والمراد بها ما يجعل من ناحية ولاية الأمر على غير المسلمين الّذين يعيشون في ظلّ لواء الإسلام، وفيه مباحث كثيرة تذكر في كتاب الجهاد، ونحن نقتصر إن شاء الله تعالى على البحث عن أصل جعلها ووجوبها وعمّن تجعل عليه الجزية وعن مصرفها.

وقبل الورود في ذكر أدلّة البحث لابدّ من ذكر كلمات الأصحاب فنقول:

1ـ قال الشيخ المفيد (قدس سرّه) في باب الجزية من المقنعة والجزية واجبة على جميع كفّار أهل الكتاب من الرجال البالغين... عقوبةً من الله تعالى لهم، لعنادهم الحقّ وكفرهم بما جاء به محمّد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم النبيّين وجحدهم الحقّ الواضح باليقين، قال الله عَزّ وجَلّ: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾  ففرض سبحانه على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ الجزية من كفّار أهل الكتاب وفرض ذلك على الأئمة من بعده (عليهم السلام) إذا كانوا هم القائمين بالحدود مقامه والمخاطبين في الأحكام بما خوطب به، وجعلها تعالى حقناً لدمائهم ومنعاً من استرقاقهم ووقاية لما عداها من أموالهم .

ففي هذا الباب قد تعرّض لوجوب إعطاء الجزية على الرجال البالغين من أهل الكتاب، وصرّح بأنّها لا تختصّ بزمن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بل هي واجبة في زمن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، وعلّله بأنّهم (عليهم السلام) قائمون بالحدود مقامه. وحاصل مدلول تعليله: أنّ الجزية سارية في زمن الحكومة والولاية الحقّة الإسلامية، وهو المطلوب.

ثُمّ قال (قدس سرّه) في باب أصناف أهل الجزية: والواجب عليه الجزية من الكفّار ثلاثة أصناف: اليهود على اختلافهم والنصارى على اختلافهم والمجوس على اختلافهم. وقد اختلف فقهاء العامّة في الصابئين ومن ضارعهم في الكفر سوى مَن ذكرناه من الثلاثة الأصناف ـ فذكر أقوالهم بأنهم مجوس، أو كالمجوس، أو بأنّ حكمهم حكم النصارى، ثُمّ قال: ـ فإمّا نحن فلا نتجاوز بإيجاب الجزية إلى غير مَن عدّدناه، لسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم والتوقيف الوارد عنه في أحكامهم ـ ثُمّ ذكر سبعة أصناف من الكفّار غير الصابئين ممّن تقرب المجوسية أو النصرانية أو الشرك ثُمّ قال: ـ فأمّا الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممّن عدّدناه، لأنّ جمهورهم يوحّد الصانع في الأزل، ومنهم مَن يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم فكانت عندهم الأصل، ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة والنطق وأنه المدبّر لما في هذا العالم والدالّ عليه، وعظّموا الكواكب وعبدوها من دون الله عَزّ وجَلّ وسمّاها بعضهم ملائكة وجعلها بعضهم آلهة وبنوا لها بيوتاً للعبادات، وهؤلاء على طريق القياس إلى مشركي العرب وعبّاد الأوثان أقرب من المجوس... .

فظاهر هذه القسمة من كلامه أن لا خلاف بين الأمّة في وجوب الجزية على الأصناف الثلاثة، وأنّ مقتضى القاعدة أن يلحق الصابئون بالمشركين خلافاً لفقهاء العامّة.

ثُمّ قال: وكانت الجزية على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عطاء المهاجرين، وهي من بعده لمن قام مع الإمام مقام المهاجرين وفيما يراه الإمام من مصالح المسلمين .

فقد بيّن مصرف الجزية بعد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي زمن الإمام (عليه السلام).

ثُمّ إنّا بعد الفحص في الانتصار والناصريّات لم نجد فيهما كلّ ما للسيّد المرتضى (قدس سرّه) في بحث الجزية.

2ـ وقد تعرّض شيخ الطائفة (قدس سرّه) في كتبه أمر الجزية نذكر منها ما يلي:

ألف: قال (قدس سرّه) في باب الجزية وأحكامها من زكاة النهاية: الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها وهم اليهود والنصارى، والمجوس حكمهم حكم اليهود والنصارى، وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين، وتسقط عن الصبيان والمجانين والبله والنساء منهم، فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار فليس يجوز أن يقبل منهم إلاّ الإسلام أو القتل... وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهاجرين دون غيرهم، وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ عنه من سائر المسلمين .

فقد أفتى بوجوب الجزية على الرجال البالغين من الأصناف الثلاثة من أهل الكتاب دون غيرهم وبأن مصرفها في النبيّ والمهاجرين وفي أمثال زماننا من يقوم بنصرة الإسلام والذبّ عنه من سائر المسلمين.

ب: قال في كتاب الجزية من الخلاف: لا يجوز أخذ الجزية من عبّاد الأوثان سواء كانوا من العجم أو من العرب، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: تؤخذ من العجم ولا تؤخذ من العرب. وقال مالك: تؤخذ من جميع الكفّار إلاّ مشركي قريش. دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم... وقال تعالى: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ... مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ فخصّ أهل الكتاب بالجزية دون غيرهم .

فموضوع كلامه وإن كان أخذ الجزية من عبّاد الأوثان وادّعى على عدم جواز أخذها إجماع الفرقة إلاّ أنّ قوله بعد ذكر الآية: «فخصّ أهل الكتاب الجزية...» فيه دلالة على قوله بأنّ أهل الكتاب يؤخذ منهم الجزية.

وقال أيضاً: يجوز أخذ الجزية من أهل الكتاب من العرب، وبه قال جميع الفقهاء، وقال أبو يوسف: لا يجوز. دليلنا قوله تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ ولم يفرّق ... .

أقول: وفي استدلاله بالآية وأنّها عامّة لجميع أهل الكتاب دلالة على قوله بأخذ الجزية من جميعهم.

وقال أيضاً: المجوس كان لهم كتاب، وبه قال أبو حنيفة. دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم. ورووا عن عليّ (عليه السلام) أنّه قال: «كان لهم كتاب أحرقوه ونبيّ قتلوه» فثبت أنّهم أهل الكتاب.

وقال أيضاً: الصابئة لا يؤخذ منهم الجزية ولا يقرّون على دينهم، وبه قال أبو سعيد الاصطخري. وقال باقي الفقهاء: إنّه يؤخذ منهم الجزية. دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم... وأيضاً قوله تعالى: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ـ إلى قوله: ـ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ فشرط في أخذ الجزية أن يكونوا من أهل الكتاب وهؤلاء ليسوا بأهل كتاب .

فهو (قدس سرّه) قد ادّعى إجماع الفرقة على أنّ المجوس من أهل الكتاب وبه اكتفى عن التصريح بأخذ الجزية منهم.

كما استند بعد الإجماع على عدم أخذها من الصابئة بأنّ موضوعها في الآية أهل الكتاب والصابئة ليسوا من أهل الكتاب، ففي كلاميه بعد توضيح حكم موضوعي المسألتين دلالة على أنّ تمام الموضوع لجواز اخذ الجزية هو أن يكون المأخوذ منه من أهل الكتاب.

ثُمّ قال: الشيوخ الهرمى وأصحاب الصوامع والرهبان يؤخذ منهم الجزية، وللشافعي فيه قولان: بناءاً على القولين إذا وقعوا في الأسر هل يجوز قتلهم أم لا؟ وفي أصحابنا مَن قال: «لا تؤخذ منهم الجزية». دليلنا على الأوّل قوله تعالى: ﴿حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ ولم يفصّل . فتراه أفتى بأخذ الجزية من الطوائف الثلاث مستدلاً بعموم الآية.

ثُمّ قال: من لا كسب له ولا مال لا يجب عليه الجزية، وبه قال أبو حنيفة وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثله ما قلناه والآخر ـ وهو أصحّهما ـ أنّهما تجب عليه دليلنا إجماع الفرقة، وأيضاً الأصل براءة الذمّة .

فقد أفتى باستثناء الفقير عن عموم أدلّة الجزية واستدلّ له بإجماع الشيعة، ويأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

ج: وقال في كتاب الجزايا وأحكامها من المبسوط: فصل فيمن تؤخذ منه الجزية ومَن لا تؤخذ من أصناف الكفّار، قال الله تعالى: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾.

... وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الجزية من مجوس هجر، وعلى جواز أخذ الجزية إجماع الأمّة. والكفّار على ضربين: ضرب يجوز أن تؤخذ منهم الجزية والآخر لا يجوز ذلك. فالأوّل هم الثلاثة الأصناف: اليهود والنصارى والمجوس، وأمّا من عدا هؤلاء من سائر الأديان من عبّاد الأوثان وعبّاد الكواكب من الصابئة وغيرهم فلا تؤخذ منهم الجزية عربياً كان أو أعجمياً... وجملة ذلك أنّ مَن كان من أهل هذين الكتابين المشهورين ـ اليهود أهل التوراة والنصارى أهل الإنجيل ـ فإنّها تقبل منهم... فأمّا المجوس فحكمهم حكم أهل الكتاب، وروى أصحابنا أنّه كان لهم كتاب فأحرقوه، وروي ذلك عن عليّ (عليه السلام) .

والمذكور في كلامه جواز أخذ الجزية، فادّعى على جواز أخذها إجمالاً إجماع الأمّة، ثُمّ أفتى بأنّه إنّما يجوز أخذها من خصوص الثلاثة الأصناف من الكفّار ولا يجوز أخذها من غيرهم.

وقال (قدس سرّه) فيه: والفقير الّذي لا شيء معه تجب عليه الجزية لأنّه لا دليل على إسقاطها عنه، وعموم الآية يقتضيه، ثُمّ يُنظر فإن لم يقدر على الأداء كانت في ذمّته، فإذا استغنى أخذت منه الجزية من يوم ضمنها وعقد له بعد أن يحول عليه الحول، وأمّا النساء والصبيان والبله والمجانين فلا جزية عليهم بحال .

فيستفاد منه أنّ الجزية لا توضع على رؤوس جميعهم بل على خصوص الرجال البالغين كاملي العقل، وأنّها لا تسقط عن الفقير.

