورة ونقل القيم المعنوية والربانية لإسماع العالم لا في ظل العنف والقوة والهجمات العسكرية... بل بوجوب الأخذ بنظر الاعتبار كافة الإمكانات ووسائل إبلاغ محتوى الخطاب، وظروف متطلبات المخاطبين زماناً ومكاناً في مختلف نقاط المعمورة.

إن ثورتنا كانت ثورة ثقافية وحسب الشهيد المظلوم بهشتي "ثورة القيم". وهذه إشارة لبعض واجبات النظام وأهدافه الإستراتيجية بخصوص نقل القيم الثقافية السامية وإبلاغها في الساحة الدولية: إن البعد الأهم والمؤشر للنظام في الدنيا هو كما تقدم البعد الفكري والثقافي... فكما يقول قائد الثورة الإسلامية: "لو تسنى لنا القيام بعمل لائق في المجال الفكري والثقافي لأحبطت كل تهديدات العالم المادية."

 

الدعوة إلى المعارف الإسلامية في العالم وتبيين مفاهيمها

من أهم رسالات الثورة الإسلامية في الساحة العالمية تعريف المعارف الإسلامية، إحياؤها وتطويرها وتطوير الفكر وتنميته. فما يحاوله أعداء الإسلام ويسعون إليه دائماً وأبداً تشويه وجه الإسلام وقلب الحقائق. وبانتصار الثورة الإسلامية اعيدت الحيوة للدين والديانة في كل أرجاء العالم كما هي الحال بالنسبة للدين والمعنويات فإنهم عادوا بدورهم إلى المجتمع.

فمن أهداف الثورة الأساس، إصلاح التفكر الديني وإبعاد الخرافات وأسبوع عن وجه الدين الإسلام واستجابة الدين لمتطلبات المجتمع الفكرية.

إلى ذلك؛ يقول الإمام الخميني (ره):

 

"علينا تعريف الإسلام في كل أرجاء الدنيا. الإسلام مظلوم الآن في الدنيا وغريب فيها."

 "المراد إحياء الإسلام، أحكام الإسلام وأحكامه العالمية والعمل بذلك ويحيا الجميع حيوة مرفهة ويكونوا أحراراً ومستقلين."

وتوكيداً على رعاية الظروف، الوسائل وسبل إبلاغ الخطاب لسائر الدول، يقول قائد الثورة الإسلامية أيضاً: "لتمرير الأعمال وتأثيرها يبنى اليوم في العالم تباعاً النظريات الفكرية، لإخضاع المخاطب المعني بهذا الغزو الفكري، وإقناعه وإركاعه ليتسنى لهم تحقيق غاياتهم بما لهم من الإمكانات المادية والثروات. نحن ومعنا الفكر والمعارف الإسلامية، نحن ومعنا خطاب الثورة الإسلامية، علينا نحن أن نتمكن من إيصال ذلك إلى العالم.. علينا نحن أن نتمكن من بيان المفاهيم والمعارف الإسلامية وما يخصنا، طبعاً أن يكون ذلك بلحن وبيان متسمين بالثقافة والتقدمية وبمفردات وألفاظ تناسب كل ظروف وزمان.".

 

المؤلف: محمد سالار  (تمت الترجمة في موقع إذاعة طهران العربية)