اعتقلوها فيما كانت على مائدة الطعام مع أولادها. فتحت ابنتها الصغيرة الباب وقالت:

ماما، عند الباب رجل اسمه پرویز یرید أن يتحدث إليكِ .

عرفت بسرعة أنهم من قوات أمن الشاه، جاؤوا لاعتقالها. خرجت من البیت، والأطفال ينظرون إليها بقلق. قبلت وجه ابنتها وقالت:  – سأعود بسرعة، و هي تعلم جيداً أنها ربما لا تعود ابداً.

منذ كانوا بجانب باب بيتها بدأ التعذيب. جلس شخص من قوات أمن الشاه في السيارة وطلبوا منها أن تجلس وبعدها جلس رجل امن آخر. یعني كانوا یریدون إجبارها على الجلوس بین الرجلین في سیارتهم. قالت: –  حتى لو قتلتموني الآن لن اجلس بین رجلين من غير محارمي.

قالت في السيارة: – اسألوا أسألتكم بسرعة، لابد لي أن أعود إلى البيت بسرعة. أطفالي بانتظاري، لم يأكلوا العشاء. مع أنها كانت تعلم أنهم إذا اعتقلوها فهذا يعني أنهم يعرفون عنها الكثير ويعرفونها جيدا.

في السجن اخذوا عباءتها وحجابها. قالوا: ربما تنحر. كانوا يريدون أن يعرفوا أنصار الإمام الخميني. لم تقبل أن تكون بلا حجاب في السجن: غطت شعرها بالبطانية في السجن.

كانوا يضربونها كل يوم حتى الموت، إلا أنها لم تقل شيئاً. كانت جاهزة للشهادة، فتحملت كل التعذيب. كانوا يعذبونها بالكهرباء، إطفاء السجائر على جسدها، سيجار، ركل، لكم … ومع ذلك بقيت صامتة.

في ليلة فتحوا باب السجن، رأت ابنتها. لم تصدق. فعندما لم  يوفّقوا بعد كل هذا التعذيب في انتزاع أي اعتراف منها، اعتقلوا ابنتها، فلربما تكسر هذا الصمت، ولم تكسر.

كل يوم كانوا يضحكون منهما: الأم حجابها بطانية والبنت المسكينة تلوذ بها. كانوا يقولون لهما: – أين الخميني الآن ليخلصكم من هذا السجن. وهي تصرخ في وجوههم: – لو تقتلوننا ألف مرة، كل حياتي فداء للخميني.

في ليلة فتحوا باب السجن و أخرجوا ابنتها للتعذيب. قرب آذان الصبح فتحوا باب الزنزانة المظلمة ورموها. كانت مثل الأموات من شدة التعذيب. لم تكن تتنفس. سكبوا عليها الكثير من الماء، لم تفتح عينيها. بدأت الأم تضرب باب الزنزانة. احتضنت ابنتها بقوة .. كانت تصرخ من الألم. فجأة سمعت صوتاً حزينا ً من زنزانة أخرى: كان واحداً من المجاهدين يقرأ لها بصوت جميل: “استعینوا بالصبر والصلاة”، ليسكن قلبها.

أخرجوا الفتاة على بطانية. شعرت بأنها ماتت.بعد 16 يوماً فتحوا باب الزنزانة، دخلت ابنتها معافاة. علمت أنها كانت في مستشفى الجيش تتلقى العلاج.

بعد الثورة كانت لها مسؤولية كبيرة. كانت مرافقة الإمام الخميني، ومسؤولة حرس الثورة في همدان. كثيرون يعرفونها. ذات يوم رآها أحد ما وهي تعمل سائقة تاكسي بالسيارة. في منتصف الليل، وكان ذلك الشخص يعرفها ويعرف أنها في أعلى مراتب المسؤولية. وصل الخبر  إلى الإمام الخميني فطلبها وسأل عن الموضوع. قالت للإمام:-أنا كفلت أسرتين فقيرتين، وهذا صعب علي، لابد لي أن اعمل أكثر  لأكون قادرة على ذلك.