وقال (قدس سرّه) أيضاً فيه: وقد بيّنّا أنّ الجزية لا تؤخذ من المرأة ولا مجنون حتّى يفيق ولا مملوك حتّى يعتق .

أقول: وقد مرّت عبارته في المرأة والمجنون إلاّ أنّه لم يذكر شيئاً في المملوك، بل إنّ مقتضى ظاهر كلماته دخول المملوك أيضاً في مَن يؤخذ منه الجزية، وكيف كان فقد صرّح باستثناء المملوك وعدم تعلّق الجزية به وهو كما يأتي إن شاء الله تعالى محلّ خلاف.

ثم قال في تفصيل ذلك الكلام: فإمّا المملوك فلا جزية عليه لقوله (عليه السلام): «لا جزية على العبيد». ولا يكون الإمام فيه بالخيار إذا وقع في الأسر بل يملك، فإن أعتق قيل له: لا تقرّ في دار الإسلام حولاً بلا جزية، فإمّا أن يسلم أو يعقد الذمّة .

فقد ذكر (قدس سرّه) دليله على هذا الاستثناء وأنّه هذا الحديث.

وقال (قدس سرّه) أيضاً فيه: إذا بلغ المولود سفيهاً من أهل الذمّة مفسداً لماله ودينه، أو أحدهما لم يقرّ في دار الإسلام بلا جزية، لعموم الآية .

فهو (قدس سرّه) لا يرى استثناء السفيه المفسد والمسألة محلّ خلاف يأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى.

وقال (قدس سرّه) أيضاً فيه: والشيخ الفاني والزمن وأهل الصوامع والرهبان الّذين لا قتال فيهم ولا رأي لهم تؤخذ منهم الجزية، لعموم الآية. وكذلك إذا وقعوا في الأسر جاز للإمام قتلهم، وقد روي: أنّه لا جزية عليهم .

فقد ذكر هذه الطوائف الأربع وحكم بأنّ عليهم الجزية وإن ورد في بعض الروايات أنّه لا جزية عليهم، وهو أيضاً محلّ الخلاف، ويأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

وقال (قدس سرّه) أيضاً فيه: ومصرف الجزية مصرف الغنيمة سواء للمجاهدين» . فقد جعل مصرفها المجاهدين، وهو قريب لما في النهاية.

فهذا نبذ من كلماته في المبسوط، وقد تعرض فيه لأحكام أهل الجزية عديداً يظفر علها مَن راجعه.

3ـ وقال أبو الصلاح الحلبي (المتوفّى سنة 447ﻫ) في فصل سيرة الجهاد من الكافي ـ بعد ذكر وجوب دعوة المحاربين إلى الإسلام: ... وإن أقاموا على الإباء وكانوا كتابيّين وهم اليهود والنصارى والمجوس عرض عليهم الجزية والدخول تحت الذمّة، فإن أجابوا ضرب الجزية على رؤوسهم وأقرّهم في دارهم وجعل على أراضيهم قسطاً يؤدّونه مع جزية رؤوسهم، وإن امتنعوا قاتلهم حتّى يؤمنوا أو يُعطوا الجزية، وجزية الرؤوس مختصّة بأحرار رجالهم العقلاء البالغين السليمين، دون النساء والعبيد والأطفال والمجانين وذوي العاهات من فقرائهم... وإن كانوا مشركين وهم من عدا الكتابيّين من الكفّار وأبو الإجابة قاتلهم حتّى يؤمنوا ويلزم قتل الجميع مقبلين ومدبرين ويجهز على جرحاهم .

ثُمّ ذكر حكم المرتدين فطرياً أو ملّياً وحكم البغاة وحكم المحاربين الساعين للفساد في أرض الإسلام. ولم يذكر في شيء منهم أنّه يجعل عليه الجزية.

فهو (قدس سرّه) خصّ الجزية بالأصناف الثلاثة من أهل الكتاب وحكم بوجوب قتل المشركين كما عرفت، وصرّح بأنّ الجزية إنّما تجعل على رؤوس الرجال الأحرار العقلاء البالغين السليمين دون غيرهم.

وقال (قدس سرّه) أيضاً ويجب صرف الجزية وما صولح عليه الكتابيّون على أراضيهم وأنعامهم في أنصار الإسلام خاصّة حسب ما جرت به السنّة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فجعل مصرف الجزية خصوص أنصار الإسلام مستدلاً بأنّه سنّة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).

4ـ وقال سلاّر (المتوفّى سنة 448ﻫ) في كتاب الخمس من المراسم عند ذكر الجزية: إنّما هي تجب على بالغ الذكر من اليهود والنصارى والمجوس خاصّة فمن عداهم من الكفّار لا ذمّة له... فأمّا مستحقّها فمن قام مقام المهاجرين لأنّها كانت في أيّام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) للمهاجرين، وللإمام أن يصرفها أيضاً في مصالح المسلمين .

وهو واضح الدلالة في اختصاص الجزية بخصوص الأصناف الثلاثة، وظاهره أنّ سائر الكفّار يقتلون حيث نفى ثبوت الذمّة لهم فإذا كانوا لا ذمّة لهم تحت لواء الإسلام فلا محالة ليس لهم حق الحياة ويقتلون واشترط في مَن عليه الجزية أن يكون ذكراً بالغاً ولازمه أن لا توضع جزية على الأناث ولا على الصبيان والمجانين. وقد جعل مصرفها مَن قام مقام المهاجرين إلاّ أنّ للإمام أن يصرفها في سائر مصالح المسلمين.

5ـ وقال القاضي ابن البرّاج (المتوفّى سنة 481ﻫ) في كتاب الخمس من المهذّب: الّذي يجوز أخذ الجزية منه هو كلّ مكلّف ذكر من اليهود والنصارى والمجوس امتنع عن الإسلام وأجاب إلى إعطائها، وأمّا الّذي لا يجوز أخذها من الكفّار فهو جميع النساء والأطفال والبله والمجانين من اليهود والنصارى والمجوس، وأما جميع أصناف الكفّار المخالفين لليهود والنصارى والمجوس فلا يُقبل منهم إلاّ الإسلام أو القتل ولا يُقبل من أحد منهم جزية على حال... المستحقّ لأخذ الجزية هو كلّ مَن قام مع الإمام (عليه السلام) من المسلمين في نصرة الإسلام والذبّ عنه مقام المهاجرين، لأنّ المهاجرين في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هم الّذين كانوا يستحقّون أخذها، فمن كانت صفته ما ذكرنا من المسلمين فهو الّذي يستحقّ أخذها وإليه يدفع دون غيره من الناس .

وكلامه في اختصاص الجزية بخصوص الأصناف الثلاثة الواجدين للشرائط الّذي ذكرها واضح الدلالة كوضوح دلالة كلامه الأخير في أنّ مصرف الجزية في زمان الإمام هو خصوص مَن قام مقام المهاجرين في نصرة الإسلام والذبّ عنه.

6ـ وقال السيّد حمزة أبو المكارم ابن زهرة الحلبي (المتوفّى سنة 585ﻫ) في كتاب الجهاد من الغنية: ومَن لا كتاب له من الكفّار لا يكفّ عن قتاله إلاّ بالرجوع إلى الحقّ، وكذا حكم من أظهر الإسلام من البغاة والمحاربين، ومَن له كتاب ـ وهم اليهود والنصارى والمجوس ـ يكفّ عن قتالهم إذا بذلوا الجزية ودخلوا تحت شروطها، ولا يجوز أخذ الجزية من عبّاد الأوثان سواء كانوا عجماً أو عرباً ولا من الصابئين ولا من غيرهم بدليل الإجماع المشار إليه... ولا يجوز أخذها إلاّ من الذكور البالغين الكاملي العقول... والجزية تصرف إلى أنصار الإسلام خاصّة على ما جرت به السنّة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وهو في الدلالة على ذكر مَن عليه الجزية ومصرفها مثل ما سبقه كما هو واضح.

7ـ وقال أبو جعفر ابن حمزة (من أعلام القرن السادس) في كتاب الجهاد من الوسيلة: فصل في بيان أحكام الجزية، هذا الفصل يحتاج إلى بيان خمسة أشياء: مَن يجوز عقد الذمّة له، ومَن توضع عليه الجزية، ومَن لا توضع، وقدر الجزية، ومن يستحقّها. فالأوّل اليهود والنصارى والمجوس، وقد ذكرناهم. والثاني مَن اجتمع فيه خمس خصال: الحريّة، والذكورة، والبلوغ، وكمال العقل، وانتفاء السفه عنه بإفساده دينه أو ماله. والثالث ستّة نفر: المرأة، والعبد، والمجنون، والصبي، والأبله، والسفيه المفسد... والخامس مَن يقوم مقام المهاجرين في نصرة الإسلام .

ودلالته على اختصاص الجزية بخصوص الأصناف الثلاثة ممّن وجد الشرائط المذكورة وعلى بيان مصرفها واضحة بل إنّ التعبير عن عقد الجزية بعقد الذمّة فيه دلالة على أنّ غير الأصناف الثلاثة من سائر الكفّار لا ذمّة لهم تحت لواء الإسلام فلا محالة يقتلون.

وقد صرّح بهذا المفهوم قبل هذا الفصل، حيث قال في الفصل الثاني من فصول كتاب الجهاد ـ بعد ذكر أنّ اليهود والنصارى والمجوس يقرّون على دينهم بشرط قبول الجزية والتزام إجراء أحكام الإسلام عليهم ـ: والضرب الآخر لا يجوز إقراره على دينه وهو من عدا هؤلاء من الكفار ولا يقبل منهم غير الإسلام، فإن لم يقبلوا قوتلوا، ولم يرجع عنهم إلاّ بعد أن يسلموا أو يقتلوا عن آخرهم .

8ـ وقال أبو الحسن الحلبي (من أعلام القرن السادس أيضاً) في كتاب الجهاد من إشارة السبق: فكلّ من أظهر الكفر أو خالف الإسلام من سائر فرق الكفّار يجب ـ مع تكامل ما ذكرناه من الشروط ـ جهادهم... ومن عدا أهل الكتاب من جميع مَن يجب جهاده لا يكفّ عن قتالهم إلاّ بالرجوع إلى الحقّ، وهؤلاء وهم اليهود والنصارى والمجوس ـ يجب الكفّ عنهم إذا قبلوا الجزية والتزموا بشروطها... وتوضع الجزية على رؤوسهم وأراضيهم بحسب ما يراه الإمام، وتصرف إلى أهل الجهاد، ولا تؤخذ من النساء ولا من غير بالغ كامل العقل، ولا من غير ما ذكرناه من الفرق الثلاث .

