عاشوراء..صرخة الحقّ والحرّيّة، جامعة كبرى ومدرسة للتضحية والفداء، عاشوراء..حركة إسلاميّة ناصعة انطلقت على أساس أن تبقى لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله)، وأن تبقى في كلّ الأجيال صرخة بوجه الظلم والطغيان، انتصارا للحق والعدالة ودحضاً للباطل.. ولذا فان الحسين (سلام الله عليه) ليس شخصا..بل هو مشروع، وليس فردا..بل هو منهج، وليس كلمة..بل هو راية.

عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام علمتنا، عدم الرضوخ إلى الذل والمهانة، أليس هو القائل عليه السلام "هيهات منا الذلة".

عاشوراء علّمتنا الحرية والكرامة أليس عليه السلام قال "ياشيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين، فكونوا احرارا في دنياكم".

الإمام الحسين عليه السلام، علمنا بان التضحية والشهادة في سبيل الله هي السعادة بعينها حيث قال عليه السلام "فإني لا ارى الموت إلا سعادة".

عاشوراء الحسين (سلام الله عليه) علمتنا مناصرة الحق في جميع الأحوال والظروف وفي ذلك يقول: ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله حقاً.. حقاً.."، الحسين عليه السلام علمنا بان باب التوبة مفتوح حتى آخر لحظة، وقد تجلى ذلك في تعامله مع "الحر بن يزيد الرياحي".

وعلّمنا عليه السلام الوفاء، انه درس نتعلمه من وفائه لدينه ورسالة جده صلى الله عليه وآله وسلم وكما نتعلم هذا الدرس من كل أصحاب الحسين(سلام الله عليه) والمثال البارز فيه هو جون مولى أبي ذر الغفاري.

واقعة الطف وعاشوراء الحسين عليه السلام علمتنا درس الإيثار والتضحية والثبات على المبدأ، وقد ضرب أبو الفضل العباس عليه السلام أروع الأمثال في ذلك.

وكذلك علمتنا اهمية الأمر بالمعروف بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أعلن الإمام عليه السلام، عن ذلك في خطابه المشهور (ألا وإني لم اخرج أشراً ولا بطراً، ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.

واقعة الطف علمتنا، أهمية إشراك العنصر النسوي في النهضة، وقد تمثل بأجلى صوره في الدور الذي قامت به عقيلة بني هاشم وسائر الهاشميات في فضح خطط يزيد، وتفنيد مزاعمه، وتوعية أبناء الأمة وإيقاظها من سباتها العميق.

وعلى هذا الأساس، لا يمكن ربط عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام، بسياقاتها التاريخية حصرا، مثلما لا يمكن فك ارتباطها عن ذلك التاريخ، فهي الثورة الإصلاحية الحية التي تفجرت لتصحح مسار الانحراف في الأمة الإسلامية، واستمر صداها يتخطى القرون عابرا الآفاق نحو المستقبل. كما لا يمكن ربطها بالإسلام حصرا، مثلما لا يمكن فك ارتباطها عنه وهي جاءت حاملة لمبادئه، باذلة التضحيات في سبيله. فهي ثورة إنسانية لكل أبناء البشرية، منبثقة عن الإسلام الذي هو دين الإنسانية المنزل من رب العالمين جميعا، وإليهم جميعا، في كل زمان ومكان.

إن تاريخية عاشوراء الإِمام الحسين (سلام الله عليه) لا تعني ارتباطها بالماضي حصرا، وإن كانت قد حدثت فيه فعلا ضمن مفهومنا المعاصر، بل إن تاريخيتها تعني أزلية استمرارها. كما هي أزلية وجود الظلم والفساد، وأزلية تحقيق الإصلاح.. وكذا ارتباطها بالمكان، فمع أن كربلاء مهدها، ومركز انبثاقها، إلا أن مداها يعبر حدود الطف إلى سائر أرجاء المعمورة، وأينما يوجد من يعتز بإنسانيته ويشعر بها، ويريد أن يكون سيدا صالحا لا عبدا للفاسد.