قبل سنوات مرضت مرضاً شديداً. طلبت من الإمام الخامنئي أي أن يسمح لها بتنفيذ عملية استشهادية ضد الجيش الصهيوني، قالت: – لم يبق لي شيء إلا هذا الجسم العليل، أريد أن أقدمه للإسلام. فرد عليها الإمام بالقول: “نحتاج كثيرا إلى وجودكم  وتنفسكم  بيننا “. ثم أمر بإرسالها إلى مكان جوه نقي وبعلاجها. الحمد لله تحسنت حالها قليلا.

سألوها مرة: هل توجد لحظة ندم في حياتك على ما تعرضت له في سبيل الثورة؟ أجابت:  كلا،  لو كنت استطيع أن أقف على قدمي ولم أكن مريضة، لكنت الآن في سوريا!

هذه المرأة المجاهدة هي مرضية حديدچی( طاهرة دباغ) . من أكبر مجاهدات إيران ضد الشاه. مرافقة الإمام الخمینی، و من اكبر قياديي الحرس الثوري. عضو فی مجلس الشورى الإسلامي. تركت الدنيا  في 17 تشرين الثاني/نوڤمبر2016 .

النص اقتباس من كتاب “زنی از تبار الوند” للكاتبة الإيرانية مونا اسكندري.  ترجمة واقتباس: رقیة كريمي.

وقد نعاها الإمام الخامنئي قائلا: “برحيل المرأة المجاهدة والثورية التي لم تعرف التعب. هذه المرأة الشجاعة والفدائية في زمان الشاه الطاغوتي، التي لم يستطع السجن و التعذيب أن يضعف من عزيمتها في الدفاع عن الثورة وفي أداء وظيفتها. أسأل الله لهذه المرأة المخلصة أن تشملها المغفرة والرضوان الإلهي”.

من هي السيدة "مرضية حديدجي"؟

 

مقال عن السیدة دباغ – مجلة الانتقاد 2008م- أميمة عليق -طهران

"إمرأة الثورة الحديدية"

 شريكة الثورة والانتصار: حملت رسالة الإمام إلى غورباتشوف وقاتلت في جنوب لبنان

"إمرأة الثورة الحديدية" يعرفها الإيرانيون بهذا الاسم، فهي المرأة الأشهر في إيران والتي شاركت في الثورة حاملة السلاح في أحياء طهران والمناطق، ودربت النساء عسكريا. وهي المرأة التي يعرفها المجاهدون فقد حملت معهم الأسلحة والصواريخ في مرتفعات كردستان القاسية والقارسة وهي المرأة التي تركت أولادها الثمانية في طهران مضطهدين من قبل "السافاك" كي تقوم بتكليفها وترافق الإمام إلى فرنسا وتتولى أمنه الخاص، وهي المرأة التي دربت المجاهدين وشاركت في المقاومة في جنوب لبنان، وهي التي حملت رسالة الإمام التاريخية إلى غورباتشوف مع إصرار الإمام على كتابة وصيتها قبل الانطلاق لما لهذا السفر من أخطار محتملة .

إنها السيدة مرضية حداد تشي دباغ ودباغ هي عائلة زوجها التي انتقلت معه من همدان إلى طهران بعد أن تزوجا فكانت الفرصة المؤاتية لها لمتابعة الدراسة والعلوم الدينية فهي كانت قد أخرجت من الكتاب لانها كما قالت عنها مدرستها طموحة جدا و تؤثر على رفيقاتها في الصف .فتركت مرضية الصف لكنها لم تترك القراءة فوالدها كان صحافا ( لديه دكانا لتجليد الكتب ) فوجدت بمجيئها إلى طهران الفرصة التي كانت تنتظرها لتحقيق ما عجزت عنه في همدان البلدة المتواضعة في تلك الفترة . كثر الذكريات الأليمة التي تتذكرها هي مجازر السلطات في شوارع طهران وتقول عن هذا انها كانت المرة الأولى التي تشهد فيها قتل إنسان لأخر بسهولة كشرب الماء وعندها فقط أحست أن الباطل والحق واضحان جدا وقد وقفا للمواجهة.