وهو أيضاً قد خصّ الجزية بخصوص الفرق الثلاث ممن وجد منهم الشرائط المذكورة وذكر أنّها تصرف إلى أهل الجهاد.

9ـ وقال الكيدري (من أعلام القرن السادس أيضاً) في كتاب الجهاد من إصباح الشيعة: ومَن لا كتاب له من الكفّار فلا يكفّ عن قتاله إلاّ بالرجوع إلى الحقّ، وكذا حكم مَن أظهر الإسلام من البغاة والمحاربين، ومن له كتاب ـ وهم اليهود والنصارى والمجوس ـ يكفّ عن قتالهم إذا بذلوا الجزية ودخلوا تحت شروطها، ولا يجوز أخذ الجزية من عبّاد الأوثان ولا من الصابئين... ولا يجوز أخذها إلاّ من الذكور البالغين الكاملي العقول... و الجزية تصرف إلى أنصار الإسلام خاصّة .

وهو أيضاً قد خصّ الجزية بخصوص الأصناف الثلاثة ممّن وجد منهم الشرائط المذكورة وذكر أنّ مصرفها خصوص لأنصار الإسلام.

10ـ وقال ابن إدريس (المتوفّى سنة 595ﻫ) في كتاب الجهاد من السرائر: الكفّار على ثلاثة أضرب: أهل كتاب، وهم اليهود والنصارى، فهؤلاء يجوز إقرارهم على دينهم ببذل الجزية. ومن له شبهة كتاب فهم المجوس، فحكمهم حكم أهل الكتاب، يقرّون أيضا على دينهم ببذل الجزية. ومن لا كتاب له ولا شبهة كتاب ـ وهم من عدا هؤلاء الثلاثة الأصناف، من عبّاد الأصنام والأوثان والكواكب وغيرهم ـ فلا يقرّون على دينهم ببذل الجزية. ومتى امتنع أهل الكتاب ومَن له شبهة كتاب من بذل الجزية كان حكمهم حكم غيرهم من الكفّار في وجوب قتالهم وسبي ذراريهم ونسائهم وأموالهم، وتكون فيئاً .

فهو (قدس سرّه) قد اكتفى بذكر اختصاص الجزية بخصوص الأصناف الثلاثة وبأنّ غيرهم من الكفّار يجب قتالهم وسبي ذراريهم ونسائهم واخذ أموالهم. ولم يتعرّض لأنّ في مَن أُخذ منه الجزية شرطاً ولا لمصرف الجزية.

وقال (قدس سرّه) في باب الجزية وأحكامها من كتاب الزكاة: الجزية واجبة على أهل الكتاب ومَن حكمه حكمهم ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها والتزم أحكامها، فأهل الكتاب اليهود والنصارى، ومَن حكمه حكمهم المجوس. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين، ويسقط عن الصبيان والمجانين والبله والنساء منهم، فأمّا من عدا الأصناف المذكورة الثلاثة فليس يجوز أن يقبل منهم إلاّ الإسلام أو القتل .

فقد صرّح باختصاص الجزية بخصوص أهل الكتاب بمعنى الأصناف الثلاثة وبأنّها لا تتعلّق بالصبيان ولا بالمجانين ولا بالبله ولا بالنساء منهم.

وقال (قدس سرّه) أيضاً: والفقير الّذي لا شيء معه يجب عليه الجزية، لأنّه لا دليل على إسقاطها عنه، وعموم الآية يقتضيه، ثُمّ ينظر فإن لم يقدر على الأداء كانت في ذمّته فإذا استغنى أخذت منه الجزية من يوم ضمنها وعقد العقد له بعد أن يحول عليه الحول هذا قول شيخنا أبي جعفر في مبسوطه. وقال في مسائل الخلاف: «لا شيء عليه» واستدلّ بقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾. وما ذكره في مبسوطه أقوى وأظهر. ولي في ذلك نظر.

فنقل قولي الشيخ في المبسوط والخلاف، وقوّى المبسوط أوّلاً ثُمّ توقّف في المسألة.

وقال (قدس سرّه): كان المستحقّ للجزية على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهاجرين دون غيرهم على ما روي، وهي اليوم لمن قام مقامهم مع الإمام في نصرة الإسلام والذبّ عنه ولمن يراه الإمام من الفقراء والمساكين من سائر المسلمين .

11ـ وقد تعرّض المحقّق (قدس سرّه) للمسألة في الشرائع والمختصر النافع:

ألف: فقال في كتاب الجهاد من الشرائع: الركن الثالث في أحكام أهل الذمّة، والنظر في أمور، الأوّل: مَن تؤخذ منه الجزية، تؤخذ ممّن يقرّ على دينه؛ وهم اليهود والنصارى ومَن له شبهة كتاب وهم المجوس، ولا يقبل من غيرهم إلاّ الإسلام، والفِرق الثلاث إذا التزموا شرائط الذمّة أقرّوا سواء كانوا عرباً أو عجماً... ولا يؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين والنساء، وهل تسقط عن الهمّ؟ قيل: نعم، وهو المروي، وقيل: لا، وقيل: تسقط عن المملوك، وتؤخذ من عدا هؤلاء ولو كانوا رهباناً أو مقعدين، وتجب على الفقير وينتظر بها حتّى يوسر.

أقول: فهو (قدس سرّه) صرّح باختصاص الجزية بالطوائف الثلاث وأنّه لا يُقبل من سائر الكفار إلاّ الإسلام ومعناه أنّه يجب قتالهم وقتلهم إلى أن يسلموا، وقد ذكر شرائط أخر في مَن تؤخذ الجزية منهم كما ترى، إلاّ أنّه لم يتعرّض لبيان مصرف الجزية.

ب: وقال في جهاد المختصر النافع: الثاني [يعني ممّن يجب جهادهم] أهل الكتاب، والبحث فيمن تؤخذ الجزية منه وكمّيتها وشرائط الذمّة. وهي تؤخذ كم اليهود والنصارى وممّن له شبهة كتاب وهم المجوس. ويقاتل هؤلاء كما يقاتل أهل الحرب حتّى ينقادوا لشرائط الذمّة فهناك يقرّون على معتقدهم، ولا تؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين والنساء والبله والهِمّ على الأظهر... والأولى أن لا يقدّر الجزية فإنّه أنسب بالصغار وكان عليّ (عليه السلام) يأخذ من الغني ثمانية وأربعين درهماً ومن المتوسط أربعة وعشرين درهماً ومن الفقير اثني عشر درهماً لاقتضاء المصلحة لا توظيفاً لازماً ـ إلى أن قال: ـ مسألتان:... الثانية: يستحقّ الجزية مَن قام مقام المهاجرين في الذبّ عن الإسلام من المسلمين.

ومفاده كالشرائع إلاّ أنّه زاد عليه ذكر مصرف الجزية وأنّها تختصّ بمن قام مقام المهاجرين.

12ـ وقد تعرّض العلاّمة الحلّي (قدس سرّه) للمسألة في كتبه نذكر منها ما يلي:

ألف: قال في كتاب الجهاد من الإرشاد، المقصد الرابع في أحكام أهل الذمّة والبغاة، وفيه مطلبان، الأوّل: اليهود والنصارى والمجوس إذا التزموا بشرائط الذمّة أقروا على دينهم وتؤخذ منهم الجزية... وتسقط الجزية عن الصبيان والمجانين والنساء والمملوك... ومستحقّها المجاهدون .

ومفاده كما ترى بيان اختصاص الجزية بخصوص من وجد الشرائط المذكورة من الطوائف الثلاث، وبيان أنّ مصرف الجزية المجاهدون.

ب: وقال في جهاد قواعد الأحكام: المقصد الثاني فيمن يجب قتاله، وهم ثلاثة، الأوّل: الحربيّ، وهو غير اليهود والنصارى والمجوس من سائر أصناف الكفّار، سواء اعتقد معبوداً غير الله تعالى كالشمس والوثن والنجوم أو لم يعتقد كالدهري، وهؤلاء لا يُقبل منهم إلاّ الإسلام، فإن امتنعوا قوتلوا إلى أن يسلموا أو يقتلوا، ولا يقبل منهم بذل الجزية. الثاني: الذمّي، وهو مَن كان من اليهود والنصارى والمجوس إذا خرجوا عن شرائط الذمّة الآتية، فإن التزموا بها لم يجز قتالهم ـ ثُمّ ذكر بعد ذكر البغاة شرائط الذمّةـ .

وقال ـ في المقصد الرابع الّذي هو في ترك القتال ـ: الفصل الثاني في عقد الجزية، وفيه مطالب: الأوّل المعقود له، وهو كلّ ذمّي بالغ عاقل حرّ ذكر متأهّب للقتال ملتزم بشرائط الذمّة السابقة، فالذمّي يشمل مَن له كتاب كاليهود والنصارى ومَن له شبهة كتاب كالمجوس، والصبي والمجنون والعبد والمرأة أتباع لا جزية عليهم، وتسقط عن الهِمّ على رأي، وتؤخذ ممّن عداهم وإن كانوا رهباناً أو مقعدين .

فقد ذكر في الفقرة الأولى من كلامه وجوب قتال الطوائف الثلاث إذا لم يلتزموا بشرائط الذمّة الّتي منها قبول الجزية وقتال غيرهم من الكفّار وقتلهم إلى أن يسلموا ولا تُقبل منهم جزية. وفي الفقرة الثانية ذكر شرائط أخر لمن تؤخذ منه الجزية كما ترى. ولم يتعرّض لمصرف الجزية، لكنّه تعرّض لمصرفها في خاتمة بحث المهادنة فقال: وما يؤخذ صلحاً أو جزيةً فهو للمجاهدين، ومع عدمهم لفقراء المسلمين .

ج: وقال في التذكرة في كتاب الجهاد: الجزية هي المال المأخوذ من أهل الكتاب لإقامتهم بدار الإسلام في كلّ عام، وهي واجبة بالنصّ والإجماع... ولا خلاف بين المسلمين في ذلك... .

