آية الله مظاهري

 

الرفق والرحمة من الصفات المهمة التي يُشترط توفرها في المجاهدين والجميع يأنس ويرتاح لهاتين الصفتين حتى أولئك الذين ليس في قلوبهم أي شيء من الرفق والرحمة...

الرفق والرحمة هاتان الكلمتان المقدستان والمفعمتان بالنور والعاطفة الجياشة، يرتكز عليها عالم الوجود، ولولا أن الله تعالى خلق الرحمة في الإنسان وجعلها من غرائزه الفطرية، لما كان هناك أبٌ أو أمٌ على استعداد للتضحية والبذل من أجل أبنائهم، وكل هذه الجرائم التي ترتكب في عالمنا المعاصر "في الشرق والغرب" الذي يسمى بالعالم المتحضر... تأتي بسبب انعدام الرحمة والعاطفة... وكل هذه المصائب والويلات التي تهيمن على العالم اليوم يرجع سببها إلى فقدان حكم الرحمة على البشرية.

وكلما انتزعت الرحمة من قلب الإنسان فمن الطبيعي أن تحلَّ محلها القسوة وغلظة الطبع وهذه من أسوأ الصفات المذمومة، وعندها يذهب عقل الإنسان ويطبع على سمع الإنسان وبصره ونطقه.

انعدام الرحمة هو الذي يوصل الإنسان إلى الحال التي يئدُ فيها بناتِهِ، ويقصف منازل الأبرياء العزّل بصواريخ فتاكة.

النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من لا يَرْحَمُ لا يُرْحَم"... فالذي لا يرحم الناس لا يستحق أن يرحمه الله تعالى.

 

* الرأفة في الجبهة

وصفة الرحمة لها أهمية أكبر بالنسبة للمجاهدين إذ أن طبيعة عملهم وهي القتال تجعلهم على تماس مستمر بالقتلى والجرحى والتدمير، لذلك فما لم ينتبهوا إلى أنفسهم فإن القسوة والغلظة ستسيطر على قلوبهم. في هذا المجال يحدّد لنا القرآن الكريم منهجاً واضحاً يجب على كافة الأخوة المجاهدين أن يضعوه نصب أعينهم بل وعلى جميع المسلمين أيضاً.

﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ أنصار محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذا هاجموا أعداء الله هجموا بعنفٍ وقوة وغلظة وقاوموهم بشدة. حتى يقال أن لا مكان لرحمة في قلوبهم، يهجمون بعنفٍ ويشقون صفوف أعدائهم بقوة ويتقدمون.

أما إذا نظرنا إليهم، في تعاملهم مع بعضهم، لرأينا تياراً دافقاً من الرفق والرأفة رغم أنهم يتعاملون مع أعداء الله في غاية الشدة والغلظة ولا تأخذهم رأفة بهم...أمير المؤمنين علي عليه السلام كان المصداق والمثل الأعلى للأنصار الحقيقيين.

 

* شجاعة علي عليه السلام وعاطفته

ابن أبي الحديد المعتزلي شارح نهج البلاغة يصف أمير المؤمنين عليه السلام فيقول:

"...من فضائل علي عليه السلام أنه قد جمع بين الأضداد، فهو الشجاع القوي والعطف والرؤوف. ولنعم ما قيل:

  جمعت في صفاتك  الأضداد        زاهدٌ    حاكمٌ   حليمٌ    شجاعٌ

  هو البكاء في المحراب ليلاً           ولهذا     عزت   لك     الأنداد

  ناسكٌ   فاتكٌ    فقيرٌ   جوادٌ      هو الضحاك إذا اشتد الضراب

 

الأغلب أن تفتقد المرأة للشجاعة بسبب غلبة العاطفة عليها.

والشجعان يكونون عادة بلا عواطف وهذا هو النقص، أما أتباع علي عليه السلام والمقتدين به فحالهم يختلف... فهم في قمة الشجاعة والجرأة والإقدام عندما يواجهون العدو، وهم فيما بينهم في قمة التراحم والتعاطف.

 

* وصية الرسول الأكرم لجند الإسلام

عندما كان جند الإسلام يتوجهون إلى ميادين الحرب كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب فيهم ويوضح لهم آداب الحرب في الإسلام ويقول:

"أغزا، بسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغدروا ولا تمثلوا ولا تغلوا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة ولا متبتلاً في شاهق، ولا تحرقوا النخل ولا تغرقوه بالماء... ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تحرقوا زرعاً... لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا من البهائم يؤكل لحمه إلا ما لا بد لكم من أكله وأيما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد المشركين فهو جارٌ حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في الدين وإن أبى فأبلغوه مأمنه استعينوا بالله...".

 

* التراحم والتعاطف فيما بينكم

والأهم من الرحمة بأفراد العدو هو التراحم والتعاطف فيما بينكم، يجب أن يسود التراحم والتعاطف بين أفراد الجيش، ويتأكد هذا الأمر في ساحة المواجهة بصورة خاصة.

لا معنى لأن يتمتع أحد بالإمكانات والرفاهية دون الآخر. وفي ساحة المواجهة لا معنى لهذا التمايز أصلاف، وإذا حدث لا سمح الله هكذا تمايز، فإن هذه الجبهة لن تبقى جبهة الإسلام، الجبهة التي ينام فيها أفراد جائعون في حين يتمتع آخرون بوضع مرفه، هذه الجبهة ليست جبهة إسلامية، فالتمايز في الغذاء والملبس والإمكانات يؤدي إلى تدمير العلاقات الأخوية والتراحم، والجبهة التي فيها شيء من هذا القبيل لا يتجلى نور الله تعالى فيها روح الأخوة والرأفة والتراحم يجب أن تسيطر في الجبهة، فمن لا يَرْحَم لا يُرْحم، على المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها. المجاهد في سبيل الله إذا كان طالباً لجوار الله ويريد حقاً أن يكون المصداق الحقيقي لوصف المجاهد فعليه أن يعمَّق في نفسه الرحمة والرفق بالآخرين.

 

* الجبهات نِعَم الله

رغم أن للجبهة والحرب مشاكل وصعوبات، لكن اعلموا أنها نعمة عظيمة، فهي مدرسة سامية لبناء الإنسان، وهي محل لتجلي نور الله، ولعل الخندق أكثر قدسية من المسجد، يقول الإمام علي عليه السلام:

"المؤمن أعظم حرمةً من الكعبة، المؤمن أعظم حرمةً من الملك المقرُّب" فالمؤمن أعظم حرمة من الكعبة، وخندق المؤمن أيضاً أعظم حرمةً من الكعبة، ساحة القتال ليست كالمسجد الحرام، بل أعظم. ففيها نور الله وهي محل تجلي العشق بالله، ففيها وفي الخنادق نجد رعاية ولي الله الأعظم، إمام العصر عليه السلام، نعم فساحة الجهاد نعمةٌ عظيمةٌ حقاً.

على المقاتلين في ساحات الجهاد ومدرسة بناء الإنسان أن يربوا أنفسهم بالصورة التي يكونون معها مربين ومعلمين للآخرين عندما يرجعون. المجاهد يجب أن يكون بالمستوى الذي يغبطه الآخرون على وجهه الملائكي ويكفي المجاهد أن إمامنا العظيم يقول: يا ليتني كنت واحد من الحرس أو: أنني أغبطكم على صوركم الملائكية. ولكن أي مجاهد يعنيه، أذلك القاسي الغليظ القلب الذي لا وجود للرحمة والعطف والشفقة في قلبه، هكذا شخص ما كان أبداً جندياً وحارساً للإسلام أو لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

المصدر: مجلة بقية الله