ومن الذكريات التي لا تنساها كانت أيام توزيع بيانات الإمام الخميني وتشهد السيدة دباغ لنساء إيران جرأتهن في القيام بهذا العمل ففي ساعات معدودة كانت توزعن الاف البيانات، فتقول: " كنا ندخل إلى بائع الخضار فنشتري منه وفي اللحظة التي يدير ظهره كي يضع المال في الجارور كنا نضع البيانات في الميزان ونخرج فلا يعلم احد من وضعها، أو كنا نستقل سيارة الأجرة أو الحافلة وحين ننزل نترك وراءنا البيانات وهكذا كانت تصل إلى اكبر عدد من الشعب الايراني ".

حكايتها مع الإمام الخميني بدأت من رؤيا شاهدتها في إحدى الليالي من العام 1965 أنها تسمع أنين سيد جاء لزيارتهم وهي لم تكن تعرف الإمام حينها فقررت البحث عنه لأنها أحست أن وراء هذه الرؤيا رسالة وعليها مساعدة هذا السيد وبعد أن بدأت البحث في قم وطهران وبعد أن التقت الإمام الخميني بعد أشهر من البحث لم يكن سوى هذا السيد الذي شاهدته في منامها وهو يشكو من الظلم ومنذ تلك اللحظة بدأت جهادها عام 1967 .

فتعرضت لملاحقة السافاك وسجنت لمدة سنتين عام 1973 وبعد خروجها تركت إيران بمساعدة الشهيد الشيخ محمد منتظري فبدأت جهادها في سوريا وفي لبنان مع الشهيد شمران كما كانت قد رافقت السيد محتشمي إلى النجف عام 1975حيث أقامت في بيت الإمام كمسؤؤلة عن امن البيت ثم رافقت الإمام إلى فرنسا بعد أن أكد لها الإمام أن الثورة ستنتصر وستعود إلى أولادها الثمانية في إيران . كانت أيام رفقتها للإمام في باريس من أهم الأيام التي استطاعت فيها السيدة دباغ التعرف على شخصية الإمام عن قرب فذهلت بشجاعته ورؤيته البعيدة والثاقبة ووضوح الأمور له وتعلمت من التنظيم الذي كان يعيش فيه الإمام وهو الذي يؤكد أن الإنسان إذا ما نظم وقته وحياته يصبح كل وجوده منظما . وتنقل كم كان الإمام يؤكد على أهمية مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية فهو الذي يعتقد ان لا فرق بين المرأة والرجل في أداء التكليف فكان يصر أن يرسلها هي إلى المناطق المختلفة في فرنسا لتلقي الكلمات مع امتناعها أحيانا ولكنها إطاعة للإمام كانت تذهب وكانت تدرك عندها تأثير وجودها كامرأة على الغربيين الذين يعتقدون أن الإسلام يحرم المرأة من المشاركات الثقافية والاجتماعية . الغربيون الذين تفاجأوا حين كانت رسالة الإمام تحملها امرأة ترتدي الشادور الأسود إلى الاتحاد السوفيتي السابق عام 1988 ولم يخفي غورباتشوف تعجبه من وجودها في الوفد كما وهي لا تنسى استنكار غورباتشوف لعدة نقاط في الرسالة: حين دعاه الإمام الخميني لاعتناق الإسلام فأجاب وهل يقبل الإمام أن ندعوه لاعتناق اعتقاداتنا وكذلك انزعج وتفاجأ غورباتشوف حين قال الإمام أن الشيوعية يجب وضعها في متاحف التاريخ .

وتضيف السيدة مرضية دباغ غورباتشوف قال بعد عدة سنوات : "لو أني أدركت كلام الإمام عندما أرسل لي الرسالة كما الآن لكانت بلادنا تحولت إلى جنة ".

السيدة دباغ التي ناهزت الخامسة والستين عاما والتي كانت قد ترأست الحرس في منطقة همدان وتولت مسؤولية التعبئة النسائية في كل إيران كما وكانت لدورتين نائب في البرلمان وهي تتولى مسؤولية جمعية "نساء إيران " لا زالت هذه المرأة –الحديدية – تبكي كلما ذكر الإمام الخميني وتردد أن الأمانة ثقيلة جدا ...ثقيلة جدا ..