ثُمّ قال (قدس سرّه): وتعقد الجزية لكلّ كتابي عاقل بالغ ذكر، ونعني بالكتابي مَن له كتاب حقيقة وهم اليهود والنصارى، ومَن له شبهة كتاب وهم المجوس، فتؤخذ الجزية من هؤلاء الأصناف الثلاثة بإجماع علماء الإسلام قديماً وحديثاًَ... وتؤخذ الجزية من جميع اليهود وجميع النصارى... سواء كانوا عرباً أو عجماً في قول علمائنا أجمع... وقال أبو يوسف: لا تؤخذ الجزية من العرب، والإجماع يبطله... .

وقال أيضاً: المجوس تؤخذ منهم الجزية كاليهود والنصارى إجماعاً ثُمّ استدلّ له بروايات من طريق العامّة والخاصّة .

ثُمّ قال: لا يُقبل من غير الأصناف الثلاثة من الكفّار إلاّ الإسلام، فلو بذل عبّاد الأصنام والنيران والشمس الجزية لم تُقبل، سواء العرب والعجم، وبه قال الشافعي، لقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ خرج منهم الثلاثة لنصّ خاصّ فيبقى الباقي على عمومه، وما رواه العامّة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «أمرتُ أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إلى إلاّ الله»: واستدلّ من طريق الخاصّة بحديث الأسياف الخمسة .

ثُمّ قال (رحمه الله): من عدا اليهود والنصارى والمجوس لا يقرّون بالجزية، بل لا يُقبل منهم إلاّ الإسلام وإن كان لهم كتاب كصحف إبراهيم وصحف آدم وإدريس وشيث وزبور داوود وهو أحد قولي الشافعي، لأنّها ليست كتباً منزلة على ما قيل بل هي وحيٌ يوحى، ولأنّها مشتملة على مواعظ لا على أحكام مشروعة... قال ابن الجنيد من علمائنا: الصابئون تؤخذ منهم الجزية ويقرّونى عليها كاليهود والنصارى، وهو أحد قولي الشافعي بناءاً على أنّهم من أهل الكتاب، وإنّما يخالفونهم في فروع المسائل لا في أصولها... .

وقال (قدس سرّه): اختلف علماؤنا في الفقير، فقال الشيخ: لا تسقط عنه الجزية بل ينظر بها إلى وقت يساره، ويؤخذ منه حينئذٍ ما يقرّر عليه في كلّ عام حال فقره... وقال المفيد وابن الجنيد منّا: لا جزية عليه... .

ثُمّ قال: وتسقط الجزية عن الصبي إجماعاً. واستدلّ له برواية حفص بن غياث.

وقال (قدس سرّه): الجزية تسقط عن المجنون المطبق إجماعاً، لقوله (عليه السلام): «رفع القلم عن ثلاثة... والمجنون حتّى يفيق»... ولو كان المجنون غير مطبق ـ فذكر فيه احتمالين ـ .

ثُمّ قال (قدس سرّه): لا تؤخذ الجزية من النساء إجماعاً، لقوله (عليه السلام): «خذ الجزية من كلّ حالم» خصّ الذكر به، ومن طريق الخاصّة قول الصادق (عليه السلام): «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن قتل النساء»... .

ثُمّ قال (قدس سرّه): تؤخذ الجزية من الشيخ الفاني والزمن ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ للعموم، والثاني للشافعي: لا تؤاخذ.

وفي رواية حفص عن الصادق (عليه السلام) أنّها تسقط عن المقعد والشيخ الفاني والمرأة والولدان. قال الشيخ: ولو وقعوا في الأسر جاز للإمام قتلهم. والأعمى مساوٍ لهما على الأقرب. وتؤخذ من أهل الصوامع والرهبان وهو أحد قولي الشافعي للعموم... .

ثُمّ قال (رحمه الله): اختلف علماؤنا في إيجاب الجزية على المملوك؛ فالمشهور عدم وجوبها عليهم، وهو قول العامّة بأسرهم... وقال قوم: لا تسقط، لقول الباقر (عليه السلام) ـ فذكر خبراً قد أخرج عن الفقيه: ج2 الرقم29/106ـ .

أقول: فهو (قدس سرّه) في هذه المسائل أفاد أن الكفّار من غير الطوائف الثلاث يقاتلون إلى أن يسلموا، وأمّا هذه الطوائف فتؤخذ منهم الجزية بشرط أن يكون فيهم أوصافاً وقد عرفت تفصيل المقال فيها.

وقال بعد ختم المسألة 181: تذنيب، مصرف الجزية هو مصرف الغنيمة سواء، لأنّه مال أخذ بالقهر والغلبة فكان مصرفه المجاهدين كغنيمة دار الحرب .

د: وقد تعرّض في كتاب الجهاد من المنتهى للمسألة قريباً ممّا في التذكرة في ضمن مسائل، فقال:

مسألة: الجزية هي الوظيفة المأخوذة من أهل الكتاب لإقامتهم بدار الإسلام في كلّ عام... فالجزية واجبة بالنصّ والإجماع (ثُمّ ذكر الاستدلال بآية التوبة وبالروايات. ثُمّ قال:) ولا خلاف بين المسلمين في أخذ الجزية على الإجمال .

مسألة: وتُعقد الجزية لكلّ كتابي عاقل بالغ ذكر، ونعني بالكتابي من له كتاب حقيقة وهم اليهود والنصارى ومَن له شبهة كتاب وهم المجوس، فتؤخذ من هؤلاء الأصناف الثلاثة بلا خلاف بين العلماء، فإنّ الصحابة أجمعوا على ذلك وعمل به الفقهاء القدماء ومن بعدهم إلى زماننا هذا في جميع الأزمان، عملاً بالآيات الدالّة على أخذ الجزية والأحاديث المتقدّمة وفعل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك وأخذ الجزية من مجوس نجران... .

مسألة: ولا يُقبل من غير الأصناف الثلاثة من سائر فرق الكفّار إلاّ الإسلام، فلو بذلوا الجزية لم تُقبل منهم، كعبّاد الأوثان والأصنام والأحجار والنيران والشمس وغير ذلك من غير اليهود والنصارى والمجوس من العرب والعجم ـ ثُمّ ذكر أقوال العامّة، ثُمّ استدلّ لإثبات مدّعاه بالأخبار المروية من طريق العامة والخاصّة .

مسألة: وتؤخذ الجزية من أهل الكتابين التوراة والإنجيل، فأهل التوراة هم اليهود وأهل الإنجيل هم النصارى... سواء كانوا عرباً أو عجماً في قول علمائنا أجمع... .

مسألة: والمجوس منهم مَن أُخذ منهم الجزية كما قلناه في اليهود والنصارى، بلا خلاف بين علماء الإسلام في ذلك (ثُمّ ذكر الروايات الدالّة على أنّهم أهل الكتاب وتؤخذ منهم الجزية من طريق العامّة والخاصّة) .

مسألة: وعلماء اليهود والنصارى والمجوس لا يقرّون بالجزية، ولا يُقبل منهم إلاّ الإسلام وإن كان لهم كتاب كصحف إبراهيم وصحف آدم وإدريس وزبور داوود على نبيّنا وآلة وعليهم السلام، وهو أحد قولي الشافعي، وفي الآخر: يقرّون بالجزية. لنا أنّها ليست كتباًَ منزلة ـ على ما قيل ـ وإنّما هي وحيّ يوحى... سلّمنا أنّها منزلة لكنّها قد اشتملت على مواعظ لا غير، وليس فيها أحكام مشروعة فلم يكن لها حرمة الكتب المشروعة... .

مسألة: قال ابن الجنيد: الصابئون تؤخذ منهم الجزية ويقرّون عليها كاليهود والنصارى (ثُمّ قال بعد نقل أقوال العامّة ما حاصله: إنّهم لو كانوا من أهل التوراة أو الإنجيل تُقبل الجزية منهم، وإلاّ فلا) .

مسألة: وفي سقوط الجزية عن الفقير منهم لعلمائنا قولان: أشهرهما أنّها لا تسقط، اختاره الشيخ (رحمه الله) بل ينظر إلى وقت يساره وتؤخذ منه كلّ ما قرّر عليه في حال عام فقره... وقال المفيد وابن الجنيد: لا جزية عليه... لنا عموم قوله تعالى ﴿حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ﴾ يعني حتى يُلزموا بالإعطاء وهو عامٌ... .

مسألة: وتسقط الجزية عن الصبيّ وهو قول عامّة أهل العلم لا نعرف فيه خلافاً (واستدلّ له بالأخبار المروية عن طريق العامّة والخاصّة ـ أعني خبر حفص بن غياث  وبوجوه أُخر) .

مسألة: وتسقط عن المجنون المطبق إجماعاً لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبيّ حتّى يبلغ، وعن المجنون حتّى يفيق... ولما رواه الشيخ عن طلحة ابن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جرت السنّة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه ولا من المغلوب على عقله، ولأنّه محقون الدم... فلا مقتضى لوجوب الجزية.

فرع: لو كان جنونه غير مطبق لم يخل من أحوال ثلاثة (فذكر احتمالات كلّ منها) .

مسألة: ولا تؤخذ الجزية من النساء، وهو مذهب عامّة العلماء (فاستدلّ بأخبار من العامّة والخاصّة وبأنّ الجزية تؤخذ لحقن الدماء) والنساء يحقنون فلا جزية عليهم، ولا نعرف فيه خلافاً.

مسألة: واختلف علماؤنا في إيجاب الجزية على المملوك، فالمشهور عدم وجوبها عليه، ذهب إليه الشيخ (رحمه الله) وهو قول الجمهور كافّة، وقال آخرون: لا تسقط عنهم الجزية، احتجّ الشيخ بما روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: لا جزية على العبد. ولأنّ العبد مال فلا تؤخذ منه الجزية كغيره من الحيوان (ثُمّ ذكر استدلال الآخرين بخبر عامي  وبخبر أبي الدرداء  عن الباقر (عليه السلام)...).

مسألة: مصرف الجزية مصرف الغنيمة سواء، للمجاهدين، وكذلك ما يؤخذ منهم على وجه المعاوضة لدخول بلاد الإسلام، لأنّه مأخوذ من أهل الشرك، وروى الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) [فذكر صحيحة التهذيب الآتية، ثُمّ قال:] ولأنّه مال أخذ بالقهر والغلبة، فيكون مصرفه المجاهدين كالغنيمة في دار الحرب .