ان عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام لم تنته عصر العاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة، بل من هناك ابتدأت وانطلقت. فمبادئه (سلام الله عليه) لم تقتل لحظة استشهاده، مثلما أن أعداؤه لم ينتصروا حين قطعوا رأسه الشريف. وأن نداؤه عليه السلام: (هل مِن ناصِرٍ يَنصُرُنا؟) ما يزال موجها لجميع أبناء الإنسانية الذين يستشعرون العزة، وهي من خصال المؤمنين:(وَلله العِزَّةُ ولِرَسولِهِ وَلِلمؤمِنين)، ويهتفون: (هَيهات مِنّا الذِّلة)، كما هتف بها الإمام الحُسين (سلام الله عليه) وطبق مصداقها. إن الشعار الثوري الهادر:(لَبَّيكَ يا حُسَين) يجد مصداقه حصرا في التمسك بثورة الإمام الحُسين (سلام الله عليه) ونهجها الإصلاحي في مقارعة الظالمين ومحاربة الفاسدين.

كانت ثورة الإمام الحسين(سلام الله عليه) ثورة خاسرة من الناحية العسكريّة، ولكنها صدمت الواقع وهزّت قواعده، لكي تركِز الخط الأصيل الذي يحفظ الحياة الإسلاميّة، ويؤكد العدل في داخلها، ومن هنا، فإنَّ الحسين(سلام الله عليه) يمثّل خطا ومنهجا وتجسيدا حيّا للقيم الإسلاميّة والإنسانية في العزة والكرامة والمحافظة على استقامة المسيرة التي جعلها الله أمانة في أعناقنا...

إن واقعة الطف المؤلمة، غيّرت مجرى تاريخ الشعوب الإسلامية، وفتحت لها آفاقا مشرقة للتمرّد على الظلم والطغيان، وألهبت هذه الملحمة الخالدة عواطف الأحرار، ودفعتهم إلى النضال المسلّح في سبيل تحرير المجتمع من نير العبودية والذلّ، وإنقاذه من الحكم اللاشرعي. لقد انتصرت أهداف الإمام الحسين عليه السلام في ثورته الخالدة، وانتصرت مبادئه العظيمة، وظلّ مثلا خالدا للكفاح المقدّس يطارد الظالمين والطغاة في كل عصر وزمان، ويمدّ الثوار بروح التضحية والفداء.

إن من الانتصارات الرائعة التي حقّقها أبي الضيم في ثورته أنه جرّد الحكم الأموي من الشرعية. لقد وضع أبو الأحرار العبوات الناسفة في أروقة الحكم الأموي ففجّرتها، ونسفت معالم زهوهم وفجورهم وطغيانهم، وظلّوا مثلا أسودا لكل حكم منحرف عن سنن الحق والعدل.

فسلام عليك يا عبير البطولة.. والسلام علی التراب الذي رفع المبدأ لواءا تمر الإنسانية به فستجد لبريقه وروعته إجلالا وإكبارا. والسلام علی تلك البقاع وعلی شواطئ نهر شهدت شفاه عطشی وقلوب حری ولكنها  شبعت من رحمة الله وارتوت من عطاء الله.. ثم السلام علی تراب شهدت دمعة للنساء ولكنها لم تكن بدمع بل نار أحرقت الظالمين .. والسلام علی رمال شهدت صرخة لامرأة عزلاء ولكنها كانت ولا تزال سيفا بتارا علی الطغاة بجانب سيف اخيها الحسين.

السلام على الشيب الخضيب السلام على الخد التريب، السلام على الجسد السليب ، السلام على الرأس القطيع، السلام على المرمّل بالدماء ..السلام على المهتوك الخباء ...السلام على خامس أصحاب الكساء ...السلام على غريب الغرباء ...السلام على سيد الشهداء ...السلام على قتيل الأدعياء ... السلام على ساكن كربلاء ... السلام على من بكته ملائكة السماء...السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله ...السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك.. عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار و رحمة الله وبركاته.