أقول: فهو (قدس سرّه) أفاد في هذا الكتاب أيضاً أنّ القتال مع غير الطوائف الثلاث واجب إلى أن يسلموا ولا تُقبل منهم جزية، وأمّا هذه الطوائف فيقاتَلون إلى أن يسلموا أو يُعطوا الجزية، ولمن يقبل منهم الجزية شرائط ذكرها بالتفصيل ولأنّ مصرف الجزية المجاهدون كما أفاده في الإرشاد والتذكرة على ما عرفت.

ﻫ ـ وقد تعرّض للمسألة أيضاً في مختلف الشيعة ولا بأس بذكر كلامه فيه لاشتماله على مختلف أقوال الأصحاب، فقال: مسألة تُقبل الجزية ممّن له كتاب وهم اليهود والنصارى إجماعاً. والمشهور أنّ المجوس حكمَهم حكمُهم وإن لم يكونوا أهل كتاب بل لهم شبهة كتاب، وذلك أنّ المجوس كان لهم كتاب فرفع عنهم، هذا هو المشهور ذهب إليه الشيخان وأبو الصلاح وابن الجنيد وابن البرّاج وسلاّر وابن إدريس. وقال ابن أبي عقيل: «الحكم في المشركين حكمان: فمن كان منهم من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فإنّهم يقاتَلون حتّى يعطوا الجزية أو يسلموا، فإن أعطوا الجزية قُبلت منهم، ومَن كان من المشركين من غير أهل الكتاب قوتلوا حتّى يسلموا، فإن أعطوا الجزية لم تُقبل منهم». ولم يذكر حكم المجوس بالنصوصية، والظاهر من كلامه هذا أنّ حكمهم مخالف لأهل الكتاب (ثُمّ ذكر وجه قول المشهور الّذي اختاره ووجه قول ابن أبي عقيل وردّه).

مسألة: قال ابن الجنيد: لا أعلم خلافاً أنّ من أعطى الجزية من كفّار أهل الكتاب من غير العرب... أنّه واجب أخذ ذلك منه وإقراره على ما كان يدين به قبل الأمر من الله عَزّ وجَلّ بقتال المشركين سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو مجوساً أو صابئين، فيجوز أخذ الجزية من الصابئة. ثم ذكر عبارة مقنعة المفيد وكلام مبسوط الشيخ بعدم جواز أخذ الجزية من الصابئة واختاره واستدلّ عليه بعموم الكتاب .

مسألة: للشيخ في إيجاب الجزية على الفقير قولان، أحدهما الوجوب، وينظر بها إذا لم يكن معه شيء إلى وقت مكنته، فإذا استغنى أخذت منه الجزية من يوم ضمنها وعقد العقد له بعد أن يحول عليه الحول. وقال في الخلاف بعدم الوجوب وهو اختيار ابن الجنيد والظاهر من كلام المفيد وسلاّر وابن حمزة وأبي الصلاح الأوّل. وقوّى ابن إدريس الأوّل ثُمّ تردّد بعد ذلك وقال عقيب ما نقل عن الشيخ في الخلاف: «ولي فيه نظر». والأقرب عندي ما ذكره في المبسوط.

مسألة: المشهور أنّ الجزية تسقط عن المماليك وهو قول أبي الصلاح، وروى ابن الجنيد وابن بابويه في كتابيهما عن الباقر (عليه السلام) أنّه سئل عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه الجزية؟ قال: نعم، قال: فيؤدّي عنه مولاه المسلم الجزية؟ قال: نعم، إنّما هو ماله يفتديه إذا أخذ فيؤدي عنه. وروى ابن الجنيد قال: في كتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمعاذ وعمرو بن حمران أخذ الجزية من العبد... .

مسألة: قال ابن الجنيد: «لا تؤخذ الجزية من مغلوب مطبق على عقله، وكلّ ممنوع من قتله في دار الحرب فلا جزية عليهم كالنساء وغيرهم ممّن ذكرنا في كتاب الجهاد». مع أنّه قال في كتاب الجهاد: «ولا يُقتل منهم شيخ فانٍ ولا صبيّ ولا امرأة ولفا راهب في صومعة أو حيث قد حبس نفسه فيه، والأعمى والمقعد الزمن الذي لا حراك به لا يقتل». وقال الشيخ في المبسوط: والشيخ الفاني والزمن وأهل الصوامع والرهبان الّذين لا قتال لهم ولا رأي تؤخذ منهم الجزية، لعموم الآية، وقد روى أنّه لا جزية عليهم. وكذا إن وقعوا في الأسر جاز للإمام قتلهم .

وقال في الخلاف: الشيوخ الهرمى وأصحاب الصوامع والرهبان يؤخذ منهم الجزية، وفي أصحابنا من قال: لا يؤخذ منهم الجزية . وقال أبو الصلاح لا يجب على ذوي العاهات من فقرائهم . والظاهر من كلام ابن البرّاج وابن حمزة إيجاب الجزية عليهم لكنّ ابن حمزة أسقطها عم السفيه المفسد لدينه أو ماله. والأقرب الوجوب... .

فهو (قدس سرّه) قد نقل أقوال الأصحاب المختلفة في المسائل المذكورة ونستفيد منه إن شاء الله تعالى عند البحث عنها ومنه تعالى التوفيق.

فالمستفاد من كلمات هؤلاء الأعاظم (قدس سرّه) أنّ أخذ الجزية واجبة من طوائف ثلاثة ـ أعني اليهود والنصارى والمجوس ـ وهذا ممّا لم يكن بينهم خلاف، وأنّه لا يجوز أخذها من غيرهم على خلاف ما في الصابئة، وأنّه يشترط فيمن تؤخذ منه الجزية شرائط أُخر بعضها اتفاقي وبعضها محلّ خلاف، وأنّ مصرف الجزية المجاهدون ومَن قام مقامهم في نصرة الإسلام على كلام في الاختصاص بهم من بعض فهذه المسائل لابدّ من البحث عنها وعمّا تقتضيه الأدلّة المعتبرة فيها فنقول:

المسألة الأولى أن أخذ الجزية واجب والمراد وجوب إعطائها على الكفّار ووجوب أخذها منهم على وليّ أمر أمّة الإسلام، وإن كان المذكور في كلام جمع كثير من أولئك الأعاظم خصوص وجوب أداء الجزية على الكفّار.

ويشهد له من الكتاب قوله تعالى: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ .

فقد أمر الله تعالى بقتال هؤلاء وظاهره الوجوب، وهؤلاء المذكورون هم الّذين أوتوا الكتاب، فقتالهم واجب على المسلمين، وهذا الوجوب مستمرّ إلى أن يُعطوا الجزية ـ إذا فرض بقاؤهم على عنوان كونهم من أهل الكتاب ـ وحينئذٍ يرتفع وجوب القتال، فلا محالة يكون دخولهم تحت لواء ذمّة الإسلام بإعطاء الجزية أحد الهدفين المرغوب فيه من إيجاب القتال فيكون واجباً، والهدف الآخر الأسنى أن يؤمنوا بالإسلام ويصيروا مؤمنين، فإذا كان إعطاء الجزية واجباً عليهم فلا محالة يكون أخذها منهم واجباً على المسلمين، ومن الواضح الّذي مرّ الكلام فيه أنّ القيام بمثل هذه الأمور من وظائف واختيارات وليّ الأمر.

ويشهد له من السنة روايات تقتصر منها على رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ الواردة في الأسياف الخمسة الّتي بعث الله بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ حيث قال فيها: والسيف الثاني ـ يعني من السيوف الثلاثة الشاهرة ـ على أهل الذمّة، قال الله تعالى: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ نزلت هذه الآية في أهل الذمّة ثُمّ نسخها قوله عَزّ وجَلّ: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يُقبل منهم إلاّ الجزية أو القتل، وما لهم فيء وذراريهم سبي، وإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم وحرمت أموالهم وحلّت لنا مناكحتهم، ومَن كان منهم في دار الحرب حلّ لنا سبيهم وأموالهم ولم تحلّ لنا مناكحتهم، ولم يُقبل منهم إلاّ الدخول في دار الإسلام أو الجزية أو القتل... الحديث .

هذا الّذي ذكرناه هو عبارة الكافي الشريف، والجملة الأخيرة في الخصال هكذا: «ولم يُقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام»  فترك الجزية رأساً وذكر «الدخول في الإسلام» مقام «الدخول في دار الإسلام».

كما أنّها في التهذيب وتفسير القمّي هكذا: «ولا يُقبل منها [منهم ـ يب] إلاّ الجزية أو القتل»  فلم يذكر الدخول في الإسلام أو في دار الإسلام.

وبيان دلالتها: أنّه (عليه السلام) نصّ بأنّ الحكم المذكور في الآية المباركة هو الحكم النهائي الإسلامي في أهل الذمّة، وصرّح في ذيل الآية الشريفة بأنّه «مَن كان منهم في دار الإسلام فلن يُقبل منهم إلاّ الجزية أو القتل» فقد فرض انطباق عنوان أهل الذمّة عليهم، فلا محالة هم بعدُ على دين أنفسهم من أديان أهل الكتاب، فبعد ذلك حكم بأنّ أمرهم دائر بين القتل أو أداء الجزية، فلا محيص من كون أداء الجزية عدلاً للقتل، وكما يكون قتلهم واجباً فهكذا أداء جزيتهم، فأداء الجزية واجب عليهم وأخذها واجب على المسلمين الّذين يرجع الأمر بالآخرة إلى وليّ أمرهم هذا بالنسبة إلى مَن كان منهم في دار الإسلام.

وأمّا مَن كان منهم في دار الحرب فإن دخلوا في دار الإسلام باقين على دين أنفسهم ينطبق عليهم العنوان الأوّل وإن لم يبقوا عليه وصاروا مسلمين، فالمسلم لا جزية عليه أصلاً، وحينئذٍ فالظاهر من «الدخول في دار الإسلام» المذكور في نسخة الكافي في هؤلاء الدخول في دار الإسلام بقبول الإسلام، فبالنتيجة يكون مفاد فقرتها الأخيرة: أنّ من كان منهم في دار الحرب فلا يُقبل منهم إلاّ صيرورتهم مسلمين أو القتل أو أداء الجزية، فتكون هذه الفقرة أيضاً كالفقرة الأولى دالّة على المطلوب بالبيان الماضي.

نعم هذه الفقرة بنسخة التهذيب وتفسير القمّي يكون حاصل مفادها أنّه قد فرض بقاؤهم على دينهم وحينئذٍ فلا يُقبل منهم إلاّ الجزية أو القتل، ويكون فيها أيضاً دلالة على وجوب أداء الجزية عليهم ووجوب أخذها من المسلمين إذا لم يصرّوا على القتال.

نعم أنّها بنسخة الخصال لا دلالة فيها لأنّه خيّرهم بين القتل أو الدخول في الإسلام فلازمه عدم قبول أداء الجزية منهم أصلاً، لكنّه ممّا لم يفت به أحد بل الفتوى على أخذ الجزية منهم أيضاً، بل الظاهر أنّ أخذها منهم محلّ وفاق بين المسلمين جميعاً، فلذلك فلا يبعد الاطمئنان بغلط النسخة وحذف شقّ الجزية منها.

وبعد ذلك فدلالة الرواية على المطلوب تامّة، وسندها وإن كان لا يخلو من كلام إلاّ أن عمل العلماء بمضمونها لعلّه يجبر ضعفه.

المسألة الثانية: في وجوب أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس، والأدلّة الواردة في بيان هذا المعنى بألسنة مختلفة، فطائفة منها دلّت على وجوب أخذها من أهل الكتاب، وشمول هذا العنوان لليهود والنصارى مسلّم، والمجوس يلحق بهما بقرينة روايات خاصّة يأتي ذكرها في الطائفة:

1ـ فمن هذه الأدلّة الآية المباركة الماضية، فإنّها كما عرفت صريحة في الأمر بأخذها من الّذين أوتوا الكتاب، وهم عبارة عن أهل الكتاب.

2ـ ومنها رواية حفص بن عثمان الماضية أيضاً، فإنّ موضوع الحكم فيها أيضاً أهل الذمّة، وبما أنّها واردة ذيل الآية المباركة فأهل الذمّة هم أهل الكتاب المذكورون في الآية الشريفة.

3ـ ومنها صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد الله (عليه السلام): ففيها أنّه (عليه السلام) قال ـ لعمرو بن عبيد المعتزلي الّذي جاء مع جماعة عنده يدعونه إلى الدخول في بيعة محمّد بن عبد الله بن الحسن، فقال (عليه السلام) له في ضمن كلام طويل ـ: يا عمرو: دع ذا، أرأيت لو بايعت صاحبك الّذي تدعوني إلى بيعته ثُمّ اجتمعت لكم الأمّة فلم يختلف عليكم رجلان فيها فأفضتم إلى المشركين الّذين لا يسلمون ولا يؤدّون الجزية أكان عندكم وعند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيه بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المشركين في حروبه؟ قال: نعم، قال (عليه السلام): فتصنع ماذا؟ قال: ندعوهم إلى الإسلام فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية، قال (عليه السلام): وإن كانوا مجوساً ليسوا بأهل الكتاب؟ قال: سواء، قال (عليه السلام): وإن كانوا مشركي العرب وعَبَدة الأوثان؟ قال: سواء، قال (عليه السلام): أخبرني عن القرآن تقرأه، قال: نعم، قال (عليه السلام): اقرأ ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ فاستثناء الله عَزّ وجَلّ واشتراطه من الّذين أتوا الكتاب، فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟! قال: نعم، قال (عليه السلام): عمّن أخذت ذا؟ قال: سمعت الناس يقولون، قال (عليه السلام): دع ذا ـ ثُمّ ذكر (عليه السلام) عنه سؤالات كثيرة فقهية وكان هو جاهلاً بحكم الله فيها ـ ثُمّ أقبل على عمرو بن عبيد فقال (عليه السلام) له: اتّق الله وأنتم أيها الرهط فاتّقوا الله، فإنّ أبي حدثني ـ وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله عَزّ وجَلّ وسنّة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلّف .

فإنّ قوله (عليه السلام) ذيل الآية المباركة الّتي قد قرئت احتجاجاً عليه: «فاستثناء الله عَزّ وجَلّ واشتراطه من الّذين أوتوا الكتاب، فهو والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟!» فيه دلالة واضحة على أخذ الجزية من أهل الكتاب وأنّها مختصّة بهم وعمرو بن عبيد وإن أجاب السؤال بقوله: نعم، إلاّ أنّه جواب جاهل يستحقّ أن يسأل عنه: «عمّن أخذت ذا؟» فهو جواب باطل يشهد سياق الكلام ببطلانه كبطلان سائر الأجوبة الّتي تتلوه، وقد نصّ الإمام (عليه السلام) ببطلان أجوبته بالحديث النبوي الّذي ذكره آخر الحديث.

وبالجملة: فلا ريب في دلالة الحديث على أنّ الجزية تؤخذ من أهل الكتاب وعلى أنّها لا تؤخذ من غيرهم، وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.

4ـ ومنها صحيحة زرارة ـ المروية عن الكتب الأربعة وتفسير القمّي ـ قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما حدّ الجزية على أهل الكتاب وهل عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجوزوا إلى غيره؟ فقال (عليه السلام): ذلك إلى الإمام أن يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ماله وبما يطيق، إنّما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يُستعبدوا أو يُقتلوا، فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به حتّى يسلموا: فإنّ الله تبارك وتعالى قال: ﴿حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾... الحديث .

فإنّ الراوي قد فرض عند نفسه وجوب أخذ الجزية من أهل الكتاب وإنّما سأل الإمام (عليه السلام) عن أنّها هل لها حدّ؟ والإمام (عليه السلام) قد أكّد ما في ذهنه وأجاب عن سؤاله بأنّها لا حدّ لها بل هو موكول إلى ما يراه الإمام مراعياً قدر طاقته.

وقد ذكر الآية المباركة تأكيداً لما أفاده من الجواب، فلا ريب في دلالة الصحيحة على المطلوب، وفي أنّها أيضاً دليل آخر على أنّ الّذين أوتوا الكتاب المذكورين في الآية هم أهل الكتاب.

ثُمّ إنّ الصحيحة قد تضمّنت نكتة أخرى هي أنّ الجزية عوض عن حق حياة أهل الكتاب في ذمّة الإسلام وتحت لوائه في صورة الحرّية، فإنّه مفاد قوله (عليه السلام): «إنّما هم قومٌ فدوا أنفسهم من أن يُستعبدوا أو يقتلوا» وقد أشير إلى هذه النكتة فيما حكيناه من عبارة الشيخ المفيد في المقنعة، ومن عبارة العلاّمة في التذكرة والمنتهى.

فهذه الطائفة من الأدلّة: دلّت بوضوح على وجوب أخذ الجزية من أهل الكتاب من دون تطبيق على خصوص الطوائف الثلاث إلاّ ما في صحيحة عبد الكريم بن عتبة من قوله (عليه السلام): «وإن كانوا مجوساً ليسوا بأهل الكتاب» حيث إنّ ظاهره نفى أن يكون المجوس من أهل الكتاب، وسيجيء إن شاء الله تعالى الكلام فيه. وستأتي في ضمن أخبار تبيّن حكم المجوس ما تدلّ على أنّ أخذ الجزية من أهل الكتاب من المسلّمات، فارتقب.

وهنا طائفة ثانية تدل بالصراحة على أخذ الجزية من اليهود والنصارى وهي صحيحة الفضيل بن عثمان الأعور الّتي رواها الصدوق في من لا يحضره الفقيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: ما من وليد يولد إلاّ على الفطرة، فأبواه اللّذان يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه، وإنّما أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذمّة وقبل الجزية عن رؤوس أولئك بأعيانهم على أن لا يهوّدوا أولادهم ولا ينصّروا، وأمّا أولاد أهل الذمّة اليوم فلا ذمّة لهم .

فهو (عليه السلام) وإن ذكر أوّل الحديث المجوس أيضاً إلاّ أنّه لا تعرّض فيه لأخذ الجزية، وإذا تعرّض لقبول الجزية فإنّما تعرّض بقوله: «على أن لا يهوّدوا أولادهم ولا ينصّروا» لأخذ الجزية من اليهود والنصارى، نعم لا دلالة فيها على عدم قبول الجزية من المجوس.

لكنّه روى الصدوق (رحمه الله) هذا الحديث بسندٍ آخر معتبر في علل الشرائع وفيه العبارة المذكورة هكذا: «وإنّما أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذمّة وقيل الجزية عن رؤوس أولئك بأعيانهم على أن لا يهوّدوا ولا ينصّروا ولا يمجّسوا، فأمّا الأولاد وأهل الذمّة اليوم فلا ذمّة لهم» .

فكما ترى قد عطف قوله: «ولا يمجّسوا» على ما قبله ويكون فيه دلالة على قبول الجزية من المجوس أيضاً، والظاهر أنّ الحديث واحد فتختلف النسختان في المجوس وتتعارضان، فلا حجّة على هذه الزيادة إلاّ أن تقدّم في هذه الموارد الزيادة على النقيصة، وهو غير واضح.

وكيف كان فالصحيحة تامّة الدلالة بكلا سنديها على أخذ الجزية من اليهود والنصارى.

ويدل عليه أيضاً أنّه لا ريب في انطباق عنوان أهل الكتاب عليهما فإنّ القرآن الكريم قد صرّح بأنّه تعالى قد أنزل التوراة والإنجيل  ونصّ بصدق أهل الكتاب عليهما، فمثلاً قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾  فإذا نص القرآن على صدق أهل الكتاب عليهما فلا ينبغي الريب في أن صدقه عليهما يصير عند المسلمين من الواضحات.

كما أنّ هنا طائفة ثالثة وردت في المجوس، ويمكن انقسام هذه الأخبار إلى أقسام ثلاثة.

(القسم الأوّل) ما يدلّ على أن الجزية تؤخذ من المجوس.

1ـ فقد روى أبو يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن المجوس أكان لهم نبيّ؟ فقال (عليه السلام): نعم، أما بلغك كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أهل مكة: «أسلموا وإلاّ نابذتكم بحرب» فكتبوا إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «أن خذ منّا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان». فكتب إليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «إني لست آخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب» فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه: «زعمت أنّك لا تأخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب ثُمّ أخذت الجزية من مجوس هجر» فكتب إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «إنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه وكتاب أحرقوه، أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور» .

والرواية كما ترى صريحة في أنّ الجزية تؤخذ وأخذت من المجوس لأنّهم أهل الكتاب، يعني فهم داخلون في عموم عنوان ﴿الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ﴾ المذكورين في الآية المباركة.

2ـ وعن الصدوق في الفقيه أنّه قال: المجوس تؤخذ منهم الجزية: لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» وكان لهم نبيٌ اسمه داماست فقتلوه، وكتاب يقال له جاماست كان يقع في اثني عشر ألف جلد ثور فحرّقوه .

فقد أفتى (قدس سرّه) جزماً بأخذ الجزية منهم استناداً إلى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» وهو يكشف عن ثبوت هذا القول عنده بسندٍ معتبر حتّى رأى جواز الاستناد إليه في الفتوى، وسيأتي الكلام فيه.

3ـ وقال المفيد في المقنعة: وقد روي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله أنّه قال: المجوس إنّما أُلحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات لأنّه قد كان لهم فيما مضى كتاب .

ودلالته على وجوب الجزية على المجوس واضحة كدلالته في أنّه لمكان أنّهم أهل الكتاب كما ذكرناه في مرسل الواسطي.

4ـ وقد روى الشيخ في التهذيب بإسناده الصحيح عن يونس بن عبد الرحمن عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عَزّ وجَلّ: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ قال: اللّذان منكم مسلمان، واللّذان من غيركم من أهل الكتاب، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سنّ في المجوس سنّة أهل الكتاب في الجزية... الحديث .

وبناءاً على أن يكون محمّد بن الفضيل هنا هو محمّد بن القاسم بن الفضيل على ما صرّح به جامع الرواة فالرواية صحيحة السند، ودلالتها واضحة، هذا مضافاً إلى أنّ الصدوق أيضاً رواها في من لا يحضره الفقيه بإسناده الصحيح إلى يونس بن عبد الرحمن عن يحيى بن محمّد عن الصادق (عليه السلام) إلاّ أنّ فيه: «لأنّ في المجوس سنّة أهل الكتاب في الجزية» وهو غير مضرٌ، وحيث أنّ يونس من أصحاب الإجماع فربما يكتفى به في ثبوت صحّة السند إلى الإمام لأثبات وثاقة يحيى بن محمّد على بعض المباني، فتأمّل. ونحوه سند الكافي إن كان محمّد بن أحمد هو محمّد بن أحمد بن يحيى لكنّه غير معلوم. وقد رواه العيّاشي أيضاً بسندين.

5ـ قد روي عن الأصبغ بن نباتة في حديث أنّ عليّاً (عليه السلام) قال على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين كيف تؤخذ الجزية من المجوس (تؤخذ من المجوس الجزية ـ الأمالي والاختصاص) ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي؟ فقال (عليه السلام): بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتاباً وبعث إليهم نبياً، وكان لهم ملك سكر ذات ليلة، فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها، فلمّا أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه فقالوا: أيّها الملك فسّدت علينا ديننا فأهلكته، فاخرج نطهّرك ونقم عليك الحدّ، فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي فإن يكن لي مخرج ممّا ارتكبت وإلاّ فشأنكم، فاجتمعوا فقال لهم: هل علمتم أنّ الله عَزّ وجَلّ لم يخلق خلقاً أكرم عليه من أبينا آدم وأمّنا حوّاء؟ قالوا: صدقت أيّها الملك، فقال: أفليس وقد زوّج بنيه من بناته وبناته من بنيه؟ قالوا: صدقت، هذا هو الدين، فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله ما في صدورهم من العلم ورفع عنهم الكتاب فهم الكفرة يدخلون النار بلا (بغير ـ خ ل) حساب، والمنافقون أشدّ حالاً منهم، فقال الأشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبداً... الحديث . وقد رواه المفيد في كتاب الاختصاص بإسناده عن الأصبغ .

ودلالتها أيضاً على وجوب أداء الجزية على المجوس كدلالتها لأنّ سرّ الوجوب أنّهم أيضاً أهل الكتاب واضحة.

إلاّ أنّ في سنديها رجالاً مجهولين، كما أن حديث المقنعة مرسل رأساً، وخبر أبي يحيى الواسطي أيضاً مرسل عن بعض أصحابنا، وخبر الصدوق قد عرفت أنّه في تعلّق الجزية بالمجوس إنّما هو مجرّد فتوى منه استنبطها من قوله: «سنّوا بالمجوس سنة أهل الكتاب» وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

6ـ وعن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «المجوس أهل الكتاب إلاّ أنّه اندرس أمرهم ـ وذكر قصّتهم وقال: تؤخذ الجزية منهم» .

ودلالة ذيل الحديث على وجوب أخذ الجزية منهم واضحة.

وبالجملة: دلالة الأخبار الأربعة على المطلوب تامّة إلاّ أنّ سندها غير تمام. هذا تمام الكلام عن القسم الأوّل.

(القسم الثاني) أخبار تتضمّن قولهم (عليهم السلام) في المجوس: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب»، وهذا المدلول يدلّ على المطلوب فإنّه حكم بأنّه يجري على المجوس ويستنّ بهم سنّة أهل الكتاب، وحيث إنّ تعلّق الجزية باليهود والنصارى اللّذين هم من أهل الكتاب بلا شبهة إنّما هو بعنوان أنّهم أهل الكتاب فلا محالة تتعلّق بالمجوس أيضاً، وهذه الأخبار متعدّدة:

1ـ منها مرسل الصدوق الماضي في القسم الأوّل الّذي عدّه معتبراً واستند إليه في الإفتاء بتعلّق الجزية بالمجوس.

2ـ ومنها خبر عليّ بن عليّ بن دعبل المروي ـ عن مجالس ابن الشيخ الطوسي ـ عن عليّ بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن عليّ بن الحسين (عليهم السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» يعني المجوس .

إلاّ أن علي بن عليّ وهلال بن محمّد الحقّار في السند مجهولان وإسماعيل بن عليّ أيضاً لم يوثّق بل ضعّفه ابن الغضائري.

3ـ ومنها ما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه بإسناده الصحيح عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن أحمد بن عمر قال: سألته عن قول الله عَزّ وجَلّ: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ قال: اللّذان منكم مسلمان واللّذان من غيركم من أهل الكتاب، فإن لم تجد من أهل الكتاب فمن المجوس لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» وذلك إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمين يُشهدهما فرجلان من أهل الكتاب .

وسند الحديث لأنّ أحمد بن عمر الّذي يروي عنه الوشّاء هو أحمد بن عمر الحلبي الثقة الّذي كان من أصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام) ولا يبعد أن لا يضرّ به الإضمار لمتانة متنه جدّاً واستظهار أنّ الضمير راجع إلى أحد الإمامين (عليهما السلام)، أضف إليه أن الصدوق قد تعهّد في مقدمّة كتابه بقوله: «بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته واعتقد أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذكره وتعالت قدرته» ومن الواضح أنّه لا يكون إلاّ ما قاله الأئمّة المعصومون (عليهم السلام) فهو (قدس سرّه) أيضاً يراد حديثاً عن الإمام (عليه السلام).

(القسم الثالث) أخبار إمّا ما دلّت على أنّه كان لهم كتاب فلا محالة يكونون من أهل الكتاب، وإمّا على أنّهم أهل الكتاب، وكيف كان، فإذا كانوا أهل الكتاب فتعمّهم أدلّة إيجاب الجزية الّتي تعلّقت بعنوان أهل الكتاب فيجب عليهم أيضاً أداؤها.

أمّا ما دلّ على أنّه كان لهم كتاب ـ مضافاً إلى مرسل أبي يحيى الواسطي ومرسل الصدوق وحديث الأصبغ بن نباتة ومرسل المفيد الّتي قد مضى جميعها ـ فهو ما رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن أحمد بن محمّد عن أبي يحيى الواسطي قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن المجوس فقال (عليه السلام): كان لهم نبي قتلوه وكتاب أحرقوه، أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور، وكان يقال له: جاماست .

وأبو يحيى الواسطي كنية لسهيل بن زياد ولم يرد فيه تضعيف بل قال فيه النجاشي: «لقي أبا محمّد العسكري (عليه السلام)، أمّه بنت محمّد بن النعمان أبو جعفر الأحول مؤمن الطاق شيخنا المتكلّم (رحمه الله)، وقال بعض أصحابنا: لم يكن سهيل بكلّ الثبت في الحديث». والتعبير بشيخنا المتكلّم (رحمه الله) ظاهر في التجليل والتوثيق وعدم كونه كلّ الثبت ـ بناءاً على تسلّمه ـ لا يرفع شرط قبول روايته، فالسند معتبر.

وما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيبين عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم (أربعة آلاف التهذيب والاستبصار) وديّة المجوسي ثمانمائة درهم. وقال أيضاً: إنّ (وقال: أما إنّ ـ الفقيه) للمجوس كتاباً يقال له: جاماس (جاماسف ـ الفقيه)   وهو في الدلالة مثل خبر الواسطي إلاّ أنّ سنده غير نقيّ.

وأمّا ما دلّ على أنّهم أهل الكتاب ـ مضافاً إلى ما مرّ عن الدعائم في القسم الأوّل من الأخبار فروايات:

1ـ منها ما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه بإسناده الصحيح عن ابن أبي عمير عن سماعة بن مهران ـ الثقة وإن كان واقفيّاًَ ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بعث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد إلى البحرين فأصاب بها دماء قوم من اليهود والنصارى والمجوس؛ فكتب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّي أصبت دماء قوم من اليهود والنصارى فوديتهم ثمانمائة ثمانمائة، وأصبت دماء قوم من المجوس ولم تكن عهدت إليَّ فيهم عهداً، قال: فكتب إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ ديتهم مثل دية اليهود والنصارى، وقال: إنّهم أهل كتاب.

ورواه الشيخ في التهذيب والاستبصار والجملة الأخيرة فيهما: «أنّهم أهل الكتاب» .

وعدّها من أخبار هذا القسم الأخير إنّما يكون على نسخة التهذيبين وإلاّ فعلى نسخة الصدوق فهي من النحو الأوّل.

2ـ ومنها ما رواه الشيخ في التهذيبين بسند موثّق عن زرارة قال: سألته عن المجوس ما حدّهم؟ فقال: هم من أهل الكتاب ومجراهم مجرى اليهود والنصارى في الحدود والديات .

والإضمار من مثل زرارة غير مضرّ كما لا يخفى. ودلالته على المطلوب واضحة.

3ـ ومنها ما رواه الصدوق مرسلاً بقوله، وقد روى أنّ دية اليهودي والنصراني والمجوسي أربعة آلاف درهم أربعة آلاف درهم؛ لأنّهم أهل الكتاب .

فهذه الأخبار الثلاثة قد صرّحت بأنّ المجوس أهل الكتاب، بل الحقّ أنّه يستفاد هذا المعنى من حديث أبي يحيى الواسطي الّذي أرسله عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ وقد مرّ متنه بتمامه في القسم الأوّل من أخبارنا تحت الرقم1ـ فإنّ تكذيب المشركين راجع إلى أنّ المجوس ليسوا من أهل الكتاب فالجواب عنهم بأنّهم كان لهم كتاب لا يراد منه إلاّ أنّهم أيضاً أهل الكتاب.

بل الأمر كذلك في حديث الأصبغ، فإنّ سؤال الأشعث: «كيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل إليهم كتاب؟» يرجع إلى معنى ما ذكره المشركون للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وجواب الأمير (عليه السلام) بقوله: «بلى يا أشعث قد أنزل الله إليهم كتاباً» معناه أنّهم بذلك أهل الكتاب فأخذ الجزية منهم أخذ لها عن أهل الكتاب.

إلاّ أنّه قد يمكن أن يقال: إنّه قد وردت أخبار عديدة تضمّنت أنّ المجوس ليسوا من أهل الكتاب فتصير معارضة للأخبار المذكورة وربما كانت نتيجتها سقوط أخبارنا عن الحجية ولا يجور بها الاستدلال.

1ـ فمن هذه الأخبار ما مرّ من قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي الماضي لعمر بن عبيد المعتزلي: «إن كانوا مجوساً ليسوا بأهل الكتاب»  فقد وصفهم بأنّهم ليسوا من أهل الكتاب وهذا ما ذكرناه.

2ـ ومنها ما مرّ أيضاً في حديث محمّد بن الفضيل من قول الكاظم (عليه السلام): «فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس»  فإن ترتّب إشهاد المجوس على الوصية على أن لا يجدوا من أهل الكتاب فيه دلالة واضحة على أنّهم ليسوا من أهل الكتاب.

3ـ بل ومنها جميع الأخبار الّتي مرّ ذكرها في القسم الثاني الّتي تضمّنت قولهم (عليهم السلام): «سنّوا في المجوس سنّة أهل الكتاب» فإنّ الأمر بإجراء سنّة أهل الكتاب فيهم ظاهرة أنّهم ليسوا من أهل الكتاب، إلاّ أنّه يجب أن تجري فيهم سنّة أهل الكتاب.

4ـ ومنها خبر عبد الله بن هلال عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن مظائرة المجوسي؟ قال: لا، ولكن أهل الكتاب .

فإنّ جعله (عليه السلام) للمجوس مقابلاً لأهل الكتاب يدلّ على أنّ المجوس ليسوا من أهل الكتاب.

5ـ ومنها ما رواه العياشي في تفسيره عن عمر بن حنظلة في قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ﴾: أمّا المجوس فلا، فليسوا من أهل لكتاب، وأمّا اليهود والنصارى فلا بأس إذا سمّوا .

والرواية كسائر روايات التفسير مرسلة ومع ذلك فهي كما ترى قول عمر بن حنظلة من غير إسناد إلى المعصوم (عليه السلام) إلاّ أن تقول: إنّه لا يقول أيضاً إلاّ بعد سماعه من الإمام (عليه السلام). وهو محلّ تأمّل لاسيّما أنّه لو سلّمناه فلا يكشف عن أنّ التعبير نفس تعبير الإمام (عليه السلام) فلعلّه نقبل بالمعنى لكنّ في الوسائل حين ما نقلها قال: «عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام)» إلاّ أنّه مع اختلاف النسخ لا حجّة فيه.

6ـ ومنها ما رواه يونس بن عبد الرحمن عنهم (عليهم السلام) قالوا: خمسة أشياء ذكية ممّا فيه منافع الخلق: الإنفحة والبيضة [البيض ـ ئل] والصوف والشعر والوبر، ولا بأس بأكل الجبن كلّه ممّا عمله مسلم أو غيره، وإنّما يكره أن يؤكل سوى الإنفحة ممّا في آنية المجوس وأهل الكتاب لأنّهم لا يتوقّون الميتة والخمر .

فعطف أهل الكتاب على المجوس فيه دلالة على أنّ المجوس ليسوا من أهل الكتاب.

فتقع بين هذه الأخبار والأخبار الّتي دلّت على أنّ المجوس أهل الكتاب تعارض، والتعارض يوجب التساقط، فلا مجال للاستدلال بتلك الأخبار الّتي دلّت على أنّ المجوس أهل الكتاب.

ولا يبعد أن يقال: إنّ الأخبار الدالة على أنّهم أهل الكتاب ـ ولا سيّما ما كان وارداً منها في تعليل وجوب أداء الجزية عليهم كمرسل الواسطي وحديث الأصبغ ومرسل المفيد ـ واردة في مقام بيان تعميم موضوع حكم الجزية للمجوس وأنّ حكم أهل الكتاب يشملهم. ونحوها الأمر في أحاديث باب الديات والحدود فإنّها لبيان تعميم موضوعها للمجوس أيضاً، وحينئذٍ فتلك الأخبار النافية عنهم عنوان أهل الكتاب يراد بها المعنى المنصرف من أهل الكتاب ـ أعني اليهود والنصارى ـ وبذلك يرتفع التعارض من البين وصحّ الاستدلال بهذه الأخبار فيما نحن فيه.

فالمتحصّل من جميع ما مرّ: أنّ الطوائف الثلاث أعني ـ اليهود والنصارى والمجوس ـ يجب أداء الجزية عليهم ويجب على وليّ أمر المسلمين أخذها منهم.

وحيث إنّ موضوع الحكم في القرآن العظيم كبعض الأخبار أهل الكتاب، وموضوعه في بعض الأخبار تلك العناوين الثلاثة، وكلاهما يشمل جميع الأصناف المتصوّرة لهم، فلا محالة يكون الحكم جارياً في جميع أصنافهم.

المسألة الثالثة: في أنّه ليس على غير هذه الطوائف الثلاث أداء الجزية بل لا يجوز أخذها منهم وحكم الإسلام في غيرهم أن يقاتلوا حتّى يسلموا ـ بعد وضوح حقّية الإسلام لهم ـ أو يقتلوا.

وكلا الأمرين ـ أعني عدم جواز أخذ الجزية ووجوب قتل غير الطوائف الثلاث ـ قد مرّ ذكرهما في كلمات أعاظم الفقهاء المتقدّمة، أعني: الشيخ المفيد في المقنعة، وشيخ الطائفة في النهاية والخلاف، وأبا الصلاح في الكافي، وسلاّر في المراسم، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، وابن زهرة في الغنية مدّعياً للإجماع على عدم جواز الأخذ، وابن حمزة في الوسيلة، والحلبي في إشارة السبق، والكيدري في إصباح الشيعة، وابن إدريس في السرائر، والمحقّق في الشرائع والنافع، والعلاّمة في القواعد والتذكرة والمنتهى، فراجع.

نعم، لم يكن فيما مرّ من عبارة مبسوط الشيخ وإرشاد العلاّمة إلاّ التعرّض لعدم جواز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب، إلاّ أنّهما أيضاً قد تعرّضا لوجوب قتل غيرهم أيضاً فيهما.

فقد قال في المبسوط: ولا يجوز قتال أحد من الكفّار... إلاّ بعد دعائهم إلى الإسلام... فمتى دعوا ولم يجيبوا حلّ قتالهم إلاّ أن يقبلوا الجزية وكانوا من أهلها .

فتقييد مَن لا يحلّ قتاله بأن يكون من أهل الجزية فيه دلالة على أنّ مَن لا يكون من أهلها ليس مستثنى ويحلّ قتاله، ومن المعلوم أنّ مراده بالحلّية هنا عدم المنع عن القتال وهو متحقّق في قالب الوجوب، فإنّ الجهاد من فرائض الإسلام، وصرّح هو (قدس سرّه) به أيضاً في أوّل كتاب الجهاد من المبسوط بقوله: الجهاد فرضٌ من فرائض الإسلام إجماعاً... .

وقال العلاّمة في أوّل جهاد الإرشاد: كتاب الجهاد، ومقاصده خمسة: الأوّل يجب جهاد أهل الذمّة؛ ولهم اليهود والنصارى والمجوس إذا أخلّوا بشرائط الذمّة وهي قبول الجزية و... فذكر سائر ما يجب على أهل الذمّة، ثُمّ قال: ـ ويجب جهاد غيرهم من أصناف الكفّار إلى أن يسلموا أو تُقتِلوا.

فإنّه (قدس سرّه) اشترط وجوب جهاد الطوائف الثلاث بإخلالهم بشرائط الذمّة الّتي ركنها قبول الجزية، وأفتى بوجوب جهاد غيرهم من أصناف الكفّار إلى أن يسلموا أو تقتلوا بأنّ لمستفاد منه جزماً وجوب قتلهم بالجهاد إذا لم يسلموا، وهو المطلوب.

فبالجملة: هؤلاء الأعاظم متّفقوا الكلمة على كلا الأمرين، وهكذا الأمر في سائر أعاظم الفقهاء ولذلك قال صاحب الجواهر: وكيف كان فلا يقبل من غيرهم ـ أي اليهود والنصارى والمجوس ـ إلاّ الإسلام بلا خلافٍ أجده فيه، بل عن الغنية وغيرها الإجماع عليه، بل ولا إشكال: بعد قوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾... .